«معظم اليهود لصوص»، قولة حق قالها يوما بن جوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي، فلم يكتف بنو صهيون باغتصاب الأراضى الفلسطينية، بل امتد الأمر لسرقة التراث الثقافى والفنى والتاريخى، بهدف صناعة تاريخ زائف للدولة العبرية، وتوحيد مواطنى الدولة كشعب واحد، وإذا ما كان العالم قد شهد بعض الحالات التي قامت فيها القوى الاستعمارية بسرقة آثار المستعمرات إلا أنه لم يشهد حالة يقوم فيها اللص بسرقة حكايات وسرديات وتاريخ البلاد كما هو الحال فيما تقوم به إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني.

وها هو وزير الثقافة الفلسطيني، الدكتور عاطف أبو سيف، يقول إن الاحتلال الإسرائيلي يعد أكبر تهديد يواجه التراث والآثار في فلسطين من خلال عمليات السرقة التي يقوم بها.

مؤكدا خلال كلمة فلسطين باليونسكو، إن "إسرائيل التي تحتل بلادنا هي أكبر لص آثار في التاريخ، إنها تسرق تراثنا وآثارنا وموجوداتنا التاريخية".

هكذا أصبح النهب سياسة إسرائيلية محورية على مدى التاريخ. تتجلى بوضوح اليوم فى تباهى الجنود والمستوطنين على مواقع التواصل الاجتماعى بما نهبوه خلال الحرب الحالية على غزة تحت أعين العالم، وهو ما أكده المكتب الإعلامى الحكومى فى غزة الذى قدر قيمة المسروقات، منذ بداية العدوان الإسرائيلى فى أكتوبر الماضى، بنحو24.5 مليون دولار أمريكي، حيث وقعت عمليات السرقة على الحواجز والمعابر الإسرائيلية بسرقة النازحين وممتلكاتهم من أموال وذهب عنوة، أو بالسطو على المنازل، وأخذوا لهذه الجريمة صورا تذكارية ومقاطع فيديو نشرها بعضهم على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، كما حدث فى بيت لاهيا، فى ظل غياب كامل للمساءلة.

السطو على التاريخ العربى، كان أولى خطوات مؤسسى دولة إسرائيل، لإسباغ الشرعية على احتلال الأراضى الفلسطينية، وصناعة تاريخ مزيف، يبرر الانتهاكات والاستيطان، حيث يفترض مؤسسو إسرائيل، أن الجماعات الصهيونية التى احتلت فلسطين هم من نسل القبائل العبرانية التى عمرت البلاد، قبل وصول العرب إليها بمئات السنين.

وخلال حرب عام 1948، كان النهب ظاهرة عامة واسعة النطاق، حيث قام الجنود الإسرائيليون والمستوطنون على حد سواء بنهب الممتلكات الفلسطينية ـ بما فى ذلك المنازل والمتاجر والشركات والمزارع، والماشية، والآلات الزراعية، والأغراض الشخصية، والآثار، ومحتويات كاملة للكثير من المتاجر والمكتبات ـ التى تركها أولئك الذين طردوا أو فروا خلال الحرب

وظلت مزاعم ضلوع بنى إسرائيل فى تشييد الحضارة الفرعونية، من أسوأ الادعاءات التى يحاولون ترويجها، فعندما سئل «مناحم بيجين»، رئيس الوزراء الإسرائيلى، سؤالا صحفيا حول سير مفاوضات السلام مع الجانب المصرى، أجاب: «عانيت فى المفاوضات كما عانى أجدادى فى بناء الأهرامات»، وعندما أتى لزيارة مصر صرح بكونه يشعر بالزهو والفخر وسط الأهرامات التى بناها أجداده.

وتحولت المزاعم لسرقات فعلية، فعقب حرب 67، واحتلال العدو الإسرائيلى جزءا من أرض سيناء، تمت سرقة المئات من القطع الأثرية الفرعونية، وأشرف على ذلك «موشى ديان».

كما نالت الآثار العراقية حظها من عمليات النهب والسلب، وبخاصة خلال سنوات غزو العراق، منذ عام 2003، فوفقا لموقع «العربية نيوز»، فقد أقامت منظمة «العاد» الإسرائيلية، حفلا بمناسبة امتلاكها ما قيل، إنه أهم الآثار التاريخية فى العراق، حيث أكدت المصادر أن الأرشيف اليهودى العراقى الذى تم الاستحواذ عليه كاملا بمساعدة القوات الأمريكية، تم تسليمه إلى تل أبيب، التى أنشأت بدورها مبنى خاصا به، كلف نحو 3 ملايين شيكل.

وداخل الأراضى المحتلة، ذكرت وسائل إعلام فلسطينية، أن الحكومة الإسرائيلية خصصت نحو 400 مليون شيكل، لصيانة وتطوير 150 موقعا أثريا، لربطها بمسار تاريخى توراتى، يمتد من شمال فلسطين إلى جنوبها، بهدف تعريف الأجيال الصهيونية الناشئة بالتراث اليهودى المزعوم.

ومن ضمن تلك الآثار، الحرم الإبراهيمى، وقبر «راحيل»، زوجة النبى يعقوب، والذى يقع بداخل مسجد «بلال بن رباح»، ببيت لحم، حيث اختصمت إسرائيل منظمة «اليونسكو»، حين أعلن ذلك المسجد كأثر فلسطينى عالمى فى وقت سابق، واتهمت إسرائيل المنظمة الدولية، بمحاولة طمس معالم المدينة اليهودية مرة أخرى.

كما كشف المؤرخ الإسرائيلي، آدم راز، في كتابه «نهب ممتلكات العرب في حرب الاستقلال»، عن ظاهرة كانت ذات أهمية حاسمة في تشكيل المجتمع والدولة في إسرائيل، لكنها منسية من الذاكرة التاريخية، وهي ظاهرة نهب الممتلكات العربية خلال النكبة.

ووفقا للوثائق والإفادات التي وثقها راز، فقد شارك العديد من الجنود والمدنيون اليهود، وعلى مستوى الأفراد والجماعات، في عمليات السطو الجماعي على الكثير من العقارات والأملاك والممتلكات التي تركها أصحابها الفلسطينيون بسبب التهجير والتشريد.

وفى دراسة بعنوان «إسرائيل ودراما الاغتصاب للهوية والتاريخ والحضارة والإبداع» للباحث محمد الغيطى، أكد أن النهب الإسرائيلى للتراث الثقافى العربى كان عملية ممنهجة، عقب العمليات العسكرية، فعقب حرب 1967، أرسلت إسرائيل بعثات لجمع الأغانى والرقصات والموسيقى الشعبية، وسجلت 20 ساعة من الفلكلور الشعبى لبدو سيناء.

وأشارت الدراسة أيضا إلى قصص علاء الدين، وإيزيس وأوزوريس، كإحدى أبرز القصص التراثية التى تم نسبها إلى تاريخ الشعب اليهودى، وقد تحولت تلك القصص إلى أفلام كارتون، يتم تداولها بين أطفال المستوطنات الإسرائيلية.

ولم يقتصر الأمر على الآثار والتراث بل تخطاه للفن والأدب، فبات الإنتاج الأدبى لأدباء عرب 48، يضم حصيلة المنتج الثقافى العبرى، أما أغانى أم كلثوم وألحان فريد الأطرش، فإن السطو عليها وتعريبها، عملية مستمرة.

كما سطت الدولة العبرية على تراث السينما المصرية للممثلين والمنتجين اليهود من أصول مصرية.

وعن السرقات الأدبية فحدث ولا حرج، فقد سرقت إسرائيل عددا من الكتب التراثية الفلسطينية، كمصادرة وثائق المحكمة الشرعية والأرشيف الوطنى والمتحف، ومحاولة النيل من المخطوطات النادرة فى المسجد الأقصى والكنائس المسيحية، هذا بالإضافة إلى الاستيلاء على نحو 40 ألف كتاب من مدينة القدس، و30 ألف كتاب من مدينة حيفا، خلال أحداث النكبة الفلسطينية.

ووصل الأمر لسرقة الزي الوطني الفلسطيني، فعلى طائرات خطوط الطيران الإسرائيلية «العال»، ترتدى مضيفات الطيران الزى الفلسطينى التقليدى، وهو العباءة النسائية المطرز بالقصب، على أنه ثوب من التراث الوطنى الإسرائيلى، وذلك رغم التصاقه بالهوية الفلسطينية، ومفردات المقاومة ضد الاحتلال.

أما الأكثر وحشية، فهو ما كشف عنه المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أيضًا في ديسمبر الماضي، عندما قامت إسرائيل بسرقة أعضاء من جثامين شهداء فلسطينيين شمالي القطاع، بعد أنْ سلَّم جيش الاحتلال نحو 80 جثة عبر معبر كرم أبو سالم، كان احتجزها لفترة خلال عدوانه على غزة، والتي تبيّن بعد معاينتها أنّ ملامح الشهداء متغيرة جدًا، بما يشير بشكل واضح إلى سرقة الاحتلال لأعضاء حيوية من أجسادهم.

هكذا نحن أمام عدو ولص محترف، لم يسلم من بين أنيابه أرض ولا بشر ولا أثر ولا تراث.. هو لص يأكل الأخضر واليابس كقراضة حقيرة، الصهاينة.. إنهم يأجوج هذا الزمان، وسارقو كل زمان.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الصهاينة الأراضى الفلسطينية الدكتور عاطف أبو سيف وزير الثقافة الفلسطيني

إقرأ أيضاً:

ما تعليق إسرائيل على إعلان ماكرون عن اعتزام فرنسا الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟

(CNN)--  انتقدت الحكومة الإسرائيلية، الخميس، إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده ستعترف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر/ أيلول.  

وأدان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إعلان الرئيس الفرنسي، وقال في بيان، إن "مثل هذه الخطوة تُكافئ الإرهاب وتُخاطر بخلق وكيل إيراني آخر، كما حدث في غزة".

 وأضاف: "قيام دولة فلسطينية في ظل هذه الظروف سيكون بمثابة منصة لإبادة إسرائيل، وليس للعيش بسلام بجانبها".

وتابع: "لنكن واضحين: الفلسطينيون لا يسعون إلى دولة إلى جانب إسرائيل؛ بل يسعون إلى دولة بدلاً من إسرائيل".

كما أدان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر الإعلان الصادر من باريس، قائلاً عبر منصة "إكس" (تويتر سابقا) إن "ادعاء الرئيس الفرنسي بإملاء تسوية نهائية على أرضنا بمجرد تصريح هو أمر سخيف وغير جاد".

وأضاف أن "الدولة الفلسطينية ستكون دولة حماس"، وتابع أن "ماكرون لا يستطيع توفير الأمن لإسرائيل".

ووصف وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، إعلان الرئيس الفرنسي بأنه "عار، واستسلام للإرهاب، ومكافأة ودعم لحركة حماس"، وأضاف كاتس عبر منصة "إكس" (تويتر سابقا): "بدلا من الوقوف إلى جانب إسرائيل في هذه المحنة، يعمل رئيس فرنسا على إضعافها".

 وتابع: "لن نسمح بإقامة كيان فلسطيني من شأنه أن يضر بأمننا، ويهدد وجودنا، ويقوض حقنا التاريخي في أرض إسرائيل، كلنا متحدون من أجل درء هذا الخطر الجسيم".

وأعرب وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، اليميني المتشدد، عن نفس الرأي، قائلاً على منصة "إكس": "أشكر الرئيس ماكرون على تقديمه سببًا مقنعًا آخر لتطبيق السيادة الإسرائيلية أخيرًا على المناطق التاريخية في يهودا والسامرة، والتخلي نهائيا عن المفهوم الفاشل المتمثل في إقامة دولة فلسطينية إرهابية في قلب أرض إسرائيل".

ويهودا والسامرة هو الاسم التوراتي لما يُعرف الآن بالضفة الغربية المحتلة.

مقالات مشابهة

  • “الخارجية الفلسطينية” تُدين ردود الفعل الإسرائيلية تجاه الاعتراف بدولة فلسطين
  • الخارجية الفلسطينية تُدين ردود الفعل الإسرائيلية تجاه الاعتراف بدولة فلسطين
  • الاحتلال الإسرائيلى يسلم مفتى القدس قرارا بالإبعاد عن المسجد الأقصى لمدة أسبوع
  • الشباب والاتفاق ينتظران الضوء الأخضر للتخصيص
  • اليوم .. بعثة الأهلي تعود من تونس بعد نهاية المعسكر الخارجي
  • كيف تعاطت المقاومة الفلسطينية مع التهديدات الإسرائيلية الأميركية؟
  • خطيب الجامع الأزهر: الإسلام أولى الوقت والزمان عناية فائقة.. فيديو
  • هل تواجه المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية مأزقا إستراتيجيا جديدا؟
  • الإمارات: إسرائيل لا تملك أي سيادة على الأرض الفلسطينية المحتلة
  • ما تعليق إسرائيل على إعلان ماكرون عن اعتزام فرنسا الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟