فى بدايات حرب الإبادة الإسرائيلية على الغزاويين، كنت قد أشرت فى هذا المكان إلى أن هذه الحرب إذا كانت خطرة.. وهى خطرة منذ لحظتها الأولى.. فالأخطر منها هو ما يمكن أن يكون بعدها فى أنحاء العالم.. وعندما وقع حادث الهجوم على السفارة الأمريكية فى بيروت ٥ من هذا الشهر، تذكرت ما كنت قد أشرت إليه.
فالرجل الذى هاجم مبنى السفارة بالسلاح اسمه قيس الخراج، وهو يحمل الجنسية السورية، وقد خضع لتحقيقات بعد إلقاء القبض عليه فى مكان الحادث.
ومما قيل عنه أيضًا إنه صاح فى أثناء الهجوم وقال «النصر لغزة» وأنه كتب على سلاحه وثيابه عددًا من التعبيرات منها «الدولة الإسلامية» فى اشارة إلى تنظيم داعش الذى كان يقول عن نفسه إنه تنظيم الدولة الإسلامية فى أرض سوريا والعراق.
والمعنى أن هذا شاب لا علاقة له بأى تنظيم، ولم يتوجه إلى مبنى السفارة بأمر من أى جهة، ولكنه توجه من تلقاء نفسه، وتحرك بوازع من ذاته، وبإحساس فى داخله بأن الظلم هو عنوان الحرب الإسرائيلية على غزة، وأن كل انسان حُر مدعو إلى أن يقف ضد هذا الظلم بما يستطيعه.
ورغم أن تعبير «الذئاب المنفردة» كان قد شاع فى فترة من الفترات، ورغم أنه كان قد اختفى أو كاد، إلا أن واقعة قيس الخراج تعيد هذا التعبير إلى الواجهة من جديد، وتقول إن فى أنحاء العالم كثيرين يشعرون بينهم وبين أنفسهم بأن الظلم الفادح هواء يتنفسه كل فلسطينى فى العموم، وكل فلسطينى غزاوى فى الخصوص، وأن أصحاب الضمائر الحُرة مدعوون إلى الانتصار لهؤلاء الذين طحنتهم الحرب فى غزة.
هذا هو وجه الخطورة الحقيقى الذى لم ينتبه له العالم، وهو يقف متفرجًا أو كالمتفرج على مقتلة غزة، فمثل قيس الخراج ليس فى حاجة إلى تنظيم يوجهه، وإنما هو فى حاجة إلى ضمير حى فى داخله، وما بعد ذلك نعرفه ونستطيع أن نتوقعه.
ما أتعس هذا العالم وهو يجد نفسه فى مرحلة ما بعد الحرب أسيرًا فى قبضة الذئاب المنفردة، التى لا يستطيع أحد تخمين مكانها، ولا التنبؤ بتوقيت حركتها.. فهى تتحرك فرادى، ولا صلة بين ذئب فيها وذئب آخر، لأن كل واحد منها يتصرف من تلقاء نفسه، وبوحى من إحساس انسانى فى أعماقه، وبإلحاح من شعور بالمسئولية الإنسانية يظل يضغط عليه.
لا تزال أمام العالم فرصة لكبح جماح اسرائيل، ولا تزال أمامه فرصة لمحاسبة الذى أجرموا فى هذه الحرب من ساستها وقادتها، وإلا، فالعالم نفسه سيكون على موعد مع ذئاب منفردة لا عدد لها ولا حصر.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: خط أحمر سليمان جودة حرب الإبادة الإسرائيلية الهجوم على السفارة
إقرأ أيضاً:
على حافة الهاوية: حرب الهند وباكستان.. نارٌ تحت رماد كشمير
يقف العالم باسره يشاهد الصراعات إقليميًا ودوليًا، تهديدات هنا وهناك، وحروب ودمار وأشلاء.. الموت من كل جانب، أصوات الجرحى والنائحات لا يكاد يصمت، ضجيج لا يقف لا يعطي فرصة للروح أن تاخذ هدأة، فلسطين الحرب الاوكارنية الروسية، الصراعات النووية قيد الانتظار والتفعيل في أيَّة لحظة. فقط لا ينقطع هذا الضجيج، سوى ببيان أو اعتراض أو شجب أممي، حيث تقف الدبلوماسيات عاجزة أمام مشهد تحكمه الرصاصة والبطل فيه مفقود، والضحية إنسان.
في الساعات الأولى من فجر اليوم الأربعاء بدا مشهد جديد، حيث دوّى خبر عاجل هزّ أرجاء العالم: الهند توجه ضربة عسكرية عميقة داخل الأراضي الباكستانية. وبينما بدأ الدخان يتصاعد فوق جبال كشمير المتنازع عليها، تسارعت المخاوف من أن تنزلق القوتان النوويتان في جنوب آسيا إلى مواجهة شاملة، قد تهزّ استقرار العالم بأسره.
لكن هذه الحرب، إن اندلعت، ليست وليدة اليوم. إنها نتيجة عقود طويلة من الدماء والدموع، والحدود المرسومة بالنار، والمصالح المتقاطعة، وجذورها تعود إلى لحظة الولادة العنيفة للهند وباكستان عام 1947.
كشمير.. شرارة لا تنطفئمنذ رسم خط رادكليف الحدودي إثر تقسيم الهند البريطانية، ظلت كشمير الجرح المفتوح بين الجارتين. ثلاث حروب كبرى، وعدد لا يحصى من المناوشات، كلها نشبت بسبب هذه البقعة الجبلية الساحرة التي تطل من أعالي الهيمالايا كأنها تنظر للعالم بحزن.
رغم أن الهند تسيطر على ثلثي ولاية جامو وكشمير، تطالب باكستان بإقليم كامل، مستندة إلى أغلبيته المسلمة. بينما ترى الهند أن كشمير جزء لا يتجزأ من سيادتها الوطنية.
في عام 2019، زاد التوتر حين ألغت حكومة ناريندرا مودي الوضع الخاص لكشمير، وأحكمت قبضتها العسكرية عليها، مما فجّر موجة احتجاجات عنيفة، وردود فعل غاضبة في إسلام آباد.
اليوم، بعد الهجوم الأخير، تعود كشمير إلى الواجهة، كميدان معركة وكسبب وجودي للخلاف.
ميزان القوة: من يتفوق؟حسب تقارير "التوازن العسكري"، تتفوق الهند بوضوح في القوة التقليدية:
ميزانية الدفاع الهندية: تعادل تسعة أضعاف الميزانية الباكستانية.
الجيش الهندي: 1.5 مليون جندي مقابل 660 ألفًا في باكستان.
القوة البرية: الهند تمتلك 3750 دبابة وأكثر من 10 آلاف قطعة مدفعية، بينما لا تمتلك باكستان سوى ثلثي هذه القوة.
البحرية الهندية: تملك حاملتي طائرات و16 غواصة هجومية، في مقابل أسطول أصغر وأكثر تواضعًا لدى باكستان.
القوة الجوية: تتقدم الهند بطائرات رافال وسوخوي، بينما تعتمد باكستان على JF-17 وJ-10 وعدد محدود من إف-16.
لكن التفوق الهندي في الأسلحة التقليدية يقابله توازن نووي هش: الهند تملك 180 رأسًا نوويًا، وباكستان 170 رأسًا. كلا البلدين قادران على إحداث دمار شامل في حال اندلاع مواجهة نووية.
ويحذر المحللون: "أي تصعيد غير محسوب قد يحول جنوب آسيا إلى جحيم نووي لا ينجو منه أحد."
العلاقات المتوترة: محطات على طريق النارالعلاقة بين الهند وباكستان أشبه بـ "رقصة فوق الجمر":
1947: تقسيم الهند وحرب كشمير الأولى.
1965: حرب كشمير الثانية.
1971: حرب أدت لانفصال شرق باكستان (بنغلاديش).
1998: التجارب النووية لكلا البلدين.
1999: حرب كارجيل في قمم جبال الهيمالايا.
2001: كادت الحرب تندلع إثر هجوم البرلمان الهندي.
2008: هجمات مومباي تفجّر محادثات السلام.
2019: إلغاء الوضع الخاص لكشمير، وتجميد العلاقات.
ورغم محاولات متكررة لرأب الصدع، من قمة شيملا إلى قمة لاهور، ومن حافلة دلهي-لاهور إلى زيارة مودي المفاجئة إلى باكستان عام 2015، كانت كل بادرة سلام تتحطم على صخرة الشكوك، والإرهاب، وصراع الهويات.
مخاوف عالمية: هل تشتعل الشرارة الأخيرة؟العالم يراقب الآن بقلق بالغ. فالهند وباكستان لا تمثلان قوتين إقليميتين فحسب، بل قوتين نوويتين في منطقة مأهولة تضم أكثر من مليار ونصف نسمة.
يرى الخبراء أن كشمير ستبقى حجر عثرة أمام السلام ما لم يُفتح حوار حقيقي يتجاوز الحسابات العسكرية والسياسية إلى معالجة جذور المظالم المحلية، وتحقيق تطلعات سكانها.
وفي ظل التصعيد الحالي، وإغلاق الأبواب الدبلوماسية، وقرع طبول الحرب، يبقى السؤال المخيف:
إلى متى يمكن أن تبقى النار تحت الرماد.. دون أن تحرق الجميع؟ إلى أين ستتجه الحرب الهندية الباكستانية؟