لماذا يموت السودانيون بالملايين (سمبلا) ركضاً وراء وهم الدولة الواحدة؟، منذ محاولة المهدي تأسيس الدولة الوطنية الأولى، التي كانت بدايتها لفظ الإمام المهدي ذات نفسه من قومه، ليلجأ إلى كرفان بحثاً عن أنصار يؤيدون إقامة دولته الرافضة للحكم التركي، مع أن الحكم التركي ورغم بطشه بالسودان المركزي، إلّا أن مجتمعات الوسط والشمال قد تآلفت معه واندمجت فيه، ويبدو هذا الاندماج واضحاً اليوم، ومنعكساً في التأثير الكبير على المفردة والخصائص الاجتماعية، بخلاف تأثير المهدية التي مازالت شعوب سودانية أوسطية تصفها بأنها استعمار وغزو خارجي، مثله مثل الغزو التركي والمصري و الإنجليزي، وما أسباب إشعال حرب أبريل إلا بمثابة امتداد للرفض المقيم في الوجدان المركزي، لأي محاولة لصناعة دولة وطنية يتساوى تحت ظلها الجميع، والإصرار على إطالة الحرب من قبل جنرالات الجيش المركزي، حتى ولو برهن ميناء السودان الأول للمستعمر الأول – الرجل الأبيض، مقابل عدم السماح بوجود دولة المواطنة، هذا التحجر العقلي الذي ظل ينتجه الفكر المركزي، هو الذي أوصد الباب أمام محاولات الكوشيين من الجنوب الحبيب، ودفعهم لأن يقنعوا من خيراً في تحقيق مشروع الوطن الفسيح المشترك، ولتكن العبرة بما وصل إليه أبناء كوش من النوير والدينكا والشلك والمكونات الأخرى، من قناعة راسخة بعدم جدوى السير وراء هذه المهزلة، فليس من أسباب وضع حد للسيول الجارفة من الدماء طيلة السنين العجاف، التي أعقبت ما يسمى بدولة ما بعد الاستقلال، أن يقحمنا الطوباويون من المفكرين والمنظرين في فوضوية هذا المشروع الوهمي، الذي ما عادت مخرجاته تحقن قطرة دم واحدة من جسد ذلك الإنسان البريء الذي لا حول له ولا قوة، والذي وجد نفسه تحت آلة قتل طائرة ترمي بالبراميل المتفجرة لتسقطها على رأسه، وهو جالس تحت ظل شجرة في أقصى جبال النوبة وجبل مرة.


تدارك هذه الحالة الذهنية الواهمة فرض عين على كل مستنير، وتحدي إفاقة العامة من الناس من غيبوبتها واجب على كل باحث عن الحقيقة، فسلطنة المسبعات كان لها شأنها وامنها ورفاه مجتمعها، وسلطنة الفور وضعت بصمة خالدة في سجل التاريخ للعبها دوراً محورياً في نشر الإسلام بوسط وغرب افريقيا، ولها وقفتها الصلبة في صف دول المحور في الحرب العالمية الأولى، وكذلك تحالف عبد الله جماع وعمارة دنقس ولد الدولة السنارية التي لها وضعها التاريخي الصميم، هذا فضلاً عن تمرحل ممالك النوبة من نبتة والمغرة وقبلهما التاريخ العريق في تواصل الحضارتين الكوشية والكميتية، مروراً بالبجا وشأوها الأكسومي التليد، فشعوب السودان الحاضر كانت بلدان ذات سيادة واقتصاد وأعلام ترفرف بفخار السيادة الوطنية لقرون، وليس منطقياً أن يركض أحفاد هذه الشعوب اليوم وراء كذبة أطلقها المستعمر فصدقوها، فدارفور تساوي ضعف مساحة فرنسا وبها مورد بشري وحيواني وزراعي يفوق بعض من البلدان العظمى، لو وجد الإدارة الرشيدة لحققت دارفور المستحيل، فلماذا هذا الإصرار العنيد على العيش تحت مسمى وهمي لا مرجعية له (السودان)، وكردفان – المسبعات سابقاً ليست عاجزة عن صناعة المجد كدولة لا ينقصها ناقص يمنعها أن تكون أفضل من ماليزيا وسنغافورة، فالناقص الأوحد هو الاستمرار في اعتناق مهزلة الدولة الواحدة – فدرالية – ديمقراطية – علمانية – إسلامية ... إلى آخر المسميات، حتى دارفور يمكنها أن تصبح ثلاث دويلات – جنوب – شمال – غرب، لكسر طوق وهم التمسك بالوحدة الزائفة وغير الممكنة، وعلينا أن نسعى لوقف هذه الحروب العبثية المستمرة لأكثر من نصف قرن، حتى لو أدى ذلك إلى الرجوع للأصل، ولو لم يتدارك الفاعلون في الفضاء العام انعكاسات هذه الحقيقة المؤلمة، للأسف، سيستمر سفك الدماء بهذه العشوائية والبربرية.
الذين طرحوا مشروع دولة النهر والبحر يجب أن لا يلومهم أحد، بل يشجعهم على حشد الطاقات لتحقيق هذا الطموح، الذي يرونه أقصر الطرق لحماية مجتمعاتهم من بطش النخبة السياسية المتسلسلة الفاشلة، المتاجرة بأطروحة هذه المنظومة المفاهيمية الوهمية التي لا وجود لها كواقع منذ عشرات السنين، فالشيء الوحيد الذي يستحيل الحصول عليه هو إجبار الآخر على أن يعتنق ما تعتقد أنت أنه الصواب، وبهذه المناسبة أعود لبضع سنين مضت وحرب دارفور كانت على أشدها، حينما كوّن الدكتور إدريس أزرق ورفاقه جبهة استقلال دارفور (جاد)، وفعلاً كانت اسم على مسمى، وكان طرحاً جاداً لوضع حد للمأساة، فلو اتبع أهل دارفور ذلك الطرح الجاد لاستفادت الدولة الدارفورية الحديثة من الفترة الزمنية التي كانت مدتها عقدين، في الوصول لتحقيق حلم الدولة الآمنة المستقرة – كما فعلت رواندا، لكن استمراء الاستمرار في طريق احتساء النبيذ المسكر لمشروع الدولة الوطنية الواحدة المزعومة والموهومة، لا يوصل الشعوب المقهورة إلا إلى جحيم الموت والدمار المقيم الذي تشهده مدن وقرى السودان الآن، دعونا نخرج من ساحة الرقص على إيقاع أهزوجة الوحدة الكاذبة، لنؤسس لأوطان مستقلة متصالحة مع جوارها مثلما فعل الجنوب الحبيب، الذي نفاخر بفريقه الرياضي الواضع لأول بصمة للمسمى القديم (السودان) على جسد المنظومة الإنسانية العالمية، فلو استكان دينق وملوال وأشو وبيول لإيقاع الحقيبة، لظلوا جميعهم مكدسين تحت صفيح مايو والحاج يوسف وأم بدة، يقضون نهارهم مقهورين وليلهم في معاقرة (العرقي)، فلينهض أبكر ويعقوب من ركام الخرطوم، ومن دكاكين غسيل أزياء سكان العاصمة، وليذهبا ليؤسسا سيادتهما الحافظة لكرامتهما، وليخرج أوهاج من مزلة البيئة الهامشية في مركز البلاد، ليلحق بركب أحرار الشرق الساعين لتخليص الميناء من قبضة السارقين القادمين من الطينة وقندتو، وليبني كل دولته وليستنفع كل من مورده الذاتي، وكفى الله (السودانيين) شر القتال.

إسماعيل عبدالله

[email protected]  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

والي غرب دارفور: الاستجابه لنداء دعم الجيش تؤكد وقوف الشعب موحدا لحفظ وطنه

قال الجنرال بحرالدين آدم كرامة والي ولاية غرب دارفور في منشور على منصة فيس بوك أن الاستجابة الجماهيرية الواسعة لنداء اللجنة العليا للاستنفار والمقاومة الشعبية، دعماً للحكومة الشرعية وهي تخوض معركتها المصيرية ضد التمرد وميليشيات آل دقلو الإرهابية، وإفشالاً لمخططات أجنبية تستهدف الدولة السودانية، تؤكد مرة أخرى أن هذا الشعب يدعم وطنه عند الشدائد.وأضاف “لقد عبّر السودانيون، بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم، عن وحدة وطنية صلبة، والتفاف كامل حول المؤسسة العسكرية والقوات المشتركة والمقاومة الشعبية والمستنفرين، في مشهد وطني جسّد الإرادة الشعبية الراسخة في حماية الدولة واستعادة هيبتها”.وقال إن خروج الجماهير بهذه القوة والوضوح رسالة حاسمة لكل من يسعى لزعزعة الأمن أو منح شرعية زائفة للميليشيات الإجرامية، بأن السودان ماضٍ بلا تراجع نحو إنهاء التمرد والحسم الكامل.وأشار إلى أن مشاركة الشباب والشيوخ، والرجال والنساء، تؤكد الرفض القاطع لجرائم الميليشيات ومحاولاتها فرض واقع ديموغرافي بالقوة، وتكشف في ذات الوقت عن عمق التماسك المجتمعي ووعي الشعب بحقيقة المعركة.وأضاف انه انسجاما مع نهج حكومة الولاية، فقد تم وضع خطة محكمة، بالتنسيق مع القيادة المدنية والعسكرية، تستهدف تحرير الولاية قريباً بإذن الله، ليكون هذا التحرير خطوة أولى نحو تخليص غرب دارفور من ويلات الميليشيات وبناء مستقبل آمن ومستقر.وختم “إن هذه الانتفاضة الشعبية لا تعبّر فقط عن الغضب، بل عن إرادة أمة قررت الوقوف صفاً واحداً خلف قواتها المسلحة، مؤكدة أن السودان جسد واحد، لا يُكسر، ولا يُساوَم، ولا يقبل إلا بالنصر”.سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب

Promotion Content

أعشاب ونباتات           رجيم وأنظمة غذائية            لحوم وأسماك

2025/12/14 فيسبوك ‫X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة الإعيسر: رسالة شعبنا اليوم من كل أرجاء المعمورة واضحة، الصمود خيار، والانتصار إرادة2025/12/13 حكومة السودان تدين الهجوم على مقر الأمم المتحدة بكادقلي وتحمّل الدعم السريع المسؤولية2025/12/13 الفرقة ١٨ مشاة “تماسيح بحر أبيض” تختتم العام التدريبي ٢٠٢٥م بتمام الجاهزية2025/12/13 حلفا تصطف خلف القوات المسلحة وتدعو إلى تصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية2025/12/13 الدعم السريع تحتجز آلاف المدنيين في الفاشر بينهم نساء وأطفال2025/12/13 مناوي: قمت بتنوير الخارجية الألمانية بموقف الحكومة السودانية2025/12/13شاهد أيضاً إغلاق سياسية مليشيا الدعم السريع تفرض جبايات مالية ضخمة وعمليات ابتزاز معيشي علي التجار 2025/12/13

الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • والي غرب دارفور: الاستجابه لنداء دعم الجيش تؤكد وقوف الشعب موحدا لحفظ وطنه
  • حاكم دارفور يحدد خطوات لإنهاء الحرب وإعادة بناء الدولة
  • تصعيد ميداني في شمال كردفان وتوسع للجيش السوداني نحو الجنوب
  • رئيس وزراء العراق: نجحنا في تجنيب البلاد تداعيات الصراعات بالمنطقة
  • حاكم دارفور يدعو لتكثيف جهود استعادة الأمن والاستقرار في السودان
  • انتهاكات وحشية..حاكم دارفور: أولويتنا حماية المواطنين من اعتداءات الدعم السريع
  • قتلى بقصف لقوات الدعم السريع وتحرك جديد للجنائية الدولية بشأن دارفور
  • علياء صبحي: رسالة بالغلط كانت وراء أغنية «يا ابن اللذينة».. فيديو
  • الأمم المتحدة: المدنيين في دارفور وكردفان ما زالوا يواجهون عنفا متصاعدا وعشوائيا
  • حرب السودان تخرج عن السيطرة