الرباط- كان حمزة يعمل في إحدى دول الخليج قبل أن يخبره صديق عن وظيفة في تايلند بمجال تداول العملات الرقمية وبأجر مغرٍ وظروف مريحة، فترك عمله واتجه نحو فرصته الجديدة.

ينحدر حمزة -وهو شاب مغربي- من مدينة أغادير وسط البلاد وقع في فخ إحدى شبكات الاتجار بالبشر في ميانمار، حيث قضى نحو 4 أشهر محتجزا في أحد المجمعات السكنية، قبل أن ينال حريته بعدما دفعت عائلته فدية لهذه الشبكة.

ومنذ أشهر وعائلات شباب مغاربة محتجزين لدى شبكات الاتجار في البشر بميانمار تخوض حراكا حقوقيا لإسماع أصوات أبنائها ومطالبة السلطات المغربية والمنظمات الدولية بالتحرك لتحريرهم من هذه العصابات.

الجيش التايلندي يستقبل شبابا مغاربة بعد إطلاق سراحهم من مركز الاحتجاز في ميانمار (الجزيرة) معاناة

في العاصمة الماليزية كوالالمبور التقى حمزة بشخص قدّم نفسه على أنه ممثل الشركة التي سيعمل فيها، وساعده على تجهيز طلب التأشيرة من سفارة تايلند بماليزيا "في مدة قصيرة".

وبوصوله إلى بانكوك التقاه سائق سيارة أخبره أنه مكلف بنقله إلى مقر العمل، لكن طول الطريق أخذت الشكوك تراود حمزة، وحين وجد نفسه في مدينة ميسوت التي تقع على الحدود بين تايلند وميانمار فهم أن نهاية مشواره الطويل ليست كما توقعها.

وجد حمزة نفسه -كما حكى للجزيرة نت- في ميانمار داخل مجمع سكني ضخم محاط بحراسة مشددة، حيث تم احتجاز آلاف الشباب من مختلف الجنسيات.

ويقول "عند وصولي اكتشفت أن صديقي الذي اقترح علي هذا العمل استدرجني إلى فخ، وكنت وشخص آخر الثمن الذي دفعه مقابل نيل حريته من هذه الشبكة".

كان العمل المطلوب منه هو انتحال شخصيات وهمية عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي والنصب والاحتيال على الناس لأخذ أموالهم.

رفض حمزة العمل الذي عُرض عليه، فأخذوا هاتفه وكل متعلقاته الشخصية، وهددوه بالقتل وتعرض للضرب وصعقوه بالكهرباء، كما قال.

ووفق الشاب الناجي، فإن المحتجز لدى هذه الشبكات يكون أمام 3 خيارات: إما أن يقبل العمل، أو يدفع فدية لينال حريته، أو أن يستدرج آخرين ليحلوا محله وينجو بنفسه.

نجح حمزة في التواصل مع منظمة دولية تعمل في مكافحة الاتجار بالبشر وساعدته في التفاوض مع الشبكة لإطلاق سراحه، ودفعت عائلته 6 آلاف دولار ثمنا لحريته.

وفي المجمع السكني الضخم الذي احتُجز فيه حمزة كان أغلب الشباب المحتجزين آسيويين، وكان هناك آخرون من لبنان واليمن وإثيوبيا وغيرها.

وهناك التقى حمزة بمغاربة آخرين كان عددهم بين 12 و15 شابا، وحصل على حريته في مارس/آذار الماضي، وبعده علق الشاب يوسف أمزوز ابن مدينة أزيلال في المكان نفسه بعدما استدُرج بدوره للعمل في التجارة الإلكترونية.

تعذيب

يقول يوسف للجزيرة نت إنه عثر على إعلان عمل في الإنترنت، وعندما تواصل مع صاحبه تبين أنه مغربي، وأوضح له أن الأجر مغرٍ، وكل تكاليف السفر والإقامة في بانكوك على حساب المشغّل، فسافر إلى ماليزيا ومنها إلى بانكوك حيث نُقل إلى مقر العمل البعيد عن العاصمة ليجد نفسه محتجزا لدى شبكات الاحتيال الإلكتروني.

لم تراوده في البداية أي شكوك ولم يسمع عن مثل هذه الشبكات من قبل، وكان يعرف أن تايلند دولة آمنة ومعروفة بالتجارة الإلكترونية، وعندما رفض العمل تعرض للتعذيب الجسدي من ضرب وحبس وحرمان من الأكل، وربطوه من يديه وتركوه معلقا لأيام، كما يقول.

في مركز الاحتجاز تعرّف يوسف على شباب من الهند وسريلانكا وأفريقيا، وأيضا على مغاربة جاؤوا كلهم على أساس العمل، وكان عددهم نحو 26، أغلبهم ينحدرون من مدينة مراكش.

استغل يوسف السماح له باستعمال هاتفه الشخصي للتواصل مع عائلته، لعرض صور بخاصية الستوري في صفحته على إنستغرام يطلب فيها إنقاذه من هذه الشبكة، في حين قررت أسرته التوجه إلى وسائل الإعلام لعرض قضيته، ووصلت أصداء قصته إلى الأشخاص الذين احتجزوه، ودفعت عائلته فدية تقدر بنحو 13 ألف دولار مقابل إطلاق سراحه.

واستقبلته منظمة حقوقية دولية تنشط في مجال مكافحة الاتجار في البشر في بانكوك، ونقلته إلى مستشفى حيث خضع لفحوصات طبية، وعاد إلى المغرب الشهر الماضي، وما زال يتابع العلاج من تبعات التعذيب الذي تعرض له.

قرر يوسف الحديث عن تجربته بوجه مكشوف، وتواصل مع عناصر الشرطة لمدهم بما يحتاجون من معلومات في هذا الملف، ويقول إنه يرى أن واجبه العمل بجد لإطلاق سراح من تركهم خلفه، وحتى لا يقع شباب آخرون في هذا الفخ.

وقفة احتجاجية سابقة لعائلات ضحايا الاتجار بالبشر أمام مقر وزارة الخارجية بالرباط (الجزيرة) محررون جدد

منذ نحو أسبوع أعلنت لجنة عائلات ضحايا الاتجار بالبشر تحرير 25 مغربيا، وعلمت الجزيرة نت أن عائلات نحو 6 منهم دفعت فدية مقابل حريتهم، في حين أُطلق سراح البقية بعد مفاوضات مع محتجزيهم.

ورغم وصولهم إلى بانكوك فإن مخاوف العائلات بشأن سلامتهم لا تزال قائمة.

واتصلت الجزيرة نت بعائلات الدفعة الأخيرة من الشباب الذين حُرروا، فرفضت الإفصاح عن هويات أبنائها حاليا وعن قصصهم إلى حين وصولهم سالمين إلى المغرب.

وكانت اللجنة قد أوضحت في بيان أن تحرير هؤلاء الشباب هو "ثمرة جهود وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي، والمغاربة المقيمين بالخارج، والسلطات الأمنية، والمنظمات الدولية المساندة لملف الضحايا، والجيش الديمقراطي البودي لولاية كارين، والسلطات التايلندية، ودعم الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان".

وطالبت الدولة المغربية بتوفير الرعاية الصحية والنفسية للضحايا الذين يوجدون الآن في المغرب، وكذلك للذين تم تحريرهم وسيعودون قريبا إلى أرض الوطن، وعرضهم على خبرات طبية وشرعية.

ودعت إلى التحقيق في ملف الضحايا وشكاوى العائلات، وإنصاف الضحايا ممن كانوا السبب في التغرير بهم وبيعهم في سوق الاتجار بالبشر.

ولاقت قضية الشباب المغاربة المحتجزين في ميانمار اهتماما كبيرا من وسائل الإعلام وتفاعلا على مواقع التواصل، مما أسهم في لفت الانتباه إلى هذا الملف.

وقال منسق الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان عبد الإله بن عبد السلام للجزيرة نت إنهم استشعروا الخطر الذي يوجد فيه هؤلاء الشباب منذ تسلمهم الملف الحقوقي من بعض عائلات الضحايا.

كشفت تقارير إخبارية، الجمعة، آخر المستجدات في قضية اختطاف مغاربة في ميانمار، والتي أثارت ضجة منذ أشهر، حيث تم الإعلان عن تحرير 25 رهينة لدى عصابات الاتجار بالبشر.

وبحسب صحف محلية فقد أعلنت لجنة عائلات "ضحايا الاتجار بالبشر في ميانمار" عن تحرير 25 مغربيا ومغربية، و مواطن يمني، pic.twitter.com/U6ReYkq4Ok

— El Mustapha????????????????MA (@RagamMustapha) July 6, 2024

وراسل الائتلاف وزارة الخارجية المغربية لطلب التدخل العاجل لدى الدول المجاورة، وخاطب أيضا سفارتي الصين وتايلند وعددا من الهيئات الدولية والحقوقية، إلى جانب تقديم الدعم والمساندة لعائلات الضحايا حقوقيا وإعلاميا.

ووفق عبد الإله بن عبد السلام، كانت العائلات خائفة ومتحفظة ورفضت الإدلاء بمعلومات عن أبنائها المحتجزين خوفا من أي أعمال انتقامية من جانب شبكات الاتجار بالبشر.

وأضاف أن نحو 200 مغربي احتُجزوا قسريا في معسكرات احتجاز في الحدود بين ميانمار وتايلند، ويعانون من سوء المعاملة والتعنيف والعمل الإجباري، والاستغلال بالنصب والاحتيال الإلكتروني.

وبرأيه، فإن ما سماها السياسات العمومية دفعت هؤلاء الشباب إلى البحث عن فرص عمل خارج البلاد لتحسين أوضاعهم الاجتماعية ليجدوا أنفسهم في فخ شبكات الاتجار بالبشر.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی میانمار للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

الإمارات.. تدشين منظومة الإحالة الذكية لضحايا الاتجار بالبشر

في خطوة رائدة تجسد التزام دولة الإمارات العربية المتحدة الراسخ بمكافحة جرائم الاتجار، أعلنت اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر عن إطلاق موقعها الإلكتروني الجديد، إلى جانب تدشين منظومة الإحالة الذكية لضحايا الاتجار بالبشر، وذلك تزامنا مع إحياء اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص الذي يصادف 30 يوليو من كل عام.

وجاء الإعلان خلال حفل رسمي نُظم في مقر وزارة العدل بأبوظبي، برعاية وحضور عبدالله سلطان بن عواد النعيمي، وزير العدل، رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، وبمشاركة أعضاء اللجنة الوطنية وممثلي البعثات الدبلوماسية، إلى جانب نخبة من القيادات في وزارة العدل.

وأكد وزير العدل في كلمته خلال الحفل، أن دولة الإمارات تضع مكافحة الاتجار بالبشر على رأس أولوياتها، انطلاقًا من رؤيتها الإنسانية والتزامها بالاتفاقيات الدولية ذات الصلة. وأشار إلى أن الدولة كانت سبّاقة في هذا المجال منذ عام 2006، وذلك بانضمامها إلى برتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص المكمل لاتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، وإصدار تشريع وطني يكافح الاتجار بالبشر، وتطوير استراتيجية شاملة للتصدي لهذه الجريمة.

كما أعلن عن إطلاق الخطة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر 2025–2027، والتي تستند إلى نهج متكامل يقوم على تجفيف منابع الجريمة، وملاحقة الجناة، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب، وفق أفضل المعايير الدولية في هذا الشأن، مع التركيز على توفير منظومة حماية متكاملة للضحايا تشمل الرعاية والتأهيل، وتوسيع مجالات التعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية والمجتمع المدني.

وفي إطار التركيز على حماية الضحايا، أعلن وزير العدل عن إطلاق منظومة الإحالة الذكية لمكافحة الاتجار بالبشر، والتي تعد الأولى من نوعها على مستوى المنطقة، والمدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي. وتُعنى هذه المنظومة بتنسيق جهود الجهات المعنية، وتحليل البيانات لرصد الجريمة بشكل استباقي، بما يعزز كفاءة الاستجابة وسرعة الإجراءات.

وتُمكّن المنظومة من إنشاء ملف رقمي لكل ضحية منذ لحظة استقبال الحالة، مع إدخال البيانات تلقائيًا وتوجيه الجهات المختصة بالإجراءات اللازمة، سواء فيما يتعلق بالإيواء، أو التحقيق، أو التقاضي. كما توفر المنظومة إمكانية تحديد الموقع الجغرافي للضحية بدقة، وتبادل المعلومات بين الجهات المعنية ما يضمن تنسيقًا فوريًا وتوثيقًا شاملاً لكل مراحل التعامل مع الحالة.

ويأتي ذلك تماشيا مع متطلبات برنامج تصفير البيروقراطية الذي أطلقته حكومة دولة الإمارات وذلك من خلال منصة رقمية موحدة تضم أكثر 11 جهة، مما يسهم في اختصار إجراءات حماية الضحايا وتسريع الإحالة.

 

مقالات مشابهة

  • بعد تصريح الحكومة الأخير.. كيف واجه القانون جرائم الاتجار بالبشر
  • غوتيريش: الاتجار بالبشر جريمة نكراء يجب أن تتوقف فوراً
  • غوتيريش يدعو لعالم لا يباع فيه أحد أو يشترى
  • الإمارات.. تدشين منظومة الإحالة الذكية لضحايا الاتجار بالبشر
  • الاتجار بالبشر والمسؤولية الأخلاقية
  • اليمن يُحيي اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر
  • سلطنة عمان تحتفل باليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر
  • مدبولي: مكافحة الاتجار بالبشر واجب أخلاقي.. ومصر حافظت على التزاماتها
  • «الاتحاد لحقوق الإنسان» تشيد بدور الإمارات في مكافحة الاتجار بالبشر
  • جهود وطنية متواصلة لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر.. وإشادات دولية بدور "الشرطة" في ضبط المطلوبين