كشف الباحث اليمني المتخصص في علم الآثار عبدالله محسن عن رحلة تمثال أثري نادر ينتمي للحضارة اليمنية القديمة، جرى تهريبه خارج البلاد قبل أكثر من خمسة عقود، متنقلاً بين عدد من الدول، حتى وصل إلى صالات العرض والمزادات العالمية.

وأوضح محسن في منشور له على صفحته الشخصية، أن التمثال يعود لشخصية نسائية بارزة من مدينة تمنع عاصمة مملكة قتبان، ويُعد من القطع النادرة التي تمزج بين المرمر والبرونز، ويُقدّر عمره بنحو 2300 عام، أي إلى القرن الثالث قبل الميلاد.

وقد حظي باهتمام عدد من الباحثين، منهم كليفلاند ودي ميغريه.

ووفقًا لمحسن، فقد غادر التمثال اليمن إلى فرنسا قبل العام 1970، ثم انتقل إلى سويسرا، قبل أن يُعرض في معرض فنون سنوي بارز يُعرف بـ"باد لندن" في ساحة بيركلي خلال الفترة من 2 إلى 8 أكتوبر 2017. ويُنظّم هذا المعرض، الذي تأسس عام 2007، من قبل تاجر التحف الباريسي المعروف باتريك بيرين، ويُعتبر نسخة شقيقة لمعرض "باد باريس" الذي يُقام سنويًا في أبريل بحديقة التويلري بين متحف اللوفر وساحة الكونكورد في قلب العاصمة الفرنسية.

ويُوصف التمثال -بحسب مؤسسة فينيكس للفن القديم التي عرضته- بأنه "أكمل تمثال مرمر معروف من تلك الحقبة"، إذ يحوي تفاصيل دقيقة في ملامحه، مع شعر ومجوهرات مصنوعة من البرونز.

ويصف الباحث محسن التمثال بأنه يجسد امرأة تقف بثبات، ترتدي تاجًا وقلادة وأقراطًا وأساور على هيئة ثعابين في كلا الذراعين، مع فستان طويل بأكمام قصيرة، وقدميها العاريتين تشكلان قاعدة صغيرة. أما الرأس، فيتميز بتاج وشعر برونزي مصمم بعناية، وضفيرة طويلة منحوتة بدقة من الخلف. وتبدو ملامح الوجه هادئة ودقيقة، وخاصة العينان الكبيرتان المحفورتان بعمق والمطعمتان بمادة داكنة يرجّح أنها البيتومين، إلى جانب أنف مستقيم وشفتين رقيقتين.

ويمسك التمثال بشيء مجهول في إحدى يديه، بينما تبقى الأخرى ممدودة، مما يوحي، بحسب محسن، بأنه يُجسّد شخصية ملكية عابدة، وربما يُمثّل صورة لامرأة متوفاة، إذ جرى العثور على مثل هذه التماثيل غالبًا قرب القبور، وترافقها نقوش توضيحية.

ويشير محسن إلى أن التنوع الكبير في التمثيلات البشرية في فنون جنوب الجزيرة العربية خلال العصور القديمة يُعد ظاهرة لافتة، سواء في تماثيل صغيرة أو شواهد حجرية منحوتة، أو رؤوس مركّبة على قواعد، ما يعكس تنوع المعتقدات والممارسات الجنائزية في ذلك الزمن.

وتشهد الآثار اليمنية منذ عقود طويلة عمليات نهب وتهريب، تفاقمت بشكل كبير خلال سنوات الحرب الأخيرة، حيث تعرّضت مواقع أثرية عديدة للعبث والتدمير، بينما جرى بيع كثير من القطع النادرة في مزادات عالمية أو عبر الإنترنت، ما يمثّل خسارة فادحة للإرث الحضاري اليمني.

 

المصدر: وكالة خبر للأنباء

إقرأ أيضاً:

السطوة الناعمة لهوليود.. كيف غيّرت أميركا شكل السينما العالمية؟

على مدى قرن من الزمن، تحوّلت هوليود من مجرد منتج للأفلام إلى قوة ناعمة ومنظومة تأثير عالميّة، تعيد تشكيل نظرة الجمهور للعالم، وطريقة تفاعله معه. ولم يعد تأثيرها مقتصرا على الترفيه فقط، بل امتد إلى القيم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. من خلال الأعمال الفنية اتسع تأثيرها أيضا ليشمل الذوق العام والهوية واللغة، حتى تحولت السينما الأميركية إلى أداة تأثير عالمي في عصر يتسم بالتدفق الثقافي المتبادل الذي يصل أحيانا إلى مفهوم السيولة.

التأثير الثقافي واللغوي

امتد التأثير الثقافي لهوليود بفضل قوتها التسويقية العالمية وشبكات التوزيع الواسعة، حتى أصبحت معيارا عالميا للجودة السينمائية والنجاح التجاري. فقد فرضت أسلوبها السردي والجمالي على صناعة السينما في مختلف أنحاء العالم، وأسهمت في ترسيخ القوة الناعمة الأميركية من خلال تصدير نمط الحياة والقيم الاجتماعية الأميركية عبر أفلامها المنتشرة في دور العرض الدولية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"ميغان 2" دمية القرن الجديد التي أعادت تعريف رعب الدمى في السينماlist 2 of 2هل يحب أولادك أفلام الرعب؟ أعمال مخيفة مناسبة للأطفالend of list

هذا النفوذ جعل كثيرا من صناع السينما في بوليود وكوريا الجنوبية وأميركا اللاتينية يتبنون، بشكل مباشر أو غير مباشر، المعايير البصرية والسردية الأميركية، خصوصا في بناء الحبكة وصياغة السيناريو. ولم يتوقف التأثير عند المحتوى فقط، بل طال أيضا أساليب التسويق والترويج للأفلام.

وقد وصف البعض هذا التأثير بأنه شكل من أشكال "الاستعمار الثقافي"، إذ تقوم هوليود بإعادة إنتاج القصص المحلية من مختلف الثقافات وفق رؤيتها الخاصة، ما يؤدي تدريجيا إلى تآكل السرديات الأصلية لحساب سردية سينمائية أميركية تسعى للهيمنة على الخيال الجمعي العالمي.

النمر الأسود يكافح من أجل البقاء

إلى جانب التأثير الثقافي، لعبت هوليود دورا محوريا في إعادة تشكيل مفهوم الهوية عالميا، من خلال ما تفرضه من معايير سردية عابرة للحدود تحدد معنى الهوية، فأفلام هوليود لا تكتفي بعرض القصص بصورة فردية، لكنها تقدم الشخصيات كنماذج للنجاح والبطولة والكفاح من أجل تحقيق الأحلام رغم الصعوبات.

إعلان

وتتسلل هذه النماذج إلى الوعي الجمعي العالمي، لتعيد تشكيل مفاهيم البطولة والنجاح وفق رؤية موحدة تنبع من المنظور الأميركي، وهذا يفرض تصورا نمطيا للذات والطموح يتكرر في مختلف أنحاء العالم. هذا النمط الموحد يُنتج ما يُعرف بـ"الهوية الهجينة"، التي تنشأ من تفاعل النموذج المحلي مع النموذج الثقافي العالمي المهيمن.

ورغم سيطرة النموذج الأميركي على السينما العالمية، برزت محاولات لمقاومة هذا التوجه عبر تقديم أبطال من خلفيات عرقية وثقافية متنوعة، في سعي لتحدي القوالب التقليدية. ومن أبرز هذه المحاولات فيلم "النمر الأسود" (Black Panther) (2018)، الذي حقق نجاحا عالميا كأول عمل من إنتاج مارفل يقدم بطلا أسود البشرة، مستلهِما أزياءه وأسماء شخصياته من الثقافة الأفريقية. ورغم قوة هذه التجربة، تبقى مثل هذه النماذج الاستثنائية محدودة، تجهد لتقديم هويات بديلة في مواجهة النموذج السائد.

التقنيات والمؤثرات السينمائية

لا يقتصر تأثير هوليود على الجانب الثقافي فقط، بل يمتد إلى المجال التقني، إذ أصبحت معيارا عالميا في تقنيات الإنتاج السينمائي والبصري. وقد كانت أفلام مثل "الماتريكس" (The Matrix) (1999) و"الحديقة الجوراسية" (Jurassic Park) (1993) من أوائل الأعمال التي وظّفت المؤثرات الرقمية بشكل متقدم، وأسهمت في إعادة تشكيل الشكل البصري للسينما العالمية، حتى أصبحت مرجعا تقنيا لكثير من صناع الأفلام.

وقد أعادت هوليود تعريف مفهوم التصوير السينمائي من خلال اعتماد تقنيات التصوير الافتراضي، التي تتيح للمخرجين والممثلين العمل في بيئات رقمية تنقلهم إلى أماكن متعددة دون مغادرة موقع التصوير. ولم يقتصر تأثيرها على تطوير أدوات جديدة، بل أثّر أيضا على توجهات صناعة السينما في دول كبرى مثل بريطانيا وفرنسا وكوريا الجنوبية، إذ باتت أستوديوهاتها تتبنى نفس الأساليب البصرية والتقنية الهوليودية.

ومن الأمثلة البارزة على دمج الفيزياء كعنصر سردي أساسي في السينما، لا كمجرد دعم بصري، أفلام مثل "بين النجوم" (Interstellar) (2014) و"بداية" (Inception) (2010)، إذ تُستخدم القوانين العلمية كجزء جوهري في بناء القصة والمعنى، وليس فقط لإبهار المشاهد بالتأثيرات الخاصة.

ورغم ما تفرضه هوليود من هيمنة وسطوة ثقافية وتقنية، ربما تقوض التنوع المحلي إبداعيا وتقنيا، لكنها في الوقت نفسه تنتج مساحات واسعة لتأثير ثقافي متبادل، إذ تتحول إلى ما يشبه نقطة تتقاطع فيها الأفكار، لتصاغ مجددا بطريقة تناسب الجمهور العالمي. ويمكن النظر بأكثر من منظور إلى هذا التبادل الذي يمكن أن يعزز انتشار بعض الثقافات المحلية وفي الوقت نفسه قد يعيد إنتاجها بصيغ سطحية بعيدا عن سياقها الأصلي، وهنا يظهر التراوح بين السيطرة والانفتاح والتنوع كجزء من التأثير المعقد لهوليود.

مقالات مشابهة

  • العبرات التراثية في دبي تنقل 14 مليون راكب سنوياً
  • تمثال يمني نادر يعود إلى الواجهة بعد نصف قرن من التهريب.. رحلة أثرية من
  • تمثال يمني نادر يبهر العالم في سويسرا: تحفة أثرية تسرق الأضواء في معرض دولي
  • نمو أعداد المسافرين بنسبة 2 % خلال النصف الأول
  • تمثال يمني نادر في معرض دولي بلندن
  • غادر اليمن قبل 55 عاما.. باحث يكشف عن رحلة تنقل تمثال نادر من آثار اليمن في المزادات العالمية
  • السطوة الناعمة لهوليود.. كيف غيّرت أميركا شكل السينما العالمية؟
  • مدينة سكنية.. كشف أثري يوثق فترة التحول من الوثنية إلى المسيحية - صور
  • تعلن محكمة مسور الإبتدائية بأنه تقدم اليها الأخ عبدالعزيز محسن أحمد بطلب تصحيح أسمه