لماذا اعترفت سلوفينيا بفلسطين بعد طول تردد ؟
تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT
معروف عنا نحن أبناء سلوفينيا أننا قوم مجدون في العمل، نتسم بالأناقة، لكننا في الجوهر ضعاف الشخصية، وأن أحب ما ننفق فيه وقت فراغنا هو قمع إخواننا في الوطن، وجيراننا بصفة خاصة، وأمثالنا وزملائنا في العمل، فننزلهم منازلهم، ونجعلها دائمًا أدنى من منازلنا.
على أننا نلزم الصمت عندما يتحتم الجهر بالحقيقة في وجه السلطة.
أتراني لفتُ انتباهكم؟ أمر مؤسف إن صدق. أعترف أنني استدرجتكم إلى شرك صورة نمطية ذاتية، وأعني بها ما يعتقده المرء عن جماعته السياسية أو الاجتماعية. ولعلكم لاحظتم أن صورتي النمطية الذاتية تنطوي على إدانة مجيدة للذات، ولعلكم تفهمون أصلا أن الصور النمطية الذاتية وغير الذاتية لا ينبغي تصديقها أو ترسيخها.
لكن، ماذا لو أن صورة السلوفينيين النمطية الذاتية ليست خاطئة كل الخطأ؟ ماذا لو أنها سردية شأن أي سردية، أي كذبة كبيرة قائمة حول حقيقة ضئيلة؟
تسيطر عليّ هذه الأسئلة منذ الثاني والعشرين من مارس عندما قام رئيس وزرائنا روبرت جولوب بالتوقيع مع نظرائه من أيرلندا ومالطا وأسبانيا على بيان اعتراف بفلسطين. في الوقت الذي أقرت فيه الحكومة السلوفينية الأسبوع الماضي الاعتراف بفلسطين ليعرض للاقتراع في الجمعية الوطنية في الرابع من يونيو، لا يجدر بي حقا أن أستمر في قلقي من نزاهة الحكومة، فهي تقوم بأداء واجبها.
تحظى الحكومة بأغلبية برلمانية، ولذلك فإن لنا أن نتوقع -برغم شيء من المعارضة اليمينية- أن سلوفينيا عما قريب سوف تعترف بوجود فلسطين. ولكن الطريق إلى هذا كان طويلًا وكثير الالتفافات. ولم يزل يخلف بعض المرارة.
في مايو قالت وزيرة الخارجية السلوفينية تانيا فاجون في حوار تليفزيوني بعد زيارة إلى إسرائيل والضفة الغربية: إن «الوقت الأمثل للاعتراف بفلسطين هو المستقبل القريب للغاية». وكانت أيام كثيرة قد مضت بين الثاني والعشرين من مارس وهذا الحوار، فكان لزامًا أن يتساءل المرء عما كان يعنيه «المستقبل القريب للغاية». وفي عرف المنطق الوزاري السلوفيني فإنه يعني مدى أسابيع عديدة.
في التاسع من مايو، وهو اليوم السادس عشر بعد المائتين من حرب إسرائيل على غزة، ورد خبر بأن حكومة جولوب تشرع في إجراءات الاعتراف بفلسطين دولة مستقلة ذات سيادة. غير أن القرار الذي تبنته الحكومة يتضمن مجموعة شروط.
فلا بد من إحراز تقدم في ما يتعلق بوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن. ولو تحقق هذان الشرطان تمضي الحكومة بمقترح الاعتراف بفلسطين إلى الجمعية الوطنية في موعد غايته الثالث عشر من يونيو.
ولذلك بدا في التاسع من مايو أنه تقرر أن سلوفينيا سوف تنتظر إلى أن تقرر قرارًا بشأن هذه المسألة المرهقة بعد الانتخابات الأوروبية. شيء ما، شيء ما تقرر! وذلك ما قرأته، وهو لا يعدو (شيء ما، شيء ما). ففرض شروط على كيفية مضي إبادة جماعية لا يمثل أي شيء في الحقيقة.
في السابع عشر من مايو تحدث روبرت جولوب عن حرب غزة في (سي إن إن) وأوضح أنه دعا -في رسالة- قادة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى الانضمام إلى «الجهود السلوفينية» للاعتراف بفلسطين. ترى هل ينبغي أن أصف لك حالي وأنا أحملق في الشاشة، وارتباكي، وتساؤلي عما لو أن رئيس وزرائنا يفهم أن كل ما يمكن أن تفعله سلوفينيا هو أن تكون مثالًا يحتذى إذ تعترف فعليًا بفلسطين؟
تراني أيضًا يجب أن أوضح كيف أنه على مدار هذا الوقت ازدادت صعوبة أن نأخذ الحكومة السلوفينية مأخذ الجد؟ يبدو لي أن «المستقبل القريب للغاية» الذي تكلمت عنه وزيرة الخارجية لم يتحقق إلا فور أن بات معروفا أن أسبانيا والنرويج وأيرلندا سوف تعترف بفلسطين في الثامن والعشرين من مايو. ولا بد أن هذا، من بعيد، يا عزيزتي وزيرة الخارجية، يمكن تفسيره باعتباره النقيض للتجاسر وضرب المثل للبلاد الأخرى.
لا يجب علي أن أوضح هذا كله؛ لأنكم تفهمون مقصدي. خير لي أن أشدد على أنه بحلول الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة أنها تعتزم في الثلاثين من مايو التقدم بمقترح الاعتراف بفلسطين رسميًا إلى الجمعية الوطنية -بدافع في ما يبدو من الغضب من مذبحة رفح- كانت منظمات المجتمع المدني السلوفينية قد خرجت بالفعل إلى الشوارع مطالبة بوقف إطلاق النار والاعتراف بفلسطين.
وقع أكثر من ثلاثمائة وخمسين مثقفا سلوفينيا على بيان يحتوي المطالب نفسها. واحتل طلاب كلية العلوم الاجتماعية بجامعة ليوبليانا الكلية وطالبوا قيادتها بالقبول بأن إسرائيل «ترتكب إبادة جماعية في غزة».
غمر الناس حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي بالأخبار المتعلقة بغزة، وحثوا الحكومة السلوفينية على القيام بشيء حيال ذلك حتى لا تتحول سلوفينيا إلى ألمانيا. وأظهروا تضامنهم وإنسانيتهم في كل يوم. وأظهروا فهمهم العميق لحقيقة أن المستقبل القريب للغاية قد مر عدة مرات في تاريخ سلوفينيا المستقلة.
لعلكم الآن تكونون قد أدركتم أن الصورة النمطية الذاتية السلوفينية التي قدمتها لكم في البداية لم تكن أكثر من حيلة مثيرة رخيصة. كنت بحاجة إلى اجتذابكم إلى مقالتي، وإلى أن تتعرفوا على الإحباط الذي شعر به بعض المواطنين السلوفينيين بعد أن أدركوا، مرة أخرى، أن الأشخاص الضعفاء من أصحاب الحسابات ليسوا الشعب، بل هم أهل السلطة التي تحكم الشعب.
وإثبات عكس ذلك كان يستوجب من الحكومة اتخاذ إجراء فوري، قرار فوري باقتراح الاعتراف بفلسطين على الجمعية الوطنية- قبل الثاني والعشرين من مارس أو أي تاريخ عشوائي آخر.
وفي نظري أن التأخر الشديد في تنفيذ ذلك، وبعد هذه العملية المتشابكة، أشبه باعتراف صامت من الحكومة بأنها تفتقر إلى أي فكرة عن سبب وجود سلوفينيا المستقلة ذات السيادة. وفي نظري -وأعتقد بقوة أنني لست الوحيدة في ذلك- أن الاستقلال والسيادة يبهتان مع كل مرة يتم فيها تأجيل قرار أخلاقي أو حجبه بمجموعة من الشروط.
نعم، يا حكومتي السلوفينية العزيزة، ما تفعلينه هو الصواب، ولكن لا يزال يتعين عليك إثبات أنك تفعلينه عن قصد. وأنك كنت تقصدينه طوال الوقت. أو على الأقل منذ الثاني والعشرين من مارس، عندما بدأت تظهر لمحات أخلاقية محتملة في سياستك الخارجية.
آنا شنابل روائية ومحررة وناقدة سلوفينية
عن الجارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاعتراف بفلسطین الجمعیة الوطنیة من مایو شیء ما
إقرأ أيضاً:
وسائل الإعلام السلوفينية: زيارة الرئيس تبون تكتسي أهمية استراتيجية
أبرزت وسائل الإعلام السلوفينية، “الأهمية الاستراتيجية” التي تكتسيها زيارة الدولة التي يقوم بها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إلى هذا البلد الصديق. بدعوة من نظيرته السلوفينية، ناتاشا بيرتس موسار.
وبهذا الصدد، أعد الموقع الرسمي لإذاعة وتلفزيون سلوفينيا “أر. تي. في. سلو” ملفا متكاملا بذات المناسبة. استعرض من خلاله الأبعاد السياسية والاقتصادية والثقافية لهذه الزيارة الهامة.
وفي مقال خصصه للعقد الموقع بين شركتي “سوناطراك” و”جيوبلين” السلوفينية، الخاص بتمديد عقد توريد الغاز الطبيعي. نوه الموقع بالآثار الإيجابية لهذا الاتفاق الذي “سيلبي احتياجات سلوفينيا المتزايدة من الطاقة”. مؤكدا أنه “من خلال تمديد العقد، نجحت سلوفينيا في ضمان إمدادات الغاز دون انقطاع في السنوات المقبلة”.
ونقل الموقع بيانا أصدرته الشركة السلوفينية “جيوبلين” بذات المناسبة، أكدت فيه أنه “بموجب هذا العقد. تعزز الشركتان جيوبلين وسوناطراك علاقاتهما في مجال الطاقة وتؤكدان رغبتهما في البحث عن فرص شراكة جديدة في المستقبل”. مضيفا أن هذا العقد “مهم بالنسبة لسوناطراك التي ستعزز حضورها في سوق الطاقة السلوفينية وتستجيب في الوقت نفسه للطلب المتزايد على الغاز الطبيعي في السوق الأوروبية”.
كما نقل الموقع أيضا التصريح الذي أدلى به الوزير الأول السلوفيني. روبرت غولوب، عقب مراسم التوقيع على عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين البلدين. والذي أكد فيه أن هذا الاتفاق “يفتح فرصا عديدة لتعزيز التعاون أكثر”.
وأضاف أن البلدين اتفقا بمناسبة زيارة رئيس الجمهورية،على “العمل على تعميق التعاون في عدة مجالات. مثل التعليم والبحث والموارد المائية. إلى جانب تكنولوجيا الفضاء والبنية التحتية والبيئة”.
ومن جهة أخرى، تطرق موقع “أر. تي. في. سلو” إلى قضايا السياسة الخارجية، منوها بتطابق وجهات النظر بين البلدين حول أبرز القضايا ذات الاهتمام المشترك. كما أشاد بتعاون البلدين على مستوى مجلس الأمن. انطلاقا من كونهما عضوين غير دائمين به.
وبشأن التعاون الشرطي بين البلدين،نقل الموقع تصريحات الوزير الأول السلوفيني الذي اعتبر أن الاتفاقية الموقعة بين البلدين بهذا الخصوص. “يمكن أن تكون بمثابة نموذج لدول أوروبية أخرى حول كيفية التعامل مع قضية مهمة مثل الهجرة غير الشرعية. في البحر الأبيض المتوسط”.
وبشأن مذكرة التعاون الموقعة بين مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري ووكالة تطوير الأعمال السلوفينية “سبيريت”. بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي. نشر الموقع تصريحات مديرة هذه الوكالة، تامارا زاجيك بالازيتش. التي أعربت عن قناعتها بأن “الشراكة بين الوكالتين. ستعمل على تنمية التجارة وربط الشركات الرئيسية بين البلدين”.
بدورها، سلطت صحيفة “فيشر” التي تعد أقدم يومية سلوفينية، الضوء على “الأهمية الاستراتيجية”. التي تكتسيها زيارة رئيس الجمهورية إلى هذا البلد “.برفقة وفد كبير من رجال الأعمال، يضم أزيد من 70 عضوا”.
وبعنوان “سلوفينيا والجزائر تواصلان تحالفهما في مجال الغاز”، استعرضت الصحفية في مقال مطول الآفاق الواسعة التي يفتحها تمديد عقد توريد الغاز بين البلدين. كما تطرقت بالتفصيل إلى المسائل التقنية المتعلقة بهذا الاتفاق وآثاره المباشرة على تطوير الصناعات في هذا البلد.كما تحدثت أيضا عن أهمية الغاز الطبيعي الجزائري بالنسبة لسلوفينيا والاتحاد الأوروبي. و”دوره المستقبلي في تأمين حاجيات دول القارة من الطاقة”. مع إبراز “آفاق التعاون بين البلدين في مجلس الأمن الدولي”،من جهة أخرى.
أما وكالة الأنباء السلوفينية، فقد أبرزت أهم نقاط التوافق التي ركز عليها الرئيسان، عبد المجيد تبون. وناتاشا بيرتس موسار، بمناسبة هذه الزيارة، وفي مقدمتها ضرورة تعزيز التعاون في شتى المجالات. على غرار الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والشرطة، وكذا الزراعة وتكنولوجيا الإعلام والاتصال وتكنولوجيا التحكم في المياه وتكنولوجيا الفضاء.