«الضمير»؛ ذلك الظل الذى يلازم الإنسان ما دامت شمس الأخلاق تشرق داخل أعماقه، والذى عرفه الإنسان منذ فجر الحضارة، إذ كان الدافع الأساسى وراء العديد من الأفعال الإنسانية التى أدت إلى تطور البشرية، فإن مات الضمير ماتت الفضيلة ووقع الإنسان فى شِراك الأنانية وظل يلهث خلف المصالح الشخصية ومظاهر الفساد.
ويرتبط الضمير كذلك بأداء الواجب، بل إن هناك من الفلاسفة مَن وضعه فى مرتبة أعلى من القانون، ليغدو المعيار الحقيقى لإنسانية البشر، كما أكد الفيلسوف الفرنسى جان جاك روسو.
وفى حاضرنا الآن، أزعم -بل أكاد أكون واثقًا- أن كل شخص منا فى مجتمعنا هذا قد واجه موقفًا أو واقعة كان البطل فيها شخصًا غاب ضميره مسببًا ضررًا ماديًا أو نفسيًا لنا فى مجالٍ ما من مجالات الحياة المتعددة بحكم موقعه أو منصبه أو وظيفته.
فعلى سبيل المثال: وقفت خلال الفترة السابقة على ثلاث وقائع جسدت بشكل صارخ تلك الأزمة، كان العنوان الرئيسى لها هو غياب «الضمير».
أولى تلك الحالات كانت لإحدى الأقارب تجسد أملها فى الحياة فى أن تنجب، فذهبت إلى أحد الأطباء المشهورين الذى أوصى بأن تُجرى عملية تلقيح مجهرى وبالفعل خضعت للجراحة فى مستشفى خاص، ولكنها بدلًا من تحقيق حلمها، فوجئت بأنه قد تم استخدام منظار غير معقَّم من قِبَل الطبيب أصيبت جراءه بناسور فى الأمعاء ما عرَّضها لمشكلات صحية استلزمت إجراء جراحة استأصلت فيها أجزاء من الأمعاء نتيجة غياب ضمير هذا الطبيب.
ثانية تلك الحالات لابن أحد الأصدقاء فى إحدى المدارس رسب فى إحدى المواد، وكان عليه اجتياز «دور ثانى» لكنه فوجئ بأن مدرس تلك المادة يخبره بأنه لن يجتاز اختبار هذه المادة إلا إذا أخذ لديه درسًا خصوصيًا ولا بد أن يدفع «المعلوم!!».
أما ثالثة تلك الحالات فهى لإحدى الناشئات بإحدى الألعاب الجماعية فى نادٍ شهير فوجئت بأنه قد تم استبعادها من قبل المشرف على اللعبة دون سابق إنذار رغم ما شهد له بها الجميع من الجدية والمهارة، وذلك لصالح إحدى اللاعبات الأخريات الأقل فى المستوى بسبب المحسوبية، بحجة أنها لا تصلح لهذه اللعبة، هكذا ببساطة يضيع أمل لاعبة ناشئة بسبب مدرب معدوم الضمير، وهذا غيضٌ من فيض.
وإذا تجاوزنا ما نتعرض له من وقائع فردية لغياب الضمير نجد أنفسنا أمام حالة من غياب الضمير الإنسانى ككل، وإلا فما معنى هذا الصمت المطبق إزاء ما حدث ويحدث من مجازر إسرائيلية وحشية يندى لها جبين الإنسانية، حيث صار ضميرها أشبه بجلمود صخر يقبع ساكنًا وهو يشاهد ما يتعرض له أشقاؤنا الفلسطينيون من قصف وقتل وعنف يرتكبه أبناء صهيون بدم بارد كل لحظة دون رادع.
.. لقد ذهب الضمير ولم يعد!!
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: خارج السرب
إقرأ أيضاً:
باحث يكشف عن رحلة تنقل تمثال أثري يمني في المزادات العالمية
كشف الباحث اليمني المتخصص في علم الآثار عبدالله محسن عن رحلة تمثال أثري نادر ينتمي للحضارة اليمنية القديمة، جرى تهريبه خارج البلاد قبل أكثر من خمسة عقود، متنقلاً بين عدد من الدول، حتى وصل إلى صالات العرض والمزادات العالمية.
وأوضح محسن في منشور له على صفحته الشخصية، أن التمثال يعود لشخصية نسائية بارزة من مدينة تمنع عاصمة مملكة قتبان، ويُعد من القطع النادرة التي تمزج بين المرمر والبرونز، ويُقدّر عمره بنحو 2300 عام، أي إلى القرن الثالث قبل الميلاد. وقد حظي باهتمام عدد من الباحثين، منهم كليفلاند ودي ميغريه.
ووفقًا لمحسن، فقد غادر التمثال اليمن إلى فرنسا قبل العام 1970، ثم انتقل إلى سويسرا، قبل أن يُعرض في معرض فنون سنوي بارز يُعرف بـ"باد لندن" في ساحة بيركلي خلال الفترة من 2 إلى 8 أكتوبر 2017. ويُنظّم هذا المعرض، الذي تأسس عام 2007، من قبل تاجر التحف الباريسي المعروف باتريك بيرين، ويُعتبر نسخة شقيقة لمعرض "باد باريس" الذي يُقام سنويًا في أبريل بحديقة التويلري بين متحف اللوفر وساحة الكونكورد في قلب العاصمة الفرنسية.
ويُوصف التمثال -بحسب مؤسسة فينيكس للفن القديم التي عرضته- بأنه "أكمل تمثال مرمر معروف من تلك الحقبة"، إذ يحوي تفاصيل دقيقة في ملامحه، مع شعر ومجوهرات مصنوعة من البرونز.
ويصف الباحث محسن التمثال بأنه يجسد امرأة تقف بثبات، ترتدي تاجًا وقلادة وأقراطًا وأساور على هيئة ثعابين في كلا الذراعين، مع فستان طويل بأكمام قصيرة، وقدميها العاريتين تشكلان قاعدة صغيرة. أما الرأس، فيتميز بتاج وشعر برونزي مصمم بعناية، وضفيرة طويلة منحوتة بدقة من الخلف. وتبدو ملامح الوجه هادئة ودقيقة، وخاصة العينان الكبيرتان المحفورتان بعمق والمطعمتان بمادة داكنة يرجّح أنها البيتومين، إلى جانب أنف مستقيم وشفتين رقيقتين.
ويمسك التمثال بشيء مجهول في إحدى يديه، بينما تبقى الأخرى ممدودة، مما يوحي، بحسب محسن، بأنه يُجسّد شخصية ملكية عابدة، وربما يُمثّل صورة لامرأة متوفاة، إذ جرى العثور على مثل هذه التماثيل غالبًا قرب القبور، وترافقها نقوش توضيحية.
ويشير محسن إلى أن التنوع الكبير في التمثيلات البشرية في فنون جنوب الجزيرة العربية خلال العصور القديمة يُعد ظاهرة لافتة، سواء في تماثيل صغيرة أو شواهد حجرية منحوتة، أو رؤوس مركّبة على قواعد، ما يعكس تنوع المعتقدات والممارسات الجنائزية في ذلك الزمن.
وتشهد الآثار اليمنية منذ عقود طويلة عمليات نهب وتهريب، تفاقمت بشكل كبير خلال سنوات الحرب الأخيرة، حيث تعرّضت مواقع أثرية عديدة للعبث والتدمير، بينما جرى بيع كثير من القطع النادرة في مزادات عالمية أو عبر الإنترنت، ما يمثّل خسارة فادحة للإرث الحضاري اليمني.