الذكاء الاصطناعي من ثورة البحث إلى ديناميكية التشغيل
تاريخ النشر: 10th, August 2024 GMT
يكاد، في الحيّز المحلي والإقليمي، لا يمر أسبوع إلا ونرى أخبارا تتحدث عن إنجازات بحثية علمية جديدة في مجال تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وينمُّ هذا على وجود الوعي المجتمعي بشكل عام ووعي المؤسسات البحثية بشكل خاص، ووجود التمويل الحكومي المتمثل في دعم الأبحاث العلمية الذي يتركّز معظمها -مؤخرا- على أبحاث الذكاء الاصطناعي.
من الملحوظ أن التفوق البحثي له بعده الاقتصادي الذي يأخذ مساره الزمني ليكون بعدا يعطي ثماره ولو بعد حين من الزمن، وهذا ما يزرع في نفوسنا الأمل في أنّ توالي نجاحات مشروعات الذكاء الاصطناعي البحثية بمثابة خطوات رئيسة وضرورية على طريق التمهيد لتحقيق الاقتصاد الرقمي الذي يعبّر عن الاستثمار في الأنظمة الرقمية، ولكن - مع موقعنا الحالي- لا يمكن أن ندّعي أننا دخلنا حيّز الاقتصاد الرقمي وفقَ المستويات العالية، وهذا أيضا ما يمكن أن نلحظه في دول المنطقة التي ما تزال تبحث لها عن موطئ قدم راسخ على أرضية الاقتصاد الرقمي رغم النجاحات الكبيرة التي تحققت على أرضية البحث العلمي في النطاق الرقمي الذكي، ودليلنا على ذلك في الصناعات التي ما تزال تعتمد على أنظمتها التقليدية؛ إذ من التطلعات التي ينبغي أن نسعى لتحقيقها البدء في التحول الرقمي في الصناعة الذي يعتبر لبَّ الاقتصاد ومحركه الرئيس، وهنا نشير إلى أهمية تحقيق الاستدامة الصناعية عبر الاعتماد شبه الكامل على الأنظمة الرقمية في عمليات التشغيل والإنتاج الصناعي، وسبق أن عرضنا أمثلة ناجحة تعكس مخرجات البحث العلمي، وتؤكد وجود التطبيق الناجح للذكاء الاصطناعي في الصناعة، ومع ذلك يعتبر هذا النوع من التطبيق الرقمي نوعًا مساعدًا يعمل على تحسين جودة الصناعة وتقليل تكاليف تشغيلها استنادا إلى دراسات كثيرة عرضناها في مقالات سابقة، ولهذا فنحن بحاجة مع هذا النوع من التشغيل إلى الرقمي إلى مستويات تشغيلية أكثر اتساعا؛ ففي نطاق أوسع وأكثر أهمية، لا يفوتنا أهمية الاستثمار المباشر في الأنظمة الرقمية عبر الصناعة الرقمية المباشرة التي تأتي في صور كثيرة منها تطوير الخوارزميات والتطبيقات الرقمية الذكية، وهذا ما يتأتى تحقيقه عبر إيجاد قوي لشركات ومؤسسات معنية بالأنظمة الرقمية، ورغم وجود الدعم الكبير الذي توليه الحكومة في سلطنة عُمان في دعم تأسيس هذه المؤسسات الرقمية الناشئة خصوصا تلك التي تكون ذا بذور وطنية وبجهود الكوادر العمانية إلا أن المعوقات العالمية أكثر تأثيرا على بقاء مثل هذه المؤسسات الرقمية؛ إذ تؤكد الاستطلاعات -منها ما نشرته جريدة عُمان في الصفحة الاقتصادية بتاريخ 31 يوليو 2024م بعنوان "الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي تواجه تحديا من المجموعات الرقمية العملاقة- أن إحدى هذه المعوقات يتمثّل في هيمنة المجموعات الرقمية الكبرى على الاقتصاد الرقمي مما يجعل من حركة الاستثمار الرقمي تسير في طريق ضيّق يعتريه مبدأ الاحتكار الذي يجعل من خيارات التحول الرقمي مسوغات صعبة المنال وضيّقة الأفق، ولهذا فإن المنافسة غير العادلة التي تخوضها هذه المجموعات الرقمية الكبيرة تقود المجتمعات الرقمية الطامحة إلى الاقتصاد الرقمي المباشر أمام تحديات عالمية رغم وجود الدعم المحلي الداخلي؛ حيث يفرض مبدأ العولمة الاقتصادية العالمية تأثيراتها على كل العالم الذي نحن جزء لا يتجزأ من منظومته.
علينا أن نعّي جيدا أن تفوقنا البحثي أمر مهم، ولكن لابد لهذا التفوق أن يترجم إلى واقع اقتصادي عبر توطين الاستثمار الرقمي وتحويل التشغيل الصناعي والاقتصادي إلى المنظومة الرقمية، ولا سبيل إلى تحقيق ذلك إلا باكتساب مقومات هذه الإرادة عبر تحويل الوعي من نطاق البحث العلمي إلى الاستثمار العلمي عموما والرقمي خصوصا عبر التشغيل الواقعي لأنظمة الذكاء الاصطناعي في كل قطاعات أعمالنا وصناعتنا؛ فإننا بلغنا من الوعي الرقمي المستوى الذي أهّلنا إلى بناء القدرات التفاعلية العالية مع الأنظمة الرقمية التي يمكن أن نرى انعكاساتها في مؤسسات التعليم -المدراس والجامعات- ومؤسسات البحث التي تفيض بمخرجات بحثية رقمية مرموقة، ولكنْ تظل معظم هذه المخرجات أسيرة الرفوف المكتبية والأرشفة الورقية والأوراق العلمية التي سيكون من اليسير أن نجدها في أروقة الصناعة والاقتصاد لو ترجمت هذه الأبحاث إلى تطبيقات حيّة، وهنا يأتي دور هذه المؤسسات التعليمية بالتعاون مع المؤسسات الاقتصادية المعنية بمضاعفة الوعي بالشأن الاقتصادي عن طريق ربط هذه المشروعات الرقمية بالجانب الاقتصادي وتفعيل التخطيط والمتابعة والتنفيذ، ويمكن أن يشترط ربط هذه المشروعات الرقمية بالمؤسسات الرقمية الوطنية الناشئة بوجود الدعم الحكومي للجهتين الذي سيعكس -بدوره- التأسيس القوي للاقتصاد الرقمي والتحول من الوعي الرقمي العام إلى الوعي الرقمي الاستثماري والتشغيلي، وكذلك تمكين دور المؤسسات الرقمية الناشئة وتفعيل مساهمتها الاقتصادية وترسيخ وجودها ودفعها إلى النمو ومواجهة التحديات العالمية الآنف ذكرها.
• د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی المؤسسات الرقمیة الأنظمة الرقمیة الاقتصاد الرقمی الوعی الرقمی
إقرأ أيضاً:
كيف استخدمت السعودية الذكاء الاصطناعي في إدارة موسم الحج؟
قُدّمت تقنيات الذكاء الاصطناعي هذا العام كعنصر رئيسي في إدارة موسم الحج في السعودية، لا سيما في مراقبة حركة الحجاج.
وقالت وكالة "فرانس برس"، إن المسؤولين السعوديين وظفوا تقنيات الذكاء الاصطناع لمراقبة حركة الحجاج على مدار الساعة، باستخدام بيانات ضخمة وصور حية من آلاف الكاميرات المنتشرة في مكة والمشاعر المقدسة.
وتقوم أكثر من 15 ألف كاميرا بمراقبة حية للحشود، فيما تعمل برمجيات ذكية على تحليل المشاهد المرصودة، للتنبؤ بنقاط الازدحام ورصد أي خلل في حركة السير. وتشمل هذه المنظومة أيضًا تتبّع أكثر من 20 ألف حافلة تنقل الحجاج بين المواقع المقدسة.
ويُعد هذا النظام جزءًا من منظومة تقنية شاملة تعتمدها السعودية لإدارة واحد من أكبر التجمعات البشرية في العالم، حيث استقبلت مكة نحو 1.4 مليون حاج هذا الأسبوع من مختلف الدول.
وأوضح محمد نذير، المدير التنفيذي للمركز العام للنقل في الهيئة الملكية لمدينة مكة، أن "غرفة التحكم المروري" تستخدم كاميرات متخصصة مدعومة بطبقات من الذكاء الاصطناعي لتحليل الحركة، تحديد المناطق المزدحمة، والتنبؤ بأنماط المرور. وتعمل الغرفة على مدار الساعة، وتستعين بشاشات وخرائط وأنظمة رصد متقدمة.
وأضاف نذير أن الهدف من هذه الإجراءات هو تقليل الحوادث، خاصة وأن الحجاج يتنقلون في الغالب سيرًا على الأقدام، بالإضافة إلى تخفيف المشقة الناتجة عن التنقل لمسافات طويلة في ظل درجات حرارة مرتفعة. وذكر أن نحو 17 ألف حافلة تتحرك في وقت واحد خلال ذروة الحج.
من جانبه، قال محمد القرني، مدير عام الحج والعمرة في المركز ذاته، إن غرفة العمليات تُعد "العين الرقيبة" على كافة الخطط التشغيلية، مشيرًا إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكّن من تتبّع الأعداد ومراقبة الطرق والمسارات، إلى جانب استشعار الحالات الطارئة قبل وقوعها.
وأضاف أن النظام يسمح برصد الطاقة الاستيعابية للمواقع المقدسة، مما يُمكّن الجهات المعنية من توجيه الحشود عند الضرورة. وأشار إلى أنه خلال شهر رمضان الماضي، ساعدت هذه التقنية في وقف دخول المصلين عند بلوغ المسجد الحرام طاقته القصوى.
ولا يقتصر استخدام التكنولوجيا المتقدمة على الجوانب التنظيمية فقط، بل يشمل أيضًا الرقابة الأمنية.
فبعد وفاة 1301 حاج في العام الماضي – معظمهم دون تصاريح رسمية – شددت السلطات هذا العام على تطبيق القوانين، خاصة مع التوقعات بارتفاع درجات الحرارة إلى ما فوق 40 درجة مئوية.
وأوضحت السلطات أن 83% من الوفيات المسجّلة العام الماضي كانت لأشخاص لا يحملون تصاريح حج. وأكّد وزير الحج، توفيق الربيعة، في تصريحات سابقة أن الأجهزة المختصة تستخدم مستشعرات لرصد حركة الحجاج، مما يتيح التدخل السريع عند وجود مخاطر.
كما أُعلن عن استخدام طائرات مسيّرة لرصد مداخل مكة، والكشف عن الحجاج غير النظاميين. وقال الفريق محمد بن عبدالله البسامي، مدير الأمن العام ورئيس اللجنة الأمنية للحج، إن "التقنية أصبحت أداة يومية"، مشيرًا إلى أن الذكاء الاصطناعي، والطائرات المسيّرة، والكاميرات الحرارية أسهمت في ضبط المخالفين عبر مركز عمليات متقدّم.
وفي مقاطع نشرتها القوات الخاصة لأمن الطرق، تم توثيق استخدام هذه التقنيات الحديثة، بما في ذلك الكاميرات الذكية والحرارية، لمراقبة المحيط الخارجي لمكة والمشاعر.
???? باستخدام طائرة "الدرون" .. قوات أمن الحج تضبط (38) وافدًا من حاملي تأشيرات الزيارة لمخالفتهم أنظمة وتعليمات الحج.#لا_حج_بلا_تصريح pic.twitter.com/o8WVJnpo7m — أمن الطرق (@SA_HWY_SECURITY) June 4, 2025
وتُوزع تصاريح الحج وفق نظام حصص للدول، وتُمنح للأفراد غالبًا عبر قرعة. إلا أن ارتفاع تكاليف الحج النظامي يدفع البعض إلى اللجوء إلى طرق غير نظامية منخفضة التكلفة، رغم ما تنطوي عليه من مخاطر.