الصهاينة.. يأجوج هذا الزمان يأكلون الأخضر واليابس
تاريخ النشر: 7th, July 2024 GMT
«معظم اليهود لصوص»، قولة حق قالها يوما بن جوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي، فلم يكتف بنو صهيون باغتصاب الأراضى الفلسطينية، بل امتد الأمر لسرقة التراث الثقافى والفنى والتاريخى، بهدف صناعة تاريخ زائف للدولة العبرية، وتوحيد مواطنى الدولة كشعب واحد، وإذا ما كان العالم قد شهد بعض الحالات التي قامت فيها القوى الاستعمارية بسرقة آثار المستعمرات إلا أنه لم يشهد حالة يقوم فيها اللص بسرقة حكايات وسرديات وتاريخ البلاد كما هو الحال فيما تقوم به إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني.
وها هو وزير الثقافة الفلسطيني، الدكتور عاطف أبو سيف، يقول إن الاحتلال الإسرائيلي يعد أكبر تهديد يواجه التراث والآثار في فلسطين من خلال عمليات السرقة التي يقوم بها.
مؤكدا خلال كلمة فلسطين باليونسكو، إن "إسرائيل التي تحتل بلادنا هي أكبر لص آثار في التاريخ، إنها تسرق تراثنا وآثارنا وموجوداتنا التاريخية".
هكذا أصبح النهب سياسة إسرائيلية محورية على مدى التاريخ. تتجلى بوضوح اليوم فى تباهى الجنود والمستوطنين على مواقع التواصل الاجتماعى بما نهبوه خلال الحرب الحالية على غزة تحت أعين العالم، وهو ما أكده المكتب الإعلامى الحكومى فى غزة الذى قدر قيمة المسروقات، منذ بداية العدوان الإسرائيلى فى أكتوبر الماضى، بنحو24.5 مليون دولار أمريكي، حيث وقعت عمليات السرقة على الحواجز والمعابر الإسرائيلية بسرقة النازحين وممتلكاتهم من أموال وذهب عنوة، أو بالسطو على المنازل، وأخذوا لهذه الجريمة صورا تذكارية ومقاطع فيديو نشرها بعضهم على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، كما حدث فى بيت لاهيا، فى ظل غياب كامل للمساءلة.
السطو على التاريخ العربى، كان أولى خطوات مؤسسى دولة إسرائيل، لإسباغ الشرعية على احتلال الأراضى الفلسطينية، وصناعة تاريخ مزيف، يبرر الانتهاكات والاستيطان، حيث يفترض مؤسسو إسرائيل، أن الجماعات الصهيونية التى احتلت فلسطين هم من نسل القبائل العبرانية التى عمرت البلاد، قبل وصول العرب إليها بمئات السنين.
وخلال حرب عام 1948، كان النهب ظاهرة عامة واسعة النطاق، حيث قام الجنود الإسرائيليون والمستوطنون على حد سواء بنهب الممتلكات الفلسطينية ـ بما فى ذلك المنازل والمتاجر والشركات والمزارع، والماشية، والآلات الزراعية، والأغراض الشخصية، والآثار، ومحتويات كاملة للكثير من المتاجر والمكتبات ـ التى تركها أولئك الذين طردوا أو فروا خلال الحرب
وظلت مزاعم ضلوع بنى إسرائيل فى تشييد الحضارة الفرعونية، من أسوأ الادعاءات التى يحاولون ترويجها، فعندما سئل «مناحم بيجين»، رئيس الوزراء الإسرائيلى، سؤالا صحفيا حول سير مفاوضات السلام مع الجانب المصرى، أجاب: «عانيت فى المفاوضات كما عانى أجدادى فى بناء الأهرامات»، وعندما أتى لزيارة مصر صرح بكونه يشعر بالزهو والفخر وسط الأهرامات التى بناها أجداده.
وتحولت المزاعم لسرقات فعلية، فعقب حرب 67، واحتلال العدو الإسرائيلى جزءا من أرض سيناء، تمت سرقة المئات من القطع الأثرية الفرعونية، وأشرف على ذلك «موشى ديان».
كما نالت الآثار العراقية حظها من عمليات النهب والسلب، وبخاصة خلال سنوات غزو العراق، منذ عام 2003، فوفقا لموقع «العربية نيوز»، فقد أقامت منظمة «العاد» الإسرائيلية، حفلا بمناسبة امتلاكها ما قيل، إنه أهم الآثار التاريخية فى العراق، حيث أكدت المصادر أن الأرشيف اليهودى العراقى الذى تم الاستحواذ عليه كاملا بمساعدة القوات الأمريكية، تم تسليمه إلى تل أبيب، التى أنشأت بدورها مبنى خاصا به، كلف نحو 3 ملايين شيكل.
وداخل الأراضى المحتلة، ذكرت وسائل إعلام فلسطينية، أن الحكومة الإسرائيلية خصصت نحو 400 مليون شيكل، لصيانة وتطوير 150 موقعا أثريا، لربطها بمسار تاريخى توراتى، يمتد من شمال فلسطين إلى جنوبها، بهدف تعريف الأجيال الصهيونية الناشئة بالتراث اليهودى المزعوم.
ومن ضمن تلك الآثار، الحرم الإبراهيمى، وقبر «راحيل»، زوجة النبى يعقوب، والذى يقع بداخل مسجد «بلال بن رباح»، ببيت لحم، حيث اختصمت إسرائيل منظمة «اليونسكو»، حين أعلن ذلك المسجد كأثر فلسطينى عالمى فى وقت سابق، واتهمت إسرائيل المنظمة الدولية، بمحاولة طمس معالم المدينة اليهودية مرة أخرى.
كما كشف المؤرخ الإسرائيلي، آدم راز، في كتابه «نهب ممتلكات العرب في حرب الاستقلال»، عن ظاهرة كانت ذات أهمية حاسمة في تشكيل المجتمع والدولة في إسرائيل، لكنها منسية من الذاكرة التاريخية، وهي ظاهرة نهب الممتلكات العربية خلال النكبة.
ووفقا للوثائق والإفادات التي وثقها راز، فقد شارك العديد من الجنود والمدنيون اليهود، وعلى مستوى الأفراد والجماعات، في عمليات السطو الجماعي على الكثير من العقارات والأملاك والممتلكات التي تركها أصحابها الفلسطينيون بسبب التهجير والتشريد.
وفى دراسة بعنوان «إسرائيل ودراما الاغتصاب للهوية والتاريخ والحضارة والإبداع» للباحث محمد الغيطى، أكد أن النهب الإسرائيلى للتراث الثقافى العربى كان عملية ممنهجة، عقب العمليات العسكرية، فعقب حرب 1967، أرسلت إسرائيل بعثات لجمع الأغانى والرقصات والموسيقى الشعبية، وسجلت 20 ساعة من الفلكلور الشعبى لبدو سيناء.
وأشارت الدراسة أيضا إلى قصص علاء الدين، وإيزيس وأوزوريس، كإحدى أبرز القصص التراثية التى تم نسبها إلى تاريخ الشعب اليهودى، وقد تحولت تلك القصص إلى أفلام كارتون، يتم تداولها بين أطفال المستوطنات الإسرائيلية.
ولم يقتصر الأمر على الآثار والتراث بل تخطاه للفن والأدب، فبات الإنتاج الأدبى لأدباء عرب 48، يضم حصيلة المنتج الثقافى العبرى، أما أغانى أم كلثوم وألحان فريد الأطرش، فإن السطو عليها وتعريبها، عملية مستمرة.
كما سطت الدولة العبرية على تراث السينما المصرية للممثلين والمنتجين اليهود من أصول مصرية.
وعن السرقات الأدبية فحدث ولا حرج، فقد سرقت إسرائيل عددا من الكتب التراثية الفلسطينية، كمصادرة وثائق المحكمة الشرعية والأرشيف الوطنى والمتحف، ومحاولة النيل من المخطوطات النادرة فى المسجد الأقصى والكنائس المسيحية، هذا بالإضافة إلى الاستيلاء على نحو 40 ألف كتاب من مدينة القدس، و30 ألف كتاب من مدينة حيفا، خلال أحداث النكبة الفلسطينية.
ووصل الأمر لسرقة الزي الوطني الفلسطيني، فعلى طائرات خطوط الطيران الإسرائيلية «العال»، ترتدى مضيفات الطيران الزى الفلسطينى التقليدى، وهو العباءة النسائية المطرز بالقصب، على أنه ثوب من التراث الوطنى الإسرائيلى، وذلك رغم التصاقه بالهوية الفلسطينية، ومفردات المقاومة ضد الاحتلال.
أما الأكثر وحشية، فهو ما كشف عنه المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أيضًا في ديسمبر الماضي، عندما قامت إسرائيل بسرقة أعضاء من جثامين شهداء فلسطينيين شمالي القطاع، بعد أنْ سلَّم جيش الاحتلال نحو 80 جثة عبر معبر كرم أبو سالم، كان احتجزها لفترة خلال عدوانه على غزة، والتي تبيّن بعد معاينتها أنّ ملامح الشهداء متغيرة جدًا، بما يشير بشكل واضح إلى سرقة الاحتلال لأعضاء حيوية من أجسادهم.
هكذا نحن أمام عدو ولص محترف، لم يسلم من بين أنيابه أرض ولا بشر ولا أثر ولا تراث.. هو لص يأكل الأخضر واليابس كقراضة حقيرة، الصهاينة.. إنهم يأجوج هذا الزمان، وسارقو كل زمان.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الصهاينة الأراضى الفلسطينية الدكتور عاطف أبو سيف وزير الثقافة الفلسطيني
إقرأ أيضاً:
هل خيَّب ترامب.. حقًا.. آمال نتنياهو واليمين الإسرائيلى؟
وضع بنيامين نتنياهو كل ثقله خلف دونالد ترامب، وبشكل سافر، تقريبا، فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، التى جرت العام الماضى، وفعل كل شىء ممكن من أجل فوزه فى مواجهة كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكى السابق، جو بايدن، وهو أمر يراه، ناحوم برنياع، خطأً كبيرًا: «وضع نتنياهو كل البيض فى سلة ترامب. وهو خطأ نتائجه معروفة سلفًا. لقد خسر، بسببه وإلى الأبد، الحزب الديمقراطى واليهود الأمريكيين الليبراليين، الذين يكره بعضهم نتنياهو أكثر من كرههم لترامب. إنه مغرور مع اختياره. ليس لديه خط رجعة».
احتفل مؤيدو نتنياهو، وأبواقه الإعلامية، ووزراء، وأعضاء كنيست من حزبه- «ليكود»- بفوز ترامب، وظنوا أن الأمور تسير لصالح نتنياهو، وأن له رفيقًا مقربًا، أو «مسيحًا مخلصًا» فى البيت الأبيض، بحسب تعبير، سيما كدمون؛ وذهبوا مدى أبعد حين تصوروا أن ترامب سيحقق حلم نتنياهو ويهاجم إيران، وسيترك له الحبل على الغارب ليفعل ما يريد بغزة وبأهلها، وربما يتيح له، حتى، ضم الضفة الغربية المحتلة.
لكن إسرائيل، «صُدمت»، بحسب تعبير، باراك سرى، عقب زيارة ترامب لمنطقتنا فى 13-16 من شهر مايو 2025م. عبَّر مقرَّبون من نتنياهو عن هذه «الصدمة». إذ تطرق، دافيد أمسالم، وزير التعاون الإقليمى، خلال خطاب له فى الكنيست، إلى التغيرات المتلاحقة فى مواقف الرئيس الأمريكى بقوله: «فى كثير من المرات يتقلب ترامب من النقيض إلى النقيض، مثل الطقس. إنه حالة مزاجية، لذا نحن نأخذ هذا الأمر فى الاعتبار». وفى مقابلة مع هيئة البث الإسرائيلية، صعَّد أمسالم من لهجته، معربًاعن خيبة الأمل من سلوك ترامب، خاصة فيما يتعلق بقراره وقف الهجمات على «الحوثيين»، ووصف ترامب بأنه «غير متوقع، يصحو كل يوم على جنب آخر».
الأصل فى العلاقات الأمريكية ــ الإسرائيلية أنها علاقات استراتيجية، لا تتأثر بوجود «الديمقراطيين» أو «الجمهوريين» فى سدة الحكم. علاقات تحالف راسخة، قد تشهد صعودًاوهبوطًا، وخلافات فى الرؤى تجاه بعض القضايا، لكن التشاور المتواصل يذيب كثيرًا منها. من المبادئ الحاكمة لهذه العلاقات ألا يفاجئ طرفٌ الطرف الثانى. وقد جرت العادة، أن يطلع المسئولون الإسرائيليون، أولًا، على أى تصريح قد يدلى به الرئيس الأمريكى بشأن الشرق الأوسط، له علاقة بأمن إسرائيل، بخاصة، وأن يقدموا ملاحظاتهم عليه، إذا كانت لهم ملاحظات. هكذا حدث، كما يقول، مايكل أورن، السفير الإسرائيلى السابق فى واشنطن، مع خطة «خريطة الطريق»، التى اقترحها الرئيس الأمريكى، الأسبق، جورج بوش، الابن، عام 2002م، لحل المشكلة الفلسطينية؛ حيث أرسلت نسخة من الخطة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية، فى حينه، أريئيل شارون، قبل الإعلان عنها بأسبوعين.
لكن ثمة انطباعًا فى الشهور الأخيرة، تعزز خلال زيارة ترامب الأخيرة للمنطقة، بأن هذا المبدأ قد تلاشى. تجلَّى الأمر فى إعلان ترامب عن إجراء مفاوضات مع إيران حول برنامجها النووى، من دون علم إسرائيل، وفى استثنائه إسرائيل من برنامج زيارته للمنطقة، وفى اتفاقه على إطلاق سراح الأسير الإسرائيلى ــ الأمريكى الجنسية، عيدان ألكسندر، عبر مفاوضات مباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة «حماس»، حتى قبل توجهه إلى المنطقة، من وراء ظهر إسرائيل، وفى توصله إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع «الحوثيين» فى اليمن، من دون التشاور مع إسرائيل، أو إدراجها ضمنه، وفى موافقته على إمداد السعودية بمفاعل نووى مدنى من دون ربط ذلك بتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، كما تمنت الأخيرة، وفى لقائه المفاجئ والتاريخى مع الرئيس السورى، أحمد الشرع، فى الرياض، وفى امتداحه إيَّاه بشكل لافت، وفى رفعه العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا ــ قانون «قيصر» ــ رغم معارضة إسرائيل لرفعها، وفى إبرامه صفقات أسلحة بمليارات الدولارات مع بعض الدول الخليجية، قد تؤثر على التفوق العسكرى النوعى لإسرائيل فى المنطقة.
يرى كثيرٌ من المراقبين الإسرائيليين، أن نتنياهو تلقى، فى كل محطة، تقريبًا، من محطات ترامب فى المنطقة، صفعة مدوية، على الأقل، إن لم يكن هزيمة سياسية قاسية، بل إن طال شاليف، تذهب إلى أن من شأن كل هذه الأمور، أن تمثل بداية انهيار سياسى، سيضطر نتنياهو إلى مواجهته إذا استمر فى إبقاء إسرائيل خارج الصورة، وأن الرسالة القاطعة التى لاحت من جولة ترامب فى المنطقة هى أنه يبنى تحالفًا إقليميًا، يستبعد نتنياهو، المكبَّل بائتلاف مع بن جفير وسموتريتش». وهو ما يتفق معه، باراك سرى، الذى يقول: «إن إسرائيل، بعد كل هذه المفاجآت، خارج الشرق الأوسط الجديد الذى يتشكل أمام أعيننا»، وأن نتنياهو «زعيم من الأمس. محافظ، ومتردد، ورافض مزمن، وفاشل تمامًا فى الساحة السياسية فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية».
الأزمة الحالية، فى العلاقات الأمريكية ــ الإسرائيلية، إذا جازت التسمية، أزمة بين ترامب وشخص نتنياهو، فى نظرى، وليس بينه وبين دولة إسرائيل الحليف الاستراتيجى الأهم لأمريكا فى العالم. وهى أزمة واضحة، رغم تجاوزها، للوهلة الأولى، خلال انتخابات 2024م. يبدو أن ترامب لم ينس لنتنياهو أنه كان أول من هنَّأ بايدن بالفوز على ترامب فى انتخابات 2020م، إذ قال عنه، فى حينه: «نتنياهو، هذا الكذَّاب، ناكر الجميل، كان أول المهنئين لبايدن، ما الذى لم أفعله من أجل إسرائيل؟! لقد أسقطته تمامًامن حساباتى».
لا يتعلق الأمر بالغضب من مجرد تهنئة من الماضى، وإنما بسلوك نتنياهو، الذى يسعى لجر أمريكا إلى حروب. لقد ضاق ترامب، على الأرجح، بمراوغات نتنياهو. يقول، ناداف إيال: «ثمة حساسية آخذة فى الازدياد لدى الإدارة الأمريكية تجاه سلوك نتنياهو ورون ديرمر، وزير الشئون الاستراتيجية الإسرائيلية. تستشعر الإدارة الأمريكية، أن الاثنين يماطلان ويسوفان، ويدفعان فى اتجاه توريط الولايات المتحدة الأمريكية فى حرب ليس مع إيران فقط، مضيفًا أن مسئولًا أمريكيًا سابقًا رفيع المستوى بعث، مؤخرًا، برسالة لمسئولين إسرائيليين يحذر فيها من أنه إذا استمر نتنياهو فى التصرف بهذا الشكل «فسيكتشف فى الصباح أن البيت الأبيض مضى قدمًا، لحل مشكلة غزة، بدونه، ولوقف الحرب».
بيد أن ثمة عوامل أخرى، بعضها يتعلق بشخصية ترامب نفسه، وبعضها يتعلق بالداخل الأمريكى، تقف وراء هذا المنحى الجديد، منها أن أسلوب المفاجآت سمة من سمات ترامب، فى إدارة السياسة، الداخلية والخارجية على حد سواء. وهو أمرٌ بدا بوضوح، فى قراراته تجاه حلف «الناتو»، ودول الجى 7 والصين، وفى تعامله مع رئيس أوكرانيا، زيلينسكى، ومنها، على صعيد الداخل الأمريكى، أن شريحة كبيرة من حركة MAGA ــ شعار الحملة الانتخابية لـ ترامب فى انتخابات 2016م: «اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» ــ الوفية للرئيس ترامب تنتقد إسرائيل، خاصة نتنياهو.
وقد نُقل، مؤخرًا، عن ستيف ويتكوف، مبعوث الولايات المتحدة الأمريكية الخاص إلى الشرق الأوسط، قوله لأسر الأسرى الإسرائيليين إنه «يجرى إطالة الحرب بدون داع»، كما ظهرت فى وسائل الإعلام الأمريكية تصريحات للرئيس الأمريكى، نفسه ــ وللمرة الأولى ــ ضد استمرار الحرب فى غزة. يقول بن درور يمينى: «نحن نصغى إلى تلك الأصوات الأمريكية التى أحدثت هذا التغيير لهم أيديولوجيا ركيزتها: أمريكا أولًا. هم يدعمون انعزال أمريكا عن قضايا العالم. لا يريدون تدخلًا أمريكيًا فى العالم».
على ضوء هذه التحولات، يدعو، ناحوم برنياع، الإسرائيليين إلى الاستفاقة، مشيرًا إلى أن ترامب «مشكلة ستلازمنا فى الثلاث سنوات ونصف القادمة، وربما أكثر من ذلك. إسرائيل رهينة نواياه الحسنة، وأكاذيبه، ونزواته، لا تستطيع أن تسمح لنفسها بأن تكون خارج اللعبة». هذه هى رؤية كثير من المراقبين الإسرائيليين للمنحى الجديد، الذى انتهجه، دونالد ترامب، تجاه بنيامين نتنياهو.
إلا أن النظر إلى الأمور نظرة واقعية يدحض الرؤية المتباكية للمراقبين الإسرائيليين، فالرئيس الأمريكى، لم يُقدم للدول العربية، وللحرب على غزة، بخاصة، خلال زيارته للمنطقة، سوى بضع تصريحات عامة، بائسة، لا سند واقعيًا لها، فلم يتخذ موقفًا عمليًا ملموسًا لوقف الحرب على غزة، ولم يوقف خطط الجيش الإسرائيلى لتوسيع الحرب -خطة «مركبات جدعون»- ولم يوقف ضخ الأسلحة الفتاكة والذخيرة إلى آلة الحرب الإسرائيلية، ولم يتخل عن دعمها سياسيًا، ولم يتخل عن أحلامه، هو شخصيًا، فى الاستيلاء على غزة، وتحويلها إلى «ريفييرا»، ونفى سكانها إلى دول أخرى، ولم يتخل، بعد، عن خطط ضرب إيران، لصالح إسرائيل، حيث ما تزال القاذفات الأمريكية الثقيلة، ترابط فى جزيرة دييجو جارسيا بالمحيط الهندى، ولم تعد إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
ويلخص عاميت جور، الرأى الآخر بقوله: «الصورة ليست سوداء أو بيضاء. الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بينهما تنسيق من حيث المبدأ، وكل التقارير التى تتحدث عن زيارة سوبر ناجحة لترامب فى الشرق الأوسط نبذ خلالها إسرائيل ليست صحيحة ببساطة». ربما أسقط ترامب نتنياهو وشركاءه من المتطرفين من حساباته، لكنه لم يسقط إسرائيل منها. فما يزال الدعم الأمريكى لإسرائيل، على كل المستويات، مستمرًا بوتيرته المعتادة، بل إن أمريكا لا تملك، حتى، ترف التخلى عن حليفها الاستراتيجى، المدلل.
(الشروق المصرية)