مجزرة التاسع والعشرين من رمضان: جريمة في حق الإنسانية

د. عبد الله عابدين

إن ما جرى في ميدان الاعتصام من مجزرة في الثالث من يونيو ٢٠١٩، الموافق للتاسع والعشرين من رمضان قد تم مع سبق الإصرار والترصد من قبل المجلس العسكري الانتقالي.

وقد رأينا جميعا كيف كان التمهيد لذلك بقطع الإنترنت، ونشر  أرتال مدججة من قواتهم في محيط ما أسموه بـ “بكولومبيا”، وما كولومبيا هذه، لدى التحقيق الأخير، إلا من صنعهم بدءا، ثم من تضخيمهم، وهي فوق ذلك كله من إفرازات النظام البائد، الذي لا يمثل مجلسه العسكري إلا امتدادا منهجيا وعضويا له.

أم ظنوا أن ألاعيبهم هذه تجوز على جماهير شعبنا وشباب ثورته السلميين البواسل؟!.

هكذا، إذن، أطلوا علينا بعد زياراتهم الماكوكية الى دول محور الشر الإقليمي وتزودوا بالعطايا والرشى، و”بالوصفات الناجعة”، وكيفية طبخها وإعدادها، ولكن غاب عن أخيلتهم المريضة أنه ليس المطبخ الصحيح: فالسودان ليس مصر، وميدان اعتصام ثوار السودان ليس رابعة!!

وهذا لا يعني أننا لا ندين مجزرة رابعة في مصر، بل إننا لندينها أشد الإدانة ولا نقبل بأي شكل كان أن تواجه الشعوب بآلة القمع، وأن يحرموا من حقوقهم الطبيعية في الحياة والحرية والعدالة والسلام، وكل ما يمثل ويمت بصلة للحياة الإنسانية الكريمة.

مجزرة التاسع والعشرين من رمضان تمثل عملا همجيا بكل ما تحمله هذه الكلمة من أبعاد، حيث اعتدت مجاميع إرهابية تؤمن فقط بالقوة العنيفة التي بين يديها على شباب الثورة العزل السلميين. وقد تمت المؤامرة بمباغتتهم في الصباح الباكر دون أي مراعاة لحرمة الشهر المبارك.. هكذا خاب توقيتهم، وخاب جمعهم الذي أعدوا بليل خيبة صدمت صورتها أعين كل العالمين وشهد عليها القاصي والداني.. فقد كان سبابهم المقذع وكلماتهم الآسفة على “ضياع إجازاتهم”، وكل صغيرة وكبيرة قالوا بها أو فعلوها حينها كانت تبث مباشرة على الملأ.

كأني بفلولهم وقد ساقهم الله من حيث لا يدرون إلى تكرار ما كانوا يفعلون في دارفور طوال السنين الماضيات بعيدا عن أعين الرقباء، ثم يعمدون إلى إنكاره جملة وتفصيلا..  وكأني بهم ولسان حالهم يردد ذات الشعار الدامي لفلول قوات النظام البائد الجهادية:

لغة الدما لغتي ** وليس سوى الدمى

أنا عن فنون القول ** أغلقت الفما.. !!

في ميدان الاعتصام.. رأينا وسمعنا العجب العجاب، دوي الدوشكا، وما الحاجة للدوشكا؟! لماذا أنتم مددججون بهذا الأسلحة الثقيلة؟!.. أهو الخوف القابع في دواخلكم من فرط ما ارتكبتم من جرائم، وما سفكتم من دماء للأبرياء في دارفور وفي جنوب كردفان؟! ألم تعلموا بأن العزل لا تفض تجمعاتهم بالذخيرة الحية تصوب إلى الصدور والرؤوس؟! وكيف تعلمون بذلك، وأنتم قوات ومنظمات إرهابية، ليس إلا؟!

ما هذه السادية وما هذا الحقد الدفين؟! ما هذا الإصرار على القتل الجماعي وضرب المسنين والنساء وأنصاف الموتى والجرحى وهم لا حول ولا قوة لهم؟!  ألا تدرون أنه حتى الحيوان يتوقف عن ضرب و تعذيب فريسته اذا علم أنها قد استسلمت له و لم تعد سوى “أسير” بين يديه؟!

أين الرجولة والنخوة وأنتم تطاردون الفتيات والنساء وتطلقون السباب عليهن بأقذع الأساليب، وتجبرونهن على قول “عسكرية” بدل مدنية؟! يحدث هذا وواحدتهن تجري إتقاء لشركم المستطيل، فلا تتركونها حتى تلحقوا بها أذى جسيما وعندكم من هذا الكثير الكثير!! هل تكملون نقصا في دواخلكم، أم على قلوب أقفالها؟!

بل لماذا أسألكم، حيث أنتم مجرد أدوات، “مأمورون”، كما يقال في هذه المواقف، درءا للمسؤولية عندما يأتي آتيها، وهو آت لا ريب؟! حقا لماذا أسأل المأمورين، والآمر هناك خلف نياشينه يقبع، وخلف ستراته يستكين، بلا ضمير يسأله، ولا وازع يزعه؟! .. أعني كبارهم في مجلس التسول الذين ما توانوا عن تدبيج الأكاذيب ونقض العهود والتراجع عن المواثيق، ثم في الختام، والعبرة بالخواتيم، بسفك دماء الأبرياء العزل والسلميين من شباب وشابات الثورة على قارعة عيد الفطر المبارك ليجعلوا تهننة السودانيين لبعضهم البعض في هذا العيد: عيد شهيد!!

ألا يعلم هؤلاء أنه يمكنهم القيام بواجباتهم في تأمين الوطن والمواطن، بدون أن يتربعوا على سدة الحكم، أليس هذا واجبهم الدستوري؟!.. أليست هذه عقيدتهم العسكرية؟! أم هي شهوة السلطة أمسكت بتلابيبهم، فاختنقوا بسمها الزعاف، وما كادوا يفلتون؟!

بيد أنني يجب أن أؤكد أنه لو كان جيشنا هو جيشنا، ولو أن أحراره كانوا يحكمون في قمة المؤسسة العسكرية، ولم “ينزع منهم السلاح”!! لما كان أمرنا بهذا الهوان، بل كنا سنبقى أعزة تحت راية جيشنا الباسل. وقد تبينت هذه الأزمة على لسان أحد الجنود عندما توسلته إحدى الثائرات على قارعة الهجوم الغاشم على ميدان الأحرار:

–    ألن تقوموا بحمايتنا، وقد أتى هؤلاء لقتلنا، وسفك دمائنا؟!

ولم تكد تكمل الثائرة توسلاتها بطلب الحماية، وهي حق أساسي للمدنيين في كل أنحاء العالم، حتى انهمر الرصاص الحي عليهم،  تصارخت الثائرة:

–    الجيش إنتهى، الجيش إنتهى!!..

وتبخر صوتها وسط زعيق الكلاش والدوشكا تطلق من قبل أرتالهم الغاشمة التي لم تزود بأبسط معرفة أو تدريب في كيفية التعامل مع مثل هذه المواقف الحساسة.. إذ ذاك ما فتئوا  يصولون و يجولون في الميدان وقد تعروا تماما وهم يظنون أنهم يعرون الآخرين: صناعة وهم لا ضريب لها في التاريخ القريب للإنسانية!!

هل يجب إيراد كل تفاصيل هذه التراجيديا هنا؟.. كلا، فهي مبذولة بالصوت والصورة على الوسائط الحديثة وعلى شاشات التلفاز، ومدبجة بالكلمات على ألسنة المراسلين والمدونين، وتعج بها التقارير الإخبارية، وقنوات اليوتيوب.. إذن، ما الذي نريد هنا؟

إنني من هذا الموقع أدعو إلى “ضرب الحديد وهو ساخن” بإطلاق مبادرة على وجه السرعة تعنى بإعداد ملف كامل ودقيق ومفصل بكل الوثاثق لتقديم كل من:

–    عبدالفتاح البرهان.

–    محمد حمدان دقلو.

–    شمس الدين كباشي.

ومن لف لفهم من أعضاء المجلس العسكري الانتقالي الى العدالة الدولية.  وذلك من خلال رفع قضية في محكمة الجنايات الدولية بلاهاي بتهمة ارتكاب جريمة في حق الإنسانية تتمثل في مجزرة التاسع عشر من رمضان في ميدان الاعتصام في القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة في الخرطوم.. هذا طبعا بالإضافة إلى مسؤوليتهم الجنائية في أحداث الثامن من رمضان وما أزهق فيها من أرواح.

أما ملفهم الأسود في دارفور وفي جبال النوبة وغيرها من أقاليم السودان ذات الصلة فيجب أن يكون الصورة المتقدمة لضلوعهم في سفك دماء السودانيين وفي محاولات الإبادة الجماعية لقطاعات واسعة منهم في تلك المناطق كما في غيرها.

ويجب في هذا الصدد الاتصال المكثف بأسر الضحايا من الشهداء والمصابين بغرض توثيق شهاداتهم وإفاداتهم حول ما جرى من مجازر، كما يجب أن يفتح الباب لكل من تعرض لتعذيب أو اغتصاب أو سوء معاملة بأي شكل من الأشكال ليدلي بإفادته لكي تكتمل الصورة ويتكامل الإطار.

 

 

الوسوماعتصام القيادة العامة المجلس العسكري الانتقالي ثورة ديسمبر مجزرة القيادة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: اعتصام القيادة العامة المجلس العسكري الانتقالي ثورة ديسمبر مجزرة القيادة

إقرأ أيضاً:

لامس مواطن عفـ تها.. طالبة عين شمس تكشف جريمة مسئول أمن بمترو الأنفاق

أحال المحامي العام الأول لنيابة غرب القاهرة الكلية، مسئول أمن بمحطة مترو الأنفاق الخط الثالث لمحكمة الجنايات، لاتهامه بالتحرش وهتك عرض طالبتين بجامعة عين شمس داخل المصعد الخاص بالمترو واستمعت النيابة إلى أقوال الضحية الأولى.

عاجل | إحالة مسئول أمن بمترو الأنفاق للجنايات هتك عرض طالبتين.. خاصإحالة مسئول شركة تطوير عقاري هتك عرض معلمة بالتجمع الخامس للجناياتاعترافات مثيرة أمام النيابة في هتك رجل عرض طليقته بالتجمعاعترافات سيدة للنيابة: طليقي هتك عرضى أمام طفلتنا |خاصتفاصيل هتك عرض فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة ..خاصإحالة سائق مدرسة خاصة للجنايات بتهمة هتك عرض طالبة قاصر.. خاصالنيابة العامة تكتشف متهمين جدد بواقعة هتك عرض بعض الأطفال بإحدى المدارس بالسلامبعد هتك عرض أطفال.. مدرسة سيدز من النيابة العامة لـ العسكرية| إيه الحكاية؟النيابة العسكرية تطلب ملف قضية هتك عرض أطــ.ـفال مدرسة سيدزتفاصيل معاقبة حارس عقار بالسجن 3 سنوات بتهمة هتك عرض طفلة

أقوال طالبة عين شمس الضحية الأولى 

شهدت الطالبة بأنها خلال استقلالها مصعد الهيئة العامة لمترو الانفاق و خلال تواجد المتهم وقتئذ بالمصعد  دنا بالقرب منها وباغتها من الخلف ملامسا موطن عفتها من أسفل قاصداً من ذلك هتك عرضها. 

نص أمر الإحــــالة 

جاء بأمر الإحالة أن المتهم  هتك عرض المجني عليهما  بالقوة - إبان استقلالهما للمصعد الخاص بالشركة المصرية لإدارة وتشغيل مترو الانفاق، حيث دنا بالقرب منهما وباغتهما باستطالة يده موطن عفتهما من الأسفل ملقياً الرعب في نفسيتهما.

عقوبة الخطف

تقر المادة (289) من قانون العقوبات بالسجن لمدة تصل إلى عشر سنوات لكل من خطف من غير تحيل ولا إكراه طفلاً. فإذا كان الخطف مصحوباً بطلب فدية فتكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 15 سنة ولا تزيد على 20 سنة. ويحكم على فاعل جناية الخطف بالإعدام أو السجن المؤبد إذا اقترنت بها جريمة مواقعة المخطوف أو هتك عرضه.

بينما تنص المادة (290) من قانون العقوبات على أن "كل من خطف بالتحيل أو الإكراه شخصاً، يعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن 10 سنوات.. فإذا كان الخطف مصحوباً بطلب فدية تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 15 سنة ولا تزيد على 20 سنة.. أما إذا كان المخطوف طفلاً أو أنثى، فتكون العقوبة السجن المؤبد.. ويحكم على فاعل جناية الخطف بالإعدام إذا اقترنت بها جناية مواقعة المخطوف أو هتك عرضه".

وتنص المادة ٢٣٦ من قانون العقوبات على أن كل من جرح أو ضرب أحدا عمدا أو إعطاء مواد ضارة ولم يقصد من ذلك قتلا ولكنه أفضى إلى الموت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن من ثلاث سنوات إلى سبع، وأما إذا سبق ذلك إصرار أو ترصد فتكون العقوبة السجن المشدد أو السجن، وهذه العقوبة تنطبق أيضا على الجرائم التي تنتهك بحق الأطفال.

كما نصت المادة ٢٤٠ أيضًا من قانون العقوبات لجريمة الجرح أو الضرب المفضي إلى عاهة مستديمة، على عقوبة السجن من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات، وتشدد العقوبة في حالة ما إذا كانت الجريمة مقترنة بسبق الإصرار أو الترصد، فتكون السجن المشدد من ثلاث سنين إلى عشر سنين.

طباعة شارك هتك عرض مترو الأنفاق مسئول الأمن بمترو الانفاق هتك عرض فتاة بمترو الأنفاق هتك عرض طالبة بمترو الأنفاق

مقالات مشابهة

  • توصيات مؤتمر إعلام  CIC التاسع لرسم خارطة طريق لمستقبل "الإعلام الغامر"
  • نظر محاكمة 65 متهما بقضية الهيكل الإدارى غدا
  • مسلحون يقتلون والد ضحايا مجزرة البو دور في صلاح الدين
  • مهرجان أبوظبي يُعلن البرنامج الرئيسي لدورته الثالثة والعشرين
  • لامس مواطن عفـ تها.. طالبة عين شمس تكشف جريمة مسئول أمن بمترو الأنفاق
  • اليوم.. انطلاق منافسات الأسبوع التاسع من موسم سباقات الرياض
  • تلغراف: هل يتحرك الغرب ضد الإمارات بعد مجزرة الفاشر؟
  • النهضة النسائية تنظم العرس الجماعي التاسع لعام 2025
  • صناعة وطن.. طباعة مسار (١)
  • الذكاء الاصطناعي.. النفط الجديد في القرن الحادي والعشرين