لجريدة عمان:
2025-12-12@09:35:02 GMT

رسالة إلى العالم الآخر

تاريخ النشر: 11th, December 2025 GMT

تحت الرماد تختبئ جمرات لا تعرف شيئا اسمه الهدوء.. كذلك الفراق هو جزء من تلك الجمرات الملتهبة بمشاعر الفقد والألم، فكلما انزاح جزء من رماد خامد حتى طفت على الوجه حمرة الوجد، وكلما أبحرت الأيام في طريقها تظل بعض الشظايا معلقة في سقف الذكريات.

إلى كل الذين فقدناهم في تفاصيل حياتنا اليومية.. إلى أولئك الراحلين سيرا نحو حياة الخلود.

.وللذين توقف نبض قلوبهم وانطفأت شموع منيرة برحيلهم وخفتت أصوات إلى الأبد..«سلاما».

أيها الاغتراب، رفقا بقلوب الناس، فكم من رحيل أصبح موجعًا للإنسان !، لكل الذين رحلوا عنا جسدا.. أنتم باقون في ثنايا الروح لا تفارقنا رائحة الطيب التي تركتموها وراءكم في لحظات الوداع. في الفقد هناك اختناق ذاتي يعيش معنا لسنوات طويلة حتى لو غفلنا فيها عن إخراج مشاعرنا الإنسانية الممتلئة بألوان مزهرة من الحب والأمان. ها نحن اليوم، نخبركم بأن وجودكم قلعة شامخة في سوداء القلب، وأن بهاء حضوركم وروعة أماكنكم ستظل بيننا خالدة بخلود الأثر.. عذرًا منكم فمشاعركم اللطيفة لا تزال تهب كالريح الشتاء الجميلة، «فكم نحن كنا ممتنين لله تعالى على وجودكم».

نسأل أنفسنا، هل كانت تلك الطاقة العاطفية محتجزة فينا أو كنا نحن مكبلين بسلاسل الغفلة.. لا أعلم ؟!...كلمات بقيت على قيد الصمت، وعلى رفوف الأيام موصودة بقفل التعابير الباهتة. كل شيء كان محاطا بانشغال الوقت، وتفاصيل حياتية لم تتركنا نلتقط أنفسنا،أو ندرك قيمة الأوقات التي نجالس حضوركم، ونخلق ذكريات مغلفة بشرائط مشاعر حريرية تبقينا موصولين بكم وأنتم خلف مشاهد الحياة وضوئها الساطع..هنا تستحضرني مقولة لتوفيق الحكيم حين قال:»لا شيء يجعلنا عظماء إلا ألم عظيم».. فالموت من أعظم مصائب الحياة حتى وإن كان لطيفا في بعض المرات !.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في فراق ابنه إبراهيم: «إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون»..

وفي الأدب العالمي يقول الكاتب الأمريكي الراحل جيف ماسون: «الميلاد والموت هما ركيزتا حياتنا. العيش نحو الموت في الزمن يمنح الحياة اتجاهًا وإطارًا لفهم التغييرات التي تُحدثها الحياة.

يختلف العالم تمامًا بين الشباب والكبار. الشباب ينظرون إلى الأمام، والكبار ينظرون إلى الماضي. ما يهمنا يتغير مع تقدمنا في العمر. احتمال الموت يُلهم هذه التغييرات. لدى الشباب فهمٌ فكريٌّ بأن الموت آتٍ إلينا جميعًا، لكن فناءهم لم يُدرك بعد. أما بالنسبة للكبار، فيبدأون يستوعبون الموت».

نحن نقول: بعد رحيلكم الخاطف بتنا نجتهد طويلا لرسم صور حية لذكرياتكم وتفاصيل أحاديثكم معنا، وكأننا نحاول أن نفهم كل الغاز الماضي التي كنتم تخبرونا بها، واليوم نحاول أن نبقيكم بيننا من خلال صفحات الذكريات، كأننا لم نستفق من الحلم إلى الحقيقة، كل ما يفعله الغياب بأرواحنا المتعبة شيء يفوق الخيال..

نتذكر دوما كلماتكم الأخيرة، وضحكاتكم الآتية من صدى الذكريات، وأشياء لطالما بقيت تربطنا بالماضي منها: فنجان قهوتكم الصباحية، وحبات من ثمرة، وفاكهة تعيد إليكم جميل نهاركم بعد غروب الشمس وسطوع ضوء القمر.

كل تلك الذكريات الآن تطفو فوق أحاديثنا بنكهة الحضور البهي.. نعيد سرد ذكرياتكم القديمة معنا؛ لأننا لا زلنا نتشبث بحبل حضوركم، وإن كنتم تحت الثرى في حياة أخرى فأنتم على مقربة منا.. ستظل رسائل الذكرى نحو العالم الآخر مفعمة بوجود الإنسان وما تحمله الذكريات من وجع ينغرس في باطن الأرض، لذا ينطق قلبي النابض بالحياة كلمات ود إلى قلوبكم الصامتة «أحبكم بحجم هذا الكون».

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

هند رجب.. من صوت طفلة إلى رسالة سينمائية في مهرجان كرامة

عمّان – لم يكن افتتاح الدورة السادسة عشرة من مهرجان "كرامة سينما الإنسان" في العاصمة الأردنية عمّان حدثا سينمائيا عابرا، ولا مجرد احتفاء جديد بحقوق الإنسان عبر الفن، بل لحظة تُستعاد فيها جراح لم تهدأ، ليعود إلى الواجهة صوت الطفلة الفلسطينية الشهيدة هند رجب التي لم يمهلها الرصاص لتكبر.

فمع انطلاق فعاليات المهرجان، تحوّل فيلم الافتتاح إلى مساحة يستعيد من خلالها الحضور صدى الطفلة هند رجب، الذي اخترق حصار الحرب ووصل إلى العالم بوصفه شهادة لا يمكن محوها.

هند رجب، التي تحولت مكالمتها الأخيرة مع طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني إلى واحدة من أكثر الشهادات الإنسانية قسوة في زمن الحرب على قطاع غزة، تظهر من جديد في عمّان عبر شاشة واسعة تلتقط قصة قصيرة في عمرها، كبيرة في أثرها، لتعيد طرح الأسئلة التي حاول العالم تفاديها، وتقدم واقعا لا يحتمل الصمت أو التأجيل.

مهرجان كرامة يحتفي بفريق العمل القائم على إنتاج فيلم "هند تحت الحصار" (الجزيرة)قصة لا تُنسى

بحضور جماهيري لافت، وفي مشهد يحتفي بالوعي ومسؤولية الفن، في مواجهة القضايا الإنسانية والحقوقية الكبرى، انطلقت في المركز الثقافي الملكي فعاليات الدورة الجديدة لمهرجان كرامة الذي يحمل هذا العام عنوان "بنك الحقوق"، وهو عنوان يوحي بأن الحقوق ليست مجرد شعارات، بل هي رصيد فعلي يجدر استعادته ومساءلة العالم عنه.

ليأتي حفل الافتتاح متوجا بعرض الفيلم الأردني القصير "هند تحت الحصار" للمخرج ناجي سلامة، وهو العمل الذي خص به مسرح المهرجان الرئيسي ليكون فاتحة لأيام سينمائية مكثفة تمتد حتى منتصف الشهر الجاري.

يحمل فيلم "هند تحت الحصار" مادة إنسانية متفجرة، مستندا إلى التسجيل الحقيقي لمكالمة أجرتها الطفلة هند رجب ذات الستة أعوام مع طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني، طالبة النجدة بعدما وجدت نفسها عالقة داخل سيارة عائلتها التي تعرضت لإطلاق نار أثناء اختبائهم في حي تل الهوا بغزة.

إعلان

وبين ارتجاف صوت الطفلة ومحاولات مسعفة الهلال الأحمر رنا الفقيه طمأنتها، تتسع مساحة الحكاية لتكشف ملامح الرعب الذي عاشته الطفلة هند وحيدة في لحظات فاقت قدرة البشر على الاحتمال.

رعب طفلة

يذهب المخرج ناجي سلامة عبر بناء بصري مكثف إلى إعادة الاعتبار لهذه اللحظة الإنسانية الجارحة، مستعينا بشهادات مسعفين وشهود عيان لإظهار حجم التهديد الذي واجهه كل من حاول الوصول إلى الطفلة.

أما مدير الإنتاج غسان سلامة، فأوضح أن الفيلم هو "محاولة سينمائية لفضح الفرقة العسكرية الإسرائيلية الخاصة التي قتلت الطفلة هند"، مضيفا في حديثه للجزيرة نت أن العمل يختصر قصة موجعة لإيصالها للعالم كله، في مواجهة رواية القتلة الذين وصفوا أنفسهم بـ"إمبراطورية مصاصي الدماء".

ومن بين الأصوات التي يعيد الفيلم إحياءها صوت عمر علقم من طواقم الهلال الأحمر، والذي كان على اتصال مباشر مع الطفلة حتى اللحظة الأخيرة، ويروي علقم في حديثه للجزيرة نت أن الشهيدين يوسف وأحمد -المسعفيْن اللذين أُرسلا لإنقاذها- "وصلا إليها بالفعل، لكن جنود الاحتلال باغتوهما وقتلوهما تماما كما قتلوا هند بدم بارد".

كما حضرت العرض لينا حماد، وهي طالبة جامعية قالت إن حضورها ليس بدافع الفضول السينمائي، بل لأنها أرادت أن ترى كيف يمكن لصوت طفلة واجهت الموت أن يتحول إلى عمل فني يلامس ضمير العالم بأسره.

مهرجان كرامة يعرض خلال أيام فعالياته أكثر من 70 فيلما روائيا وتسجيليا من مختلف أنحاء العالم (الجزيرة)أبعد من السينما

لتضيف حماد في حديثها للجزيرة نت أن "إنتاج الفيلم ليس مجرد قرار فني، بل هو موقف أخلاقي وفكري، يعيد طرح سؤال العدالة في وجه العالم، فبعد نحو عام على رحيل الطفلة، يأتي الفيلم ليقول إن الحكاية لم تُقفل، وإن السينما لا تُعيد الحياة إلى أصحابها لكنها تُعيد الذاكرة إلى مكانها الصحيح".

وعلى مدى أيام المهرجان، يعرض أكثر من 70 فيلما روائيا وتسجيليا وتحريكيا، بمدد طويلة ومتوسطة وقصيرة، قادمة من بلدان تمتد من فلسطين وسوريا والعراق وتونس ومصر ولبنان والسودان، إلى الهند وتركيا وأوروبا والأميركتين.

وتتوزع هذه الأعمال على قضايا إنسانية واسعة، لكنها تلتقي جميعا تحت مظلة واحدة عنوانها "حماية الإنسان وكرامته".

وتتنافس أفلام عربية وأجنبية في مسابقات المهرجان، إلى جانب عروض خارج المنافسة، وتشمل جوائز هذا العام:

أفضل فيلم وثائقي طويل. أفضل فيلم حقوقي (التي تمنحها "أنهار/ الشبكة العربية لأفلام حقوق الإنسان"). جائزة خاصة للأفلام الأردنية القصيرة.

كما تُعقد على هامش المهرجان مجموعة من الندوات، من أبرزها ندوة "ديمقراطية الصورة" ضمن الطاولة المستديرة "لازمنا اجتماع"، لمناقشة دور الصورة في تشكيل الوعي الجمعي في زمن الصراعات المتسارعة.

إقبال جماهيري واسع على فيلم هند رجب الذي يوثّق اللحظات الأخيرة من حياة الطفلة الفلسطينية (الجزيرة)منصة حقوقية

ومنذ تأسيسه عام 2010، شكل مهرجان "كرامة" أول منصة سينمائية دولية لحقوق الإنسان في الأردن، واستمر في شق طريقه باعتباره فضاء حرا للنقاش والحوار، متشابكا مع أكثر اللحظات الفكرية والأخلاقية حساسية في المنطقة والعالم.

إعلان

ومن خلال السينما والندوات والمنتديات والمعارض، رسخ المهرجان دوره كجسر للحوار الديمقراطي، وفضاء لتعزيز التفكير النقدي والمشاركة المدنية، مستقطبا جمهورا واسعا من الشباب والنساء والناشطين، إضافة إلى عشرات المخرجين والفنانين من الأردن والعالم.

طواقم الدفاع المدني في #غزة تعثر على جثامين متحللة للشهيدة الطفلة هند رجب و5 من عائلتها إلى جانب مسعفي الهلال الأحمر الفلسطيني الذين توجهوا لإغاثتها قبل 12 يومًا في حي تل الهوا جنوب غربي مدينة غزة #حرب_غزة #فيديو pic.twitter.com/cbbaz9w3Ji

— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) February 10, 2024

ومع نهاية عرض "هند تحت الحصار"، لم يكن الفيلم مجرد استعادة لقصة طفلة رحلت، بل بدا أشبه بمحاولة لإبقاء ذاكرتها حيّة، ولتذكير الجمهور بأن الحكاية لم تُغلق بعد، فهند رجب -رغم الغياب- لا تزال شاهدة على زمن تتقاطع فيه الأسئلة الكبرى مع صدى صوت طفلة تبحث عمن ينتشلها من تحت الحصار أو من قبضة الموت.

مقالات مشابهة

  • ما الدول التي يفضل «ترامب» استقبال المهاجرين منها؟
  • ترامب يكشف عن الدول التي يفضل استقبال المهاجرين منها
  • بالفيديو.. ياسر مدخلي لـ"ياهلا بالعرفج": مسرح الخشبة هو الحياة الموازية التي نتمناها ونبحث عنها ونصلح فيها ما نعجز عن إصلاحه في الحياة!
  • عودة: مؤتمر الفاتيكان أوربانيا صون الحياة وتعزيز الصحة والحوار الدولي
  • هند رجب.. من صوت طفلة إلى رسالة سينمائية في مهرجان كرامة
  • كوكيز الكاكاو: الحلويات التي تضيف البهجة لشجرة الكريسماس
  • من هي المرأة التي أيقظت العالم بموقفها ؟
  • المرأة التي أيقظت العالم بطريقتها
  • رسالة أصالة لسوريا تشعل مواقع التواصل… عودة منتظرة بعد 15 عامًا