الكويت "عمان": ناقش ملتقى السرد الذي نظمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت ضمن فعاليات وبرنامج الكويت عاصمة الثقافة والإعلام العربي، الكثير من القضايا السردية التي يتجاوز تأثيرها تقنيات كتابة السرد إلى التأثير المباشر على بنية المجتمعات العربية مثل قضية الهوية وقضية بناء الوعي وقضية التاريخ.

وشارك في الملتقى الكاتب أحمد الراشدي وليلى عبدالله وأسماء الشامسي.

بدأ الملتقى بورقة قدمها الناقد المغربي الدكتور سعيد بنكراد بعنوان "السرد والهوية" عرف فيها الهُوية بوصفها ماهية تتكون من سمات دالة تُورَّث اجتماعيا وثقافيا، لكنها ليست جامدة؛ فهي تجمع بين الثبات والتحوّل داخل ما سماه بـ "المتاح الحضاري". وذهب بنكراد للقول إن الهويّة هي الحد والتمدد معا فهي تُميِّز الفرد والجماعة وتضبط قواعد الانتماء. ووضع الباحث السّرد في قلب تشكّل الهويّة؛ فالزمن الإنساني لا يُرى إلا عبر آثاره ويُستوعَب عندما يُروى؛ وبالسرد تتحوّل التجارب إلى معرفة قابلة للنقل، ويستطيع الإنسان ترويض زمنه بالذاكرة.

واستندت ورقة الباحث على تمييز بول ريكور بين "العينيّة" (الطبع، الأدوار، ما نرثه من المجتمع) و"الإنيّة" (الاختيار والمسؤولية والقرار الأخلاقي)، مؤكدا أن "الهويّة السردية" تتوسّط بينهما: "نستعيد ما تلقيناه ونصوغ فوقه قصتنا الخاصة". بهذا المعنى الذي طرحه بنكراد فإن هويّات الأفراد والشعوب لا تبنى بالوقائع فقط، ولكن، أيضا، بالمحكيات والأساطير والأمثال التي تمنح التجربة معناها وتحوّل الخاص إلى نموذج عام.

ورصد الباحث في ورقته أثر السرد في المجال الديني والدعوي (استدعاء محكيات السلف لبناء نموذج أخلاقي)، وفي العلاج النفسي (استعادة الهوية عبر سرد التجربة)، وفي الوعي الجمعي حيث يصبح "الرأي العام" قوة مُمأسسة في محكيات الناس. وأستدعى أمثلة فلسفية (سفينة ثيسيوس، النهر) لتوضيح دوام الهوية رغم تغيّر أجزائها. وخلص الباحث إلى خلاصة مفادها أن هوية الأفراد والأمم تُصان وتُجدَّد عبر الحكايات؛ والسرد يتجاوز دوره الجمالي ليصبح آلية معرفية وأخلاقية لصنع الانتماء.

وفي الجلسة الثانية ناقش الملتقى موضوع "تكامل السرد اللفظي والبصري في أدب الطفل" بمشاركة الدكتورة وفاء المزغني وأماني يوسف وبيان ياسين وأدار الجلسة الكاتب العماني أحمد الراشدي. وأكدت الجلسة على تكامل مكونات أدب الطفل مثل الكلمة والصورة والتصميم لتقديم تجربة سردية متكاملة. وقالت الفنانة السعودية بيان ياسين إن الصورة مهمة جدا في كتابة أدب الطفل معتبرة أن الصورة تشكل ٨٠٪ من السرد، قبل أن تتراجع لاحقا عندما يبدأ الطفل يكبر ويستطيع تفعيل قدراته على التخييل. وقالت إنها قبل أن تبدأ في تحويل قصص الأطفال إلى رسومات تدخل روح النص وتعيش فيه وفي ألوانه حتى تستطيع انجاز رسومات متناغمة مع النص.

من جانبه قالت الدكتورة وفاء المزغني إن الصورة في أدب الطفل تحاول ملء الثغرات التي قد يغفلها السرد اللغوي. لكن أماني يوسف ذهبت في اتجاه آخر عندما أكدت أن الصور المكملة لأدب الطفل قد تذهب أحيانا في اتجاه يعارض النص من أجل التشوق أو بناء رؤية استباقية أو حتى محاولة ربط بداية القصة بنهايتها عبر الرسومات. ثم تحدثت عن الصور التي تستطيع تحفيز القارئ الطفل على تحليل النص وقراءته بأشكال مختلفة.

وتدخلت الدكتورة وفاء المزغني بالقول إن بعض الصور التي ترافق بعض قصص الأطفال تبدو منفرة ولا تراعي التقاليد والقيم التي يفترض أن تغرس في وعي الأطفال، وبعضها لا يقترب من دلالة النص ولا من البيئة التي ينتمي لها النص.. وهذا ضعف من دار النشر التي لا تهتم بموضوع الصورة المرافقة لقصص الأطفال.

وقدم الدكتور عبدالله العقيبي رؤية تركيبية لأسئلة السرد الروائي والتلقي في محاضرة قدمها ضمن الملتقى. وانطلق الباحث من التأكيد أن الرواية لا تُكتب بعفوية، بل تحتاج صبرا وبحثا وإعادة كتابة؛ فالشخصيات والأحداث قد تتمرّد أثناء الكتابة، ما يجعل الرواية مشروعا مفتوحا حتى لحظته الأخيرة، وهو ما يفسّر تعثّر كثير من الشعراء وكتّاب القصة في الانتقال إلى الرواية.

وطرح مفهوم «الضغط السردي» بوصفه إحكاما للبناء يُبقي القارئ داخل إيقاع النص، زمنيا عبر دوائر ومسارات مغلقة تدفع حدثا إلى آخر، ولغويا عبر جُمل مكثفة وإيقاع متكرر، وبنائيا عبر حصر الفضاء السردي مكانيا أو نفسيا بما يخلق إحساسا خانقا محسوب التفاصيل.

وتوقّف الباحث عند ما أسماه بـ «الرواية القدرية» باعتبارها جهازا حداثيا لامتحان الحقيقة، في التقاليد الغربية جرى «تسكين» الميتافيزيقي في الخلفية لصالح أسئلة معرفية وتاريخية وحقوقية، بينما ظلّت الرواية العربية تتفاوض مع سؤال الحقيقة السماوية دون حسم، فتميل إلى خطاب اجتماعي مباشر أو اعتراف ذاتي يمسك بالمأزق اليومي ويتردد أمام جذره.

وفي محور التلقي، عرض الباحث ثنائية العمل الذي يبقى داخل «جدار التلقي الأول» (جمهور متخصّص) والعمل الذي يعبره إلى جمهور أوسع، مؤكدا أن الفارق ليس نخبويا صرفا، بل نتاج «نظرية نقدية سرّية» غير مدوّنة تتداولها الأوساط الأدبية وتحكم أحكامها على الاختراقات الجماهيرية.

واختتم بظاهرة «المحاكاة الصوتية»؛ إذ يحظى المصطلح في الغرب باستقرار نقدي، فيما يظل عربيا متذبذبا بين تكرار الحروف وتمثيلات فردية، ما يفتح سؤالًا عن جدواها الجمالية وحدودها حين تتحوّل إلى عبء أسلوبي.

وفي ندوة أخرى بعنوان "السرد والهامش المهمل ـ التاريخ من زاوية أدبية" خلصت الندوة إلى وضع حدود فاصلة بين الوثيقة التاريخية وبين الرواية التاريخية. وقالت الكاتبة أميرة غنيم إن الرواية التاريخية لا يمكن أن تكون وثيقة تاريخية، ولا يمكن أن تستشهد بحدث ورد في عمل روائي وتوظفه في بحث علمي تاريخي.

لكن الكاتبة عائشة إبراهيم ذهبت للقول إن الرواية التاريخية يمكن أن تصبح وثيقة إذا كانت مكملة للتاريخ خاصة عندما لا تعيد صياغة الواقع بشكل نمطي ولكن بمنظور إنساني منطلقة من تجربة إنسانية شعورية تضيء جوانب لم يتحدث عنها التاريخ.

من جانبها تحدثت الكاتبة ليلى عبدالله عن تسريد التاريخ معتبرة أنه يضخ الحياة في الماضي وأن الأعمال التاريخية اسقاطات لما لا نستطيع الحديث عنه بشكل مباشر.

وفي ندوة أخرى ناقش الملتقى "تحديات القصة القصيرة" حيث اعتبرت الكاتبة جميلة سيد علي أن أكبر تحدي يكمن في اختصار الزمن إلى نقطة، وكذلك اختزال النص نفسه. من جانبها قالت صالحة عبيد إن التحديات تكمن في أن الكاتب يبحث عن صوته داخل القصة القصيرة، لأن الكاتب لا يستطيع في القصة كما في الرواية التجريب في الأحداث وبناء الشخصيات وتطورها. معتبرة أن وجود الصوت الخاص فرصة ولكنه تحدي في طريق بناء الخصوصية.

أما الكاتبة أسماء الشامسي فاعتبرت أن الحالة النفسية هي أكبر تحدي، حيث يضع الكاتب أمام نفسه مقولة أن كتابة القصة أصعب بكثير من كتابة الشعر أو الرواية، وإذا ارتبط نفسيا بهذه العبارة فإن هذا يعتبر تحد كبير ويجعله لا يتعامل مع القصة باعتبارها فنا، بل حالة تنتظر الإلهام. معتبرة أن الفن يحتاج إلى تدريب.

وردا على سؤال كيف يحدد الكاتب ما إذا كانت الفكرة التي في رأسه تحتاج إلى قالب القصة القصيرة أم الرواية قالت الشامسية: القصة تحتاج إلى صدمة، فهي بنت اللحظة المأزومة. بينما اعتبرتها جميلة سيد علي أن الموضوع تفاعل بين الكاتب وما سيعبر عنه وهذا التفاعل يشكل القالب الذي تكتب فيه الفكرة. أما صالحة عبيد ففرقت بين الأمر بشكل مختلف حينما قالت أن القصة هي التي أتأمل بها العالم، بينما الرواية هي الطريقة التي أفكر فيها بالعالم عبر تداخل الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الروایة التاریخیة أدب الطفل

إقرأ أيضاً:

الشيخ خالد الجندي: إنكار السنة جهل مركب.. والقرآن نفسه وصلنا عن طريق الرواية

أكد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أن إنكار السنة النبوية بدعوى الاكتفاء بالقرآن فقط هو أمر يناقض المنطق والدين، ويكشف جهلًا واضحًا بطبيعة العلوم الشرعية، خاصة علم الرواية الذي من خلاله وصل إلينا القرآن نفسه، مشددًا على خطورة التعالم وادعاء المعرفة دون علم.

وروى عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، خلال حلقة برنامج "لعلهم يفقهون"، المذاع على قناة "dmc"، اليوم الثلاثاء، موقفًا دار بينه وبين أحد الأشخاص، قال فيه: "الراجل كان قاعد بينكر السنة، وبيقول مفيش حاجة اسمها سنة، وإنه لا يؤمن إلا بالقرآن وبس، وبدأ يتكلم في تأويل الآيات والأحاديث على هواه، ودي مشكلة كبيرة، لأن إنكار السنة بيهد أركان الدين، خصوصًا لما ييجي من حد مش دارس ولا فاهم".

وتابع: "قلت له يا عم اتعلمت الصلاة منين؟ قال لي ورثناها، طب ورثناها منين؟ من السنة، من النبي ﷺ، اللي شرح لنا ما لم يُفصّل في القرآن، وبعدين هو نفسه بيؤمن بالقرآن اللي جه عن طريق علم الرواية، والقرآن ما جاش على فلاشة، ده جه بالتواتر، عن طريق أجيال نقَلت عن أجيال".

وأوضح الجندي أن "حتى إذاعة القرآن الكريم لما تذيع، بتقول لك: يُتلى عليكم برواية حفص عن عاصم، أو ورش عن نافع – يعني روايات، فهل نقبل رواية القرآن وننكر رواية السنة؟ طيب اللي نقلوا روايات القرآن بالتواتر، هم نفسهم اللي نقلوا السنة".

وأضاف: "الراجل قال لي إنه بيؤمن بروايات القرآن فقط، قلت له: المفاجأة إن اللي نقلوا لك روايات القرآن هم نفس الرواة اللي نقلوا السنة، فإزاي تآمن ببعض وتكذّب بعض؟!".

وتناول الشيخ خالد الجندي، شبهات الطعن في صحة بعض الأحاديث، قائلًا: "قال لي إن في روايات غلط في السنة، قلت له: ما هو فيه نُسَخ مزوّرة من القرآن بتنتشر على السوشيال ميديا، بنلغي عشانها القرآن؟ لا طبعًا، نرجع للمتخصصين يميّزوا الصح من الغلط، زي ما الدولة بتميّز العملة الأصلية من المزيفة".

وتابع: "قلت له: الناس بتروح للبنوك عشان الصيارفة يفرزوا العملة المزيفة من الأصلية، ونفس الفكرة في علم الحديث، فيه صيارفة، علماء متخصصين، يفرّقوا بين الحديث الصحيح والضعيف، مش أي حد يقول رأيه ويشكك في السنة بدون علم".

واستشهد الجندي بآية من القرآن ليوضح ضعف فهم من ينكرون السنة قائلًا: "سألته عن معنى قوله تعالى: (وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ)، سألته يعني إيه (غرابيب سود)؟ مردش، وقال لي: قول أنت، قلت له: طالما مش عارف ترجع للي يعرف، مش تعك وتقول مافيش سنة".

وحذر من خطورة الجهل المقنّع بالعلم: "المشكلة مش في اللي مش عارف، المشكلة في اللي مش عارف ومش عارف إنه مش عارف؛ عشان كده قلت له، لو أنت مش قادر تفسر آية بسيطة في القرآن، فكيف تنكر السنة وتتكلم في العلم الشرعي بدون أهلية؟".

مقالات مشابهة

  • "كرسي اليونسكو" في علم النفس التربوي يناقش تحديات الهوية العُمانية
  • فضفضة سردية
  • ملتقى السرد العربي في الكويت يناقش تحديات القصة القصيرة
  • الكاتب والإعلامي “طلال قستي” يثري المكتبة السعودية بـ”نبض الأيام”
  • الوجع والأمل في قصص الزِّرُّ والعُرْوَة لراشد عيسى
  • الشيخ خالد الجندي: إنكار السنة جهل مركب.. والقرآن نفسه وصلنا عن طريق الرواية
  • الكاتب بوعلام صنصال المسجون في الجزائر يُنتخب عضوًا في الأكاديمية الملكية البلجيكية
  • عاجل | فحوى الوثيقة التي وقعها الوسطاء في شرم الشيخ: ندعم جهود الرئيس ترمب لإنهاء الحرب وتحقيق سلام دائم
  • ملتقى المرأة بالجامع الأزهر يناقش دور التغذية السليمة في بناء الصحة الجسدية والنفسية للطلاب