من أكثر ألغاز الحرب العالمية الثانية غموضا ما يعرف بـ "معجزة دونكيرك"، حين حصرت القوات الألمانية أثناء هجومها لاحتلال بلجيكا وهولندا ولكسمبورغ حوالي 400 ألف في منطقة ضيقة بفرنسا.
إقرأ المزيدوتمكن النازيون الألمان من تنفيذ هجماتهم الخاطفة بسرعة، وبحلول 14 مايو استسلمت هولندا، في حين صمدت بلجيكا حتى 28 مايو.
هجوم القوات الألمانية النازية تواصل في 20 مايو عام 1940، ما وضع 10 فرق بريطانية و18 فرنسية و12 بلجيكية في موقف ميؤوس منه. فقد دُفع بها إلى البحر وكانت مهددة بالحصار والإبادة في منطقة ميناء دونكيرك الواقع في إقليم نورد بشمال فرنسا على مبعدة 10 كيلو مترات من الحدود البلجيكية.
وحدات الدبابات الألمانية الزاحفة كانت تستعد للانقضاض الأخير على منطقة دونكيرك حين تلقت فجأة في 24 مايو أمرا من هتلر قضى بوقف الهجوم وسحب الوحدات المتقدمة، وعدم الاقتراب من هذه المنطقة لمسافة تزيد عن 10 كيلومترات، كما أمر زعيم النازيين أيضا بعدم استخدام سلاح الدبابات ضد المجموعة المحاصرة في منطقة الميناء.
هذا الامر وضع الجنرالات الألمان في حيرة تامة، ولا يزال الجدل بين المؤرخين دائرا حتى الآن حول دوافعه.
ما زاد من غرابة هذا الموقف أن أوامر هتلر بهذا الشأن نقلت إلى القوات الألمانية من دون تشفير، ما مكن البريطانيين من معرفتها على الفور.
قائد القوات البريطانية في أوروبا اللورد جون فيريكير سارع إلى مناشدة رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل بالبدء في عملية إجلاء تلك القوات. وبعد يومين من التردد أصدر تشرشل الأمر. كان وضع تلك القوات التي يتكون معظمها من قوات بريطانية جيدة التدريب كارثيا بكل معنى الكلمة. تردد تشرشل، ولكن بعد يومين صدر أمر الإجلاء.
كان الوضع كارثيا. ففي ذلك الوقت فقد الحلفاء ميناءي بولوني وكاليه وأصبح ميناء دونكيرك الأمل الأخير. حوله احتشدت القوات البريطانية والفرنسية والبلجيكية مع أعداد كبيرة من الآليات والأسلحة.
حينها اتصل رئيس الوزراء الفرنسي بول رينو بتشرشل وصرخ في الهاتف في حالة من اليأس قائلا: "لقد هزمنا! لقد هزمنا تماما"!
عملية الإجلاء تلك أطلق عليها اسم "دينامو"، وسلمت قيادتها إلى الادميرال البريطاني بيرترام رامزي. تم استخدام كل أنواع السفن وحتى قوارب الصيد واليخوت الخاصة. في المجمل تم تجميع 693 سفينة بريطانية وحوالي 250 سفينة فرنسية.
في تلك الأثناء قامت قوات فرنسية وبريطانية بهجمات مضادة يائسة لتغطية إجلاء القوات المحاصرة عبر القنال الإنجليزي، فيما اكتفى الألمان باستهداف السفن والقوات المحتشدة على الشاطئ بالمدفعية والطيران دون استخدام القوات البرية لا سيما الدبابات.
تلك الأوضاع وصفها بدقة الجنرال الألماني فرانز هالدر في مذكراته في 30 مايو 1940 قائلا: "لقد فقدنا الوقت، لذلك تم إغلاق الحلقة حول الفرنسيين والبريطانيين بشكل أبطأ مما كان ممكنا. الشيء الرئيس أنه بسبب توقف التشكيلات الميكانيكية، لم تغلق الحلقة على الساحل، والآن علينا فقط التفكير بالآلاف من جنود العدو الذين يفرون إلى إنجلترا تحت أنوفنا".
ذلك الجسر البحري تواصل من 26 مايو إلى 4 يونيو 1940، وتم إجلاء أكثر من 338 ألف جندي من دونكيرك إلى الساحل البريطاني. فتمكن البريطانيون من إنقاذ قوة مشاتهم بالكامل تقريبا، إضافة إلى أكثر من 90 ألف جندي فرنسي وقوات بلجيكية، فيما تمكن الألمان لاحقا من أسر 15 ألف جندي فرنسي لم يتسع الوقت لإجلائهم.
خسائر البريطانيين كانت في المعدات بالدرجة الأولى، وشملت 2472 قطعة مدفعية، وحوالي 65 ألف عربة، و20 ألف دراجة نارية، و68 ألف طن من الذخيرة، و147 ألف طن من الوقود، و377 ألف طن من المعدات والأدوات العسكرية، و8 آلاف مدفع رشاش ونحو 90 ألف بندقية.
السؤال الذي لا يزال عالقا، لماذا سمح هتلر لذلك الجيش الذي يبلغ عدده حوالي 400000 بالنجاة والعبور إلى الضفة الأخرى، على الرغم من وضع قواته القوي حينها مع هزيمة فرنسا وقرب استسلامها؟
روايات عديدة حول الدوافع، تبدو إحداها أقرب إلى الحقيقة بخاصة مع عدم تشفير أوامر هتلر. كانت الخطوة تعني أن زعيم النازيين غير معني في حقيقة الأمر بغزو واحتلال بريطانيا، وأن هدفه الحقيقي هو الشرق أي الاتحاد السوفيتي لاستيطان أراضيه الواسعة بعد القضاء على سكانه. كان هتلر في ذلك الوقت يستعد لارتكاب غلطته الكبرى المتمثلة في غزو الاتحاد السوفيتي وكان يحاول بتلك الخطوة عدم خوض الحرب على جبهتين.
المصدر: RT
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: أدولف هتلر أرشيف الاتحاد السوفييتي الحرب العالمية الثانية النازية تشرشل
إقرأ أيضاً:
جسدي حرٌّ في الغرغرة
(1)
يعمل بوصفه وجيهاً في الحارة، وبطلا وطنيَّا، وقوميَّا، وكونيَّا محترفا في أوقات الفراغ.
تعالوا نحسده، ولا ننوي شيئا، ولا نلوي على شيء.
(2)
أكثر قنوطاً من النَّافذة، أوسع بابا من المقبرة.
(3)
يا هذا: ثمَّة أخطار كثيرة في الالتفات!
يا أنت: التَفِت!
(4)
لا تطالب بعاطفة الشِّعر في ابتذالات الواقع (وإلا فإنك ستخسر الشِّعر ولن تعيش في الواقع).
لا تأتِ بما فعل الشُّعراء الذين تحبهم. وليست هذه دعوة جديدة للزَّمن.
(5)
هذا المكان أصغر و/أو أكبر منِّي
سأغامر بروحي في مكان آخر
ما أنا من هذا المكان في النُّطفة والهندسة.
(6)
لا أحد يستطيع أن يُنطِق البُكم، ولا أن يشعل الجبال، ولا أن يدوس بكعب نعاله على عقب سيجارة.
لكن الطُّيور تطير.
(7)
في كل مكان وزمان، لا تفترض أن عددهم يبلغ ما توقَّعت (الهزيمة أكبر عددا وعُدَّة).
(8)
في جرحكَ القديم يكثر الأهل، والأقارب، والرِّفاق، والشُّعراء (ويتناسلون في جرحك الجديد).
(9)
هذا الزَّبَد الذي لا لون ولا روح له مليء بالتَّشقُّقات، والدَّمامل، والبثور، وآخر الأنفاس آخر الجبل.
(10)
النَّوم ثأر قديم (من الأفضل تأجيله، قدر الإمكان).
(11)
تفعل السِّينما كل ما ينقص الأرض، والناس، وأخطاء تلك الأيام.
تفعل السِّينما فعلتها في الميقات والأوزان.
(12)
يمضي الكَمالُ على عَجل.
(13)
انتبه قليلا: ستموت وحيدا.
انتبه أكثر: ستموت بالتَّزكية.
(14)
وطَنٌ نَهْبٌ. وَطَنٌ انتيابٌ. وَطَنٌ فيما بعد الغيبوبة.
(15)
هي الشُّرور والآثام. وأنا خذلني اسمي الصَّغير، وقبري الصَّغير (مرة أخرى، أيضا)، يا الخذلان، يا «عبدالله الصَّغير».
(16)
هطل المطر، وقدمكَ خضراء أيُّها الغريق الذي ليس له مكان في مقبرة قريتنا المكتَظَّة.
(17)
يبغتونك ليس بالاسم، ولا بتنضيد اللغة، بل بالنَّحر (مرحى لهم، أولئك القوم الذين لا يُحسنون تضييع الوقت).
(18)
ينبغي البحر في هذه المرَّة أيضاً.
(19)
يأتي التَّاريخ بسبب ضرورة، وينصرف عند حاجة.
(20)
لا يزالون يكتبون (هنا، أيضاً) مع/ ضدَّ الحداثة، ولكن من منظور ما قبل الخروج من الغابة.
(21)
تغادر الطيُّور أعشاشها، وتنسى الأرواح مأواها، والصُّدور تتشقَّق، والودائع تتلاشى، والنَّاس يتكلمون.
(22)
أنا أكبر مني، من لعثمتي في الأم والوطن، وموتي أعظم.
(23)
ترى، من سيتكفل بهم بعد انصراف الطَّاعون، ومن سيؤرِّخ للطَّاعون؟
(24)
لا أبحث عن الأثر (ليس لخطواتي أن تكون هنا، ولا هناك).
(25)
الليل لا يمضي، والموت رهينة.
(26)
أستضيفُ النَّدى على قشرة الليل، ولا أتوكَّل على الليل الأرض.
(27)
كيف يعقُل، ويكون مقنِعًا في الوقت نفسه، أن بنتًا في الثانية عشرة من العمر، معاقة وتستخدم عكَّازين للمشي، تقرأ قصيدة حفظتها عن ظهر قلب لآرثر رامبو، وتشير إلى فردرِك نيتشه، وكذلك أوسكَر وايلد؟
يعقُل ذلك، ويكون مقنِعًا في الوقت نفسه، في فيلم سينمائي روائي عنوانه «روليت صينيَّة»، وهو من كتابة وإخراج راينر فِرنر فاسبندر (1976)، وذلك من دون أن يكون هناك أي داعٍ لأي كلام عن أن المؤلف/ المخرج (وهو أحد الرُّموز الكبرى لتيَّار «السينما الألمانيَّة الجديدة») إنما يضع أفكاره عنوةً في فم إحدى شخصيَّاته، التي لا يناسب عمرها وما نفترض أنه ثقافتها ومعرفتها، ما تقوله.
وليس بعيدًا أبدًا عن الموضوع، فإن طريقة لعب «الرُّوليت الصينيَّة» تشرُح للمُشاهد ــ الذي قد يخلط الأمر مع «الرُّوليت الروسيَّة» ــ من طريق نفس الشَّخصيَّة/ البنت في هذا الفيلم. وهذا مما قد يعتبره البعض «تعليميَّاً» وزائداً عن الحاجة!
الإبداع تحدٍّ كبير لمن يبدعه، ولمن يستقبله.
(28)
لا تتوارى الشَّمس عن الفضيحة. والماء الذي في الحَرَش بُنِّيٌّ وصغير.
(29)
لا يعني الكثير أن تسمع موج البحر وأنت في مكان غير القبر.(30)
توحي الأبديَّة بالفُتات.
(31)
في أول خلاف (دعونا نسميه، مبدئيَّاً تعكُّر مزاج بسيط ناتج عن قلَّة النوم في الليلة الفائتة فحسب، أو نتيجة لغياب الخضراوات والفواكه، والمكسَّرات، في النِّظام الغذائي السَّائب، أو خطأ في ترتيب ابتسامات ضيوف البارحة) قد ينتهي الحب بسبب الأبواب، والنَّوافذ، والممرَّات.
هكذا تبدأ الكارثة في التَّراكم حتى أوان الشِّعر.
(32)
تحبُّ الأضواء المعطوبة التقاط الصُّور.
(33)
ليس في كل هذه البيارق المرفوعة أي نداء.
(34)
الهول مجرد احتياط في جعبة الهواء.
(35)
أنموذجٌ للسَّراب، طريدةٌ للغياب، أنتَ.
(36)
في كل مفتاح نسيان. في كل نسيان لسعة.
(37)
كيف «يتطاولون في البُنيان» وليس في بقايا المائدة ما يغري النَّفخة الثانية (ولا يُغري به أيضًا)؟
(38)
لا تكتب الويل في الليل لمن لا يقرأ إلا في النَّهار.
(39)
الموت خلاء، والخلوة أسرار.
(40)
فاتني جسدي، ولم يلحق بي الوقت.
(41)
يعيشون في التَّمرُّغ وقوانين الذُّل والعبوديَّة، ويموتون في الوحل، ثم يرفع الأعداء الحظر عن بعض الوثائق.
(42)
الهواء بالقطَّارة، والذِّكريات في القطارات.
(43)
لا أُراهَن.
(44)
كل هذا الحديد على الأضغاث.
(45)
الكتابة محضُ تأجيل لشيءٍ آخر (وكل ما عدا ذلك يأتي من باب التَّأويل المتأخر).
(46)
حادي القافلة عند حافَّة القبر أو السَّرير (تماما، وبالضبط).
(47)
كل شيء في هذا البيت إرثٌ للبحر
لم يأتِ كل ما في هذا البيت من البحر.
(49)
الكذب كامل ومثالي دومًا، والحقيقة ناقصة أبدًا (في الأدب الرومانسي الكلاسيكي، وكذلك في الفلسفة المعاصرة، على الأقل).
(50)
أخشى أنك الهَلَع، وأؤمن أنك كل الحُب (إلا قليلا).
(51)
الأصل هو أن يعيش المرء الحياة مرَّتين (وليس حياتين)، وذلك من أجل استبعاد إحداهما.
(52)
جسدي يرفض القول الأول، ولا يعترف بالقول الأخير. جسدي حرٌّ في الغرغرة.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عُماني