التطهير العرقي في المؤسسات (الجزء الأول)
تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT
التطهير العرقي في المؤسسات (الجزء الأول).
المصدر: المشهد اليمني
إقرأ أيضاً:
كيف تُحدث القيادة التحويلية فرقًا في أداء مؤسساتنا؟
أمينة بنت عمر الشنفرية **
ameena.o@moe.om
مع التحولات المُتسارعة التي يشهدها العالم في بيئة الأعمال والمُؤسسات، بات من الضروري أن تتبنى القيادات أنماطًا جديدة ومبتكرة تتجاوز النماذج التقليدية المعتمدة على الأوامر والرقابة، ومن بين أبرز هذه الأنماط الحديثة تبرز القيادة التحويلية بوصفها نهجًا استراتيجيًا يُسهم في إحداث تغيير عميق في سلوك الأفراد وثقافة المؤسسات.
وكما قال بيرنارد باس، أحد أبرز منظري القيادة التحويلية: "القادة التحويليون لا يكتفون بتحقيق النتائج؛ بل يرفعون طموحات من يقودونهم ويحولون الأفراد إلى قادة بأنفسهم" (Bass, 1985)؛ فقد أصبح من الواضح أنَّ المؤسسات التي تتبنى هذا النوع من القيادة، تحقق مستويات أعلى من الكفاءة والابتكار والمرونة التنظيمية، مما يدفعنا إلى التساؤل: كيف تُحدث القيادة التحويلية فرقًا فعليًا في الأداء المؤسسي؟
تُعرف القيادة التحويلية بأنَّها نمط من أنماط القيادة التي تركز على إلهام الأفراد وتحفيزهم وتمكينهم من تحقيق إمكاناتهم الكاملة، في سبيل تحقيق أهداف المؤسسة، وقد طور هذا المفهوم الباحث الأمريكي بيرنارد باس، الذي حدده بأربعة أبعاد أساسية تُشكّل مُجتمعة جوهر هذا النمط القيادي. أول هذه الأبعاد هو "التأثير المثالي"، ويقصد به أن يكون القائد نموذجًا يُحتذى به في النزاهة والالتزام والرُّؤية، مما يمنح العاملين الثقة والاحترام، أما "التحفيز المُلهم"، فيتمثل في قدرة القائد على نقل صورة واضحة وجذابة لمستقبل المؤسسة، وتحفيز الأفراد على العمل بروح الفريق لتحقيق تلك الرؤية. ويأتي بعد ذلك "التحفيز الفكري"، والذي يشجع القائد من خلاله الموظفين على التفكير بطرق مبتكرة، والتشكيك البنّاء في الأنظمة القائمة، وطرح حلول غير تقليدية. وأخيرًا، "الاعتبار الفردي"، الذي يعكس اهتمام القائد باحتياجات كل موظف على حدة، وتقديم الدعم والتوجيه المُناسب لتطوره المهني.
وقد أكدت دراسات ميدانية متعددة الأثر الإيجابي الذي تتركه القيادة التحويلية في الأداء المؤسسي فبحسب دراسة أُجريت على عينة من موظفي الجامعة الأردنية، تبين أنَّ الأبعاد التحويلية، لاسيما "التأثير المثالي" و"التحفيز الفكري"، أسهمت في تحسين الإنتاجية وزيادة الالتزام الوظيفي et al., 2019) Zaidoun) ولخصت دراسة أخرى تناولت قطاع الاتصالات في المملكة العربية السعودية، إلى أنّ القيادة التحويلية تقلل من التراخي في العمل، وتعزز التحفيز الذاتي بين الموظفين (Aboramadan, 2020).كما أظهرت أبحاث إضافية أن القادة التحويليين يعززون بيئة الابتكار داخل المؤسسة، ويشجعون على تبني أساليب تفكير جديدة تُسهم في التطوير المستمر للأداء المؤسسي (Stone, 2021).
ورغم ما تحمله القيادة التحويلية من مزايا واضحة، إلا أن تطبيقها العملي يواجه عدة تحديات قد تعيق فاعليتها، من أبرز هذه التحديات، المقاومة الداخلية للتغيير، خصوصًا في المؤسسات التي ما تزال تعتمد ثقافة تنظيمية تقليدية ترفض المجازفة.
كما إنَّ قلة الكفاءات القيادية المؤهلة، والتي تمتلك القدرات الفكرية والعاطفية التي تتطلبها القيادة التحويلية، تشكل عائقًا كبيرًا أمام التحول المنشود، أضف إلى ذلك أنّ الإفراط في التوقعات والتحفيز المستمر، قد يؤدي في بعض الأحيان إلى إرهاق الموظفين وفقدان التوازن بين الحياة المهنية والشخصية، كما نبهت إلى ذلك بعض التحليلات الحديثة (Kumar, 2022) ولكي تتمكن المؤسسات من تجاوز هذه التحديات وتعزيز القيادة التحويلية، ينبغي أن تتبنى مجموعة من الخطوات العملية المدروسة، أولى هذه الخطوات هي الاستثمار في إعداد وتأهيل القادة عبر برامج تدريبية تركز على تطوير مهارات التأثير والتحفيز والذكاء العاطفي كما يُنصح بتعزيز ثقافة الابتكار داخل بيئة العمل وتوفير مساحة آمنة لطرح الأفكار والمبادرات دون خوف من الفشل.
ويجب أن تتبنى المؤسسة سياسات تشجع على التقدير الفردي، من خلال التعرف على جهود الموظفين ودعم مساراتهم المهنية. كما يُعد تعزيز التواصل الداخلي وبناء رؤية مُشتركة بين الإدارة والموظفين من العوامل المحورية لترسيخ القيادة التحويلية كنهجٍ مُستدام.
عليه.. يمكن القول إنّ القيادة التحويلية لم تعد ترفًا تنظيميًا؛ بل ضرورة استراتيجية في زمن تتسارع فيه التحديات وتتعقد فيه المهام المؤسسية؛ إذ إن تبنِّي هذا النمط القيادي يُسهم في تمكين الموظفين وتعزيز الولاء وخلق بيئة تنظيمية مرنة وقادرة على التكيّف. ومن هذا المنطلق، فإنَّ الدعوة إلى تمكين القادة التحويليين وتوفير البنية الداعمة لهم ليست مجرد خيار؛ بل استثمار طويل الأمد في مستقبل المؤسسات وازدهارها.
** باحثة تربوية