بقلم عمر العمر
الهاتف لا يشبع نهم الونس مع العم صالح فرح.فالرجل ذاكرة اجتماعية خصبة متنوعة،مرجعية ثقافية ثرة وذهنية ناقدة نافذة. كلما سألته عن اسم أو حدث يبحر بي في أنهر عسل مصفى عبر التاريخ ،الجغرافيا والديمغرافيا .بعض تلك الأسماء والأحداث هو شاهد عليها والآخر بها عليم. ببراعة حكاء يمزج الحدوتة بأبيات من الشعر الفصيح أحيانا والغنائي تارة و العديد من الأمثال و الحكم.
***
العم صالح -أمد الله في سنيه وعافيته-تجاوز عتبة التسعين من العمر ولا يزال يرفض التسليم بحكمة زهير بن أبي سلمى(سئمت تكاليف الحياة...ومن يعش ثمانين حولا لا أبالك يسأم) فهو رجل( خُلق ألوفاً ذو قلب كلفٌ بالجمال ) وبالحياة يأبى قلبه الاعتراف بكر الأيام على حد توصيفه لذاته في كتابه المعنون (خواطر). الصادر طبعته الثانية في العم 2015.ذلك الرفض ليس السمة الوحيدة بين الشاعر العربي والقانوني الضليع إذ يطابق حاله قول عمر بن الخطاب في زهير . فمن يتأمل أحاديث العم صالح أو يقرأ في خواطره ،يجد كليهما (لا يتبع حواشي الكلام ولا يعاظل في المنطق ولا يقول إلا مايعرف ولا يمتدح أحداً إلا بما فيه).كما نقل ابن عباس عن ابن الخطاب اطراءً لذهير. فالعم صالح يقول لعبدالله علي ابراهيم (أنا صاحب كيف لا اقارب الكتابة حتى يتم كيفي،، وكيفي يتم حين يصفو مزاجي)
***
نبرة صوت العم صالح حافز آخر يحرّض على الاصغاء فهو يتمتع بحنجرة ودودة لإذاعي موهوب كادت حنجرته تحمله إلى موجات ال (بي بي سي). فالرجل كان أحد أربعةٍ شكلوا قائمة مختزلة نهائية لتصفية متنافسين للعمل في هيئة الإذاعة البريطانية. لو تم اختياره يومها لتبدل مسار الطيب صالح . لكن العم صالح المتصالح مع نفسه ومع الآخرين كتب( ما كنت لأكون على ما كان عليه الطيب من تألق). ربما حرمنا القانون من كاتب حاذق موثّقٍ في التاريخ السياسي والاجتماعي و النقد الأدبي. هو من الرعيل باني الحياة الطلابية في حنتوب إذ كان بين الدفعة البكر المنتقلة من أم درمان الثانوية إلى تلك المدرسة العريقة .بينما فارقهم من الثانوية نفسها أندادٌ إلى وادي سيدنا ، ذلك جيل ساهم في ارساء حركة الوعي السودانية.
***
حين تستمع إلى العم صالح أو تقرأ في ماكتب ترد طائفةُ أسماءٍ من أجيال متعاقبة برقت في فضاء السياسة ،الثقافة والصحافة السودانية.من أؤلئك منصور خالد، احمد محمد صالح ،عبدالله ابو عاقلة أبو سن ،محمد ابراهيم خليل، علي نور،الشريف حسين الهندي،أحمد المهدي مهدي إبراهيم و قد أسماه أحد ( نواطير الإنقاذ) ،عثمان خالد، محمد سعيد القدال ، فارق كدودة -وصفهما بأهل دربة ودراية في العلم و أهل مراس و عزم في السياسة -و محمود صالح عثمان صالح رجل المال والأعمال وعاشق المعرفة وخادمها والترجمان.
***
هو ليس قارئا متأملاً فقط بل منقبا ناقدا معقبا مثلما في تناوله موقف عبدالله علي إبراهيم تجاه عبد الخالق محجوب و ازاء رحيل الشاعر محمد عبد الرحمن شيبون رؤيةً و لغةً.كما تجد في العم صالح قارئا نهما إذ يستعرض كتبا من انتاج سودانيين مثل(مياه النيل ،،السياق التاريخي والقانوني )للأستاذ فيصل عبد الرحمن علي طه أستاذ القانون الدولي و(في بلاط الدبلوماسية والسلطة) من تأليف أبو بكر عثمان محمد صالح و كتاب يوسف محمد علي(السودان والوحدة الوطنية الغائبة) .فهو أحد مرجعيات نادرة دأبت على الاستعانة بهم كلما استدعتني الكتابة للتوثيق ،التوضيح أو الاستفاضة.
***
العم صالح قارئ عميق لتاريخ السودان وجغرافيته السياسية منذ مملكتي نبتة و مروي وله موقف ثابت مناهض للحكم العسكري أينما برز عبر العالم الثالث، إذ يرى فيه غدراً بالشرعية، مخالفةً أخلاقية،افتقاراً لمؤهلات السياسة،نكوصاً عن وعود وحشر الناس من الضيق إلى الأزمة.ثم يحدثنا عن خيبات الثورات حينما تنتهي إلى ثقافة التمكين و إلى شُلل من الانتهازيين و قناصي الفرص وتفشي (عهر المثقفين) و شبق السلطة. كما هو متابع راصد مواكب لما يحدث في العالم العربي على صعيد تقلباته القطرية وقضيته المركزية وزوابع ربيعه .
***
حينما يأتي الكلام عن القانون والدستور فإنه يحدثك بلسان العالم الفقيه عن القانون هو الملك. مع ذلك هو يعترف (كان من حسن حظي انني كنت قريبا من الشيخ زايد،طيب الله ثراه ،كنت مستشاره القانوني، أشهد التحول الذي تم على يديه. ،،،كان توجيه لنا يوم استخدمنا ان نرفق بقومه فإنه لم يعودهم شدة).جاء ذلك توجيها ساميا لقضاة تم استقدامهم من دول عربية متباينة.لعل الحظ كافأ في سخاء رجلا استقال من المنظومة العدلية السودانية رد فعل لإجراء رأى فيه مساسا بكرامته واجحافاً من ذوي القربى .
***
aloomar@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
محمد بن راشد يأمر بالإفراج عن 985 نزيلاً بمناسبة عيد الأضحى المبارك
دبي-'الخليج':
أمر صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، رعاه الله، بصفته حاكماً لإمارة دبي، اليوم (الثلاثاء) بالإفراج عن 985 من نزلاء المؤسسات الإصلاحية والعقابية في دبي من مختلف الجنسيات وذلك بمناسبة عيد الأضحى المبارك.
وأكد المستشار عصام عيسى الحميدان، النائب العام لإمارة دبي أن أمر صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يأتي في إطار حرص سموّه في مثل هذه المناسبات على منح أفراد من المجتمع، حادوا عن الطريق القويم بأفعال وضعتهم تحت طائلة القانون، الفرصة للعودة مجدداً إلى محيطهم المجتمعي، كأشخاص نافعين لأنفسهم ولذويهم، في إطار من احترام القانون والالتزام بأحكامه، وبما يسهم في تحقيق الأمان والاستقرار المجتمعي، فضلاً عن حرص صاحب السموّ على إدخال البهجة والسرور على نفوس أهالي وذوي المشمولين بالعفو في مثل هذه الأيام المباركة، إعلاءً لقيمة التسامح التي تُعد من أهم شيم أهل الإمارات.
وقد باشرت النيابة العامة في دبي على الفور الخطوات اللازمة لتنفيذ أمر الإفراج وذلك بالتنسيق مع القيادة العامة لشرطة دبي.