عَلَم السُّودان في مؤتمر باندونغ عام 1955: القصة الكاملة
تاريخ النشر: 15th, August 2024 GMT
أحمد إبراهيم أبوشوك
(1)
تمهيد
عندما كتبتُ مقالًا بعنوان " الزعيم الأزهري وأكذوبة المنديل الأبيض في مؤتمر باندونغ (1955)"، كتب الأستاذ أحمد بابكر تعليقًا مهمًا في صفحتي على الفيسبوك، أقتبس منه الفقرات الآتية: "بعيدًا عن الرواية، الأصح أتساءل كيف تمَّ اختيار علمًا السُّودان الأبيض المكتوب عليه كلمة (Sudan) بالخط الأحمر؟ إذ لا يعقل أن تكون اللجنة المنظمة اختارت علم لدولة أخرى بدون حتى مشورتها أو موافقتها؛ وإلا فإنَّ المؤتمر الذي يطالب بعدم التدخل في شؤون الدول وضمان سيادتها في بيانه الختامي، قد تدخل في شؤون دولة عضو في المؤتمر، بل واختار لها رمز سيادتها!! .
(2)
قصة العلم السُّوداني وكيف صُمِّمَ؟
يقول الدكتور ح. رسلان عبد الغني، رئيس الأمانة العامة المشتركة لمؤتمر باندونغ آنذاك: "لا أزال أتذكر ما حدث بشأن علم السُّودان. فقبل عدة أسابيع من بدء المؤتمر، احتاجت الأمانة العامة إلى أعلام الدول المشاركة؛ لرفعها على المباني المختلفة في باندونغ. ولم يصل شيء من السُّودان، رغم أننا أرسلنا إليهم عدة برقيات. ويبدو أن السُّودان لم يكن مستقلًا بالكامل بعد، وبالتالي لم يكن لديه علم وطني. وفي النهاية قررنا رفع علم أبيض مكتوب عليه اسم السُّودان بأحرف حمراء. وأرسلنا برقية بشأن قرارنا إلى الخرطوم، عاصمة السُّودان. وقد أصيب علي ساستروأميدجوجو (Ali Sastroamidjojo)، [رئيس وزراء إندونيسيا ورئيس المؤتمر آنذاك] بالذهول الشديد عندما عَلِمَ بقرار الأمانة العامة المشتركة. وقد تعرضتُ للتوبيخ والتنبيه بأن حكومة السُّودان ستتأذى بالتأكيد مما فعلناه؛ لأن تحديد العلم الوطني هو أحد الحقوق الأساسية للدولة نفسها، وليس من حق الأمانة العامة المشتركة. إنَّ مشاعر الأمة تتجمع وتتجسد في علمها الوطني، كما هو الحال مع النشيد الوطني. وقد أشعرني هذا التوبيخ من علي ساستروأميدجوجو بالخوف إلى حد ما. وكانت النتيجة، بعد يومٍ واحدٍ، وصول برقية رد من الخرطوم: وافقوا فيها على ما فعلناه. وهكذا ظل علم السُّودان الذي صممناه يرفرف طوال [أيام] المؤتمر." (The Bandung Connection, p. 43). هذه القصة الكاملة لعلم السُّودان في باندونغ من واقع أرشيف المؤتمر، ولم تكن مجرد روايةٍ شفويةٍ تبادلها الناس من غير علم ولا كتاب منير، ولذلك آمل أن تقطع هذه المعلومة الوثائقية قول كل خطيب.
(3)
وفد السُّودان في باندونغ
قاد إسماعيل الأزهري، رئيس وزراء الحكومة الانتقالية (1954-1956) وفد السُّودان إلى باندونغ، وكان السُّودان وقتها ثاني دولة تحضر المؤتمر قبل أن تنال استقلالها كاملًا، وشاركتها في هذه الصفة دولة ساحل الذهب (غانا لاحقًا)، التي ترأس وفدها كوامي نكروما، رئيس مجلس وزراء حكومتها الانتقالية (1952-1957). وفي المؤتمر ألقي إسماعيل الأزهري كلمتين، الأولى منهما في يوم الثلاثاء الموافق 19 أبريل 1955، والثانية في الجلسة الختامية للمؤتمر (24 أبريل 1955).
(4)
الخاتمة
عندما رأيتُ التنظيم البديع لوثائق مؤتمر باندونغ والاحتفاء بالمكان الذي أُجريت فيه فعالياته، وتسمية الشارع المؤدي إلى القاعة الرئيسة باسم "شارع آسيا-أفريقيا" شعرت ببُعد نظر أصحاب "العقل الاستراتيجي" في إندونيسيا، وقصره عند الذين حكموا السُّودان بعد الاستقلال. ثم تساءلت في حيرةٍ: أين وثائق مؤتمر القمة العربية (أو اللاءات الثلاث)، والقاعات التي عُقدت فيها جلسات المؤتمر بالخرطوم سنة 1967؟ يؤكد عدم التوثيق لهذه القمة العربية الاستثنائية بالطريقة التي رأيتها في باندونغ أن النخب السياسية السُّودانية لا تحتفي بتاريخ بلادها والإفادة من دروسه وعبره، ولا بتوثيق الأحداث العظام التي شكَّلت صوًى فارقة في مسارات حياتها السياسية والاجتماعية والثقافية. لكن الجانب الآخر الجدير بالإشادة والاعتبار أنَّ المؤتمر قد شكَّل أول فرصة ذهبية لاتصال حكومة السُّودان الانتقالية بالعالم الخارجي؛ لأن شؤون السُّودان الخارجية آنذاك كانت تدار من مكتب حاكم عام السُّودان البريطاني، أو بتفويض منه عبر الوكالة الخاصة التي أسسها طرفا اتفاقية الحكم الثنائي لسنة 1899؛ لتكون بمثابة حلقة وصل بين مكتب الحاكم العام ورئاسة مجلس الوزراء الانتقالي في تنظيم الشؤون الخارجية للبلاد. والقيمة المضافة الأخرى خطاب رئيس الوزراء إسماعيل الأزهري، الذي أكَّد فيه استقلالية دولة السُّودان، بإحكام سيطرتها على إدارة شؤونها الداخلية والخارجية. ولذلك وصف السفير خليفة عباس العبيد مؤتمر باندونغ بأنه كان "نقطة تحولٍ كبرى في تحديد مسار" السُّودان، الذي تمثل في إعلان استقلاله الضمني، بعيدًا عن شعارات الوحدة أو الاتحاد مع مصر. وبذلك مثَّل خطاب الأزهري علامة فارقة في تاريخ العلاقات المصرية-السُّودانية، وشكل توجهًا جديدًا في أجندة الحزب الوطني الاتحادي تجاه استقلال السُّودان التام. فلا جدال في أنَّ هذا الموقف السياسي العظيم يُحسب في قائمة إنجازات الأزهري السياسية، ويفترض أن يجعل الباحثين والقراء النابهين يقلعوا عن الحديث السخيف والمفبرك عن منديل الزعيم وعلاقته بعلم السُّودان في مؤتمر باندونغ؛ لأن الادعاء برفع المنديل على المنضدة التي يجلس خلفها أعضاء الوفد السوداني وعليها لوحة تحمل اسم السُّودان (Sudan)، إدعاء فيه تجهيل واستخفاف بوعي الرئيس الأزهري ببروتوكولات مثل هذه المؤتمرات، بل يُعدُّ خصمًا على فاتورة نضاله الوطني. فالتاريخ الوطني يجب أن يُكتب بأقلام مهنية، تستند إلى مصادر موثقة، بعيداً عن روايات أصحاب الغرض السياسي، التي تلوي أعناق الحقائق؛ لتقدم استنتاجات غير موضوعية، تخدم مصالحها الحزبية خدمة لحظية، ولا تساعد في التخطيط الاستراتيجي لتطوير البلاد والارتقاء بشأن العباد. وذلك بخلاف المعرفة التاريخية القائمة على منهج علمي ومصادر موثقة؛ لتعطي صناع القرار معلومات ضرورية؛ لإصدار قرارات صائبة تخدم متطلبات المجتمع المعاصر وتعالج مشكلات الوقع المعيش.
ahmedabushouk62@hotmail.com
////////////////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدول المشارکة أعلام الدول فی المؤتمر ودان فی علم الس
إقرأ أيضاً:
صحة المرأة جوهر التنمية والاستدامة.. مؤتمر بطب الوادي الجديد
نظمت كلية الطب جامعة الوادي الجديد اليوم الخميس وذلك بقاعة المؤتمرات بمركز الاختبارات الإلكترونية بمقر الجامعة الجديد الموتمر العلمي السنوى الرابع تحت عنوان "صحة المرأة : جوهر التنمية والاستدامة.
وفى كلمة رئيس الجامعة التى ألقاها نيابة عنه الأستاذ الدكتور أحمد سيد حرباوى نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب السابق ومستشار رئيس الجامعة للتطوير المؤسسى والتى رحب فيها بضيوف المؤتمر من أساتذة كلية الطب المشاركين فى المؤتمر والشركات الراعية والداعمة للمؤتمر.
المرأة تعد إحدى أهم الأطراف المساهمة
وقال إن المرأة تعد إحدى أهم الأطراف المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة ولا يقل دورها عن دور الرجل في دعم الجهود من أجل التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030.
ومن جانبه أكد الأستاذ الدكتور حسن عبد اللطيف نائب رئيس الجامعة لشئون الدراسات العليا والبحوث السابق المستشار الطبى لجامعة الوادى الجديد أكد أن المرأة هي نواة المجتمع وإذا استطعنا أن نطور أو نغير من سلوكيات المرأة يمكن تغيير سلوكيات الأسرة ومنها المجتمع.
وقال إن صحة المرأة تمثل تشابكاً من العلوم والمعلومات التي تتعلق بالصحة العامة للمرأة وتنبع أهمية صحة المرأة والاهتمام بها ، ليس من الاهتمام بصحتها ذاتها فحسب، بل لأن صحتها تنعكس على العائلة، فالمرأة هي عماد العائلة وعليها تعتمد صحة العائلة كلها من الزوج إلى الأولاد.
اهتمام القيادة السياسية لدعم صحة المرأة المصرية
وفى كلمة الاستاذ الدكتور محمود ذخيرة عميد كلية الطب جامعة الوادي الجديد ورئيس المؤتمر أكد أن المؤتمر يأتي فى إطار اهتمام القيادة السياسية لدعم صحة المرأة المصرية مع التوسع في تقديم برامج الرعاية الصحية للمرأة بمختلف مراحلها العمريةوتعزيز حماية المرأة من أي ممارسات وتوفير خدمات صحية موجهة للمرأة في المناطق النائية بالإضافة إلى التوسع في توفير الخدمات الصحة للمرأة للاهتمام بصحتها من امراض الانميا وامراض القلب والامراض الوراثية والأمراض السرطانية.
وقال إن المؤتمر يتضمن سلسلة من الجلسات العلمية التى شارك فيها نخبة من أساتذة الطب بالجامعات المصرية للاطلاع على كل ماهو حديث يتعلق بصحة المرأة فى مختلف التخصصات العلمية .
وفى ختام المؤتمر تم تكريم عدد من الشخصيات وتكريم الأطباء من أساتذة كليات الطب المشاركين فى فعاليات المؤتمر العلمى السنوى الرابع بجامعة الوادي الجديد.