أرجع شهود عيان موجة الحر القاتلة التي أدت إلى وفاة أكثر من ألف حاج، خلال موسم الحج، إلى عدم توافر أماكن الإقامة والخدمات الأخرى مثل مراكز التبريد، خاصة للذين سافروا إلى السعودية دون الحصول على التصاريح الرسمية الخاصة بالحج، وفق صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.
وتجاوزت درجات الحرارة في مدينة مكة المكرمة 51 درجة مئوية خلال موسم الحج، وفقًا لمركز الأرصاد الجوية السعودي.
ومن بين أكثر من ألف حاج قضوا خلال الحج، كان أكثر من النصف من الحجاج غير المسجلين، وغير الحاصلين على التصاريح الرسمية، وفقًا لوكالة فرانس برس.
وبحسب السلطات السعودية، فقد أدى 1.8 مليون حاج مناسك الحج هذا العام، وهو رقم مماثل للعدد المسجّل العام الماضي. ووفد 1.6 مليون من هؤلاء من خارج المملكة.
وتطرقت الصحيفة الأميركية، إلى دراسة نشرتها الجمعية الأميركية للأرصاد الجوية، عام 2021، إذ أشارت الدراسة إلى أن درجة الحرارة بالسعودية ارتفعت بمعدل أعلى بنسبة 50 في المئة، من بقية نصف الكرة الشمالي، على مدى العقود الأربعة الماضية.
وحذرت الجمعية من أن "استمرار هذا الارتفاع، يهدد قدرة الأشخاص على البقاء في تلك المناطق دون الحصول على تكييف الهواء".
كما تناولت الصحيفة دراسة أخرى، نشرتها مجلة جيوفيزكال ريسيرش ليترز عام 2019، قالت فيها إن "تغيُّر المناخ سيرفع الإجهاد الحراري للحجاج إلى مستويات تتجاوز عتبة الخطر الشديد، وذلك في الفترة من عام 2047 إلى عام 2052 ومن عام 2079 إلى عام 2086".
وكانت وزارة الصحة السعودية أعلنت، الأحد الماضي، تسجيل "2764 حالة إصابة بالإجهاد الحراري، بسبب ارتفاع درجات الحرارة بالمشاعر المقدسة والتعرض للشمس، وعدم الالتزام بالإرشادات". لكنها لم تعطِ أي معلومات عن الوفيات.
وتُصدر السعودية كل عام تصاريح رسمية من خلال نظام الحصص المخصصة لمختلف البلدان، التي يتم توزيعها على الأفراد عن طريق القرعة.
ولكن تكاليف رحلة الحج الرسمية الباهظة تغري حتى من لا يستطيعون الحصول على التصريح الرسمي، على اللجوء إلى الطريق غير الرسمي، من أجل توفير بضعة آلاف من الدولارات.
وصار هذا الأمر متاحًا بشكل خاص منذ عام 2019 عندما بدأت السعودية في إصدار تأشيرات سياحية عامة، وهو ما سهل السفر إلى المملكة الخليجية.
وقالت مصادر طبية وأمنية لرويترز، الأحد، إن عدد الحجاج المصريين الذين لقوا حتفهم أثناء مناسك الحج هذا الموسم، ارتفع ليبلغ 672 حاجا.
وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي "وجه بسحب رخص 16 شركة سياحة تحايلت لتسفير الحجاج بصورة غير نظامية وإحالة مسؤوليها للنيابة العامة".
ونقلت الصحيفة الأميركية عن شهود قولهم إن "ارتفاع درجات الحرارة وصل حتى إلى الأماكن المكيفة، إذ اضطر الحجاج إلى نثر الماء فوق بعضهم البعض، في محاولة لتفادي الإجهاد الحراري".
وأضاف الشهود أن "بعض الحجاج، قضوا أو انهاروا أثناء سيرهم كيلومترات تحت الشمس، وسط ارتفاع درجات الحرارة".
وقال الشهود إن "الحجاج غير المسجلين رسميا، مُنعوا في بعض الحالات، من الوصول إلى الخيام المكيفة ومراكز التبريد الرسمية الأخرى، حيث يمكن لحاملي تصاريح الحج تفادي درجات الحرارة المرتفعة".
وذكرت الصحيفة نقلا عن شهود عيان، أن "بعض الحجاج غير المسجلين الذين تعرضوا للمرض أو الإجهاد الحراري، لم يطلبوا المساعدة الطبية، خوفًا من أن تقوم السلطات السعودية بإبعادهم".
وقال أحمد بهاء، 37 عاما، وهو حاج مصري يعيش في السعودية، إن "المولدات التي تشغّل مكيفات الهواء داخل الخيام توقفت في وقت ما عن العمل بسبب الحرارة".
وأضاف "قلت لصديقي، لا أستطيع التنفس، وأشعر أنني سأصاب بضربة شمس أثناء جلوسي في الخيمة".
وقال إن "السلطات شجعت الحجاج على البقاء في الداخل، لكن كل من كان يسيرون في الشوارع تقريبا هم من الحجاج غير الحاصلين على تصاريح الحج الرسمية، لذلك كان وضعهم مفجعا".
وأفاد حجاج مصريون غير نظاميين لوكالة فرانس برس هذا الأسبوع بأنهم واجهوا صعوبات في دخول المستشفيات، أو استدعاء الإسعاف لأحبائهم، وقد قضى بعضهم.
وتعذر على هؤلاء استخدام حافلات الحج الرسمية، وهي وسيلة النقل الوحيدة حول الأماكن المقدسة، من دون دفع رسوم باهظة على نحو غير رسمي.
وبعدما اضطروا للسير كيلومترات عدة تحت أشعة الشمس الحارقة، أفاد البعض بمشاهدة جثث على قارعة الطريق، وحجاج ينهارون بسبب الإرهاق الواضح.
ووفقاً لصيام رسفيادي، رئيس بعثة الحج والعمرة الإندونيسية، فقد داهمت السلطات السعودية دور ضيافة وفنادق، واعتقلت مئات من الذين لم يكن لديهم تصاريح الحج الرسمية.
وتشير بيانات الحكومة الإندونيسية إلى أن 236 إندونيسيا توفوا. وقالت الوكالة الهندية المعنية بالشؤون الخارجية إن 98 مواطنا هنديا لقوا حتفهم أثناء الحج.
وقبل بدء موسم الحج هذا العام، أعلنت السلطات السعودية أنها أبعدت من مكة أكثر من 300 ألف شخص غير مسجلين لأداء الحج.
وبرأي الصحيفة فإن "العديد من الحجاج، ومعظمهم من البلدان ذات الدخل المنخفض، غالبًا ما يتم خداعهم من قبل الوسطاء أو وكلاء السفر، إذ يدفعون الأموال مقابل ما يعتقدون أنه رحلة تتضمن الخدمات، لكنهم يتفاجأون أنه لا توجد خدمات متاحة لهم".
ويقول باحثون إن "الحكومة السعودية بذلت بعض الجهود في السنوات الأخيرة، وكذلك قبل موسم الحج الأخير، لمحاولة تخفيف الضغط الحراري على الحجاج، لكن هذه الجهود ليست كلها فعالة"، وفق الصحيفة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قالت السلطات السعودية إنها قامت بطلاء الأسفلت المحيط بمسجد نمرة، بالقرب من جبل عرفات، باستخدام طبقة تبريد السطح، إذ قال المسؤولون هناك، إن "طبقة التبريد ستخفض درجات حرارة السطح، مما يخلق بيئة أكثر راحة للحجاج".
وتوفي ما لا يقل عن 49 حاجا تونسيا بسبب الحرارة الشديدة خلال موسم الحج، بينما لا تزال عائلات تبحث عن أقارب مفقودين.
وأقال الرئيس التونسي، قيس سعيد، الجمعة، وزير الشؤون الدينية، إبراهيم الشايبي، عقب موجة انتقادات واسعة، إثر وفاة وفقدان الحجاج التونسيين.
ووفقا لإحصاء رويترز، أعلنت تونس والأردن وإيران والسنغال أيضا عن مزيد من الوفيات، مما يجعل إجمالي عدد الذين قضوا من الحجاج خلال موسم الحج يتجاوز 1114 حاجا.
ودافع مسؤول سعودي كبير عن إدارة بلاده لمناسك الحج، الجمعة، وقد نسب كثيرا من الوفيات إلى الحر الشديد.
وقال المسؤول لوكالة فرانس برس في أول تعليق رسمي على وفيات الحجاج إن "الدولة لم تقصّر، ولكن هناك سوء تقدير من الناس الذين لم يقدروا المخاطر التي سوف تحدث لهم".
وبحسب المسؤول فإن هذا حدث "في ظروف جوية صعبة ودرجة حرارة قاسية للغاية"، معترفا بأن الرقم لا يشمل كامل موسم الحج الذي انتهى رسميا، الأربعاء.
وأضاف المسؤول السعودي "نقدر عدد الحجاج غير النظاميين بحوالي 400 ألف شخص غالبيتهم العظمى من جنسية واحدة"، في إشارة إلى مصر.
ونفى المسؤول السعودي منع استخدام حجاج غير نظاميين للحافلات، وقال: "ليس هناك منع من استخدام (الحجاج غير النظاميين) للحافلات، لكن هذه الحافلات معدة مسبقا للحجاج النظاميين الذين نعرف أنهم قادمون".
ويتأثر الحج وهو، أحد أركان الإسلام الخمسة، بشكل متزايد بالتغير المناخي بحسب دراسة سعودية أفادت بأن الحرارة في المنطقة ترتفع 0.4 درجة مئوية في كل عقد، لكن موعد الحج يتغير سنويا بحسب التقويم الهجري مما يعني أنه يحل لسنوات أيضا خلال فترة حرارة معتدلة في الخريف والشتاء، قبل العودة مجددا للصيف القائظ.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: السلطات السعودیة الإجهاد الحراری خلال موسم الحج درجات الحرارة الحج الرسمیة الحجاج غیر فرانس برس من الحجاج أکثر من
إقرأ أيضاً:
دراسة: نصف سكان العالم تعرضوا لشهر إضافي من الحر الشديد بسبب تغير المناخ
كشف تقرير علمي جديد، أن نحو نصف سكان العالم عانوا من شهر إضافي من درجات الحرارة الشديدة خلال العام الماضي، بسبب تغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية.
وأوضح الباحثون الذين أعدوا الدراسة أن استمرار حرق الوقود الأحفوري يؤدي إلى تفاقم موجات الحر، ما يتسبب في أضرار صحية وبيئية متزايدة تطال جميع القارات، ولا سيما في الدول النامية، حسب تقرير نشره موقع "phys.org".
وشددت عالمة المناخ في "إمبريال كوليدج لندن" فريدريك أوتو، وهي من المشاركين في إعداد التقرير، على أن "مع كل برميل نفط يُحرق، وكل طن من ثاني أكسيد الكربون يُطلق، وكل جزء من درجة الحرارة المُرتفعة، ستؤثر موجات الحر على عدد أكبر من الناس".
وأُجري التحليل من قبل علماء في مؤسسة World Weather Attribution، ومركز المناخ المركزي، ومركز الصليب الأحمر والهلال الأحمر للمناخ، ونُشر قبيل يوم العمل العالمي لمكافحة الحرارة في 2 حزيران /يونيو، الذي يركز هذا العام على مخاطر الإجهاد الحراري وضربة الشمس.
وأشار التقرير إلى أن الباحثين قاموا بدراسة الفترة الممتدة بين 1 أيار /مايو 2024 و1 أيار /مايو 2025، وعرّفوا "أيام الحر الشديد" بأنها الأيام التي تجاوزت فيها درجات الحرارة 90 بالمئة من أعلى درجات الحرارة المسجلة بين عامي 1991 و2020 في موقع معين.
وباستخدام نماذج مناخية خضعت لمراجعة علمية، قارن الباحثون عدد هذه الأيام بما كان سيحدث في عالم لا يعاني من تغير مناخي من صنع الإنسان، فوجدوا أن ما يقرب من أربعة مليارات شخص، أي 49 بالمئة من سكان العالم، تعرّضوا لحر شديد لمدة 30 يوما إضافيا على الأقل.
وأوضح التقرير أن الفريق العلمي رصد 67 حالة حر شديد خلال العام الماضي، ووجد في كل منها بصمة واضحة لتغير المناخ.
ولفت الباحثون إلى أن جزيرة أروبا في الكاريبي كانت الأكثر تضررا، حيث سجّلت 187 يومًا من الحر الشديد، أي أكثر بـ45 يوما من التقديرات المفترضة في غياب تغير المناخ.
وتأتي هذه النتائج في أعقاب عام شهد درجات حرارة غير مسبوقة عالميا، فقد كان عام 2024 الأشد حرارة منذ بدء التسجيلات، متجاوزا عام 2023، كما سجّل شهر كانون الثاني /يناير 2025 أعلى درجة حرارة شهرية على الإطلاق.
وأشار التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة العالمية على مدى خمس سنوات بات أعلى بمقدار 1.3 درجة مئوية من مستويات ما قبل الثورة الصناعية، فيما تجاوزت درجات عام 2024 وحدها حاجز 1.5 درجة، وهو الحد الرمزي الذي حددته اتفاقية باريس للمناخ.
ونوّهت الدراسة إلى نقص حاد في البيانات الصحية المتعلقة بتأثيرات الحرارة في الدول منخفضة الدخل، مضيفة أنه في حين سجّلت أوروبا أكثر من 61 ألف حالة وفاة مرتبطة بالحرارة في صيف 2022، فإن أرقاما مماثلة نادرة في أماكن أخرى بسبب سوء التوثيق أو التشخيص.
وأكد المؤلفون على ضرورة تعزيز أنظمة الإنذار المبكر، وزيادة التوعية العامة، ووضع خطط محلية للتعامل مع موجات الحرارة في المدن.
كما شددوا على أهمية تحسين تصميم المباني من خلال التظليل والتهوية، وتبنّي سلوكيات أكثر أمانا مثل تجنب الأنشطة البدنية الشاقة خلال ساعات الذروة.
لكن الباحثين حذروا من أن هذه التدابير لا تكفي وحدها، وقالوا إن "الطريق الوحيد لوقف تصاعد شدة وتكرار موجات الحر هو التخلص العاجل من الوقود الأحفوري".