قوات الدعم السريع تعلن التوغل في الفاشر... ومستشفى المدينة يتوقف
تاريخ النشر: 10th, June 2024 GMT
في الوقت الذي أعلنت فيه «قوات الدعم السريع» السودانية، عن توغلها في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (غرب البلاد)، أفاد ناطق باسم الجيش السوداني بأن قواته والقوة المشتركة دحرتا الهجوم.
وتحاصر «الدعم السريع» الفاشر في مسعى للسيطرة عليها بعد أن أحكمت قبضتها على 4 من أصل 5 ولايات في إقليم دارفور.
وبموازاة اشتداد المعارك حول المدينة، قالت «منظمة أطباء بلا حدود» (الأحد) إن المستشفى الرئيسي في الفاشر الذي تدعمه تعرض للهجوم، وخرج عن الخدمة.
وأعلن مكتب المتحدث الرسمي للجيش السوداني، نبيل عبد الله (الأحد) أن قواته والقوة المشتركة (الداعمة له) دحرتا هجوماً لـ«قوات الدعم السريع» التي يقودها محمد حمدان دقلو (الشهير بحميدتي)، على الفاشر، وكبّدتاها «خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، وتسلمتا مركبات قتالية».
وقال حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، الذي تحارب قواته دعماً للجيش (الأحد) إن الفاشر «لن تسقط في أيدي (الدعم السريع) التي تسعى للسيطرة على المدينة».
وفي بيان على «فيسبوك»، وجّه مناوي التحية إلى القوات التي تدافع عن المدينة، وقال: «أطمئن الشعب السوداني، وشعب دارفور بصورة خاصة، أنه ما دام هؤلاء الشباب يدافعون عن الفاشر، فلن تسقط حتى لو تحالفت كل الدول، بل ستكون مقبرة لهم في القريب العاجل».
وكان مناوي قد اتهم في مؤتمر صحافي، السبت، عقده بمدينة بورتسودان شرق البلاد، «الدعم السريع» بأنها تسعى لإسقاط الفاشر لصالح دولة لم يسمّها، تعهدت، وفق قوله، بأن «تواجه أي مقاومة بعد الاستيلاء على المدينة»، وعدّ مناوي أن «ما يجري في الفاشر محاولة للتطهير العرقي والإبادة الجماعية للمواطنين، وليس حرباً».
بدورها، قالت «كتلة النازحين واللاجئين» بدارفور، إن مجموعة من «الدعم السريع» مدججة بالسلاح اعتدت بالأسلحة الثقيلة والخفيفة على المستشفى، ما أدى إلى إصابات متفاوتة وسط المرضى والكوادر الطبية. ووفق مصادر محلية، فقد «تسللت قوة من (الدعم السريع)، واقتحمت المستشفى الجنوبي وسط الفاشر، واعتدت على المرضى والكوادر الطبية».
ويعد ذلك «أول تقدم كبير» تحققه «الدعم» منذ اندلاع القتال في الفاشر، الذي دخل شهره الثاني دون توقف، وبالتالي يهدد بالوصول إلى الفرقة العسكرية التابعة للجيش السوداني. ونشر نشطاء على منصات التواصل صوراً من داخل المستشفى الجنوبي، وهو الوحيد الذي كان لا يزال يعمل في المدينة، ويظهر فيها تناثر الدماء بممراته. مستشفى مدينة الفاشر بعد هجوم لـ«قوات الدعم السريع» (نشطاء سودانيون على «فيسبوك») ووفق مصادر طبية ونشطاء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فإن «المستشفى خرج كلياً عن الخدمة بعد الهجوم».
ونشرت منصات محسوبة على «الدعم السريع» أن قواتها تتقدم في الفاشر، وتقترب من «الفرقة السادسة مشاة» التابعة للجيش. غارة أم درمان في غضون ذلك، اتهمت «الدعم السريع» في بيان (الأحد) على منصة «إكس» الطيران التابع للجيش السوداني بتنفيذ غارة في العاصمة الخرطوم أسفرت، وفق «الدعم»، عن «مقتل أكثر من 50 مدنياً».
وقال البيان إن الطيران التابع للجيش «قصف بالبراميل المتفجرة سوق (قندهار) بمدينة أم درمان، التي تعد واحدة من كبرى مدن العاصمة الخرطوم، وأدى إلى مقتل أكثر من 50 مدنياً، وجرح العشرات، وأن غالبية الضحايا من النساء بائعات الأطعمة». كما اتهمت «الدعم» الجيش بشن غارات مماثلة على بلدة الكومة في شمال دارفور، أسفرت عن مقتل وإصابة عدد من المدنيين، وعبّر «المرصد الوطني لحقوق الإنسان» في السودان عن «حزنه الشديد» إزاء الغارات الجوية التي نفذتها مقاتلات الجيش في محلية الكومة.
وقال «المرصد» في بيان إن «المعلومات الأولية تشير إلى استهداف المدنيين بالبراميل المتفجرة التي تسببت في سقوط العشرات من الضحايا المواطنين»
المصدر: مأرب برس
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: الفاشر تحتضر ..!
تعيش مدينة الفاشر تحت حصار خانق تفرضه ميليشيا الدعم السريع منذ أكثر من عام، في ظل انهيار تام في الخدمات، وظلال مجاعة باتت تُخيّم على سكانها الذين يتجاوز عددهم مئات الآلاف. ورغم هذه الكارثة الإنسانية، لم يتخذ مجلس الأمن الدولي خطوات عملية ترتقي إلى حجم المأساة.
في يونيو 2024، تبنّى المجلس قراره رقم 2736، الذي طالب بوقف الحصار فورًا، وخفض التصعيد في الفاشر ومحيطها، وضمان حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. إلا أن هذا القرار بقي حبراً على ورق، بلا أدوات تنفيذية، بينما تتدهور الأوضاع المعيشية في المدينة بوتيرة متسارعة.
وقد أكد الخبير الأممي المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان، رضوان نويصر، أمس أن أولويات عمله تتركز في أربعة ملفات أساسية: حماية المدنيين، تسهيل وصول المساعدات، المساءلة، وعدم الإفلات من العقاب، إضافة إلى ضمان حرية عمل المنظمات الإنسانية والحقوقية. وفي لقاء محدود مع الصحفيين،عبّر عن قلقه من استمرار التدهور، مشيرًا إلى غياب أي تطورات ملموسة على الأرض.
في المقابل، صدرت تصريحات متباينة من الحكومة. ففي مؤتمر صحفي بمدينة بورتسودان في يوليو 2025، أعلنت الحكومة السودانية أن رؤيتها الإنسانية تقوم على مبدأ تقديم الدعم للجميع دون تمييز ديني أو عرقي أو جهوي. كما أكدت فتح المعابر والمسارات والمطارات، بما في ذلك المنافذ الخارجة عن سيطرتها – مثل معبر أدري الحدودي مع تشاد – لاستقبال المساعدات، وتم تمديد فتحه لثلاثة أشهر إضافية. وجاء ذلك بالتزامن مع إعلان رسمي بقبول هدنة إنسانية في الفاشر، استجابة لمقترح من الأمم المتحدة لتأمين وصول المساعدات إلى السكان المحاصرين.
من جانبه، أوضح الفريق الركن الصادق إسماعيل، مستشار مجلس السيادة للشؤون الإنسانية، أن ولايتي شمال دارفور وجنوب كردفان من أكثر المناطق تضررًا واحتياجًا، داعيًا المنظمات إلى تكثيف جهودها بعد فتح المسارات. كما أعلنت الحكومة تشكيل لجنة طوارئ وطنية لدعم مفوضية العون الإنساني.
أما المفوضة سلوى آدم بنية فكشفت عن كارثية موجات النزوح الأخيرة، مشيرة إلى فرار نحو 1.3 مليون شخص من مناطق القتال، بينهم أكثر من نصف مليون من مخيم زمزم إلى الفاشر، وعشرات الآلاف من أبو شوك وطويلة إلى داخل الأراضي التشادية.
ورغم هذه الخطوات الرسمية، تبقى الاستجابة على الأرض دون المستوى المطلوب. فلم يُسجّل أي تحرك عسكري فعّال لفك الحصار أو تأمين خطوط الإمداد نحو الفاشر. والجيش السوداني، رغم امتلاكه القدرات البشرية واللوجستية، لم يطلق حتى الآن أي عملية باتجاه المدينة.. علماً بأن آلاف المقاتلين من القوات المشتركة “حركات سلام جوبا” متواجدون في الخرطوم ، بحسب تقرير لقناة “العربية”. ويرى مراقبون أن الحصار كان من الممكن فكّه سريعًا، لو تحركت هذه القوات المجهّزة لجبهة القتال كما حدث في معارك سابقة أثبتت فيها قدرتها على تفكيك تمركزات الميليشيات.
وما يعمّق المأساة أن الفاشر أصبحت على حافة مجاعة حقيقية. وفقًا لتقارير الأمم المتحدة بتاريخ 8 يوليو 2025، فإن 38% من الأطفال دون سن الخامسة في المدينة يعانون من سوء تغذية حاد، بينما يعاني 11% منهم من حالات حرجة تهدد حياتهم. وقد وصف والي شمال دارفور، الحافظ بخيت، الأوضاع بأنها “لا تُطاق”، موضحًا أن السكان يعتمدون على “الأمباز” – بقايا الفول السوداني المخصص عادةً لعلف الحيوانات – كغذاء رئيسي، في ظل غياب تام للسلع الأساسية، حيث تجاوز سعر ربع جوال الدخن نصف مليون جنيه سوداني.
وفي تطور لافت، أعلن مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور، استعداده للانفتاح على تحالف “صمود”، بل وحتى مع ميليشيا الدعم السريع إذا أبدت التزامًا إيجابيًا، قائلاً: “الجميع سودانيون ويجب أن نتحرك معًا نحو السلام”. وهو خطاب يعكس مرونة تكتيكية وربما سعيًا لبناء تفاهمات جديدة لتخفيف التوتر على الأرض، رغم الانتهاكات الجسيمة التي ما تزال ترتكبها الميليشيا في الفاشر، حسب تقارير محلية ودولية موثقة.
لذلك على المجتمع الدولي، وفي مقدمته مجلس الأمن، أن يتحمل مسؤوليته في تحويل قراراته إلى أدوات تنفيذية فعالة، تتضمن الضغط الجاد على ميليشيا الدعم السريع، وتفعيل آليات الإسقاط الجوي العاجل للمساعدات، وفرض وقف إطلاق النار الإنساني الذي وافقت عليه الحكومة السودانية.
كما أن على الحكومة السودانية أن تتحمل مسؤولياتها كاملة، بتحريك قواتها نحو الفاشر، وتأمين الطرق والمطار، وفرض واقع ميداني جديد يُنهي الحصار.
فما يحدث في الفاشر ليس مجرد أزمة إنسانية، بل اختبار حقيقي لقدرة الدولة السودانية على حماية مواطنيها، واختبار لمدى جدية المجتمع الدولي في الوقوف إلى جانب المدنيين في مناطق النزاع.
بحسب ما نراه من#وجه_الحقيقة لقد تجاوزت المأساة حدود الاحتمال، وبات الصمت شكلًا من أشكال التواطؤ. وإذا لم تُتخذ خطوات حقيقية خلال الأيام القادمة، فقد تسقط الفاشر ليس فقط تحت الحصار، بل في ذاكرة العالم كنقطة سوداء على جبين الإنسانية.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الأربعاء 30 يوليو 2025م [email protected]