باول يواجه عاصفة ترامب .. صمود من أجل استقلالية الفيدرالي أم مواجهة تكسير عظام؟
تاريخ النشر: 26th, July 2025 GMT
كشف رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، جيروم باول، لمقربين وحلفاء، أنه لن يرضخ لدعوات الرئيس دونالد ترامب المتكررة للاستقالة، مؤكدًا عزمه الصمود في وجه حملة الضغط غير المسبوقة التي يشنّها الرئيس ضده بسبب رفضه خفض أسعار الفائدة.
وبحسب مصادر مطلعة، يرى باول أن بقاءه في منصبه لا يتعلق باعتبارات شخصية فحسب، بل بمستقبل استقلالية الاحتياطي الفيدرالي ذاته، موضحًا أن استقالته في هذا التوقيت ستُفسَّر كخضوع للتدخل السياسي، ما من شأنه تقويض مبدأ استقلال البنك المركزي الأمريكي الذي يعود لعقود.
وقال السيناتور الجمهوري مايك راوندز من ساوث داكوتا، والذي ناقش الأمر شخصيًا مع باول: "إنه يشعر بقوة أن من واجبه الحفاظ على استقلالية الفيدرالي... سألته إذا ما كان يفكر في الاستقالة، فأجابني: لا، لأن ذلك سيضعف استقلال المؤسسة".
إصرار باول على إكمال ولايته حتى مايو 2026 يعني أنه سيظل هدفًا لهجمات البيت الأبيض، الذي صعّد من ضغطه على الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة. وقد زادت هذه الضغوط من التدقيق السياسي في قرارات المؤسسة، وأثارت مخاوف جديدة بشأن التدخل السياسي في السياسات النقدية.
وبصفته خبيرًا اقتصاديًا متمرسًا سبق أن خدم في إدارة جورج بوش الأب، اشتهر باول خلال أكثر من عقد قضاها في الاحتياطي الفيدرالي بأنه شخصية مستقلة غير منحازة، تتخذ قراراتها بناءً على معطيات اقتصادية دقيقة، وهو ما أكسبه دعمًا من الحزبين الجمهوري والديمقراطي عند تعيينه رئيسًا للفيدرالي في 2017.
لكن هذه الموضوعية التي جذبت ترامب في ولايته الأولى تحوّلت إلى مصدر توتر في المرحلة الحالية. فالرئيس ترامب عبّر مرارًا عن استيائه من رفض باول الاستجابة لدعواته المتكررة لخفض الفائدة، وذهب مؤخرًا إلى وصفه بـ"السيئ"، قائلًا: "إنه كأنك تتحدث إلى كرسي... بلا شخصية".
**"إما أن يقفز أو يغلي"**
في الأسابيع الأخيرة، صعّد ترامب من هجماته على باول، متمنيًا علنًا استقالته، ومتّهمًا إياه بمحاولة تقويض رئاسته، وواصفًا إياه يوميًا بأوصاف مثل "الأبله"، و"الغبي"، و"من أسوأ التعيينات التي قمت بها".
كما كثّف مساعدو ترامب وحلفاؤه من ترويج شائعات لا أساس لها عن استقالة وشيكة لباول، في حين فتح البيت الأبيض تحقيقات في تجاوزات مالية مزعومة في مشروع تجديد مقر الفيدرالي الذي تبلغ كلفته 2.5 مليار دولار، في محاولة لتقديمها كذريعة لإقالته.
وفي خطوة رمزية، زار ترامب الخميس مقر الفيدرالي لمعاينة مشروع التجديد، حيث رافقه باول بنفسه خلال الجولة. وأثناء الزيارة، كرر ترامب مطالبته بخفض الفائدة، وصفع باول على ظهره مازحًا: "أحب أن تقوم بخفضها".
وقال ترامب خلال الزيارة: "كل ما أريده هو شيء واحد... خفض أسعار الفائدة".
ورغم تصاعد الهجوم، شدد ترامب على أنه لا ينوي إقالة باول، استجابة لتحذيرات مستشاريه من أن ذلك قد يؤدي إلى انهيار الأسواق المالية وإحداث أزمة اقتصادية.
وبدلاً من ذلك، يواصل ترامب ممارسة أقصى ضغط ممكن على باول في محاولة لدفعه إلى الاستقالة، مستخدمًا مشروع التجديد كأداة ضغط دعائية، في ظل معاناة الأميركيين من تكاليف المعيشة وارتفاع أسعار الفائدة.
وقال أحد مستشاري ترامب: "كل يوم يقضيه جيروم باول في واشنطن هو هدية للرئيس... إما أن يقفز أو يغلي"، مشبّهًا الحملة بالأسلوب المعروف لغلي الضفدع ببطء حتى لا يشعر بالخطر.
وقد رفض متحدث باسم الفيدرالي التعليق، مكتفيًا بالإشارة إلى تصريحات باول السابقة التي أكد فيها التزامه بإكمال ولايته كاملة.
**بين الصلابة والمصالحات المؤقتة**
ورغم العاصفة السياسية، أكد باول لمقربين أنه مستمر في التركيز على عمله، رافضًا إدخال السياسة في قراراته المتعلقة بالسياسة النقدية.
وأثمر هذا النهج هدوءًا نسبيًا في نبرة ترامب الخميس، بعد محادثة وصفها بـ"البناءة" خلال زيارته لمقر الفيدرالي، حتى أنه امتنع عن تكرار انتقاداته لمشروع التجديد.
وقال ترامب بعد الزيارة: "لا أريد أن أكون ذلك الشخص الذي ينتقد بأثر رجعي... المشروع خرج عن السيطرة، وهذا يحدث أحيانًا".
لكن هذه الهدنة قد لا تدوم طويلاً، إذ من المتوقع أن يُبقي الفيدرالي على أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعه الأسبوع المقبل، على أن يؤجل أي تخفيضات محتملة إلى الخريف — قرار قد يغضب ترامب، الذي يعتبر خفض الفائدة أداة لدفع عجلة الاقتصاد قبل انتخابات منتصف الولاية المقبلة.
ويُصر باول في العلن والسر على أن القرارات يجب أن تبقى مستندة إلى الاعتبارات الاقتصادية وحدها، بعيدًا عن الأهواء السياسية.
وقال بيل إنجلش، أستاذ الاقتصاد في جامعة ييل والمدير السابق لقسم الشؤون النقدية بالفيدرالي: "أفضل وسيلة دفاع للفيدرالي هي اتخاذ السياسات الصحيحة... أشعر بالأسف على باول، لكن أفضل ما يمكنه فعله هو الصمود والمضي قدمًا في السياسة النقدية السليمة".
**دعم ديمقراطي متجدد**
وخارج دائرة ترامب، نال باول إشادة من الديمقراطيين، رغم الانتقادات التي وُجهت إليه خلال فترة إدارة بايدن، بسبب رفعه المستمر للفائدة لمواجهة التضخم، وهو ما أثار مخاوف من إدخال الاقتصاد في ركود.
لكن كثيرًا من المسؤولين السابقين في إدارة بايدن باتوا الآن يرون في باول درعًا يحمي استقلالية الفيدرالي، محذرين من العواقب إذا ما استقال تحت الضغط.
وقال جاريد برنستين، الرئيس السابق لمجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة بايدن: "إنه يضع مصلحة المؤسسة فوق مصلحته الشخصية... لو كنت مكانه، وأنا في الثانية والسبعين، وأتعرّض للإهانة اليومية من الرئيس، لبدت لي فكرة التقاعد مغرية. لكنني أؤمن حقًا أن باول يحمي المؤسسة".
أما الجمهوريون، فقد دعت بعض أصواتهم البيت الأبيض إلى التخفيف من حدة الهجوم على باول، محذّرين من أن استمراره قد يُضعف مصداقية الفيدرالي، كما أن خفض الفائدة سيكون أكثر فاعلية إذا لم يكن محاطًا بشبهات الضغط السياسي.
وقال السيناتور مايك راوندز: "غالبية أعضاء مجلس الشيوخ يدركون تمامًا حساسية الأسواق لأي تلميح بتعرّض الفيدرالي للضغط... باول في الموقع الصحيح. إنه موقع صعب، لكنني أكن له الاحترام على موقفه".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: جيروم باول مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جورج بوش الأب الاحتیاطی الفیدرالی أسعار الفائدة خفض الفائدة على باول باول فی
إقرأ أيضاً:
الذهب يواصل الصعود بدعم من المخاطر الجيوسياسية وتوقعات خفض الفائدة الأمريكية
ارتفعت أسعار الذهب بالأسواق المحلية والعالمية خلال تعاملات اليوم الثلاثاء، مدعومة بزيادة الطلب الاستثماري وسط حالة من عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي عالميًا، إلى جانب توقعات قوية بخفض أسعار الفائدة الأمريكية خلال الأشهر المقبلة، وفقًا لتقرير صادر عن منصة «آي صاغة» المتخصصة في تداول الذهب والمجوهرات.
وقال المدير التنفيذي لإحدى منصات تداول الذهب، إن أسعار الذهب في السوق المحلية ارتفعت بنحو 15 جنيهًا خلال تعاملات اليوم مقارنة بنهاية تعاملات أمس، ليسجّل جرام الذهب عيار 21 مستوى 5315 جنيهًا، في حين ارتفعت الأوقية العالمية بنحو 10 دولارات لتصل إلى 3970 دولارًا، بعد أن لامست مستوى 3977 دولارًا كأعلى مستوى في تاريخها.
وأضاف أن عيار 24 سجّل نحو 6074 جنيهًا، وعيار 18 بلغ 4556 جنيهًا، وعيار 14 نحو 3544 جنيهًا، بينما استقر سعر الجنيه الذهب عند 42520 جنيهًا.
وأشار التقرير إلى أن أسعار الذهب المحلية كانت قد ارتفعت أمس الإثنين بنحو 80 جنيهًا، حيث افتتح عيار 21 التعاملات عند 5220 جنيهًا وأغلق عند 5300 جنيه، فيما صعدت الأوقية بنحو 74 دولارًا، من 3886 دولارًا إلى 3960 دولارًا.
وفي الأسواق العالمية، واصلت أسعار الذهب تسجيل مكاسب قوية لتُلامس مستوى 3977 دولارًا في بداية تعاملات اليوم كأعلى مستوى قياسي جديد، مدفوعة بطلب استثماري قوي وسط حالة من عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي، مع دعم إضافي من توقعات خفض أسعار الفائدة الأمريكية.
وأوضحت المنصة أن الذهب يواصل اتجاهه الصعودي منذ بداية الأسبوع، مقتربًا من اختراق حاجز 4000 دولار للأوقية، مدعومًا بعوامل متعددة أبرزها استمرار الإغلاق الحكومي الأمريكي، وتزايد رهانات المستثمرين على تخفيضات إضافية في الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
وتعزو بعض التقارير الإعلامية هذا الارتفاع إلى الإغلاق الحكومي الأمريكي الذي دخل أسبوعه الثاني، معتبرة أنه رغم احتمال تأثيره السلبي على النمو الاقتصادي الأمريكي على المدى القصير، فإنه يدعم الذهب كملاذ آمن في ظل حالة الغموض المالي والسياسي.
لكن في المقابل، أشارت تقارير أخرى إلى أن الإغلاق الحكومي ليس العامل الوحيد وراء الصعود، إذ لم تشهد توقعات خفض الفائدة تغيرًا كبيرًا في الأيام الأخيرة، ما يعني أن الزخم الأساسي للذهب يأتي من عوامل أعمق تتعلق بالمخاطر السياسية وضعف الثقة في الأصول التقليدية.
وفي هذا السياق، قالت ثو لان نجوين، رئيسة قسم أبحاث العملات الأجنبية والسلع في بنك كومرتس بنك، إن المخاطر السياسية والمالية باتت مصدرًا متزايدًا لعدم اليقين، متوقعة أن يصل سعر الذهب إلى 4000 دولار بنهاية العام الجاري، بدعم من توقعات خفض أسعار الفائدة الأمريكية خلال الاجتماعين القادمين للاحتياطي الفيدرالي.
وأضافت نجوين:نعتقد أن سعر الذهب ما زال مدعومًا جيدًا في الوقت الحالي، ونتوقع مزيدًا من الارتفاع مع تنفيذ تخفيضات كبيرة في أسعار الفائدة. لذلك نرفع توقعاتنا إلى 4000 دولار للأوقية بنهاية العام الجاري، و4200 دولار للأوقية في 2026، بعد أن كانت التقديرات السابقة عند 3600 و3800 دولار."
كما أكدت بيانات إعلامية أن استقالة رئيسي الوزراء في فرنسا واليابان مؤخرًا ساهمت في ارتفاع أقساط المخاطر على السندات الحكومية، وأثارت الشكوك حول قدرة حكوماتهم على تنفيذ سياسات مالية منضبطة، ما زاد من الطلب على الذهب كملاذ بديل.
كما زادت المخاطر المالية أيضًا في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، مما جعل السندات الحكومية أقل جاذبية، وعزز مكانة الذهب كخيار آمن نسبيًا.
من جانبه، قال أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع في ساكسو بنك، إن الطلب القوي على صناديق الاستثمار المتداولة المدعومة بالذهب (ETFs) يُعد من أبرز عوامل دعم الأسعار، مدفوعًا بما يُعرف بـ"الخوف من تفويت الفرص" (FOMO) وتراجع الثقة في الملاذات التقليدية مثل السندات الحكومية.
وأضاف أن استمرار مشتريات البنوك المركزية وانخفاض تكاليف التمويل يُعزّزان الزخم الصعودي للذهب.
وفي الولايات المتحدة، خفّف البيت الأبيض من تصريحات الرئيس دونالد ترامب بشأن تأثير الإغلاق الحكومي على سوق العمل، لكنه حذّر من احتمال تسريح موظفين فيدراليين إذا استمرت الأزمة، مشيرًا إلى أن استمرار تعطّل المؤسسات الحكومية أجّل صدور المؤشرات الاقتصادية الرسمية، ما دفع المستثمرين للاعتماد على بيانات غير حكومية لتقدير توقيت وحجم التخفيضات المتوقعة في الفائدة.
وما تزال الأسواق تُسعّر احتمالًا بنسبة 97% لخفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع أكتوبر، واحتمالًا بنسبة 88% لخفض مماثل في ديسمبر، بحسب أداة CME FedWatch.
وارتفع الذهب حتى الآن هذا العام بنسبة 51%، مدعومًا بعمليات شراء كبيرة من البنوك المركزية، وزيادة الطلب من صناديق المؤشرات، وضعف الدولار الأمريكي، وتنامي الإقبال من المستثمرين الأفراد للتحوّط ضد التضخم والتوترات الجيوسياسية.
ورفع بنك جولدمان ساكس أمس توقعاته لسعر الذهب في ديسمبر 2026 من 4300 دولار إلى 4900 دولار للأوقية، مستندًا إلى توقعات باستمرار الطلب المؤسسي القوي.
كما أظهرت بيانات بنك الشعب الصيني أن البنك واصل إضافة الذهب إلى احتياطياته للشهر الحادي عشر على التوالي في سبتمبر، ليرتفع الإجمالي إلى 74.06 مليون أوقية، ما يعكس استمرار البنوك المركزية الكبرى في تنويع احتياطياتها بعيدًا عن الدولار.
ويرى محللون أن الإغلاق الحكومي الأمريكي، إلى جانب التوترات السياسية العالمية، وتراجع الثقة في السندات الحكومية كملاذ تقليدي، يمثلون مزيجًا مثاليًا يدفع أسعار الذهب نحو قمم جديدة، مع توقعات أن يتجاوز مستوى 4000 دولار للأوقية خلال الأشهر المقبلة إذا استمرت هذه العوامل.