السعودية والولايات المتحدة بعد السابع من أكتوبر.. أين وصلت العلاقة؟
تاريخ النشر: 17th, June 2024 GMT
يجذب الشرق الأوسط المتقلب في أحداثه الرؤساء الأميركيين دائما، حتى وهم يسعون إلى الابتعاد عن المنطقة، وهو واقع بات أكثر وضوحا بعدما أشعلت هجمات حماس في 7 أكتوبر الحرب بقطاع غزة.
وازدهرت العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية مع انتقال المملكة الخليجية من حال كانت فيه، بحسب ما قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، أثناء حملته الانتخابية السابقة، بأنه سيجعلها "منبوذة"، إلى ما يصفه مسؤولو الإدارة بأن الرياض أصبحت أحد أهم شركاء واشنطن العالميين، بحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز".
ويلاحظ المسؤولون الأميركيون، وفقا للصحيفة البريطانية، أن إسرائيل، وليست السعودية، هي من تقف اليوم في طريق صفقة تاريخية، من شأنها إعادة تشكيل الشرق الأوسط: تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وإسرائيل.
وطبقا لتقرير "فايننشال تايمز"، فإن مثل هذا التقارب من شأنه أن يمنح بايدن إنجازا مميزا في السياسة الخارجية. كذلك، فإن التطبيع يمكن أن يمنح ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، معاهدة دفاع مع واشنطن.
ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن التطبيع السعودي الإسرائيلي قد يكون جزءا رئيسيا من حل مستدام للأزمة في غزة.
ويقول مسؤول كبير في إدارة بايدن، لم تكشف "فايننشال تايمز" عن هويته، إن "الشيء الوحيد الذي من المؤكد أنه سيبقي على مسار (حل الدولتين) حيا هو نفوذ السعودية". وأضاف: "إنه الشيء الوحيد الذي يحرك الإسرائيليين حقا".
"لحظة متوترة"وكان الرئيس بايدن توعد السعوديين بـ "عواقب" خلال مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الإخبارية في خريف عام 2022، وذلك بعد أسبوع من إعلان المملكة عن تخفيضات كبيرة في إنتاجها النفطي.
وخشي بايدن أن تؤدي تلك الخطوة إلى ارتفاع أسعار الخام وسط الاضطرابات التي أثارتها حرب روسيا في أوكرانيا. واعتبر المسؤولون الأميركيون الذين فوجئوا بقرار السعودية، أن تلك الخطوة "صفعة في وجه الإدارة" التي تشعر بالقلق إزاء أسعار الوقود المحلية خلال الفترة التي سبقت انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر لعام 2022.
ومع ذلك، فإن "العواقب" التي لوح بها بايدن لم تأتِ قط، وما كان يمكن أن يكون قطيعة أصبح بدلا من ذلك مجرد انتكاسة في محاولات الجانبين لإعادة بناء العلاقة.
يقول المسؤول الكبير في الإدارة الأميركية: "كانت لحظة متوترة قبل الانتخابات، مضيفا: "أعتقد أنه من العدل أن نقول إن هناك سوء فهم لما كان (السعوديون) يحاولون القيام به".
وأصبحت العلاقة الآن، حسبما يقول مسؤول سعودي لم تكشف الصحيفة البريطانية عن اسمه، "أفضل 100 مرة مما كانت عليه عندما تولت هذه الإدارة".
ويعكس هذا التحول الدرامي كيف كانت السياسة الخارجية لبايدن مدفوعة بالأحداث وليس الإيديولوجية، تماما كما كانت سياسة باراك أوباما من قبله.
لكن في جوهر ذلك التحول الأميركي تجاه السعودية كان ثمة إدراك للسياسة الواقعية في واشنطن بأن المملكة مهمة للغاية في لعبة المنافسة بين القوى العظمى، بحيث لا يمكن تجاهلها، مع مخاوف من أنه إذا لم تنخرط الإدارة مع الرياض، فإن حليفا تقليديا للولايات المتحدة سوف يسقط بشكل أعمق في فلك الصين وروسيا.
ويتساءل مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جون ألترمان، عن "كيفية منع روسيا من التحالف مع السعودية؟ ... كيف تمنع الصين من التحالف مع السعودية؟ "، قبل ان يجيب: "يجب أن تكون لديك علاقة (مع السعوديين)".
وأضاف: "جزء من الحجة (لتقارب المملكة مع القوى الأخرى) هو أنهم (الأميركيين) لا يستطيعون التخلي عن الشرق الأوسط للصين، وقد ذكّر السعوديون الإدارة الأميركية بالخيار الصيني في كل فرصة سنحت لهم".
ولطالما مر مسار العلاقات الأميركية السعودية بارتفاعات وانخفاضات على مدى عقود من الزمان، لكنها تحسنت بشكل كبير بعد أن تولى الرئيس السابق، دونالد ترامب، منصبه خلفا لأوباما وسعى إلى إقامة علاقة أوثق مع الرياض.
وقام الرئيس الجمهوري السابق بأول رحلة خارجية له إلى الرياض وأبرم صفقات أسلحة بمليارات الدولارات. وقال ترامب في عام 2018، "لقد كانت (السعودية) حليفا عظيما في معركتنا المهمة للغاية ضد إيران".
لكن بايدن الذي تعهد خلال حملته الانتخابية بإعادة تقييم العلاقات مع أكبر مصدر للنفط في العالم ووعد بجعل الرياض "تدفع الثمن" لقتل الصحفي المقيم بواشنطن، جمال خاشقجي، استدار عن سياسة سلفه ترامب فور توليه منصبه.
وبعد أسبوع من تنصيبه، علق بايدن مبيعات الأسلحة الهجومية للمملكة. وبعد شهر، أصدر تقريرا استخباراتيا سريا خلص إلى أن الأمير محمد بن سلمان، الزعيم الفعلي للمملكة، وافق على مهمة "القبض أو قتل" خاشقجي.
ومع ذلك، بقت خطوط الاتصالات مفتوحة خلف الكواليس، بحسب "فايننشال تايمز"، التي أشارت إلى أن كبار المسؤولين في إدارة بايدن زاروا السعودية.
ثم أدى غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022 إلى ارتفاع أسعار الطاقة إلى أعلى مستوياتها على مدار عدة سنوات، وخشي المسؤولون الأميركيون أن تقف الرياض، التي كانت تتعاون مع موسكو في إنتاج النفط منذ عام 2016، إلى جانب الرئيس الروسي.
ويقول الزميل البارز بمؤسسة كارينغي للسلام الدولي، كريم سجادبور، "لقد أدت المنافسة مع الصين وغزو روسيا لأوكرانيا إلى تغيير وجهة نظر إدارة بايدن بشأن السعودية من شريك (يصنع إشكالات) إلى دولة متأرجحة مرغوبة".
وأدركت إدارة بايدن أنه بالإضافة إلى منع السعودية من الانزلاق إلى فلك الصين، فإنها تحتاج إلى تعاون الرياض في تحقيق أهداف أخرى، مثل إنهاء الحرب في اليمن وتهدئة التوترات مع إيران.
ويقول مسؤول أميركي كبير آخر، دون الكشف عن هويته، "إن الأساس ليس فقط العلاقة الدفاعية التاريخية.. (السعودية) دولة من مجموعة العشرين تريد العمل معنا في (مجموعة كبيرة من القضايا)".
"بيدق"ويرى المحلل السعودي المقرب من الديوان الملكي، علي الشهابي، أن السعوديين "يدركون دائما أن الولايات المتحدة مهمة"، مردفا: "لكن المشكلة كانت أن الولايات المتحدة لم تكن موثوقة وأصبحت السعودية مجرد بيدق في السياسة الداخلية الأميركية".
بالنسبة لكل من الولايات المتحدة والسعودية، فإن الإنجاز الأبرز لهذه العلاقة المتجددة سيكون صفقة التطبيع مع إسرائيل التي كان الجانبان يعملان من أجلها.
وفي مقابل معاهدة الدفاع الأميركي والتعاون في مجال الطاقة النووية، ستقيم المملكة علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل.
وسيتعين على الإسرائيليين إتاحة تقدم نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
ومع ذلك، هددت الحرب في غزة بإفشال المحادثات؛ وقبل هجوم حماس في 7 أكتوبر، كان من المقرر أن يسافر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى السعودية لمناقشة الملف الفلسطيني في الصفقة.
ولكن عندما التقى بلينكن بالأمير محمد في الرياض يوم 14 أكتوبر، كانت الحرب هي التي سيطرت على تلك المقابلة.
وبينما لم تكن الرياض من المعجبين بحماس، الحركة الإسلامية المسلحة المصنفة على لائحة الإرهاب، فإن المملكة غضبت من الدمار الذي أحدثه الهجوم الإسرائيلي على غزة.
كما أدركت أنه لكي تكون أي صفقة قابلة للتطبيق سياسيا، فإنها ستحتاج إلى تنازلات إسرائيلية أكبر بكثير فيما يتعلق بالتحرك نحو دولة فلسطينية، مما تصورته سابقا.
ويقول ألترمان إن الحرب بين إسرائيل وحماس ساعدت على تشكيل التفكير السعودي نحو الولايات المتحدة.
ويتابع أنه بالنسبة لجميع الحكومات في الشرق الأوسط التي اعتبرت أن الولايات المتحدة في طريقها للخروج (من المنطقة) وأنه يتعين على تلك الحكومات تعزيز علاقاتها مع الصين، فقد رأينا بعد السابع من أكتوبر، بأن كل الدبلوماسية تتركز حول الولايات المتحدة، ولم نشهد أي دبلوماسية ذات مغزى مع الصين.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فایننشال تایمز الشرق الأوسط إدارة بایدن
إقرأ أيضاً:
من أوسلو إلى حرب غزة.. كيف انهار النموذج القديم للعلاقة الأمريكية–الإسرائيلية؟
يطرح أندرو ب. ميلر، الزميل الأول في الأمن القومي والسياسة الدولية بمركز التقدم الأمريكي والمسؤول السابق في إدارات بايدن وأوباما، رؤية نقدية عميقة للعلاقة الأمريكية الإسرائيلية، معتبرا أن “الاستثناء الإسرائيلي” الذي ميز هذه العلاقة على مدى ثلاثة عقود قد شارف على نهايته، وأن السياسة الأمريكية بحاجة إلى إعادة بناء جذرية تعيدها إلى المعايير الطبيعية في التعامل مع الحلفاء.
فعلى الرغم من الدعم الأمريكي الواسع للاحتلال الإسرائيلي خلال حقبة التسعينيات من عملية السلام، والانتفاضة الثانية، وسلسلة حروب غزة ولبنان، ثم هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وما تبعه من حرب على غزة؛ تكشف التجربة – بحسب ميلر – أن هذه العلاقة كلفت واشنطن كثيرا دون أن تفضي إلى تأثير فعال على سلوك الحكومة الإسرائيلية.
علاقة "استثنائية" خارج كل المعايير
يرى ميلر بمقاله المطول في مجلة "فورين أفيرز" أن العلاقة بين واشنطن وتل أبيب ليست “خاصة” كتلك التي تجمع الولايات المتحدة بالمملكة المتحدة، بل “استثنائية” إلى حد يجعل إسرائيل تتمتع بمعاملة لا يحصل عليها أي حليف آخر. فصفقات السلاح مع تل أبيب غالبا ما تستثنى من القوانين الأمريكية التي تطبق على بقية الدول.
كما أن القادة الإسرائيليين يظهرون تفضيلا علنيا لحزب أمريكي دون أن يواجهوا تبعات، وتذهب واشنطن إلى حد حماية سياسات الاحتلال في المؤسسات الدولية حتى عندما تتعارض مع مواقفها الرسمية.
لكن هذه “الاستثنائية” – بحسب ميلر – لم تخدم أحدا: فقد أعطت الاحتلال الإسرائيلي ضوءا أخضر لسياسات توسعية ومغامرات عسكرية، وأسهمت في استفحال الاستيطان وعنف المستوطنين وسقوط أعداد هائلة من الضحايا المدنيين في غزة، إلى جانب المجاعة في بعض المناطق. كما قوض الدعم غير المشروط مكانة الولايات المتحدة وشوه صورتها في العالم.
تراجع التأييد الشعبي في الولايات المتحدة
تزامنا مع حرب غزة، سجل الرأي العام الأمريكي تحولا تاريخيا؛ إذ تراجعت شعبية الاحتلال إلى مستوى منخفض غير مسبوق عبر مختلف المكونات السياسية. ويشير ميلر إلى أن استمرار الوضع الحالي يهدد بعزل تل أبيب عن الشعب الأمريكي ذاته، وبإلحاق ضرر كبير بالمصالح الاستراتيجية لواشنطن.
يستعرض ميلر تاريخ العلاقة، مبينا أن الدعم غير المشروط لم يكن قاعدة دائمة. فحتى إدارة بيل كلينتون، كانت واشنطن لا تتردد في فرض عقوبات أو تجميد مساعدات لإجبار الاحتلال على تغيير سلوكه، بل دعمت في كثير من الأحيان قرارات أممية تنتقد السياسات الإسرائيلية.
لكن الإدارات التالية غيرت هذا النهج، إذ اعتقدت أن إسرائيل القوية المدعومة بلا حدود ستكون أكثر استعدادا للمخاطرة من أجل السلام. وبذلك، تخلت الولايات المتحدة تدريجيا عن أي أدوات ضغط فعالة.
نتنياهو.. استغلال الاستثناء بدل احترامه
يؤكد ميلر أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أعاد تشكيل العلاقة على نحو أحادي، إذ يستغل الالتزام الأمريكي بالعلاقة الاستثنائية لخدمة مصالحه السياسية الداخلية، كما حدث خلال مواجهته إدارة بايدن أو هجومه على اتفاق إيران النووي أمام الكونغرس في 2015. ويرى ميلر أن صعود اليمين الإسرائيلي المتشدد وتراجع الدعم الشعبي لحل الدولتين يعمقان هذا الخلل البنيوي.
تكشف الحرب التي اندلعت في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2025 – وفق تحليل ميلر – هشاشة النفوذ الأمريكي. فعلى الرغم من الدعم العسكري والدبلوماسي الواسع، فشلت واشنطن في تغيير مسار العمليات الإسرائيلية أو الحد من الخسائر المدنية.
ويشير إلى أن الإدارة الأمريكية لم تستخدم أدوات الضغط المتاحة لها، بما في ذلك القوانين التي تمنع تقديم المساعدات للدول التي تعرقل دخول المساعدات الإنسانية.
ويقدم ميلر مثالين فقط استخدمت فيهما إدارة بايدن نفوذها بفعالية، حين هددت بخفض الدعم العسكري لتحسين تدفق المساعدات إلى غزة، فاستجابت إسرائيل بشكل مؤقت قبل أن تعود إلى القيود السابقة.
ترامب بين الاستثناء والبراغماتية
لم تختلف المقاربة الأمريكية كثيرا بعد عودة دونالد ترامب للرئاسة. فبعد بداية واعدة في الضغط على نتنياهو لقبول وقف إطلاق النار مطلع 2025، سرعان ما تبنت إدارته نهجا يقوم على تفويض إسرائيل حرية واسعة في العمليات العسكرية.
وقد أسفر ذلك عن حصار شامل دام أكثر من شهرين، أدى إلى مجاعة واسعة النطاق في غزة، قبل أن تتدخل واشنطن لتعديل الآلية الإنسانية – وهي خطوة وصفت بأنها جاءت “متأخرة للغاية”.
كما منحت إدارة ترامب تل أبيب مساحة للتحرك العسكري في لبنان وسوريا وإيران، قبل أن تنخرط هي نفسها في ضرب مواقع إيرانية نووية، في استجابة يعتقد أن نتنياهو كان يسعى إليها منذ البداية.
نحو “علاقة طبيعية” وليس علاقة استثنائية
يدعو ميلر بوضوح إلى إنهاء مرحلة “الاستثناء الإسرائيلي”، ووضع إطار جديد للعلاقة يتضمن: ( توقعات وحدود واضحة - مساءلة حقيقية بشأن الامتثال للقانون الدولي والقانون الأمريكي - شروطا صريحة للدعم العسكري والسياسي - عدم التدخل في السياسة الداخلية الأمريكية - احترام المصالح الأمريكية بدل استغلالها).
ويرى أن هذا التغيير ليس مجرد خيار، بل “ضرورة استراتيجية وسياسية وأخلاقية”، وأنه السبيل الوحيد لمنع المزيد من التصعيد الإقليمي، والحفاظ على مكانة الولايات المتحدة، ووقف الانهيار الإنساني في غزة، وتفادي عزلة الاحتلال الإسرائيلي الدولية المتفاقمة.
يخلص ميلر إلى أن الاستمرار في النهج الحالي سيؤدي إلى كارثة لجميع الأطراف٬ الولايات المتحدة، إسرائيل، والفلسطينيين. أما إعادة العلاقة إلى إطار “طبيعي” يراعي المصالح المشتركة ويضع ضوابط واضحة، فهي الخطوة الوحيدة القادرة على حماية الاستقرار الإقليمي واستعادة التوازن الذي فُقد منذ ثلاثة عقود.