ستة وسبعون عامًا ولم يكفوا بعد عن سرقة صباحاتى، قهوتى، إفطارى وعشائى، خيوط ثوبى، مفتاح بيتى العتيق.. إنهم يسرقوننى كل يوم تحت سمع وبصر العالم من حولى.. لصوص يحملون شارات نجمة داود على صدورهم.. أصرخ فى وجوههم البغيضة وأنا أنتفض راميًا إياهم بالحجارة متوعدًا بالصمود أن نجمة داود هى كنعانية الأصل فلسطينية الانتماء، ولا علاقة لها بما سمى ماجين داود والتى تترجم إلى درع داود وليس نجمته.
يعلو صوتى ومن حولى الأبناء والاحفاد وعجائز الحى.. أردد كلمات الدكتور إياد يونس التى أحفظها عن ظهر قلب فى بحث نشره على موقع المعهد التونسى للعلاقات الدولية، بعنوان: «أصول النجمة السداسية التى اغتصبها اليهود»، فى 13 أيار مايو 2020، إن الصهاينة قاموا بسرقة النجمة السداسية، وسرقة الأبجدية الكنعانية من أجل اختلاق لغة مزعومة كما اغتصبوا الأرض تمامًا. أردد بأعلى صوتى ان دكتور يونس لا يقرئكم السلام بل يؤكد أنكم أحفاد اللصوص الصهاينة الأوائل الذين قاموا بسرقة (نجمة كنعان) بداية فى القرون الوسطى، وأن أول استخدام لها كان بهدف زخرفى لنسخة توراتية كان فى العام 1200، ولم تكن حينها ذات رمز دينى.
يأخذ الحماس الجمع يرددون بصوت أعلى ما يرضعه الكبير للصغير حتى لا ينسى هويته وتاريخه صائحين ان جيشنا من الباحثين فى التاريخ المدافعين عن حقوقنا المسروقة أكدوا أن ختم سليمان الرسمى لم يكن النجمة السداسية بل النجمة الخماسية، والنجمة السداسية هى رمز عمره أقدم من عمر الدولة الآشورية وحتى السومرية من قبلها، أى ما قبل ابراهيم عليه السلام. واستخدمت النجمة السداسية فى العديد من النقوش والزخرفات فى العصور الإسلامية فى الشام والعراق ومصر وتونس والمغرب العربي، لتزيين حيطان البيوت، وما يسمى بالأبلق فى بلاد الشام، وزخرفة مغلاقى النوافذ الخشبية فى الأزقة والبيوت، منذ ما قبل الدولتين الآموية والعباسية ومن ثم الفاطمية فى مصر والمغرب العربى. وإذا ما تجولت فى المدينة القديمة فى دمشق والقاهرة والقيروان والدار البيضاء وغيرها، فسيلفتك استخدام النجمة السداسية فى زخرفات البيوت ومصارع النوافذ الخشبية ومنها، على سبيل المثال لا الحصر القديمة المدرسة المستنصرية فى دمشق، والتى بنيت فى عهد الخليفة العباسى المستنصر بالله.
هؤلاء الصهاينة يسرقوننى وهم يثرثرون كل أيام الأسبوع وشهور العام.. يسرقون ما شيده أجدادى من عمائر دينية كالمساجد والكنائس ودور العلم والأضرحة والزوايا والخانقاهات والتكايا وعمائر أخرى كالقصور والمنازل والأسواق والخانات والمراكز الصحية والحمامات والسبلان، يسرقون الحرف اليدوية والصناعات التقليدية والقطع الأثرية التى تمت صناعتها بأيدي أعمامى وأخوالى بالاعتماد على المواد الخام الموجودة فى وطنى فلسطين كالخزف والفخار والنحاس والزجاج والقش والصياغة إضافة إلى صناعة الصابون وزيت الزيتون.. يسرقون مطبخى الفلسطينى بكل أدواته المختلفة كالطابون وحجر الرحى والأدوات النحاسية والجرار وأماكن التخزين، وأدوات النسج والغزل والحياكة والتطريز كأدوات غزل الخيوط وأدوات الحياكة.
سرقوا ثوبى التقليدى الفلسطينى.. يقلدون بفجاجة المجسمات والأشكال الهندسية وصور النجوم والصور الرمزية، وينسبونها لأنفسهم ويقدمونها فى معارض الأزياء العالمية باسم اسرائيل.. يسرقون أثواب المخمل الأبيض والأحمر والأسود والمعروفة باسم تحت أثواب الملكة، يسرقون ولا يعرفون ان كل ثوب له قطبة مميزة تدخل فيها العروق المختلفة الألوان والأشكال وكل منها رمز يحمل بين طياته معنى أو قصة مأثورة أو ذكرى معينة فلسطينية.
حتى أقوالى المأثورة ومناسباتى العامة واحتفالاتى لم تسلم من يدهم الممدوة بالسرقة.. حكاياتى ولحظاتى المبهجة بالرقص والألعاب كالحناء والدحية والسحجة والزفة التى تصحبها الزغاريد الفلسطينية وما يرافقها من رقصات ودبكات شعبية.. عاداتى وتقاليدى وممارساتى اليومية أيضًا سرقوها ونسبوها ظلمًا وعدوانًا لأنفسهم وسجلوها فى منظمة اليونسكو باسم إسرائيل فى محاولة لزرع الإنسان الأوربى ذى البشرة البيضاء والعينين الزرقاوين فى بيئة آسيوية أفريقية عربية إسلامية.
يقول هؤلاء اللصوص ليل نهار ان وطنى أرض بلا شعب.. وان قرى سيرين، قاقون، عتليب، السنديانة، الطنطورة، مسكة و...، و...، و...... ببساتينها وزيتونها وأهلها الطيبين ما عادت فى الوجود بعد ان هجروا ساكنيها وطمسوا معالمها التاريخية وحولوا مساجدها وبيوتها التراثية إلى معارض للصور ومعابد ومتاحف عبرية خاوية تشع البرودة والزيف بأرجائها.. أظهر اللصوص الصهاينة فى جنح الليل خريطة جغرافية أخرى وكتبوا أن المدن والأماكن الجغرافية المعروفة، مثل القدس وأريحا ونابلس والخليل ونهر الأردن وغيرها، حملت أسماء أورشليم، هبرون، بيت شيعان؛ شفرعم؛ كفر حنينة؛ بيت جبرين... وغيرها.
هؤلاء الصهاينة يسرقوننى منذ ستة وسبعين عامًا.. وأنا صامد أقاوم وأنتفض.. أحارب وأتوعد.. أمر كل يوم على كنيسة المهد، كنيسة مريم المجدلية، حمام الباشا، مقام النبى صالح، بئر يعقوب.
أحكى طوال الوقت عن أكثر من 20 حضارة مرت هنا من تحت قدمى كنعانية مصرية وبابلية وآشورية ويونانية وفينيقية ورومانية وعبرية ومسيحية وإسلامية.
قاومت ونجحت كفلسطينى فى تسجيل القدس والمسجد الأقصى، الخليل والمسجد الإبراهيمى وبيت لحم مكان ولادة السيد المسيح كنيسة المهد ومسار الحجاج على لوائح التراث العالمى باسم فلسطين.
أجلس كل ليلة أمام دارى منتظرا اللص الصهيونى القادم لسرقة ما تبقى لى من ممتلكات يستطيع حملها أو هدمها.. مبتسمًا ابتسامة شهداء غزة الأبرار.. بيقين انه لن يستطيع سرقة ذاكرتى وتاريخى.. لن يستطيع سرقة الوطن.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
باسم الأَب وغزّة والأُخوة الشهداء السّتة
المتوكل طه
**
كانوا له مثلما كانت الشمسُ للأرضِ،
إذ بلغوا عَرْشَه،فاطمأنَّ..
لكنّها الحربُ؛تأخذُ منّا الهواءَ،فتختنقُ الشَهَقاتُ،
وما مِن زمانٍ يعودُ،ولا مِن بُكاءٍ يُعيد.
كبروا بين كبشٍ وحُزنٍ،ونَذْرٍ،وليلٍ طويلٍ،وَعِيد.
وظلَّ على سَمْتِه يحرثُ الطينَ،
يسقي اليراعاتِ من عينه،
وابتنى غيرَ دارٍ لكي يسكنَ الطيرُ والزَّغبُ المُطمئنُّ،
وترقى على كتفِ القوسِ ناريّةٌ،قد تردّ اللظى
عن منامٍ خفيفٍ،يُداعبه عودةً للبلادِ،
التي سرقوها،
فكان كما اللاجئين الذين ينامون كي يحلموا بالرجوعِ،
وما من وعودٍ وما من وعيد.
ودبّت حروبٌ،فكان ينقّلُ أحفاده بين أحضانه،
وانزوى تحت أشجاره،
ودعا اللهَ كي يحفظَ الفلذاتِ،
وغصّ كثيراً،لأنّ مياهَ الفصولِ دماءٌ،
وخبزَ الوضيمةِ فَحمُ الثريد.
وراح يخبُّ،هنا أو هناكَ،
فيلقي الذي نزحوا في الدروب،فيبكي عليهم!
وظلّ على هذه الحالِ عشرةَ آلاف مجزرةٍ
في الطريق..
يجرُّ الخيامَ وبعضَ الفِراشِ،ويبقى يصلّي،
فلا بأسَ إن ماتَ،لكنّه لا يريدُ لأبنائه أن يموتوا،
فقلبُ الأُبوّةِ هشٌّ ولا يستطيعُ احتمالَ الحديد.
وماتوا!فماذا نقولُ وماذا نزيد؟
قامَ..
صلّى وسلّمَ،ثمّ توضأ ثانيةً بالترابِ..
وقال:لهُ الحمدُ في كل حالٍ وفي كلِّ حينٍ.
لكَ الحمدُ يا ربُّ،أكرمتني كرماً واسعاً،
فَلهم جنّةُ الخُلدِ،هذا جزاءٌ عظيمٌ.
سنمضي جميعاً إلى القبرِ،مهما بلغنا من العُمْر،
والفوزُ مَن فازَ بالجنّتينِ،فحمداً كثيراً،
وآملُ يا ربّ ألّا أظلّ وحيداً،
فَدَع لي صغيري الحفيدَ الوحيد.
وقالَ؛تعالوا نُصلّي عليهم،
فإنّي رضيتُ..فأبكى الرجالَ وهالَ الشريد..
ولما انتهوا ومشوا للقبورِ؛أتى صوتُ أشجارِهم
من وراء الرّكامِ؛يحشرجُ،مثلَ الثكالى على جثّةٍ من قديد.
لقد بلغوا ساعةَ الكَشْفِ؛
فالأكبرُ البِكْرُ يشبهُ والدَهُ في الملامحِ والسيرِ،
زوّجهُ منذ عشرين عاماً،
فصار أخاه المجازيّ طولاً،ويضحكُ حتى النواجذ.
يعشقُ شايَ المواقدِ،وهو على سدَّةِ الحقلِ،
متّجهاً للسماءِ،
وقد يرجعُ العصْرَ للبيت منفرداً،
فالأبُ الشيخُ يبقى مع الغصنِ حتى يُضيءَ له الليلَ،
ثمّ يُصلّي العِشاءَ ويرجع مشْياً..وفي الحوش يجتمعون لكي يلعبوا معه،قبل أن يذهبوا للمهودِ،وينْقُدَهم ما تيسّرَ،
حتى تطيرَ الفراشاتُ من غدِها في المدارسِ،
فالصفُّ حلوى ودفترُ رَسْمٍ ووَجْهٌ سعيد.
ويعملُ ثاني الرجالِ بِمعملِه المخبريّ،
يحلّلُ أوردةَ المُتعبينَ،
ويقضي النهاراتِ مُنشغلاً بالقواريرِ،
حتى تزوّجَ أجملَ قارورةٍ أيقظت عِطْرَهُ،
ثُمّ جاءت له بالمراجيحِ،فانشرحَ الصّدرُ،
حتى إذا قامت الحربُ راح ليعملَ ردْف الأطباءِ..
ظلّ هنالك قلبَ العيادةِ،ليلاً نهاراً،
وما نامَ،إذ إنّهم قصفوا كلّ شيءٍ،
فلم يتبقَ سوى غرفتين هما للطوارئ والفحصِ..
ظلّ،وما عادَ للبيتِ إذ قصفوه،
فطارَ بمَن فيه،أعني الوليدَ وأُمَّ الوليد.
وثالثهم سيّدُ الموجِ والصيدِ،
يعرفُ أمزجةَ الماءِ والرّيِحِ،
يركبُ قنديلَه،ثم يمضي بعيداً ليرجعَ،عند الشروقِ
مليئاً بأسماكِه النابضاتِ،
وفي البالِ حوريّةٌ لوَّعته،
فما ترك النّايّ،بل جرّحَ البحرَ بالنهاوَندِ،
وساءَلَه عن حجازِ الدموع ورَجْعِ الصَّبا،
والفتى،خلفَ أمواجه الباكياتِ،يدورُ
ويبحثُ عن نجمةٍ في البعيد.
ورابعهم ينقشُ المُدنَ الهالكاتِ على الرّوحِ،
حتى يُعادَ القوامُ لها مثلما نشأت،
فاهدموا ما استطعتم!
لقد حَفَرَ البابَ والسوقَ والسورَ،
أبقى المآذنَ والشاطئ الذَهبيَّ،
وحدَّ المنازلَ بالوردِ،
ثمّ أتى بالنجومِ جميعاً لرصفِ الدروبِ،
وقال؛لها قمرٌ لا يغيبُ،سيبقى بكامل أعراسه في الصعيد.
وخامسُ أخوته مَن يغنّي إذا اشتدتِ العاصفاتُ،
ويبعثُ منديلَ عاشقةٍ للمجرّاتِ،
إذ فَقَدَت شمسَها،
أو يعودُ لها بالجحيمِ،فتقبضُها في اليمين،
ويمشي بها للمتاريسِ،حتى إذا هبّت النارُ،
ألقت جحيمَ براجِمها في الجنودِ،
وعادت،تربّتُ فوقَ الجَنين الذي
سوف يأتي،ليقطعَ دابرَهم من جديد.
وسادسُهم قمرٌ هادئٌ،يعرفُ اللهَ دون كلامٍ،
ويقضي اللياليَ مع شيخه،أو يقول له؛
لستُ مِثلَكَ،
إنّ التكاليفَ لا شيءَ إنْ ظلّ بيتيَ تحتَ الحصارِ المريرِ،
فما الصلواتُ إذا لم تكن صرخةً في الوجودِ؟
وما الصومُ،والناسُ جوعى؟
وما الحجُّ إن بقي القيدُ في الكفّ؟
هل يأبهُ اللهُ بالناسِ إن لم يثوروا على الحاكِمِ المُستبدِّ،
ولم يبعثوا النارَ في الجيشِ؟
كونوا جهنّمَ في وجهِ دبّابةٍ للغُزاةِ،
وقولوا؛هنا غزّةُ النار،فهل مِن مزيد!
وسابعُهم ألفُ ألفٍ،من الشهداء؛
الذين مضوا للفراديسِ،
لكنّهم لم يموتوا،وظلّوا على شُرفات السماءِ،
وقد تركوا أرضَنا للضياءِ،
وخلّوا سماواتِنا للنشيد.
وقيلَ؛بأنَّ النساءَ اللواتي ذهبنَ إلى المأتمِ المُرِّ،أقسمنَ
أنَّ الإلهَ الذي خَصَّها بالهدوءِ،وحَطّ يديه على قلبِها..
صبَّ على جَمْرِها غيمةً من جليد.
*من شعراء الارض المحتلة.