لجريدة عمان:
2025-10-15@11:25:40 GMT

التطوير العقاري .. بين الاستثمار وأنسنة المدن

تاريخ النشر: 15th, October 2025 GMT

التطوير العقاري .. بين الاستثمار وأنسنة المدن

محمد بن أحمد الشيزاوي -

اطلعت قبل أيام على عدد كبير من فرص الاستثمار في القطاع العقاري في ثلاث محافظات: مسقط وظفار وجنوب الباطنة، ولعل أبرز ما لفت نظري هو أن فرص الاستثمار في القطاع العقاري لا تزال واعدة سواء للمستثمرين في مجال شراء وبيع الأراضي والوحدات السكنية والتجارية أو في مجال التطوير العقاري من خلال تأسيس الشركات التي تقوم بتشييد مجمعات سكنية أو تجارية وتعرض وحداتها للبيع إلى الجمهور.

هناك كمّ هائل من المعروض، وهناك أراض سكنية جديدة يتم استحداثها بين ولايتي السيب وبركاء على وجه الخصوص بعد تحويل المزارع إلى أراض سكنية، أو تقسيم الأراضي الزراعية الكبيرة إلى مساحات أصغر تستوعب وحدة سكنية مع مواقع مهيأة للزراعة بما يهيئ هذه الأراضي لتكون استراحات أو تركها للمستقبل، وفي قطاع التطوير العقاري يتم بشكل دائم الإعلان عن مشروعات جديدة؛ في القطاعين السكني والتجاري وقطاع المكاتب، وقد شهدت السنوات الأخيرة مزيدا من التركيز على التصاميم والأشكال الهندسية الجذابة والخدمات والمرافق التي يقدمها المطورون العقاريون.

بين هذا كله؛ قال لي أحد المختصين في القطاع العقاري: إن المهم عند شراء أي وحدة من المطورين العقاريين أن ترى إمكانيات هذا المطور وقدراته ونوعية المواد التي يختارها، بعض المطورين حققوا خلال السنوات الماضية سمعة جيدة وأضافوا قيمةً إلى العقارات التي قاموا بتشييدها، والبعض الآخر على العكس من ذلك وابتُلِيَ المشترون بهم.

وفي حقيقة الأمر يبدو أن قطاع التطوير العقاري بدأ يحظى بمزيد من الاهتمام بعد إطلاق مدينة السلطان هيثم والمدن والأحياء المستقبلية في محافظة مسقط والمحافظات الأخرى، كما أن تشييد مدينة السلطان هيثم عند مدخل محافظة مسقط وبالقرب من ولاية بركاء منحَ قيمة معنوية واقتصادية للعديد من الأراضي بمحافظة جنوب الباطنة وأسهم في تسليط الضوء على «مسقط الكبرى» التي تضم أجزاء من ولاية بركاء. ومع التسهيلات المقدمة والتشريعات المنظمة أصبحت هناك فرص استثمارية جديدة في القطاع العقاري لا تقتصر فقط على مجالات بيع وشراء الأراضي كما كان سابقا وإنما بدأنا نشهد صعودا لافتا وحريا بالاهتمام في التطوير العقاري ومجالات الخدمات المساندة المرتبطة به.

يعد قطاع التطوير العقاري واحدا من القطاعات التي تحقق أدوارا اقتصادية عديدة ومتنوعة، فمن جهة تُسهم مشروعات التطوير العقاري في توفير فرص مشجعة لرؤوس الأموال المحلية، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، كما تُسهم في تعزيز فرص العمل، وتعمل في الوقت نفسه على تنشيط عدد من القطاعات الاقتصادية الأخرى كصناعات الإسمنت والحديد وأعمال البناء والتشييد والاستشارات الهندسية والخدمات المساندة الأخرى، ونتوقع أن تشهد السنوات المقبلة مزيدا من التدفق الاستثماري على هذا القطاع وارتفاع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي.

وعلى الرغم من الأهمية الاقتصادية لمشروعات التطوير العقاري هناك أدوارٌ أخرى للتطوير العقاري لا تقل في أهميتها عن الأدوار السابقة تتعلق بـ«أنسنة المدن وتنمية المجتمعات»، وقد شهدت السنوات الأخيرة مزيدا من التركيز على التطوير العقاري ليس بصفته مجالا استثماريا فقط وإنما أيضا أداة استراتيجية يمكن من خلالها إعادة تشكيل المدن وجعلها أكثر «إنسانية» وقدرة على استيعاب احتياجات السكان وتطلعاتهم، وهذا ناتج للعديد من الأسباب لعل في مقدمتها: النمو العمراني السريع في العواصم والمدن الرئيسية، وازدياد الأعباء اليومية للعاملين في القطاعات الاقتصادية المختلفة، والازدحام المروري على مختلف الطرق، وهو ما يجعل المرء يفكر أكثر من مرة قبل أن يغادر مسكنه إلى وجهة أخرى غير العمل، ولهذا ازدادت أهمية مشروعات التطوير العقاري وفي الوقت نفسه ارتفعت تطلعات السكان الذين أصبحوا يركزون على المشروعات التي تتضمن خدمات ومرافق متنوعة بما في ذلك: الحدائق، والمساحات الخضراء، والساحات العامة، والملاعب، والممرات الآمنة للمشي، والأسواق، والمطاعم والمقاهي في أجواء مثالية ومريحة بعيدا عن العمارات الشاهقة والمجمعات المغلقة التي ترفع من الضغوطات اليومية وتزيد من عزلة الأفراد، وهذا يعني أن مشروعات التطوير العقاري أصبحت اليوم تهتم بمعايير الاستدامة من خلال التركيز على الجانب البيئي، ولهذا فإن مشروعات التطوير العقاري التي تركز على البُعد البيئي أصبحت تحظى باهتمام أكبر من قبل المستهلكين، ومع التطورات السريعة في هذا القطاع والتأثيرات البيئية لمشروعات التشييد والإنشاءات أصبحت الجهات الحكومية المنظمة لقطاع التطوير العقاري تتشدد في سياساتها بحيث لا يمكن القبول بمدن وأحياء تعاني من التلوث أو الاختناقات المرورية أو تتجاهل الحدائق وملاعب الأطفال وممرات المشي والمساحات الخضراء، وهو ما جعل مشروعات التطوير العقاري في العديد من الدول تركز على البناء الأخضر واعتماد أنظمة لتوفير الطاقة وعدم هدر المياه بما يضمن تقليل الآثار البيئية في هذه المدن التي يتم تشييدها بشكل يضمن وجود فضاءات مفتوحة ومناطق ترفيهية تقلل من الضغوط النفسية وتوفر أجواء مثالية للأطفال وكبار السن وجميع سكان الحي.

ولهذه الأسباب نجد أن مشروعات التطوير العقاري الناجحة تتمتع بالعديد من المزايا التي «تحترم» حق المرء في الحركة والمشي والتفاعل مع ما حوله، وتوفر له الراحة، وسط العديد من الخدمات والتسهيلات، وتعد المزايا التي تتمتع بها مشروعات التطوير العقاري عاملا حاسما في اختيارات المشترين والمستأجرين، وبهذا تتجاوز أهداف مشروعات التطوير العقاري مجرد توفير مساكن أو تشييد بنايات شاهقة وإنما تمكين المواطنين من الحصول على مساكن تلبي تطلعاتهم واحتياجاتهم.

وفي ظل ازدهار مشروعات التطوير العقاري اتجه العديد من المطورين إلى إحياء المدن القديمة وإعادة تأهيليها لتصبح مدنا نابضة بالحياة مع المحافظة على هويتها وتاريخها، وهو ما يُسهم في تعزيز الانتماء والثقافة والهوية الوطنية التي تعد إحدى أولويات «رؤية عُمان 2040»، ويمكننا اعتبار حارة العقر بولاية نزوى أحد المشروعات الناجحة في هذا الإطار، وقد أسهمت خطة التطوير في تحويل حارة العقر إلى وجهة سياحية وتجارية ناجحة ونموذج رائد لمشروعات إحياء المدن القديمة وإعادة تأهيلها، وهي اليوم أحد المزارات الرئيسية للسياح الذين يقصدون ولاية نزوى.

وبالإضافة إلى دورها الاستثماريّ، والحَضَري، واهتمامها بالتاريخ والتراث والهوية الوطنية فإن مشروعات التطوير العقاري تؤدي العديد من الأدوار المهمة في المجتمع، وتُسهم في توفير حلول إسكانية تراعي تطلعات العديد من فئات المجتمع من خلال الفيلل المستقلة أو المتصلة أو الفيلل التوأم وكذلك من خلال الشقق السكنية المتنوعة وبمساحات مختلفة وبالتالي فإن هذه المشروعات من شأنها تمكين مختلف أفراد المجتمع من الحصول على المسكن الذي يلبي رغباتهم ويحقق تطلعاتهم.

ومع الأهمية التي تحظى بها مشروعات التطوير العقاري في سلطنة عُمان فإننا نرى ضرورة أن تنعكس الاستثمارات التي يتم ضخها في هذه المشروعات على أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكما يعلم الجميع فإن استثمارات مشروعات التطوير العقاري لا تقتصر فقط على الشركات المطورة وإنما تشمل أيضا ملاك الوحدات، ولهذا فإنه من المهم أن تنعكس هذه الاستثمارات على المجتمع وأن تُسهم في رفد قطاع التشغيل وتوفير فرص العمل المناسبة للشباب العُماني، كما أنه من الضروري أن تتجه شركات التطوير العقاري إلى الصناعات المحلية وليس إلى الاستيراد من الخارج، وألا تبالغ في أسعار بيع الوحدات السكنية على وجه الخصوص، وأن تدفع الأنشطة التجارية المحلية إلى النمو بما يعزز الطلب المحلي، وهو ما يحقق الأهداف الحكومية والمجتمعية من إنشاء مشروعات التطوير العقاري.

إن التطوير العقاري ليس مجرد إنشاء مبانٍ جديدة أو استثمار في الأراضي، بل يمكننا اعتباره أداة مهمة في تنمية المجتمعات وتأسيس مدن تنبض بالحياة وتلبي احتياجات السكان وتحقق التوازن بين التنمية الاقتصادية والرفاه الاجتماعي وتلبي معايير المدن الذكية والاستدامة البيئية.

محمد بن أحمد الشيزاوي كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مشروعات التطویر العقاری قطاع التطویر العقاری فی القطاع العقاری العقاری فی العقاری لا العدید من من خلال سهم فی وهو ما

إقرأ أيضاً:

وزير الاستثمار يبحث مع مجموعة ماريوت الدولية بواشنطن التوسع في السياحة الفتدقية

عقد المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، اجتماعًا موسعًا في العاصمة واشنطن مع كبار التنفيذيين في مجموعة ماريوت العالمية، وذلك في إطار زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

مصر وتركيا تبحثان فرص توسع الاستثمار في قطاع الملابس والمنسوجاتالمشاط تبحث تعزيز العلاقات المشتركة مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية وصندوق الودائع والقروض الإيطالي CDP

ضم الاجتماع كلا من فيث مايرز كولفن، نائب رئيس المجموعة للشؤون العامة والسياسات الدولية، وتيموثي غريشيوس، المسؤول العالمي لتطوير الأعمال والعقارات، وجينيفر ميسون، المسؤول العالمي للخزانة وإدارة المخاطر، وذلك لبحث فرص التوسع في استثمارات المجموعة في مصر، وتعزيز التعاون في مجالات السياحة والفندقة، ومناقشة خطط الشركة لتطوير مشروعات جديدة في عدد من المدن السياحية المصري

وأكد الوزير خلال الاجتماع أن قطاع السياحة والفندقة يعد من أبرز محركات النمو الاقتصادي ضمن رؤية مصر للتنمية المستدامة 2030، والتي تستهدف جذب 30 مليون سائح سنويًا خلال السنوات القادمة.

 الطاقة الفندقية

وأوضح الخطيب أن الحكومة تعمل على مضاعفة الطاقة الفندقية القائمة من خلال تشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية، وإتاحة فرص متنوعة في مشروعات المدن الجديدة مثل العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين الجديدة والساحل الشمالي، إلى جانب المناطق السياحية الواعدة على ساحل البحر الأحمر مثل الغردقة والعين السخنة.

وأشار الوزير إلى أن الدولة ترحب بمشاركة كبرى الشركات العالمية في تطوير الفنادق والمشروعات السياحية، مؤكدًا أن مصر تمثل مركزًا إقليميًا استراتيجيًا يربط بين الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، وتتمتع ببنية تحتية قوية ومناخ استثماري مستقر يدعم خطط التوسع العالمي لمجموعة ماريوت.

واستعرض الخطيب فرص التعاون مع مؤسسات استثمارية محلية ودولية لتطوير مشروعات فندقية جديدة وإعادة توظيف مواقع متميزة ذات طابع تاريخي، بما يسهم في تسريع معدلات التنفيذ وتعظيم القيمة الاقتصادية والسياحية لهذه المشروعات، مؤكدًا أن هذه الجهود تعكس رؤية الحكومة لتحويل الأصول المتميزة إلى محركات جذب استثماري وسياحي مستدام يدعم الاقتصاد الوطني.

كما أشار إلى النجاح الذي حققته مشروعات "ماريوت ريزيدنسز" في مصر، مؤكدًا حرص الحكومة على دعم توسع هذا النوع من المشروعات السكنية الفندقية التي تجذب المستثمرين الأجانب وتوفر تدفقات مالية مستقرة.

وتطرق الوزير إلى الجهود الحكومية المستمرة لتبسيط إجراءات الاستثمار وتسهيل تراخيص المشروعات عبر منصة رقمية موحدة، وتقديم حوافز ضريبية وغير ضريبية للمشروعات الكبرى في قطاعات السياحة والعقارات والخدمات.

وأكد الخطيب أن الدولة ملتزمة بتعزيز دور القطاع الخاص وتحقيق مبدأ الحياد التنافسي، إلى جانب الاستمرار في تطوير الأطر القانونية والتشريعية التي تضمن سهولة ممارسة الأعمال وحماية الاستثمارات الأجنبية، مع تعزيز الشفافية من خلال النظم الرقمية المتكاملة.

ومن جانبها، أشادت فيث مايرز كولفن بالبيئة الاستثمارية في مصر وبالجهود الحكومية الرامية إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي، مؤكدة اهتمام ماريوت بالتوسع في السوق المصرية باعتبارها محورًا رئيسيًا في استراتيجية المجموعة بالمنطقة.

واضافت ان المجموعة حاليا تدير حاليًا ١٨ فندقًا ومنشأة فندقية ويوجد عقود لإضافة ٢٣ فندقًا ومنشأتين فندقيتين جدد 

كما أعرب تيموثي غريشيوس عن تقديره للتطور السريع في قطاعي السياحة والعقارات في مصر، مشيرًا إلى أن ماريوت تتطلع لزيادة استثماراتها من خلال مشروعات فندقية وسكنية جديدة في العاصمة الإدارية والعلمين والساحل الشمالي، بينما أكدت السيدة جينيفر ميسون استعداد المجموعة لتعزيز التعاون المالي والاستثماري في المرحلة المقبلة.

واختتم الاجتماع بالتأكيد على أهمية استمرار التواصل بين وزارة الاستثمار ومجموعة ماريوت العالمية لمتابعة تنفيذ المشروعات المقترحة وتوسيع مجالات التعاون، بما يعزز مكانة مصر كوجهة سياحية واستثمارية رائدة في المنطقة.
 

طباعة شارك الاستثمار التجارة الخارجية ماريوت السياحة

مقالات مشابهة

  • العيسائي لـ«عمان الاقتصادي»: مشاريع المدن المستقبلية تدفع السوق نحو مرحلة جديدة
  • وزير الاستثمار يعرض في واشنطن الإصلاحات الاقتصادية وفرص مصر الواعدة أمام كبرى الشركات العالمية
  • عضو غرفة التطوير العقاري: الدولة تمضي بثبات نحو تحقيق رؤية مصر 2030 بدعم من القطاع الخاص
  • وزير الاستثمار: السياحة والفندقة من أبرز محركات النمو الاقتصادي ضمن رؤية مصر 2030
  • وزير الاستثمار يبحث مع مجموعة ماريوت الدولية بواشنطن التوسع في السياحة الفتدقية
  • قائمة الخطيب: الاستثمار وتعزيز الموارد طريق الأهلي نحو العالمية
  • أمير الشرقية يستقبل منسوبي "مدن" ويشيد بدورها في تنمية القطاع
  • «أبوظبي العقاري» يطلق رحلة رقمية متكاملة للبيع والشراء
  • نواب البرلمان يؤكدون: مشروعات الطاقة المتجددة ركيزة أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية