لجنة إحياء ذكرى الدكتور عبد المجيد الرافعي استذكرت مسيرته: أسست لمرحلة نضالية قل مثيلها
تاريخ النشر: 12th, July 2024 GMT
أصدرت "لجنة احياء ذكرى الدكتور عبد المجيد الرافعي" في ذكرى رحيله بياناً قالت فيه إنّ "ذكرى رحيل الدكتور الرافعي هذا العام تأتي وسط تحديات قومية واعاصير سياسية وعسكرية تعصف بالعديد من اقطار الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه"، وأضافت: "يأتي العدوان الهمجي الصهيوني على لبنان وفلسطين وبشكل مركز على قطاع غزة؛ وسط هذه التحديات نستذكر الراحل الكبير ونسترجع مسيرته منذ بدايتها الأولى وحتى رحيله في الثاني عشر من شهر تموز عام 2017 ، مسيرة أسست لمرحلة نضالية قل مثيلها في التاريخ العربي المعاصر".
وتابعت: "لم يكن الدكتور عبد المجيد الرافعي سياسيا بالمعنى التقليدي للكلمة ولم يكن مناضلا في صفحة جهة بل كان النضال عنده فعل التزام وإيمان سيما إذا ما تعلق الأمر بفلسطين و الصراع العربي - الصهيوني. لقد ربط دعمه للمقاومة منذ انطلاقتها بالعمل على تعزيز صمود أهل الجنوب وبتوفير المقومات الأساسية لهذا الصمود من الدعم المادي الى تأمين الملاجىء وبناء المراكز الصحية، وحفر الابار الارتوازية، وكل مقومات الصمود.لم تكن قضية فلسطين بالنسبة له بيانا لفظيا يستنكر العدوان، بل وعياً بها مدفوعا بايمان عميق وصادق".
وأكملت اللجنة: "لم يعرف الحكيم سوى لغة واحدة هي لغة الإنسجام مع الذات ومع المبادىء التي حملها.لم يتحدث بشيء في العلن ويمارس ما يخالفه في الخفاء. إن حرب الإبادة التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني في كل أرجاء فلسطين وخاصة في غزة التي أصبحت أيقونة للنضال ونموذجا الارادة ووسام شرف على صدر ابطالها، والعدوان الصهيوني على جنوب لبنان الذي يروي أرضه شهداء بذلوا حياتهم من أجل الوطن، هي حرب مصيرية في أبعادها ونتائجها".
وختم البيان: "إن كل ما يجري اليوم يذكرنا بك أيها القائد الكبير ويشعرنا أنك ما زلت بيننا، تعلمنا أن هذا العدو لا حدود لأطماعه ولا لبربريته ولا مجال لوقف أحلامه إلاّ بمقاومة وطنية مسلحة تعتمد على أبناء شعبنا وليس على أي منظمة دولية أو مؤتمرات قمة ظرفية. لأننا نعلم جيدا كما علمتنا أن فلسطين لن تحررها الحكومات بل الكفاح الشعبي المسلح. نم قرير العين فما زال في وطننا وامتنا رجال يقاتلون ليعود الحق ويزهق الباطل مهما بلغت الأثمان والتضحيات.تحية لك في عليائك أيها الغائب الحاضر".
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
مشروع الغارف.. إحياء لموروث وترسيخ لهوية
خالد بن سعد الشنفري
الغارف لغةً هو: غرف الماء باليد أو عن طريق إناء، ويُطلق أهل ظفار هذا الاسم على مزارعهم، وجمعه "غَوارف".
يوجد على الشريط الساحلي لمحافظة ظفار ستة تجمعات رئيسية من هذه الغوارف، هي: غارف عوقد، غارف صلالة الغربية، غارف صلالة الوسطى والقطيعة، غارف الحافة، غارف الدهاريز، غارف طاقة. أما غارف القرض المحاذي لغارف الحافة من الشرق، فيُعد -على ما يبدو- أقدمها جميعًا، حيث تحمل غوارفه أسماء لأناس لم يعد لهم نسل حاليًا في ظفار، والأرجح أنها تأسست في زمن البليد، وتقع بمحاذاته من الشمال مباشرة، بالإضافة إلى سهل حمران الخصيب سابقًا الذي ذكره ابن بطوطة عند زيارته للبليد في كتابه تحفة النظار. وآخر من زاره ووصفه كان الرحالة الإنجليزي برترام راسل في بداية القرن الماضي في كتابه البلاد السعيدة (ظفار)، وذكر أشهر مزروعاته كالقطن والنيلة التي كانت تُصدَّر للخارج، كل ذلك قبل أن يتم هجره تدريجيًا، وذلك بعد تحويل ساقية عين رزات -التي كانت تتدفق عليه بغزارة- بالإضافة إلى عين حمران، إلى مزرعة المعمورة التي أسسها السلطان تيمور، وطورها من بعده خلفه السلطان سعيد، الذي أسس بدوره مزارع رزات الشاسعة في الشرق منها -رحمهم الله جميعًا- فانخفض بالتالي منسوب التدفق على السهل، فهُجر تدريجيًا.
أطلق المتأخرون الذين أعادوا استصلاح هذه الأرض في بداية القرن الماضي اسم (القرض)، والقرض اسم لشجرة محلية غير مثمرة كانت تغطي كل هذه المنطقة. ويُلاحظ اعتياد أهل ظفار على تسمية الأشياء المهمة في حياتهم -كالأبقار، والجمال، والوديان، والجبال، وقممها. في طفولتي لا أنسى بقرة كانت لنا اسمها (حجفاف) وحمارًا يسمى (البطران) وقد أشرت إليهما كثيرًا في كتاباتي من قصص ومقالات. ولن تجد غارفًا إلا وله اسم، وكانت هذه الأسماء أشبه ما يكون اليوم بـ(جوجل ماب)، حيث إنه من اسم الغارف يُعرف موقعه والغوارف المحيطة. وهذا أمر يستحق البحث من شبابنا المهتمين.
كان السلطان سعيد بن تيمور يحصل على غوارف القرض (قعد) مبلغًا من المال كإيجار، إلا أنه في عهد السلطان قابوس -رحمه الله- تم تمليكها لهم في عصر النهضة.
أصبحت هذه الغوارف جميعها شبه متصلة ببعضها في الوقت الحاضر، من صلالة الغربية غربًا إلى الدهاريز شرقًا، عدا عوقد وطاقة لبعدهما. كما أن آبار مياه هذه الغوارف حفرت على عيون ماء جوفية يُطلق عليها مصطلح (عرق العين)، وبالتالي لم تجف منذ مئات السنين.
أطلقت بلدية ظفار مشروع "الغارف" على أحد غوارف الحافة، يقع على شارع المنتزه، يسمى غارف (بن جلجلين)، وتملكه أسرة "مقيبل" من السادة الأشراف الذين وصل إليهم بالإرث عن أجدادهم للأم من المشايخ من أهل منطقة الرباط الموغلة في القدم.
أُسند هذا المشروع الاستثماري إلى شركة القمم للاستثمار، وهي اتحاد لأربع شركات يمتلكها شباب عمانيون من المحافظة، لديهم الطموح والخبرة وحب الوطن.
بالإضافة إلى ما يهدف إليه هذا المشروع، الذي يتم تحت إشراف ورعاية ودعم من بلدية ظفار، من أن يصبح إضافة نوعية للمواقع السياحية بالمحافظة، حيث يشتمل على مناشط عدة تندرج جميعها تحت الموروث الزراعي القديم والسنن الزراعية، التي كانت تعد عصب حياة المجتمع الظفاري، بالإضافة إلى الرعي والبحر وسننه.
يشتمل المشروع أيضًا على نشاط (السناء أو السناوه أو المقود)، وهي طريقة قديمة لنزح ماء البئر بواسطة الجمال، التي تقوم بسحب ما يسمى (الغرب) -وهو إناء كبير من الجلد- من البئر إلى مكان مرتفع على حافته يسمى (جابية). والجابية هي حوض الماء، وذلك بواسطة ربط حبال من ألياف النارجيل القوية بسنام الجمل من جهة، وبالغرب من الجهة الأخرى، بعد وضعه على عجلة السناوة في الأعلى. فيقوم الجمل، بقيادة (الساني) -وهو من يسوق الجمل- بالنزول لمسافة 30 إلى 50 مترًا إلى الأسفل، ليرتفع الغرب من البئر حاملًا الماء وسكبه في الجابية، ثم يعود صاعدًا إلى الأعلى ناحيتها، حتى يستقر الغرب في قعر البئر بواسطة ثقل (حجارة الغرب) -وهي حصى صماء ثقيلة الوزن، قليلة الحجم، بها فتحة طبيعية في أحد جوانبها يُربط فيها الحبل- وتجلب عادة من الوديان بعد السيول.
يصف الظفاريون الشخص ثقيل الدم أو الحركة بـ(حجارة غرب). وتجري المياه بعد ذلك في سواقي الغارف، الذي يُقسم بدوره إلى مربعات ومستطيلات زراعية تُسمى (كروع وحاد)، والكروع عبارة عن حادين متقابلين بينهما ساقية مفتوحة على (المطر)، وهي تقسيمات أصغر تُستخدم لحجز المياه وارتواء التربة.
وهكذا دواليك، نزولًا وصعودًا، مع أصوات شجية لصرير الحبال على العجلات الخشبية في أعلى السناوة، حيث يصدر كل منهما صوتًا مختلف النغمة، وتكون العملية عادة مصحوبة بأشعار مغنّاة يؤديها الساني، حتى تكتمل عملية السقي. وقد تكون العملية بجمل وغرب واحد أو أكثر، حسب كِبر البئر والغارف نفسه. وقد أخذت العملية كلها اسمها (السناء أو السناوه) من هذا العلو، فالسناء لغويًا يعني الارتفاع. وقد شهدت وعايشت هذه العملية في طفولتي، وذلك في منتصف الستينيات، وكانت لآخر بئر سناوه في الحافة قبل أن تستبدل جميعها بمكائن الديزل، التي حلت محل السناوه تدريجيًا، ثم تحولت إلى مكائن كهربائية، ولا ندري ما سيكون عليه الحال لاحقًا إذا أحيانا الله.
يوجد بالمشروع أيضًا إسطبل للخيول والفروسية، وحيوانات وطيور، وساحة لإقامة فعاليات زراعية، ومناطق مخصصة لممارسة الزراعة فعليًا أمام الزوار، وأكشاك أنيقة لبيع منتجات زراعية كالمشلاي وغيرها من الفواكه الموسمية المعروفة في المحافظة، وكذلك مطاعم ومقاهٍ متجانسة مع البيئة، وكل ذلك وسط أجواء يكسوها الاخضرار، وتحفها نخيل النارجيل وأشجار معمرة مثمرة كأشجار البيذام وغيرها، وفي بيئة زراعية رعوية تُمارَس فعليًا أمام الزوار، بمصاحبة الفنون الظفارية التقليدية المناسبة لهذا النشاط الإنساني القديم-الجديد لمحافظة ظفار. ومن المتوقع أن يُفتتح المشروع جزئيًا في أغسطس هذا الموسم.
أهمية هذا المشروع، بالإضافة إلى قابليته للتوسع مستقبلاً، أنه سيعمل طوال العام، ولن يقتصر على فصل الخريف، كما سيكون أشبه بمدرسة للأجيال، يستقبل طلاب المدارس للمشاهدة والمعايشة والممارسة الفعلية، ويربطهم بالموروث. كما سيُسهم بإذن الله في تشغيل أعداد من الشباب وتدريبهم.
لا شك أن قيام هذا المشروع في هذه المنطقة الآن سيسهم -بالتبعية- في القضاء على بؤر الوافدين المخالفين الذين يتحصنون وسط هذه الغوارف، خصوصًا أنها أصبحت مقلقة للمواطنين والأمن، وقد باتت أشبه بغابات كثيفة متداخلة الحدود نتيجة التمدد الزراعي الجائر، ولعدم اهتمام المزارعين الوافدين الذين يستأجرونها منذ ما يزيد عن أربعين عامًا، بعد أن تركها المزارع العماني نتيجة توقف الهيئة العامة للتسويق الزراعي، وعدم وجود من يستقبل إنتاجهم، وعدم استطاعتهم منافسة لوبي التجار الوافدين. فأجّروها نتيجة لذلك للمزارع الوافد الذي كان يعمل لديهم فيها، وقد توارث أبناؤهم تلك الغوارف، ما أدى إلى تآكل وتقلص ما يعرف بـ(المقاييف) وهي الطرقات بينها، حتى أُغلقت معظمها، في حين كانت السنن الزراعية للمزارع العماني تراعي تلك المقاييف من منطلق الجيرة والعُرف.
أصبحت هذه الغوارف أوكارًا يندس وسطها المخالفون والخارجون عن القانون، ومعظمهم من دول إفريقية، يمارسون تجارة محرّمة شرعًا وقانونًا، وأفعالًا مشينة تستهدف شبابنا. ومع أن الشرطة والجيش -مشكورين- يشنون حملات تفتيش ومداهمات، إلا أن ذلك لا يخلو من مخاطر على حياتهم. لذا فإن هذا المشروع جاء في وقته، وسيُسهم بإذن الله في توافد الناس وتزاحم الأقدام بالقرب منها، وبالتالي يصبح طاردًا لهؤلاء المخالفين، حتى القضاء على وجودهم نهائيًا.
ومن جانب آخر لا يقل أهمية، قد يُشجع المشروع أبناء وأحفاد ملاك هذه الغوارف على العودة لاستغلالها بأنفسهم بدل تأجيرها، وقد يجدون فيها ضالتهم، خصوصًا بعد تأسيس شركة "نخيل" بمزارع نجد ظفار، لاستقبال وشراء المنتجات الزراعية وتسويقها، مثلما كانت الهيئة العامة للتسويق الزراعي سابقًا.
هنا لا بد من اغتنام المناسبة للمطالبة بفتح وتمهيد وإنارة ما تبقى من المقاييف، أسوة بما تم مسبقًا، خصوصًا تلك الواقعة بين شارع السلطان قابوس وشارع المنتزه، مثل شوارع: حمود الغافري، شارع النور، شارع الحافة، شارع المطار، وغيرها، والتي لولا تمهيدها سابقًا لكانت أغلقت. ولا تزال بعض المقاييف بحاجة للاستكمال، مثل الذي يربط مسجد محسن العيدروس بمسجد عفيف على شارع السلطان قابوس، ومقييف السامري، وغيرها من المقاييف الممتدة على طول شارع المنتزه من بدايته في المعتزة إلى نهايته عند تقاطعه بشرق البليد. ولا ننسى أن شارع المنتزه نفسه كان مقييفًا في الأساس، فانظروا إلى جماله اليوم.
حبذا لو يتم إعادة تخطيط الممرات وسط الغوارف كما كانت سابقًا، فبهذا لن نقضي على المخالفين فقط، بل نحول الغوارف ومحيطها إلى مربعات واضحة المعالم، جميلة الشكل، وطرقات سالكة، منارة ليلًا، تُظهر صلالة الجميلة الآمنة في كل المواسم.
شكرًا لمكتب صاحب السمو المحافظ، وشكرًا لبلدية ظفار على هذه الجهود المقدّرة لمثل هذه المشاريع والأفكار التي تهتم بالبيئة وترسيخ الهوية. فهذه أثمن وأهم بضاعة تُسوَّق لزوارنا. ووفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
رابط مختصر