محمد الزبير.. «استعارة الصدق» في الصورة
تاريخ النشر: 28th, August 2024 GMT
لم نصف مصورا بأنّه مصلح أو شاعر، حتى لو كانت صوره تعكس القيم، الحيويّة السائدة في أيامه، المشاعر تجاه القضايا، الأمنيات والرغبة في التغيير. الصور الفوتوغرافية التي أنتجها، وتمّ وصفها -ربّما- بأنّها فنيّة، هي بشكل واضح، غير معلن «وثائقية». ومهما تمادت في حساسيتها، فهناك دليل على الموقف الثقافي فيها من ظاهرة أو أمر ما.
نتوقف عند حسّ الندم والخسارة والتضاؤل لمشاهد الطبيعة في صور هذا الشخص، التي نقلتنا من الحزام الأخضر إلى حزام الصدأ، بينما يحاول هو صياغة طرق جديدة للتصوير الحديث، تدعمه رؤى حديثة لا تضع الانتصار الحديث كلّه للآلة، ولا ترغب في تطهير حديقة قديمة ما من آلة. طرق جديدة بعيدة عن نزعة تصوير التراث الشكلي، الذي يُعاد في كلّ مرّة بشكل احتفالي، ضحل، معززا بالصورة المكررة، المملة. هذا المصّور بالذات التفتَ إلى أن العالم الطبيعي ليس موجودا في عزلة جنة رائعة، أو بعيدًا عن الثقافة الإنسانية والتدخل البشري الجديد. هذا المصوّر قدمّ صوره بطريقة جعلتنا نهتمّ بها، وصار يمكن وصفه بالمصوّر الصادق، القاصد، خلافا للجدل حول كذب الصورة والمصوّر وقصديتهما غير المعلنة، وتعقد ما يحدث في المسافة بين عين المصوّر وعين الناظر في صوره. مصورون قلائل من هذا النوع تظنّ أنّهم قادرون على تحويل الصورة لحضور مادّي، له وزن وكثافة وكتلة، وتوسيع نطاق ما يجعل هذه الصورة مرئيةً للنّاس.
التقيت بمحمد الزبير أوّل مرّة في ديسمبر ٢٠٢٣ في بيت الزبير بمسقط القديمة. نظر إلى كاميرتي وابتسم، قال: لايكا؟! ولم يكن يسأل. سألته: وأنت ماذا تفعل؟ رفع هاتفه الجوّال، قال: أعتمد على هذا! تخفّفت من الكاميرا. قلت له: هيهات، لن يعطيك جودة صورك لجبال عُمان وتدرّج ألوانها بتدّرج طبقاتها في المسافات! فعل ذلك المصور عبدالله الخان عندما صار يصور بهاتفه أوّل مرّة، قال لي: لا أحتاج للكاميرا الآن! سافر مصر وعاد ينظر بأسف شديد في صوره المطبوعة، يهيمن اللون الأخضر عليها. قلت لمحمد الزبير: مثلك لا يتخلّى عن جودة كاميراته الكبيرة، ولا الثقة فيها، فقال: قلّل النّاس -في البداية- من جودة التصوير الرقمي قبالة التصوير الفيلمي، ثمّ أدركوا أهميته واعتمدوه، وهذا ما سيحدث مع الهاتف والكاميرا في يوم ما.. (يضحك). حكيت له أنّّي حضرت ندوة في معرض فوتوكينا في كولن بألمانيا جمعت مصورين شابين، ينتصران للتصوير الفيلمي، وأن الفنّ لا يكون خارجه، ومصورين متقدمين في العمر تركا التصوير الفيلمي نهائيا، وصارا رقميين! في الحالتين يشيدان بالكاميرا لا بالهاتف.
التقينا مرّة ثانية على طاولة مستديرة في حديقة بيته ليلا، جمعت معالي يحي الجابري، ومحمد الفرعي السكرتير التنفيذي لمؤسسة بيت الزبير، والأصدقاء: بشرى خلفان، ومنى حبراس، ومحمد الشحري والدكتور محمد الشحات، وصار الحديث عن كذب المصوّر، ثمّ استدركتُ «أقصد الصورة» وأنا أنظر إليه، لكنّه عالج الموقف بالضحك وتحدّث عن تجربته في الرقابة المجتمعيّة على الصورة والمصورين، وكيف كان يستقبل ذلك ويجعل الموقف في صالح الصورة. وكأنّ الحوار ضمن فعالية (أيام بيت الزبير للسرد، الرواية والسلطة) التي جئنا من أجلها، إلّا أن الرقابة في التصوير تختلف عنها في الكتابة، في اتساع مساحة المراقبين. فبينما تنحصر الثانية في مجتمع القرّاء والسلطة الرسميّة، تتّسع في الأولى لجميع القادرين على المشاهدة. الرقابة في التصوير سابقة على نيّة الشخص لشراء الكاميرا فضلا عن التفكير في التقاط الصور ونشرها، حيث وطأة تلك الرقابة، التي صارت مزيجاً بين النواهي الدينية والتقبّل الاجتماعي، ومعاداة الصورة. كتب ريجيس دبري في كتابه (حياة الصورة وموتها، ١٩٩٢): «كلّ الديانات التوحيديّة بطبيعتها معادية للصورة ومحاربة لها في بعض الأحيان. فهي فائض زينة وإيحائية في أحسن حالاتها وخارج الجوهري دائما»، فينتهي بنا الحال فيها أنّ البصري عنصر خطيئة.
أنظر إلى حالة المرأة مثلا في صور المصورين الخليجيين في الثلاثينيات حتى نهاية السبعينيات، -وهي الفترة التي انشغل الغرب فيها خصوصا أمريكا بهمّ الصورة وتنشيط الاقتصاد- أنظر إلى الزاوية التي فيها المرأة، الشكل الذي تبدو فيه، الحالة والتموضع، وأقول: ما ضرّ لو اقترب أكثر؟! لو مال من هذي الجهة؟! حكيت لهم عن معرض عبدالله الخان الذي نسقت له مع مؤسسة سلطان العويس في دبي عن الإمارات في أرشيف الخان، وكيف تمنيت لو أنّ الخان تحرّك في جهات مختلفة عند تصوير النساء في مجتمع صيادي السمك في الفجيرة بدلا من هذه الجهة الخجولة البعيدة عن وجوه النساء! لو.. لو... ليست قضية رغبة مصور في إطار ما، لكنّها حالة المؤَطّر، ولعلّ هذا ما يحدث عندما يكتب مصور عن مصوّر ويستعرض صوره التي مرّت عليها سنوات طويلة، مثل مغالبة للزمن وتمكين الأمنية!
سألت محمد الزبير عن ذلك، قال: «أصوّر بحرية تامّة إلا عندما تكون هناك امرأة في المشهد، تحضر الرقابة بقوّة، أتردد، أمتنع عن التصوير أو أمنح الكاميرا لامرأة معي، تلتقط الصورة بتوجيهاتي. وقد تكون المرأة في صوري - هي في الأساس- برفقتي؛ فأرتاح من تلك الرقابة» (يضحك). المصور عبدالله محمد الخان، روى لي مرارا: «رأيت نساءً في قرى البحرين يعملن في البحر، يخرجن بالسمك الوفير، لكنّي لم أقوَ مرّة على رفع كاميرتي! طالما تخيّلت أنّي سأكون ضحية تلك الصور». وعلى الرغم من انتشار التصوير اليوم وكثرة نشر الصور عبر مواقع التواصل وغيرها، إلّا أنّ الرقابة واضحة -خصوصا- في إخفاء الوجه، والعورة.
عُدنا للحديث عن كذب الصورة، لكن هذه المرّة عن عدد من المصورين الأجانب الذين زاروا المغرب العربي، مفتونين بالشرق المؤنث، أو منطلقين من أنثروبولوجيا استعماريّة، خدعوا نساء، صوروا أجسادهن شبه العارية، بحجة تصوير وشم صغير في الركبة أو حجج أخرى، أعدوا أماكن للتصوير ما يشبه الأستوديوهات، صوروهن، ثمّ نشروا صورهن على بطاقات بريدية على أنّها الحالة الحقيقيّة لنساء الشرق. كان الكذب في هذه الصور كثيرا.
ليلتها قال محمد الزبير، بعد أن تحدّث مطولا عن سيرته مع الوثائق العُمانية: «ليتنا سجّلنا هذا الحوار».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: محمد الزبیر
إقرأ أيضاً:
صلاة الحاجة .. اعرف حكمُها ووقتها وعدد ركعاتها وكيف تؤديها وما يقال فيها
ما صلاة الحاجَة وحكمُها وكيف نؤديها؟ سؤال ورد إلى دار الإفتاء المصرية.
حكم صلاة الحاجة
وقالت الإفتاء فى اجابتها عن السؤال: إن صلاة الحاجَة مستحبَّة، وتصلَّى ركْعَتَيْنِ يقرأ فيهما بالفاتحة وما تيسر، ثُمَّ يُثْني على اللَّه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يدعو بالدعاء الوارد في السنة.
ما يقال فى صلاة الحاجة
وأوضحت عبر صفحتها على فيس عن السؤال قائلة أن صلاة الحاجة هي ما تُصلَّى لقَضَاء الحاجة، وجمهور الفقهاء على أنَّها مستحبة، وتصلَّى ركْعَتَيْنِ يقرأ المصلي فيهما بفاتحة الكتاب وما تيسَّر بعدها، ثُمَّ يُعقِب ذلك بالثناء على الله تعالى والصلاة على النبي ﷺ، ثم يدعو الله بهذا الدعاء الوارد عن النبي ﷺ القائل فيه: «من كانت له إلى الله حاجة أو إلى أحدٍ من بني آدم؛ فليتوضَّأ وليُحسِن الوضوءَ ثم ليصلِّ ركعتين ثم ليثنِ على الله وليصلِّ على النبي ﷺ، ثمَّ ليقل لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل برِّ والسلامة من كل إثم، لا تدعْ لي ذنبًا إلا غفرته ولا همًّا إلا فرَّجته ولا حاجةً هي لك رضًا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين» (رواه الترمذي وابن ماجه)، فهذا الحديث نصٌّ على عدد ركعاتها، وكيفيتها، والدعاء الذي يُقال فيها.
عدد ركعات صلاة الحاجة
اختلف الفقهاء في عدد ركعات صلاة الحاجة، فذهب المالكية والحنابلة، وهو المشهور عند الشافعية، وقول عند الحنفية بأنها ركعتان، والمذهب عند الحنفية أنها: أربع ركعات.
دعاء صلاة الحاجة
دعاء صلاة الحاجة: يقول المصلي: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين».
كيفية صلاة الحاجة ودعائها
وردت كيفية صلاة الحاجة في سنة المصطفى – صلى الله عليه وسلم-؛ فقد روى ابن أبي أوفى أن رسول الله - عليه الصّلاة والسّلام - قال: «من كانت له حاجةٌ إلى اللهِ - تعالى – أو إلى أحدٍ من بني آدمَ؛ فَلْيَتَوَضَّأْ فَلْيُحْسِنِ الوُضوءَ، ثم لِيُصَلِّ ركعتينِ، ثم لِيُثْنِ على اللهِ، وَلْيُصَلِّ على النبيِّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -، ثم لِيَقُلْ : لا إله إلا اللهُ الحليمُ الكريمُ، سبحان اللهِ ربِّ العرشِ العظيمِ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، أسألُكَ مُوجِباتِ رَحْمَتِكَ، وعزائمَ مَغْفِرَتِكَ، والغنيمةَ من كلِّ بِرٍّ، والسلامةَ من كلِّ إِثْمٍ، والفوزَ بالجنةِ، والنجاةَ من النارِ، لا تَدَعْ لي ذَنْبًا إلا غَفَرْتَهُ، ولا هَمًّا إلا فَرَّجْتَهُ، ولا حاجةً هي لك رِضًى إلا قَضَيْتَها يا أرحمَ الراحِمِينَ».
وروى عثمان بن حنيف - رضي الله عنه-:« أنَّ رجلًا ضريرًا أتى النبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عليْهِ وعلى آلهِ وسلَّمَ - فقال: يا نبيَّ اللهِ ادعُ اللهَ أنْ يعافيَن،. فقال: إنْ شئْتَ أخرْتُ ذلك فهوَ أفضلُ لآخرتِكَ، وإنْ شئْتَ دعوْتُ لكَ قال: لا بلْ ادعُ اللهَ لي، فأمرَهُ أنْ يتوضأَ وأنْ يصليَ ركعتينِ وأنْ يدعوَ بهذا الدعاءِ: اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ وأتوجَّهُ إليكَ بنبيِّكَ محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عليْهِ وعلى آلهِ وسلَّمَ نبيِّ الرحمةِ، يا محمدُ إنِّي أتوجَّهُ بكَ إلى ربِّي في حاجَتي هذه فتَقضى، وتُشفعُني فيه وتشفعُهُ فيَّ. قال: فكان يقولُ هذا مرارًا، ثم قال بعدُ – أحسبُ أنَّ فيها: أنْ تُشفعَني فيه – قال: ففعلَ الرجلُ فبرأَ».
طريقة أداء صلاة الحاجة
ذُكر في السنة النبوية عدّة نُصوصٍ تدلُّ على كيفيّة صلاة الحاجة، والنّاظر في تلك النّصوص يجد أنّ صلاة الحاجة لها هيئتان هما:
1- أن يُصلّي ركعتين يُحسن فيهما بالقراءة والقيام، ويقرأ فيها آية الكرسي ثلاث مرّات، وقيل سبعًا، وفي الثّانية يقرأ الفاتحة وسورة الإخلاص، فإن انتهى من الصّلاة دعا بالدّعاء الوارد في الحديث، وهو أن يقول: « اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ وأتوجَّهُ إليكَ بنبيِّكَ محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عليْهِ وعلى آلهِ وسلَّمَ نبيِّ الرحمةِ، يا محمدُ إنِّي أتوجَّهُ بكَ إلى ربِّي في حاجَتي هذه فتَقضى، وتُشفعُني فيه وتشفعُهُ فيَّ».
2- وقيل بأنّ عدد ركعاتها أربعٌ يُصلّيهما كما سبق ويقرأ في الأولى آية الكرسي ثلاث مرّات، ويقرأ بباقي الرّكعات سورة الإخلاص والفلق والنّاس، وفي رواية أنّها اثنتا عشرة ركعةٍ بسلامٍ واحد، يقرأ في الأولى آية الكرسي، وباقي الرّكعات سورة الإخلاص، ثم يدعو بالدّعاء السّابق».
وقت صلاة الحاجة
صلاة الحاجة ليس لها وقتٌ مُحدّد، فيجوز أن يُصلِّيها المُسلم في أيّ وقتٍ من أوقات النّهار أو اللّيل، فإن أراد أن يطلب من الله المعونة، أو إن أهمَّه شيءٌ أو أصابه غمٌّ أو مرض سُنَّ له أن يتوجَّه إلى الله بصلاة الحاجة؛ ليسأل الله حاجته، ويدعوه ليكشف ما أصابه من ضرر.
والجواز مَحصورٌ بالأوقات التي تُباح فيها الصّلاة، ويجب أن يبتعد عن الأوقات التي تكون فيها الصَّلاة مكروهةً، فإنّ صلاة النّافلة تُكره في ثلاث أوقاتٍ، هي: ما بعد أداء صلاة الفجر حتّى طلوع الشّمس وارتفاعها بقدر رُمح - أي من وقت الانتهاء من صلاة الفجر إلى وقت صلاة الضّحى-، والفترة الثّانية هي وقت توسُّط الشّمس في السّماء وتُسمّى بفترة الزّوال وتستمرّ الكراهة حتّى صلاة الظّهر، وتكون الفترة الثّالثة بعد الانتهاء من صلاة العصر إلى غروب الشّمس -أي من صلاة العصر إلى صلاة المغرب-، أمّا في غير تلك الأوقات فلا كراهة في صلاة الحاجة.
فضل صلاة الحاجة
ورد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى الأَسْلَمِيِّ قَالَ : " خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ َلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى اللَّهِ أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ لِيَقُلْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ أَسْأَلُكَ أَلا تَدَعَ لِي ذَنْبًا إِلا غَفَرْتَهُ وَلا هَمًّا إِلا فَرَّجْتَهُ وَلا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلا قَضَيْتَهَا لِي ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مَا شَاءَ فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ " رواه ابن ماجة.