قراءة في كتاب: همس الأخفاف.. من أساطير الإبل وحكاياتها في الثقافة العربية
تاريخ النشر: 27th, August 2024 GMT
أصدر الباحث السعودي: “قاسم بن خلف الرويس”، كتاباً بمناسبة عام الإبل بعنوان: “همس الأخفاف.. من أساطير الإبل وحكاياتها في الثقافة العربية”.
ويقع هذا العمل التراثي الصادر من “دار أهوى للنشر”، في 210 من الصفحات التي تحوي الموضوعات التالية: حنانيكَ لا تكِ الصحيح بأجربا، أساطير الإبل في ثقافة الصحراء، نسوة وأيانق، الناقة – المرأة، المرأة – الناقة، جمل هند وناقة الخس، سيرة الخلوج، حنيف بين فليج وطويلع، معشوقات ابن جدلان، الناقة والقصيدة، الإبل مال العرب، إكرام الراحلة ومكافأتها، النجائب – الجيش، من تاريخ مسابقات الإبل، الجمل والسيارة وجهاً لوجه.
واستهل الباحث كتابه بتعداد مميزات “الإبل”، ذاكراً أنها الكائن الحي الأكثر حضوراً والأشد اهتماماً في إبداع الصحراء وتراثها، ولعل ذلك يرجع إلى ارتباطها بواقع إنسان الجزيرة؛ وصبرها في مواجهة قسوة الصحراء، ولكنها في الذاكرة الجمعية ليست رمزاً للصبر فقط، بل هي رمز للقوة والجمال والخير والكرم والشجاعة والحب والعطاء، وظلت تحمل تاريخ العرب ولغتهم كما تحملهم وتحمل أثقالهم، حتى قالت إحدى نساء العرب: “ما ذكر الناس مذكوراً خيراً من الإبل، إن حملت أثقلت، وإن مشت أبعدت، وإن حُلبت أروت، وإن نُحرت أشبعت، طويلة الظمء، نشيطة المشي، ثقيلة الحمل، بعيدة الروحة من الغدوة، كل شيء عليها عِيال.
وجاء في الكتاب أن “الإبل” لم تكن مجرد حيوانات، بل كانت لها مكانة عالية بلغت حد التقديس عند عرب الجاهلية؛ فجعلوا منها السائبة والبحيرة والوصيلة والحامي، ومنهم من عبد “الجمل”، فجاء الإسلام وأبطل هذه العادات، وجعل الله من الإبل آية من آياته المعجزة في قوله تعالى: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت).
وكانت العرب تعد “الإبل” رمزاً ثقافياً خالداً تدور حوله قصص الكرم والشجاعة على أرض الجزيرة العربية بطريقة مختلفة، فقد كان البدوي يضحي بروحه في سبيل الدفاع عن ناقة واحدة؛ ولكنه على استعداد ليعقر هذه الناقة إكراماً لضيفه؛ فهي غالية في حال الشجاعة ودفع الأعداء، ولكنها رخيصة عندما يستوجب الحال الكرم و الضيافة.
وبيّن الباحث أن الكتابة عن “الإبل”، والبحث في شأنها ليس غريباً على العربي، فجزيرة العرب هي (أم الإبــل) ودروبها تحكي قصة البداوة العربية منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا، بل إن صدى جبالها لازال يحتفظ بحداء الرعاة وهمهمات الراكبين، ولهذا جمع أشتاتاً من المعلومات المبثوثة عنها في كتب التراث وصدور الرجال، موائماً فيها بين المشاهد القديمة والحديثة لعرب الصحراء؛ مع الاتكاء على السجل العربي الخالد للحياة الاجتماعية على أرض الجزيرة العربية ألا وهو “الشعر”، دون مفاضلة بين فصيحه وعاميه؛ بهدف عرض لوحة بانورامية رسمها العرب على جدار الزمن الطويل الممتد من الجاهلية إلى القرن الرابع عشر الهجري؛ لتشكل مفتاحاً للمقارنة بين الماضي البعيد والحاضر القريب.
يذكر أن الباحث وجد في مبادرة وزارة الثقافة في المملكة العربية السعودية بتسمية عام 2024م ب “عام الإبل”، فرصة مواتية للمشاركة في دعم هذا الاتجاه نحو ثقافة الصحراء والعناية بموروثها، فقام بنشر كتب أخرى احتفاءً بعام “الإبل”، مثل: (كتاب الإبل) من السفر السابع في كتاب (المخصص) لأبي الحسن علي بن إسماعيل النحوي المعروف “بابن سيده”، و (أرجوزة أبي النجم العجلي في وصف الإبل)، بتحقيق بهجة الأثري.
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية
إقرأ أيضاً:
شاهد.. أول توثيق علمي لعودة أشباح الصحراء إلى ليبيا
في أعماق الصحراء الكبرى، حيث تمتد الكثبان الرملية بلا نهاية وتخفت مظاهر الحياة، تتحرك في الظلال كائنات نادرة تُعرف بين علماء البيئة والمصورين بـ"أشباح الصحراء"، وهي القط الرملي وابن عرس المخطط الصحراوي.
حصلت هذه الكائنات على لقبها الغامض لأنها نادرا ما تشاهد في البرية، وتنشط ليلا فقط بعيدا عن حرارة النهار، كما أن ألوان فرائها تشبه الرمال تماما، فتختفي بين الكثبان في صمت، تاركة وراءها آثارا خفيفة سرعان ما تمحوها الرياح، وهذه القدرة الفائقة على التخفي جعلت رؤيتها في الطبيعة أشبه بمطاردة شبح في قلب الصحراء، لذلك، شكل توثيق وجودها في ليبيا مفاجأة علمية كبيرة.
وظن الباحثون أن هذه الأنواع قد اختفت من البلاد أو لم تعد قادرة على البقاء في بيئاتها القاحلة غير أن دراسة ميدانية حديثة نشرت نتائجها في دورية "جورنال أوف أرد إنفايرونمنتس"، تمثل أول توثيق علمي لعودتها، إذ كشفت أن هذه "الأشباح" ما زالت تجوب رمال الجنوب الغربي الليبي، متحدية قسوة المناخ وعزلة المكان.
قاد هذه الاكتشافات فريق من الباحثين الليبيين والدوليين، من بينهم الدكتور فراس حيدر، باحث ما بعد الدكتوراة بقسم العلوم البيولوجية والزراعية بجامعة سول بلاتجي بجنوب أفريقيا، والذي أوضح في تصريحات خاصة للجزيرة نت، أن هذا المشروع البحثي بدأ من اهتمام مشترك بين علماء الطبيعة الليبيين لتوثيق الحياة البرية المهملة في البلاد.
وقال إن بعض المتعاونين المحليين الذين اعتادوا استكشاف المناطق النائية بغرض التصوير أو التخييم، بدؤوا بملاحظة حيوانات صغيرة نادرة وغير مألوفة، مما حفز الفريق على توثيق هذه المشاهدات بشكل علمي ومنهجي.
وإليك فيديو قصيرا يوثق ظهور القط الرملي في صحراء ليبيا لأول مرة:
التوثيق بمشاهدات مباشرةويشرح فراس أن جميع المشاهدات كانت مباشرة، وتم توثيقها من خلال صور ومقاطع فيديو عالية الدقة التقطها مراقبون مدربون في الحياة البرية، ولم تُستخدم كاميرات الفخاخ في الدراسة، وكانت جميع طرق جمع البيانات غير تدخلية، أي بدون إمساك بالحيوانات أو التأثير على بيئتها الطبيعية.
إعلانورغم الطبيعة الوعرة للمنطقة، فإن النتائج فاقت التوقعات، و يقول د. فراس: "أدهشنا عدد المرات التي شوهد فيها كلا النوعين في الجنوب الغربي، وهي منطقة لم يكن يعتقد سابقا أنها تدخل ضمن نطاق انتشارهما، مما يشير إلى أن هذا الجزء من ليبيا قد يمثل ملاذا قويا للحيوانات المتكيفة مع الصحراء".
وإليك مقطع فيديو لـ ابن عرس المخطط الصحراوي التقطه مراقبون مدربون في الحياة البرية:
قيمة علمية كبيرةوعن قيمة هذه الاكتشافات، يوضح، أنها قدمت أول دليل مادي على وجود قط الرمال في ليبيا، وهو من الأنواع النادرة والمتكيفة بشدة مع البيئات القاحلة، حيث يعيش في مناطق الكثبان الرملية الجافة التي تنمو فيها نباتات مثل الطرفاء والسدر والرتم.
ويقول فراس: "رغم أن بعض المؤلفات القديمة كانت تشير إلى احتمال وجوده في ليبيا منذ خمسينيات القرن الماضي، فإنها لم تتضمن أدلة مادية أو مواقع محددة، وظل وجوده موضع شك حتى اليوم، حتى قدمنا أول أدلة مصورة ومؤكدة على تواجده".
كما يشير وجود ابن عرس المخطط الصحراوي في مناطق أبعد جنوبا مما كان معروفا سابقا، إلى أهمية بيئية وبيولوجية كبيرة، لأنه يدل على أن هذا الحيوان أكثر قدرة على التكيف مع البيئات الجافة القاسية أكثر مما كان يُعتقد، كما يكشف عن وجود اتصال تاريخي بين تجمعات الحيوانات الصحراوية في شمال أفريقيا.
ويضيف أن هذه النتائج تستدعي مراجعة خريطة انتشار النوع في الاتحاد الدولي لصون الطبيعة، وتشجع على إجراء دراسات وراثية مقارنة لفهم البنية السكانية لهذه الأنواع.
ويشير د.فراس إلى أن الوصول إلى هذه النتائج لم يكن سهلا، فقد واجه الفريق تحديات كبيرة، منها الحرارة الشديدة، وبعد المسافات، وعدم الاستقرار الأمني والسياسي الذي يجعل من المسوح الميدانية المنتظمة مهمة معقدة وشاقة.
ورغم سعادته بالتغلب على هذه المعوقات والنجاح في التوثيق النادر لأشباح الصحراء، فإنه لم يخف قلقه من مواجهة هذه الكائنات لتهديدات متزايدة، إذ تم توثيق حالات بيع القطط الرملية كحيوانات أليفة واستخدام ابن عرس المخطط الصحراوي في الطب التقليدي، حيث يعتقد في بعض القرى أو الواحات، أن أجزاء من جسد الحيوان أو إفرازاته تمتلك خصائص علاجية أو سحرية، فعلى سبيل المثال، تُستخدم جلوده أو دهونه أو أعضاؤه الداخلية في وصفات شعبية بزعم أنها تعالج أمراضا مثل الصرع أو لدغات العقارب أو الحمى، كما تُستعمل أحيانا كتمائم أو مواد تبخير في طقوس يربطها السكان المحليون بـ"طرد الأرواح الشريرة" أو "جلب الحظ".
ويصف د.فراس ذلك بأنه "مؤشر مقلق على استغلال غير مستدام قد يهدد بقاء هذه الكائنات التي تعيش أصلا بكثافات منخفضة"، مشددا على أن رفع الوعي العام وتطبيق قوانين حماية الحياة البرية أصبحا أمرين ملحين.
إجراءات عاجلة لمواجهة الأخطارولمواجهة هذه الأخطار، دعا فراس إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات العاجلة، تشمل إجراء مسوح ميدانية موجهة لتحديد التوزيع الحقيقي للأنواع وموائلها، إطلاق حملات توعية للحد من الصيد والاتجار، بناء قدرات المجتمعات المحلية والسلطات على التعرف على هذه الأنواع وحمايتها، وإنشاء قاعدة بيانات وطنية للحيوانات آكلة اللحوم الصغيرة لتوجيه أولويات الحماية.
إعلانويشير إلى أنه نشر بالفعل 3 دراسات علمية حول حماية الحيوانات آكلة اللحوم الصغيرة في ليبيا وتونس، ويعمل على 3 دراسات أخرى تغطي شمال أفريقيا بأكمله، معربا عن رغبته في التعاون مع المنظمات البيئية الدولية لتعزيز جهود الرصد والحماية.
ويختتم فراس حديثه برسالة موجهة للعلماء والجمهور على حد سواء، قائلا إنه "حتى في الأماكن التي نعتقد أنها خالية من الحياة، هناك كائنات تقاوم بصمت، وإن إعادة اكتشاف القط الرملي وتوسيع نطاق ابن عرس المخطط الصحراوي يذكرنا بأهمية التعاون بين العلماء والمواطنين في الحفاظ على تنوع الحياة البرية في صحارينا قبل أن تختفي في صمت".