العصبيات القبلية والإثنية مهدد حقيقي للأمن القومي السوداني
تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT
محمود عثمان رزق
08/18/2024
إنّ مفهوم الأمن القومي في الدولة الحديثة لأي بلد مفهم وجودي من أجله رُسمت الحدود وحُرست بجيوش محترفة وتأسس من أجله الحكومات والمؤسسات التي تساعدها في الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين. ومن أكبر المهددات التي تواجه أمن أي بلد هي الحروب الأهلية والفتن الداخلية وكذلك الغزو الأجنبي.
ونحن هنا في السودان نعتبر أن النزوع للقبلية والإثنية هو أكبر مهدد ظل يهدد وجود الدولة السودانية الحديثة منذ الإستقلال، فقد نشبت الحرب ضد الدولة وجيشها قبل إعلان الإستقلال بعام تقريباً. وعندما تكونت حكومة الإستقلال في عام 1956 واجهت حرباً داخلية قبل أن تجلس على كرسي الرئاسة وتقرر وتخطط وتحكم. تلك الحرب كانت تمرداً بسبب النزوع الى الإثنية التي غزّاها وعزف على وترها المستعمر قبل وبعد خروجه من البلاد. هده الشرارة الإثنية التي أشتعلت في توريت استمرت عشرات السنين حتى أدت لإنفصال الجنوب أخيراً.
والآن بعد هجوم الجنجويد تبين لنا بكل وضوح خطر تلك العصبيات الإثنية والقبلية وتبين لنا مدى تغافلنا لهذا الخطر وتساهلنا نحوه . فقد آن الأوان للوقوف ضد هذا المهدد الوجودي بكل السبل القانونية والشرعية لأنّها مهدد جدُ خطير على الأمن القومي السوداني. فلا بد للسودان أن يستفيد من تجربة رواندا وتشريعاتها بهذا الخصوص وقد نجحت رواندا في محاربة هذا الخطر الذي جرها لمذبحة مليونية بشعة كادت أن تزيلها من الوجود كدولة. يجب على الدولة السودانية تقوية الجانب القومي بتشريع التشريعات اللازمة لذلك.
وفي نظري يجب على الدولة إلغاء النظام الأهلي والنظارات والعموديات في جميع أنحاء السودان وإبدالها بنُظم ٍمحليةٍ حديثة تقيم العدل وتحفظ الحقوق والأرواح والممتلكات وتقوي الروح القومية والإنسانية في الوسط الذي تعمل فيه. وكذلك يجب على الدولة أن تمنع المؤتمرات القبلية والإثنية وتمنع استخدام الألقاب السيادية على المستوى الشخصي أو الإعلامي حتى ولو كانت تلك الألقاب قديمة الإستعمال ك"المك" "السلطان" "الملك" ....الخ. تمنع الدولة تصديق النوادي التي تحمل أسماء القبائل والإثنيات والإقاليم والمدن وتسحب الإذن من النوادي القائمة الآن. وكذلك تمنع الدولة إنشاء هيئات ومنظمات مجتمع مدني تقوم على أساس إثني أو جهوي أو قبلي وتسحب تراخيص المنظمات القائمة. تمنع الدولة الخطاب العنصري شفاهة أو كتابة أو بأي وسيلة من الوسائل ويجب أن تعاقب عليه بأقسى العقوبات وتجعله مهدداً للأمن القومي ويحكم في ذلك القضاء وحده. يجب على الدولة أن تستبدل الولاء للجهة والإثنية والقبيلة بالولاء للوطن والولاية. فالمواطن السوداني أبوه السودان وأمه الولاية التي يقطنها. ويمكن بمفهوم الإنتماء للولاية أن نحدد نسب المشاركات في مؤسسات الحكم الإتحادي المركزية بدلاً من مفهموم الإثنيات والقبليات التي لا عدد لها ولا حصر.
إن الحكومات القادمة عليها أن تُرى السودانيين أنيابَها في هذا المجال الوجودي، وعليها العمل الجاد والسريع لإجتثاث هذا السرطان العضال الذي انتشر في جسد الأمة السودانية منذ عام 1955 وحتى الآن ولم يجد ابن أبيه ليتصدى له.
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: یجب على الدولة الأمن القومی
إقرأ أيضاً:
د. منال إمام تكتب: الدبلوماسية الثقافية.. أداة إستراتيجية لحماية الأمن القومي المصري
في المقال السابق، سلطتُ الضوء على الدبلوماسية الثقافية بوصفها إحدى أنبل أدوات القوة الناعمة، وتشمل الفنون والتعليم والدين، لتقيم جسورًا من التفاهم والتقارب بين الشعوب، وتعزز من صورة الدولة في الوجدان العالمي، وتخدم مصالحها بعيداً عن صخب السياسة. واستجابةً لما وردني من اقتراحاتٍ من قراءٍ أعزاء وأصدقاء كرام، أضع بين أيديكم اليوم رؤية عملية تتضمن خطوات واقعية لتعظيم دور الدبلوماسية الناعمة، وتفعيل أثرها في خدمة الأمن القومي المصري.
أولًا: تحويل المقومات الثقافية المصرية إلى أدوات استراتيجية
(أ) مواجهة الفكر المتطرف بالفكر المستنير، الجهات المسؤولة: (الأزهر، وزارة الأوقاف، وزارة الخارجية) الخطوات العملية:
• زيادة عدد المبعوثين الأزهريين إلى الدول الإفريقية والآسيوية ذات القابلية للتطرف.
• إنشاء منصات إلكترونية متعددة اللغات لنشر الفكر الوسطي الأزهري.
• تنظيم مؤتمرات دولية للحوار الديني تستضيفها مصر وتُبث عالميًا.
• تخصيص منح دراسية لطلاب من مناطق متأثرة بالتطرف لدراسة العلوم الإسلامية والإنسانية في مصر.
ثانيًا: تعميق العلاقات الثقافية مع إفريقيا والعالم العربي، الجهات المسؤولة:( وزارة الثقافة، وزارة الخارجية، الهيئة العامة للاستعلامات)
الخطوات العملية:
• فتح مراكز ثقافية مصرية جديدة في 10 عواصم إفريقية وعربية خلال 3 سنوات.
• تنظيم أسابيع ثقافية متنقلة (فنية، تراثية، موسيقية) في الدول المستهدفة.
• دعم مشاركة الفنانين المصريين في مهرجانات دولية تحمل البعد الإفريقي والعربي.
• إنتاج أفلام وثائقية عن الروابط التاريخية والثقافية بين مصر وإفريقيا تُترجم وتُعرض محليًا في تلك الدول.
ثالثًا: تعزيز الدبلوماسية التعليمية – صناعة حلفاء المستقبل، الجهات المسؤولة: (وزارة التعليم العالي، الجامعات المصرية، وزارة الهجرة)
الخطوات العملية:
• توسيع برنامج المنح الدراسية الموجهة للطلاب من إفريقيا والدول العربية.
• إنشاء مكتب "رعاية الخريجين الأجانب" للتواصل المستمر معهم بعد العودة لبلدانهم.
• تنظيم "الملتقى السنوي لخريجي الجامعات المصرية" بالتعاون مع السفارات المصرية بالخارج.
• إدخال مواد عن "الهوية والثقافة المصرية" ضمن البرامج الموجهة للطلبة الأجانب.
رابعًا: ربط الجاليات المصرية بالخارج بالهوية الوطنية، (الجهات المسؤولة وزارة الهجرة، وزارة الثقافة، الهيئة الوطنية للإعلام)
الخطوات العملية:
• تنظيم مهرجانات ثقافية سنوية للجاليات المصرية (بداية في 5 دول ذات كثافة عالية).
• تطوير تطبيق رقمي يضم محتوى ثقافي وتراثي باللغة العربية واللغات الأجنبية موجه لأبناء الجيل الثاني والثالث.
• إنتاج برامج إعلامية خاصة بالجاليات تبث على المنصات الرقمية.
• إقامة معسكرات ثقافية صيفية للشباب المصري بالخارج داخل مصر لتعزيز الارتباط بالوطن.
خامسًا: استخدام السينما والفنون كرسائل موجهة للعالم، الجهات المسؤولة: (وزارة الثقافة، وزارة الإعلام، نقابة المهن السينمائية)
الخطوات العملية:
• إطلاق صندوق دعم الأفلام التي تقدم صورة مصر المتنوعة والمعتدلة (بشراكة حكومية-خاصة).
• ترجمة المسلسلات والأفلام المصرية الناجحة للغات الأفريقية والآسيوية وتوزيعها في تلك الأسواق.
• إرسال وفود فنية تمثل مصر في المعارض والمهرجانات الدولية بشكل دوري.
• دمج البعد الثقافي والدبلوماسي في أعمال درامية تُبث خلال مواسم رمضانية وسينمائية رئيسية.
سادسًا: التنسيق بين مؤسسات الدولة: خطة وطنية شاملة ومطلوب تشكيل لجنة وطنية عليا للدبلوماسية الثقافية تضم ممثلين عن:
• وزارات: الثقافة، التعليم، الأوقاف، الإعلام، الخارجية، الهجرة
• الأزهر الشريف
• الهيئات الإعلامية والجامعات
مهامها:
• إعداد استراتيجية وطنية للقوة الناعمة المصرية خلال 5 سنوات.
• تقييم البرامج الثقافية الحالية وتطويرها وفق أهداف الأمن القومي.
• متابعة التنفيذ ورفع تقارير دورية لمجلس الوزراء والرئاسة.
وفي النهاية: الدبلوماسية الثقافية لم تعد ترفًا، بل ضرورة لحماية الأمن القومي في بيئة إقليمية معقدة. إن ما تملكه مصر من رصيد حضاري وديني وثقافي يجب ألا يبقى فقط في المتاحف والكتب، بل يتحول إلى أدوات نشطة للتأثير الإقليمي والدولي. حين تُدار الثقافة بوعي، تصبح خط الدفاع الأول عن الوطن.