إسرائيل «ضعيفة مثل بيت العنكبوت».. ولكن!
تاريخ النشر: 28th, June 2024 GMT
فى 26 مايو 2000، وصل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، إلى بلدة بنت جبيل اللبنانية الصغيرة، على بعد بضعة كيلومترات من الحدود الإسرائيلية. كان يبلغ من العمر 39 عامًا آنذاك، ويرتدى عمامته السوداء المألوفة وثوبًا بنيًا،وألقى أحد أشهر الخطب فى حياته المهنية.
وفى اليوم السابق لوصوله، انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان بعد احتلال دام سنوات، حيث تعرضت لمضايقات من جانب حزب الله وجماعات أخرى.
ألقى نصر الله خطابا شهيرا أكد فيه أن إسرائيل «ضعيفة مثل بيت العنكبوت» على الرغم من أسلحتها النووية. وقد أصبحت المواضيع التى تناولها فى خطابه فى ذلك اليوم تحدد رؤية نصر الله للعالم فى العقود التى تلت ذلك، حيث دمجت مفاهيم اللاهوت الشيعى وخطاب التحرير، وتأسست على الاعتقاد بأن المقاومة الحقيقية يمكنها التغلب على قوة عسكرية متفوقة بكثير.
ومنذ ذلك الحين، تحول حزب الله، سواء كقوة مقاتلة أو فى علاقته مع الدولة اللبنانية الهشة، ليصبح قوة سياسية واجتماعية. ولكن فى حين أن خطاب نصر الله ربما ظل دون تغيير، فإن تقديره لهشاشة القوة، حتى بالنسبة لأقوى جهة فاعلة غير حكومية مسلحة فى العالم، قد تحور وقاد حزب الله إلى حافة صراعه الأكثر خطورة. لقد أرسلت صواريخ وطائرات بدون طيار إلى إسرائيل، بينما تضرب إسرائيل أهدافًا فى لبنان وحزب الله بغارات جوية.
عندما يلقى نصر الله خطاباً هذه الأيام، لا يظهر نصر الله شخصياً، بل على شاشة التلفزيون. أصبحت خطابات نصر الله الطويلة والمتكررة فى كثير من الأحيان موضوعاً لتفسيرات لا نهاية لها خلال الأشهر الثمانية الماضية من الحرب فى الشرق الأوسط.
فى حين يتم تصوير نصر الله وحزب الله فى كثير من الأحيان باعتبارهما وكيلين لإيران، فإنهما أكثر من ذلك. فهما لاعبان إقليميان مهمان فى حد ذاتهما، إلى جانب ارتباطهما العميق بطهران.
إن سياسة نصر الله فى الأسابيع الأولى من الاشتباكات عبر الحدود التى بدأت فى 8 أكتوبر، أى بعد يوم واحد من هجوم حماس المفاجئ على جنوب إسرائيل، كانت مصممة ظاهرياً لتخفيف الضغط على الجماعة الفلسطينية المسلحة فى غزة، وهى استراتيجية يبدو أنها كانت أكثر فعالية. على الصعيد الدبلوماسى أكثر منه على الصعيد العسكرى. نسج نصر الله القضايا الإقليمية العالقة على الحدود اللبنانية بما فى ذلك مزارع شبعا التى تحتلها إسرائيل، والتى تطالب بها سوريا أيضاً.
ومن خلال تنحية الوضع الراهن بين إسرائيل وحزب الله جانباً والذى ظل قائماً منذ نهاية حرب لبنان الثانية التى دامت شهراً فى عام 2006 والتى جلبت دماراً هائلاً للبنان، فقد رمى نصر الله حجرا. مكذبا الغموض المتعمد فى تصريحاته، التى تتأرجح بين التهديدات للمدن الإسرائيلية والإصرار على أن جماعته لا تريد حربا شاملة.
وفى الأشهر اللاحقة، أدت ديناميكيات الحرب المتصاعدة إلى وصول الاعتبارات التى دفعت نصر الله إلى دخول الصراع إلى نقطة الانهيار. لقد أصبح «الصراع المُدار» خارج نطاق السيطرة على نحو متزايد مع استهداف إسرائيل كبار مسئولى حزب الله وإطلاق حزب الله النار على أهداف عسكرية ومدنية إسرائيلية، ومؤخراً هدد حيفا ومدن أخرى.
وفى الحقيقة أن الصبر الاستراتيجى هو جزء من نظرة حزب الله. وما نفعله لفهم موقف حزب الله لا يتجاوز التخمينات والافتراضات، لكننا لا نصل إلى الشبكة الداخلية لفهم عمليات صنع القرار.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفي محمود الحدود الإسرائيلية الشرق الأوسط حرب لبنان الثانية نصر الله حزب الله
إقرأ أيضاً:
رحل الساحر ولكن.. للثروة حسابات أخرى
حين يُذكر اسم محمود عبد العزيز، يتبادر إلى الذهن فورًا فنان من طراز خاص، لا تُختزل مسيرته في عدد الأفلام أو الجوائز، بل في ما تركه من أثر حقيقي.
لم يكن من هواة الصخب، ولا من نجوم العناوين العريضة، لكنه كان حاضرًا بقوة في قلوب الجمهور، بأدواره الصادقة، وموهبته.
لذلك، يبدو مؤلمًا ومربكًا أن يُستدعى اسمه اليوم في خضم أزمة عائلية، لا تليق بتاريخه، ولا تعبر عن صورته الحقيقية. فالرجل الذي عاش بعيدًا عن الخلافات، واختار دائمًا أن يتحدث فنه نيابةً عنه، لا ينبغي أن يصبح اسمه جزءًا من جدل حول الميراث أو أوراق الطلاق.
أن يتحول "الساحر" الذي ألهم الأجيال، إلى اسم عالق في أزمة عائلية، تتنازعه بيانات وتصريحات عن الميراث، وأوراق الطلاق.
الحقيقة أن هذا المشهد لا يُسيء لمحمود عبد العزيز، بقدر ما يجرح صورة نحب أن نحتفظ بها نقية، كما عرفناها. فهو لم يكن يومًا "ثروة" تُقسم، بل "قيمة" تُحترم. رجل عاش ومات بعيدًا عن المزايدات.
في عام 2016، رحل "الساحر" عن عالمنا، تاركًا إرثًا فنيًا كبيرًا وسيرة عطرة لا يزال يُشهد له بها بين زملائه ومحبيه. واصل نجلاه، محمد وكريم محمود عبد العزيز، المسيرة الفنية بأعمال نالت ترحيب الجمهور، الذي استقبل حضورهما بمحبة تشبه ما كان يكنّه لوالدهما.
والحق يُقال، لم يزجّ الثنائي نفسيهما في أي خلافات أو مشادات عبر السنوات، بل ظلا حريصين على الدعاء لوالدهما وذكره بالخير في كل مناسبة.
كما ترك زوجة أحبّته حتى النهاية، هي الإعلامية بوسي شلبي، التي غادرت منزلهما يوم رحيله، مدركةً أنه أوصى بكل ما يملك لنجليه، حسب ما يؤكده عدد من المقربين منهما في الوسط الفني.
وهنا يطرح السؤال نفسه: ما الذي تغير بعد تسع سنوات من الوفاة، حتى يُزج باسمه في قضايا من هذا النوع؟
نجله الأكبر، المنتج والممثل محمد محمود عبد العزيز، نفى تمامًا كل ما تردد حول نزاع على قطعة أرض بمليارات الجنيهات، مؤكدًا أن إعلام الوراثة الرسمي الصادر بعد الوفاة لم يتضمن سوى اسمه واسم شقيقه فقط.
لقد أحبّ محمود عبد العزيز أبناءه حبًا جارفًا، وفضّلهم في حياته على الجميع، وربما اعتقد أن هذا وحده كافٍ ليُدركوا أن قيمة الشرف والاحترام أعلى من أي خلاف على مال. لكن من المؤسف أن يتم الزج باسمه في بيان يطعن في زواجه.
وإن كانت محاولة نفي الزواج مرتبطة بخلاف على الميراث، فهل كان من الأجدر أن تُحل الخلافات في صمت، بدلًا من تشويه صورة فنان عظيم لم يعد بيننا، ولا يملك حق الدفاع عن نفسه؟
على الجانب الآخر، تقف الإعلامية التي ما دام أكدت في لقاءاتها أنها لا تزال على العهد، وفية لزوجها الراحل، ومخلصة لكل لحظة بينهما، حاملة ذكراه في قلبها كما اعتدنا أن نراها. لكن السؤال المشروع هنا: لماذا قررت إثارة هذه القضايا والخلافات، التي بدأت منذ عام 2021، لإثبات أن الطلاق الذي تم في أواخر التسعينيات — بعد شهور قليلة من الزواج — لم يُوثق بشكل نهائي؟
إذا كانت تمتلك بالفعل أوراقًا رسمية تثبت الزواج، كما تقول، وإن كانت لا تطالب بالمال أو الميراث — كما يدّعي بعض أصدقائها من الوسط الفني — فما الذي يدفعها لفتح هذا الملف الآن؟ وهل يمكن أن يُفهم هذا الإصرار على إثبات الزواج كإشارة إلى أن الراحل قد "ردّها" إلى عصمته شفهيًا دون توثيق؟
شرعًا، تُعد زوجته. لكن قانونًا، إذا كانت تملك منذ سنوات ما يثبت الزواج، فلماذا لم تُعلن ذلك إلا بعد مرور تسع سنوات على وفاته؟
وإذا كان الاتفاق — كما يؤكد المقربون منهما — هو ألا تطالب بأي شيء من الإرث احترامًا للعِشرة ولأبنائه، فلماذا تراجعت فجأة؟
هل هذا هو الوفاء الذي اعتادت أن ترفعه ؟ أم أن بعض الأسئلة لا تجد إجابات، لأن الحقيقة ليست دائمًا كما تُروى؟
الجميع يقف الآن طرفًا في حرب من تبادل التصريحات، كلٌّ يحاول إثبات صحة موقفه بكل ما أوتي من قوة. لكن هذه المعارك، بكل ضجيجها، لا تليق بمحمود عبد العزيز. فلا يجب أن تُبنى النزاعات على حساب فنان رحل، لا يملك اليوم أن يدافع عن نفسه، ولا أن يروي ما غاب من تفاصيل لا يعلمها سوى الله.
هو الذي لم يتحدث كثيرًا عن نفسه، ولم يسعَ إلى رسم صورة أسطورية له. اكتفى بأن يكون صادقًا، وترك أعمالًا تُغني عن أي سيرة. من "رأفت الهجان" الذي أصبح رمزًا وطنيًا، إلى أدوار الإنسان البسيط في "الكيت كات"، و"البرئ"، و"الساحر"… لم يكن بطلًا خارقًا، بل إنسانًا يعرف كيف يصل إلى قلوب الناس دون ادعاء.
وهكذا نحب أن نتذكره: فنانًا صدق نفسه فصدقه الناس، أبًا ترك في عيون أبنائه دفئًا حتى وإن اختلفوا بعده، ورجلًا لم يكن بحاجة لمن يُدافع عنه بعد رحيله.
الجدل حول المال لا يُغيّب الحقيقة: أن الإرث الحقيقي لمحمود عبد العزيز لا يُقاس بالممتلكات، بل بالمحبة. محبة جمهور لا يزال يستعيد مشاهده، ويرويها للأبناء، وينحني احترامًا لفنٍّ لا يموت.
ولأن الثروة الحقيقية لا تُورَّث… بل تُستلهم، سيبقى اسمه في المكان الذي يليق به: في القلوب، لا في سجلات المحاكم.