صالح بن سعيد الحمداني

في ظل التسارع العجيب والتحولات الاقتصادية التي يشهدها وطننا الغالي، برزت الشركات الناشئة، والتي نعتبرها في هذا الوقت أحد أبرز ملامح مرحلة جديدة ضمن رؤية "عُمان ٢٠٤٠"، ومن المراحل والتي سوف تسهم في تنويع مصادر الدخل، وكذلك الحال لتقليل الاعتماد على النفط، في الرؤية نجد أن قطاع ريادة الأعمال يعتبر ركيزة أساسية من ركائزها، إذ يعول عليه في تحفيز الابتكار وتعزيز التنافسية وكذلك توفير فرص عمل للشباب.

في الوقت ذاته، وفي بيئة تُولَد فيها هذه الشركات المعول عليها، والتي لا تعتمد على الأفكار الريادية أو التمويل فقط، لا بد من وجود إطار قانوني وتنظيمي يكون بمثابة العمود الفقري لاستدامتها، واستمرار هذه المشاريع وفق ما خطط له على أرض صلبة تدعم نشأتها واستمراريتها، ويثار في الواقع قبل الأذهان تساؤل جوهري مهم، هل التشريعات التجارية والضريبية تشكل بيئة محفزة لنمو الشركات الناشئة معنا بالسلطنة؟ أو أن هناك بعض القيود التي قد تُثني رواد الأعمال من المضي قُدمًا؟

شهدت السلطنة نشاطًا ملحوظًا في دعم قطاع ريادة الأعمال خلال السنوات الأخيرة، من خلال بعض البرامج الحكومية التي تم إنشاؤها مثل "صندوق تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (إنماء)"، و"هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة"، و"البرنامج الوطني للاستثمار وتنمية الصادرات (نزدهر)" وهذه البرامج لها أثرها بإذن الله على الواقع، وفي الوقت نفسه فهناك مبادرات مثل "منصة استثمر في عُمان"، و"الخطة الوطنية للتشغيل"، التي تهدف إلى إشراك الشباب العُماني في الاقتصاد من خلال مشاريعهم الخاصة، هذه المبادرات تم إطلاقها لتكون ذات جدوى وفائدة.

ولا تزال هناك بعض التحديات قائمة رغم وجود هذه المبادرات الإيجابية الفاعلة، ومن هذه التحديات ما يتعلق بالإطار التشريعي والتنظيمي.

في السلطنة تم تحديث القوانين التجارية، فهي بين التحديث والتطبيق، وخلال السنوات الأخيرة حدث تحديثًا ملحوظًا لها وخاصة عام ٢٠١٩م بعد صدور المرسوم السلطاني رقم ٥٠/ ٢٠١٩ بإصدار قانون استثمار رأس المال الأجنبي، وقانون الشركات التجارية الجديدة وفق المرسوم السلطاني رقم ١٨/ ٢٠١٩ بإصدار قانون الشركات التجارية، وغيرها من التشريعات والقوانين التي هدفت إلى جعل بيئة الأعمال في السلطنة أكثر مرونة وجاذبية.

من بين التسهيلات المقدمة، فإن السلطنة وفّرت عبر بوابة "استثمر بسهولة" منصة رقمية لتسجيل الشركات الأمر الذي يسهل الإجراءات بشكل كبير، ولكن بعض رواد الأعمال لا يزالون يواجهون في بعض الأحيان تحديات تتعلق بتعدد الجهات المعنية، وكذا الحال في استخراج بعض التراخيص بطول المدة، خصوصًا في القطاعات الحساسة مثل التقنية أو الأغذية.

المرسوم السلطاني رقم ١٨/ ٢٠١٩ بإصدار قانون الشركات التجارية يُتيح خيارات متعددة لتأسيس الكيانات والشركات التجارية كالشركات ذات المسؤولية المحدودة، والشركات الفردية، وشركات الشخص الواحد، إلا أن بعض الشروط المتعلقة برأس المال أو عدد الشركاء لا تزال تمثل عائقًا نسبيًا لبعض المشاريع الصغيرة في بداياتها.

إن السلطنة توفر تشريعات واضحة وصريحة في مجال حماية الابتكار من خلال قانون حقوق الملكية الفكرية بالمرسوم السلطاني رقم ٦٥/ ٢٠٠٨ بإصدار قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.

وتُعد حماية الملكية الفكرية عاملاً حاسمًا لأي شركة ناشئة تعمل على أفكار جديدة، إلا أن التحدي الأكبر يكمن في آليات التنفيذ وسرعة البت في النزاعات الناشئة في هذا الجانب والذي يستدعي مزيدا من التطوير المؤسسي في هذا الجانب.

وقد دخلت الشركات الناشئة في السلطنة تحديًا جديدًا، بعد أن تم تطبيق ضريبة القيمة المضافة في أبريل ٢٠٢١ (٥ %)، وتَمثل هذا التحدي بكيفية التكيّف مع النظام الضريبي دون التأثير على قدراتها التنافسية أو الربحية.

نسبة ضريبة القيمة المضافة التي طبقتها السلطنة تُعد أقل النسب عالميًا، ولكن رغم ذلك فإن تطبيقها على بعض الخدمات الأساسية يؤثر على تكاليف التشغيل بشكل غير مباشر وخاصة على الشركات التقنية التي يكون اعتمادها على أدوات برمجية وخدمات سحابية من خارج السلطنة.

ومما يُحسب من الإيجابيات للحكومة توفير حوافز ضريبية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المراحل الأولى من تأسيسها ونشأتها، بالإضافة إلى التسهيلات التمويلية عبر بنك التنمية العماني، وكذلك الحال بالنسبة لصندوق إنماء، ورغم هذه الحوافز والإعفاءات، تجد أن هناك دعوات متزايدة لتوسعة مظلة هذه الحوافز، لتشمل تلك الشركات الناشئة في الطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي، وفي القطاعات الرقمية.

الشركات الناشئة بعضها يعاني من غياب الوضوح الكامل في بعض تفاصيل تعاملها مع الجهات الضريبية، وخاصة تلك التعاملات التي تخص المعايير المحاسبية والتصنيفات، هذا الجانب يحتاج إلى تعزيزٍ من خلال برامج توعية ضريبية، وتقديم تعليمات وتوجيهات وإرشادات مخصّصة لروّاد الأعمال."

بعض رواد الأعمال يذكر أن هناك بعض التحديات التشريعية التي تواجههم، وفي بعض البحوث والمواضيع المطروحة نجدها تتمثل في:

بطء تلك الإجراءات الخاصة بالتراخيص والتصاريح. تعقيد في الإجراءات المرتبطة بتوظيف الأيدي العاملة. محدودية التشريعات التي تراعي خصوصية الشركات التقنية.

- ضعف التنسيق بين الجهات الحكومية المختلفة المعنية بتنظيم الأعمال.

حاجة البيئة الريادية في السلطنة إلى تشريعات تكون أكثر مرونة تعكس صورة وطبيعة الاقتصاد الحديث، وتسهم في تطوره والإقبال عليه، لأن الشركات الناشئة هي ليست مجرد مؤسسات تقليدية، بل إنها تمثل تلك مشاريع التي تتسم بالديناميكية وسرعة التغير، مما يتوجب تصميم قوانين تُراعي هذه الخصوصية مثل قانون يكون خاصًا بالشركات الناشئة أو البيئة الحاضنة، بات هذا أمرًا ضروريًا وملحًا.

ودعم رواد الأعمال ينبغي أن يشمل الدعم القانوني، ولا يقتصر على الجانب التمويلي فقط، من خلال توفير مراكز استشارية لهم، توفر خدمات ميسّرة في فهم التشريعات والتعامل مع التحديات التي تواجههم، وكذلك من خلال عيادات قانونية لريادة الأعمال.

في السلطنة تمثل القوانين التجارية والضريبية خطوة متقدمة لبناء وإنشاء بيئة جاذبة للأعمال وداعمة لتطوير الاقتصاد، ولكن نجاح تلك الشركات الناسئة -رغم هذه البيئة المحفزة- يتطلب منظومة تشريعية متكاملة عنوانها المرونة والبساطة والشفافية.

جهود جبارة وخطوات ثابتة لتعزيز بيئة عمل محفزة وتشريعات وغيرها من الجوانب، ولكن يبقى هناك سؤال عالق في الأذهان: هل نكتفي بما تحقق على أرض الواقع أم نمضي ونجتهد نحو إصلاحات تكون أعمق وأرسخ وأشمل تجذب رواد الأعمال وتُرسخ عُمان كدولة حاضنة للابتكار والمشاريع الناشئة في المنطقة، بل العالم؟

الإجابة على الأرجح هي حتمًا التي ستُحدّد مستقبل ريادة الأعمال في هذا الوطن الغالي، وسوف ترسم لنا ملامح اقتصادها الجديد.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: الشرکات التجاریة الشرکات الناشئة بإصدار قانون السلطانی رقم رواد الأعمال فی السلطنة الناشئة فی السلطنة ت من خلال فی هذا

إقرأ أيضاً:

العقولُ الناشئة... مورد وطني يصنع المستقبل

في ساحة نابضة بالحياة والمناقشات والتوجيهات التقنية وحروف ورموز البرمجة وصرير حركة الروبوتات في زوايا الأولمبياد الوطني للابتكارات العلمية والروبوت والذكاء الاصطناعي للعام الدراسي 2025/2026 المقام بمركز عُمان للمؤتمرات والمعارض.

بدا المشهد كمختبر وطني مفتوح تُختبر فيه أفكار ورؤى الطلبة، وتصاغ فيه معادلة المستقبل بأيادي جيل ناشئ يمتلك الجرأة على التفكير خارج الإطار المعتاد.

وأقولها من زاوية الزائر لا المحكم أو المقيم، بمجرد الوصول إلى ساحة الأولمبياد فأنت لا تحتاج كثيرًا من الوقت لتتيقن أن أمامك جيل غير مكتفٍ بالاستهلاك، فهو ممحص للتقنية ومطلع وارتقى بتطلعاته للإبداع والاختبار وصنع مسارات جديدة.

-جيل يخطو بثقة في فضاءات التقنيات الناشئة:

ما يكشفه الأولمبياد كعادته السنوية وإن كان هذا العام بمستوى أكثر وضوح أن الطلبة وموجهيهم مدركين بأن الذكاء الاصطناعي ليس أوسع من التقنيات الناشئة من الروبوتات إلى الأنظمة الذكية، إلى الحلول الرقمية المتقدمة والجدران السيبرانية وما بين ذلك من مجالات تتنامى بسرعة في العالم.

في الحقيقة سبق أن أكدنا - والآن نراه ماثلًا - أن التقنية ليست عنوانًا واحدًا يُختزل في الذكاء الاصطناعي وحده؛ بل هي طيف واسع يطغى فيه الآن الذكاء الاصطناعي، ولكنه لا يلغي ولا يطفئ بريق التقنيات الأخرى التي تشكل النسيج العام للتكنولوجيا. لذلك فإن انخراط الطلبة في هذه الطيفية الواسعة يعني أن وعيهم التقني ناضج ومتشكل بواقعية أكبر غير منساق وراء الموضة التقنية، بل تتعامل مع التقنية كمنظومة مترابطة تحل المشكلات وتفتح مسارات.

-الإبداع يطلب مساحة... والحقوق تطلب حماية:

المبادرات الطلابية التي حضرت تفاوتت في مراحل نضجها بين الناضج كفكرة والسائر إلى النضج تقنيًا وبين الناضج تقنيًا وغابت عنه الفكرة، وهذا يضعنا أمام حقيقة لا نستطيع تجاوزها بالإنكار: "العقول موجودة وراغبة، ولكنّ البيئة المثيرة أو الحاضنة تحتاج إلى توسعة. لماذا؟ ببساطة لأن المبتكر الناشئ لا يحتاج إلى الإشادة وحدها، إنما إلى منصة للظهور وتوجيه وإيصال ابتكاره وعصارة أفكاره إلى المسار الذي يليق به مع حفظ حقه الكامل بدأ من الفكرة إلى المنتج. ببساطة نقول إن تسجيل الأفكار والابتكارات بملكية فكرية لأصحابها وخاصة الناشئين، وتبني الجهات المختصة لمسارات تطويرها هو استثمار في العقل العُماني.

-منصة التحديات... بوابة مفتوحة نحو حلول واقعية:

لا يخفى على الجميع أننا في فترة تتسارع فيها التكنولوجيا أسيًا، وهذا يفرض أن يكون لدينا مركز ننطلق منه ونعود إليها ونعاير من خلاله تقدمنا، وهو ما يمكن أن يكون منصة وطنية للتحديات والمشكلات الحقيقية والأفكار تمثل احتياجات المؤسسات الحكومية والخاصة، وتعرضها بلغة يقرؤها المبتكرون، فيستلهمون منها الحلول، ويبتكرون نماذج ذات مرجع واقعي يجد طريقة نحو التطبيق والتبني أو تصحيح المسار، لا مجرد تصورات مدرسية مؤقتة تختفي باختفاء الحدث الذي ظهرت فيه.

قيمة المنصة التي نتحدث عن إمكانية وجودها وربطها بالمؤسسات تتلخص في أنها ستكون مركز لكشف المواهب واستقطابها وتوجيهها، وكخزان وطني للمشكلات والتحديات وللطاقة الإبداعية، ومهد لتأسيس شركات تقنية ناشئة تنطلق من المدارس والجامعات والمجتمع الذي هو خارج المؤسسات التعليمية نحو السوق بأفكار ومنتجات مستندة لواقع واحتياج حقيقي وتحيط بها أطر وأغطية تحميها تتمثل في ملكية فكرية تتكفل بها المؤسسات والجهات المسؤولة أو المستفيدة.

إن الاحتفاء بالعقول لا يغني إطلاقًا عن رعاية ودعم الابتكارات؛ وذلك لأن الابتكار امتداد لوعي صاحبه ومرآة لطموحه وصوت لطاقته، وكل ذلك ليس مجزأ أو منفصل عن بعضه والحفاظ على الابتكار هو حفاظ على العقل الذي وآتى به، وسيطوره ويحوله لميزه تنافسيه عن توافر البيئة. وعليه فإن رعاية ابتكارات الطلبة وتطويرها وحمايتها ودفعها إلى مراحل التطبيق والسير بها لتكون منتجا ثم ناشئة في مجالات الاقتصاد وغيرها هو جزء أصيل من رعاية الموهبة ذاتها وتحويلها لمورد بشريّ مستدام، تتجدد فيه القيمة وتسمو كلما استثمر فيه، وتتضاعف آثاره كلما وضعت له بيئة ينمو فيها.

-ختامًا... حين يصبح الطالب صانعا للمستقبل:

وزارة التربية والتعليم فتحت الطريق ونقبت في الميدان وهذا دورها ونؤكد أنه ليس الوحيد، وتبقى على المؤسسات الأخرى أن تلتفت إلى الحراك -الظاهر في الأولمبياد وغير الظاهر - التقني لدى الطلبة وتتلقف ما ينتج ويلامس احتياجاتها ولن يحدث ذلك دون المشاركة بعيون تتبع الابتكارات والمبتكرين وأفكارهم.

وما قيل في المقال ليس تقليلًا من الجهود وإنما دعوة لرفع السقف لمواكبة التسارع والحراك العالمي الذي ينشط فيه البحث عن المواهب والمبتكرين واستقطابهم للسعي نحو المستقبل. وما نشهده اليوم من إثارة تقنية لدى الطلبة في مدارسنا نحو الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة الأخرى، هو دليل على أن مستقبلنا سيولد من داخل زوايا هذه القاعات ومن عقول اعتادت أن تسأل: كيف يمكن أن نُحسّن؟، قبل أن تسأل: ماذا سنحفظ؟ هؤلاء الطلبة ليسوا مشروع جيل قادم إنما الميزة التنافسية الحقيقية للدولة؛ وموردها الذي لا يمكن أن ينضب، وطاقتها المستدامة غير القابلة للاستنزاف عند الإيمان بها، واستثمار لا يعرف الخسارة.

مقالات مشابهة

  • الشركات الليبية تعرض منتجاتها بـ«ملتقى الأعمال الإفريقي» في المغرب
  • العقولُ الناشئة... مورد وطني يصنع المستقبل
  • مؤسسة النفط تستعرض الشراكات التي تقيمها مع الشركات الأوروبية وسبل تطويرها
  • وزيرة التخطيط تبحث مع بنك الاستثمار الأوروبي جهود زيادة التمويل المختلط والاستثمارات في الشركات الناشئة
  • الدواء: تحرير 1500 محضر شرطة لصيدليات مخالفة في المصانع والشركات
  • لجنة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تجتمع بمؤسسات لجان الأسواق التجارية بالبحرين
  • غداً..اتحاد الغرف التجارية ينظم منتدى الأعمال مصر–المغرب 2025
  • سلطنة عُمان.. علاقات دبلوماسية متوازنة وثقة صلبة من الجميع
  • وزير قطاع الأعمال العام: 23% نموا في ايرادات الشركات القابضة للسياحة والفنادق خلال 4 أشهر
  • أمطار رعدية متفرقة.. تأثر أجواء السلطنة بإخدود من منخفض جوي