مدرين المكتومية
هل سألت نفسك ذات يوم ما إذا كنت قادرًا على التخلص من همومك وأعبائك الحياتية لا سيما اليومية منها؟ وهل توصلت إلى طريقة للتعامل بإيجابية مع مختلف تحديات الحياة وضغوطها التي قد تدفع البعض منا إلى الشعور بالإحباط واليأس؟
هذه ليست مقدمة كتاب في التنمية البشرية، ولا جزءَ من كلمات مُدرب في إحدى المحاضرات التي تطالبك بفتح نافذة غرفتك كل يوم والنظر بإيجابية إلى جمال الدنيا، أو حتى النظر إلى المرآة ومخاطبة نفسك بكلمات تساعد على شحن الطاقة الإيجابية، وكأنك بطارية هاتف محمول تريد أن تصل بها إلى مستوى 90% قبل أن تخرج من بيتك!
لا شك أن جميعنا يمر بهذه المواقف، والكثير منا يشاهد ويُتابع مقاطع الفيديو التي تنتشر على منصات التواصل الاجتماعي، بل وتقتحكم هواتفنا اقتحامًا، بعدما يُرسلها صديق أو أخ أو حتى أحد الوالدين، بهدف "تحفيزك" و"تشجيعك" و"دعمك نفسيًا" على تحمل تحديات الحياة والتعاطي معها بصورة إيجابية، مع التأكيد على أهمية أن تنزع عن نفسك أي لمسة سلبية قد تظهر عليك أو في تصرفاتك أو في تعاملاتك مع الآخرين.
من المُستَفِز حقًا أن نجد كثيرين من حولنا يطالبوننا بأن نظل "إيجابيين" وأن نُطلق ابتساماتنا العريضة في الهواء ليل صباح، وأن نظل ننظر إلى نصف الكوب الملآن، وأن نتوقف عن النقد والشكوى، لأن هذه التصرفات "سلبية" وتصرف أنظارنا عن "الإيجابيات العديدة" في الحياة!!
بالله عليكم، هل هكذا يُمكن أن نعيش حياتنا؟ وهل التخلص من الأعباء يكون عبر نكرانها وتجاهلها بحجة التركيز على الإيجابيات؟ بالتأكيد: لا، طبعًا.
الحياة مُتخمة بالتحديات، كما إنها عامرة بالفرص، ودورنا أن نسعى لتحقيق أكبر قدر من النجاح على شتى المستويات، سواء في حياتنا الشخصية أو الأًسرية أو الوظيفية، وحتى مع أولئك الذين نلتقي بهم صدفة. لا يُمكن أن نحيا في هذه الدنيا مثل الإنسان الآلي "الروبوت"، فقط ينحصر دورنا في العمل والإنتاجية، دون مشاعر. لا يُمكن أن نظل نردد عبارات النجاح والتميُّز والجودة وغيرها، وهي بالفعل أمور جديرة بالتحقُق، لكن في الوقت نفسه علينا أن نؤمن أننا بشر نُصيب ونُخطئ، وأننا نتألم كما نفرح، ونضحك كما نبكي، ومن غير المعقول أن ننسى إنسانيتنا التي جُبلنا عليها، لأننا فقط نريد أن نكون "إيجابيين".
التطورات المتلاحقة التي تحدث لنا ومن حولنا، في العمل والأسرة، تُلزمنا بأن نتحلى بأكبر قدر من الهدوء والتوازن النفسي، كي نحافظ على صحتنا ونواصل المسير، لكن ذلك لن يتحقق إذا ما قمعنا مشاعرنا السلبية وأنكرناها؛ بل يُمكننا أن نفعل ذلك بالتعبير عن غضبنا أحيانًا أو البكاء أو الفضفضة لصديق أو قريب. علينا أن نمارس حياتنا بصورة إنسانية وطبيعية، على نحو وسطي يضمن الاعتدال وعدم الغلو أو التفريط.
نصيحتي لكل من يبحث عن النصيحة، كُن ما تكون، وافعل ما تفعل، لكن وازِن بين أفعالك، لا تبكي ولا تشتكي كثيرًا، لكن في الوقت نفسه عبِّر عن عدم رضاك عن علاقاتك الشخصية أو في بيئة العمل. لا تعش بمفردك في هذه الحياة، لكن لا يُعقل أن يكون الجميع أصدقاءك! مارس الحُب بعقلانية من خلال اختيار شريك الحياة الأنسب إلى شخصيتك، ولا تتردد لحظة في بناء علاقة مع من تراه "قريبًا" فعلًا. التزم بالتصرفات الإيجابية، ولا تركن إلى السلبيات، لكن لا يجب أن يمنعك ذلك من التحلي بالواقعية، والسير على طريق الحياة العملية بكل ما فيه من جمال أو قُبح، وآمن أنك جميل في حد ذاتك، وأن قلبك يستحق أطيب القلوب، وأن سعادتك بيديك، فلا تضعها في يد أحد آخر لا يُقدِّرها ولا يعرف كيف يُنمِّيها!!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
صور أقمار صناعية تفند رواية عودة الحياة إلى الفاشر
بينما انتشرت على منصات التواصل روايات تتحدث عن "تعافي الفاشر" عاصمة ولاية شمال دارفور، وعودة الحياة إلى أسواقها بعد سيطرة قوات الدعم السريع، كانت صور الأقمار الصناعية تروي قصة مختلفة بالكامل.
فالمشهد الذي التقطته الأقمار الصناعية لـ3 من أكبر أسواق المدينة خلال ديسمبر/كانون الأول 2025 لا يظهر أي أثر لحياة تجارية طبيعية، بل فضاءات شبه خالية تقف على النقيض من السردية الرقمية التي سعت إلى إقناع المتابعين بأن الفاشر استعادت نشاطها المدني.
وتكشف صور أقمار صناعية حديثة حصلت عليها وكالة سند للتحقق الإخباري في شبكة الجزيرة عن تغير جوهري في نمط الحياة المدنية داخل مدينة الفاشر، من خلال مقارنة بين مرحلتين مفصليتين في تاريخ المدينة الحديث: ما قبل الحصار في مايو/أيار 2024، ثم بعد سقوطها بيد قوات الدعم السريع في أكتوبر/تشرين الأول 2025.
غياب النشاط التجاري داخل الأسواق الرئيسةوتظهر الصور الملتقطة بعد سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة أن الأسواق التالية أصبحت خالية تماما من الحركة المدنية:
سوق الفاشر الكبيرتكشف الصور الملتقطة في ديسمبر/كانون الأول 2025 اختفاء الحركة داخل سوق الفاشر الكبير تماما، بدون وجود مركبات أو باعة أو تجمعات مدنية.
وقد أظهرت الصور أيضا وجود دمار في بعض المواقع التي كانت قد قصفت في فترة الحصار مقارنة بصور مايو/أيار 2024، التي أظهرت نشاطا تجاريا مكثفا.
كذلك، أظهرت صور الأقمار الصناعية أن سوق أبو شوك بات مهجورا، مع غياب أي حركة سيارات أو بسطات أو تجمعات بشرية، مع تغيّر واضح في ملامح الشوارع التجارية، بجانب آثار استهداف في بعض المواقع التي قُصفت خلال فترة الحصار قبل سقوط المدينة.
تبيّن صور الأقمار الصناعية أن سوق المواشي أصبح شبه خال من حركة المواطنين والعاملين بالسوق، في مشهد يعكس توقفا كاملا للحركة التجارية.
وبحسب التحليل الزمني لسلسلة الصور، فإن آخر نشاط سوقي كبير رُصد في الفاشر كان في مايو/أيار 2024، قبل أن تؤدي العمليات العسكرية والحصار الطويل ثم سقوط المدينة إلى تعطّل شبه كامل للحياة الاقتصادية.
رواية "عودة الحياة" إلى الفاشروعلى الفضاء الإلكتروني، وخاصة منصة إكس، رصدنا اتجاها منظما للحسابات المحسوبة على قوات الدعم السريع يتبنّى سردية موحدة تحت عنوان "عودة الحياة إلى الفاشر"، مستخدما وسم "#الفاشر_تتعافى" بكثافة لافتة.
وبالتحقق من طبيعة الحسابات التي تقود هذا الضخ الإعلامي، تبيّن أن نسبة واسعة منها أُنشِئت حديثا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وهو ما يعكس نمطا متكررا في الحملات المنسّقة المعروفة بـ"التضخيم المصطنع لدفع خطاب محدد".
وأظهر تحليل البيانات التعريفية لتلك الحسابات، باستخدام أداة التحقق الحديثة التي أتاحتها منصة إكس لعرض تفاصيل الموقع الجغرافي للدخول، أن معظم الحسابات لا تُسجَّل ضمن نطاق السودان الجغرافي، على الرغم من تبنّيها لهوية سودانية شكلا ولغة ومحتوى.
كما يلاحظ أن محتوى هذه الحسابات يكاد يتطابق في النصوص والصور ومقاطع الفيديو.
وتُظهر اللقطات المتداولة في هذه الحسابات اعتماد رسائل موحدة تركز على تصوير الفاشر كمدينة استعادت الحياة الطبيعية بعد الأحداث الدامية التي شهدتها مطلع الشهر، في محاولة واضحة لإعادة صياغة الرواية العامة حول الوضع الميداني.
كما تتكرر إعادة نشر المقاطع نفسها من حسابات متعددة، إضافة إلى الاعتماد على حسابات بملفات شخصية شبه فارغة وبتفاعل منخفض.