جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-30@23:08:25 GMT

الاستثمار في الإعلام الرقمي

تاريخ النشر: 31st, May 2025 GMT

الاستثمار في الإعلام الرقمي

حاتم الطائي

 

الإعلام سلاح نوعي أصبح المُحرِّك لمجريات الأحداث من حولنا

الحروب الإعلامية على وطننا وعلى أوطان كثيرة لا تضع أوزارها

نقترح وضع خطة وطنية متكاملة لتطوير إعلامنا ترتكز 6 عناصر أساسية

 

 

يمُر العالم بتحوُّلات غير مسبوقة في جميع مجالات الحياة، ما يتطلب حالة من التيقُّظ الدائم والاستنفار الإيجابي، من أجل مُواجهة المُتغيرات والتعاطي مع التحديات، وضمان عدم التراجع إلى الوراء، إن لم يكن السعي للبقاء في المقدمة.

وفي القلب من هذه التحوُّلات، يبرُز قطاع الصحافة والإعلام بشكل عام، لا سيما وأننا نتحدث عن سلاحٍ نوعيٍّ أصبح اليوم هو المُحرِّك لمجريات الأحداث من حولنا؛ بل إن حروبًا انتصرت فيها أطرافها بسلاح الإعلام لا بالبارود والقنابل! وعندما أقول إننا أمام سلاح خطير، لا أعني بالضرورة التحذير منه؛ بل مُحاولة توظيفه ليكون سلاحًا ناعمًا، وجزءًا من القوة الناعمة للدولة، كما إنني لا أتحدثُ هُنا عن حروب إعلامية، ولكن تأهب إعلامي من أجل مُجابهة أعاصير الأباطيل التي تأتينا من الداخل أو محيطنا المُلتهب أو من وراء البحار والمحيطات. هذا التأهُّب يستلزم عدة آليات لا غنى عنها، إذا ما أردنا أن نكون في حالة استعداد للمواجهة الإعلامية، مُواجهة من أجل دفع الباطل، وترسيخ الحق.. مواجهة لضمان أنَّ الرواية الحقيقية للأحداث نسردها وفق قِيَمنا ومبادئنا وأصالتنا.. مواجهة يجب أن تخرج من شرنقة "ما لنا علاقة"، وأن تبتعد عن شعار "هدي الأمور"؛ فثمَّة أحداث لا يُمكن التعامل معها من هكذا منطلقات؛ بل يتحتَّم علينا الوقوف في وجهها بكل جسارة وجاهزية، خاصةً إذا ما ارتبط الأمر بأمننا القومي، اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا.

أقولُ ذلك والحروب الإعلامية على وطننا وعلى أوطان كثيرة لا تضع أوزارها؛ بل تزداد اشتعالًا ولهيبها يطال كل مكونات المجتمع. هي حرب وقودها وسائل التواصل الاجتماعي وتقنيات الذكاء الاصطناعي؛ الأولى تستهدف الوصول إلى أكبر شريحة مُمكنة من المُتابعين، والذين يسهل "اصطيادهم" بصورة أو خبر جاذب أو فيديو يخطف الأنفاس، أما الثانية، فيتم توظيفها لإنتاج محتوى يُحقق الأهداف، مُعتمدين على تقنيات التزييف العميق بصورة أساسية، وتقنيات أخرى أصبحت تُحيي الميت وتُميت الحي، رقميًا بكل تأكيد!

ومن المؤسف أنَّ هذه التقنيات لا تستخدمها عصابات الإنترنت أو بعض المراهقين أو المُختلين عبر منصات التواصل الاجتماعي؛ بل أصبحنا نرى مؤسسات إعلامية كُبرى تُنتج أعمالًا مرئية من الذكاء الاصطناعي بنسبة تصل إلى 100%! وهذا أمر بالغ الخطورة، أن نجد مؤسسة إعلامية كبرى تُنتج مقاطع مرئية تُحاكي- على سبيل المثال- اللحظات الأخيرة في حياة رئيس دولة فرَّ من دولته بعد ثورةٍ أو تمردٍ عسكري أو حتى انقلاب. ومكمن الخطورة أنَّ مثل هذه الأعمال تُرسِّخ في الذهن والذاكرة أحداثًا مُتخيَّلة على كونها حقيقية، وبمثابة تأريخ لأحداث غيَّرت مجرى حياة ملايين البشر، أو أن نجد أحدهم أيضًا يُنتج مقطعًا مصورًا بهدف السخرية والتهكُّم من الآخرين المُخالفين في الرأي والتوجُّه.

هذه الأعمال وغيرها، تُحدث بلبلةً وتشويهًا مُتعمَّدًا للواقع، وتُزوِّر الأحداث والتاريخ مع سبق الإصرار والترصُّد، من أجل تحقيق مصالح وغايات تنطوي على أجندات بعينها.. أجندات تستهدف تفتيت المُفتت، وتمزيق المُمزَّق، وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية والمناطقية، وغيرها، مما يضمن لمن يتربصون بالأوطان الانقضاض عليها بعدما تكون قد سقطت بالفعل عبر حرب إعلامية شعواء.

كل ذلك يدعونا إلى التفكير العاجل والضروري، لأن نُطوِّر إعلامنا، تطويرًا يضمن تسليح صحفيينا وإعلاميينا بالأدوات اللازمة لمواكبة المُتغيِّرات، ومعرفة كيفية الرد والتعامل مع الحروب الإعلامية وكشف التزييف العميق، فلا يُمكن أن تخوض معركة أمام عدو يستخدم أحدث التقنيات الإعلامية، بينما أنت ما تزال تُمسك بالقلم والمايكروفون، ظنًا منك أنك ستنتصر لأنَّ الحق معك.. من المؤسف القول إنَّ الحق وحده دون مُمكِّنات النصر، لن يجلب هذا النصر؛ بل ربما يكون ذلك سببًا في الهزيمة النكراء!

إذن ما الحل؟!

الحل يكمُن في وضع خُطة مُتكاملة لتطوير إعلامنا العُماني، تقوم على عدة عناصر كما يلي:

 إطلاق خارطة طريق من أجل التحوُّل الرقمي الشامل في الإعلام، تُنفَّذ على مدى زمني لا يتجاوز العامين.  إعادة النظر في واقع المؤسسات الإعلامية القائمة، وتقديم الدعم اللازم لها ومساعدتها على الاستثمار الرقمي؛ لكي تنهض من كبوتها التي ما تزال تعاني منها بسبب الأزمات المُركَّبة التي تعرضت لها، منذ أزمة تراجع النفط في 2014 مرورًا بأزمة 2018 ثم أزمة 2020، وغيرها!  تنقيح ما يُسمى بـ"الحسابات الإخبارية" التي لا طائل منها سوى مزيد من الإرباك والتشويه للمشهد العام، وتعمُّد نشر ثقافة التفاهة على حساب الجدية والمصداقية، وأن يكون الإعلام مسؤولية المؤسسات الوازِنة القادرة على إحداث الفارق بكل مهنية وكفاءة.  إنشاء صندوق تطوير الإعلام، ليكون بمثابة البنك التمويلي للمؤسسات الإعلامية، يوفر الدعم المُيسَّر في أوقات الأزمات. التشجيع على إطلاق أول قناة إخبارية عُمانية للعالم، تقوم على مبادئ الإعلام الحُر والمسؤول، وتتولى تقديم إعلام دولي من وجهة النظر العُمانية، التي ترتكز على الحياد الإيجابي وعدم التَّدخل في شؤون الغير ونشر السلام والوئام في أنحاء العالم والتي تُحقق نجاحات كبيرة وتُعزز السمعة الطيبة لبلادنا.  إطلاق برامج تدريب وتأهيل للكوادر الوطنية على مدار العام، والاستعانة بالخبرات الأجنبية إذا ما كان ذلك ضروريًا.

ولا ريب أنَّ التحول الرقمي في المؤسسات الإعلامية، لم يعد ترفًا؛ بل بات ضرورة مهنية ومجتمعية؛ لمواكبة التطورات التقنية المتسارعة وتعزيز التفاعل مع الجمهور وتلبية احتياجاته، وتطوير الموارد والكفاءات البشرية العاملة في مؤسسات العمل الصحفي. لكنَّ هذا التحول يتطلب بالتأكيد استثمارات في المعدات الحديثة، والبرمجيات المتطورة، والبنية الأساسية الرقمية لضمان تقديم محتوى عالي الجودة وتجربة مستخدم متميزة. ومن خلال تمكين المؤسسات الصحفية والإعلامية، عبر تطبيق الخطة المقترحة، سنرى المزيد من الاستثمارات الوطنية في هذا القطاع المؤثِّر للغاية.

ونتيجة للضغوط المالية ومحدودية الموارد على المؤسسات الإعلامية في عُمان، نتيجة للتراجع الحاد في الإعلانات والاشتراكات السنوية، وارتفاع تكلفة تشغيل المؤسسات، فإنَّ الحاجة تتعاظم لإطلاق خطة طموحة لدعم هذه المؤسسات وتحفيزها على الانطلاق نحو المستقبل، الذي يجب أن تكون لنا فيه إسهامات نوعية، ترقى ومكانة سلطنة عُمان بين الأمم والتي يُشار إليها بالبنان، فمن غير المنطقي أن تحتل بلادنا مكانة كبيرة عالميًا، في عديد المجالات، مثل الدبلوماسية الفاعلة، والطاقة المتجددة واللوجستيات، وغيرها، بينما في قطاع المؤسسات الإعلامية، نظل "محلك سِرْ".

ويبقى القول.. إنَّ التحول الرقمي وما أحدثه من تغييرات جوهرية في صناعة الصحافة والإعلام، يجب أن يدفعنا إلى سرعة مواكبة هذه المُتغيرات، وتزويد القارئ والمُتابع العُماني بما يحتاجه من معرفة وإعلام، من منظور وطني مُستقل قائم على المرتكزات والثوابت العُمانية الأصيلة، بعيدًا عن استقطابات وسائل الإعلام الإقليمية والدولية.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: المؤسسات الإعلامیة من أجل

إقرأ أيضاً:

حسام الغمري: ثلاثية التشكيك والتشويه والتخوين هي أساس الحملة الإعلامية المعادية

قال حسام الغمري باحث في شئون الجماعات الإسلامية، إن هناك حرباً نفسية ممنهجة تُشن على المواطن المصري، تستهدف عقله وعاطفته ووجدانه، مشيراً إلى أن هذه الحرب تُدار من خلال مؤسسات خارجية مثل "راند" و"الناتو ريفيو" وغيرها، التي تصوغ منهجاً إعلامياً يقوم على استخدام "استراتيجية العاطفة".

وأضاف الغمري، في حواره مع الإعلامى خالد أبو بكر، مقدم برنامج "آخر النهار"، عبر قناة "النهار"، أنّ هذا المنهج يرتكز على ثلاثية خطيرة: التشكيك، والتشويه، والتخوين. إذ يتم التشكيك في كل مشروع أو قرار تعلن عنه الحكومة المصرية، بينما يجري تشويه كل إنجاز يتم تحقيقه على الأرض.

واستشهد الغمري بمدينة العلمين الجديدة، قائلاً إنها "درة تتلألأ"، لكن يتم وصفها كذباً بأنها مدينة للأثرياء فقط، بهدف التقليل من أهميتها.

وأشار، إلى مشروع "حياة كريمة" الذي حظي بإشادة الأمم المتحدة في تقريرها لعام 2022، موضحاً أن بعض الجهات تقتطع صوراً من المشروع تُظهر جوانب غير مكتملة، لتشويه الصورة العامة وتشكيك الناس في جدواه: "لهذا السبب، ما يجري ليس إعلاماً، بل غرفة لإدارة حرب نفسية".

وأكد، أن هذه الجهات لا تتحرك عشوائياً، بل وفق خطط منظمة، حيث توزّع الأوامر على قنوات إعلامية ومقدمي برامج وحتى نشطاء عبر السوشيال ميديا، بهدف خلق حالة من الانقسام وزرع الشك في وعي المواطن المصري.

خالد أبو بكر: مواقف الرئيس السيسي القومية رسخت مكانته لدى المصريين ..فيديوخالد أبو بكر عن خطاب الرئيس السيسى : عبّر عن كل مصري واعٍ ومُدرك لتحديات الأمن القوميخالد أبو بكر: لن تؤثر حملات التشويه الخارجية في وعي المصريين ..فيديوخالد أبو بكر: أي شخص يشكك في موقف مصر من غزة عليه بالصمت طباعة شارك حسام الغمرى الجماعات الإسلامية خالد أبو بكر

مقالات مشابهة

  • 495 مليار ريال حجم الاقتصاد الرقمي.. وزير الإعلام: إطلاق الإستراتيجية الوطنية للإعلام قريباً
  • سامي الحريري يعلن ابتعاده عن الساحة الإعلامية
  • لطفي بوجمعة : ” الحركية الكبيرة التي يعرفها القطاع نرى نتائجها مع تحقيق الإقلاع الرقمي وانفاذ الإدارة القضائية الإلكترونية”
  • تنظيم الإعلام الرقمي في الاردن…. إلى أين
  • فوضى الإعلام الرقمي في الأردن: غياب هيئة الإعلام وحضور التضليل تحت غطاء التسويق”
  • حسام الغمري: ثلاثية التشكيك والتشويه والتخوين هي أساس الحملة الإعلامية المعادية
  • برنامج تدريبي في التسويق الرقمي لرواد الأعمال بولاية دبا بمحافظة مسندم
  • التحول الرقمي الحكومي يُسجل ارتفاعًا بالأداء العام بنسبة 80%
  • وزير الإعلام الدكتور حمزة المصطفى: نأمل بكل صدق ألا تُعرقل هذه القوافل من الجهة الخارجة عن القانون التي تسعى لتوظيف معاناة أهلنا لأهدافها الانعزالية
  • "الأورومتوسطي": مناورة "إسرائيل" الإعلامية بشأن إدخال المساعدات إلى غزة فاضحة