يتمادى الكيان الصهيوني في الاستخفاف بالمجتمع الدولي ويحاول سحب الجميع معه إلى مساحة تمنحه قدرة أكبر على المناورة أكثر بالوقت، ويتماهى المارق الأمريكي مع هذه النوايا، فيذهب لتوجيه المفاوضات وفق بوصلة المتطرفين الصهاينة، وفي جولات المفاوضات الأخيرة شهدنا كيف تراجع بايدن عن مقترح قدمه وجرى التوافق عليه، إلا أن الكيان عاد ووضع شروطا جديده ليتراجع المقترح إلى مستوى رغبات المدلل الصهيوني.
واليوم، يصعّد العدو من عدوانه على الضفة، من جهة، في محاولة- كما هو واضح- لترميم ما أصاب أكذوبة هيبته من تصدع في غزة، ومن جهة أخرى لقصد مكشوف وواضح هو التلاعب بالوقت في انتظار وصول الصهيوني غير المتزن ترامب إلى البيت الأبيض بأجندته الجديدة لمستقبل الكيان من توسيع لجغرافيته وترسيخ لوجوده على حساب الفلسطينيين وحتى العرب، لذلك يواصل العدو عمليات الاغتيال لرجال المقاومة بالتزامن مع استمرار المجازر بحق المدنيين في غزة.
وخلال الأسابيع الماضية شهدنا تمادي العدو إلى العربدة في الحديدة وبيروت وطهران، ظنا منه أن هذه التجاوزات يمكن أن تربك محور المقاومة وتُبقي قوة الردع بيده، إلا أن النتيجة جاءت صاعقة له وللأمريكان والأوروبيين الداعمين له، إذ بات اليوم محاصَراً بحزام من نار، قوامة دول المقاومة: اليمن، لبنان، العرق، إيران، وسوريا، إضافة إلى غزة والضفة، ومن يدري ربما الداخل أو أراضي الـ 48، أيضا تنتفض في لحظة غير محسوبة، ولعل الضربات التي بدأت تدك أهدافا في قلب ما تسمى تل ابيب ما هي إلا تاكيد على عدمية الجدوى لما ارتكبته العصابة الإسرائيلية بمظلة أمريكية في لبنان واليمن وايران من هجمات، عبرت بها عن يأس ولم تستعد هيبة الردع، وهذا تحديدا ما يقلق أمريكا والحركة الصهيونية كثيرا، ففي لبنان اغتالت القائد فؤاد شكر، لكن قوة حزب الله استمرت بعنفوانها، وفي إيران اغتالت القائد إسماعيل هنية فخَلَفَه مُرعب الصهاينة القائد يحيى السنوار ، أما في الحديدة فكان مظهر اليأس الصهيوني أوضح، حين استهدفت العصابة الصهيونية، بنية تحتية لا علاقة لها بالمعركة.
وفي سياق ما هو في الانتظار، نجح حزب الله في تقديم نموذج بسيط لما صار يحاصر الكيان المحتل من مخاطر وجودية من خلال عملية (يوم الأربعين)، ولا يزال في جعبة (حزام النار) الكثير، من اليمن والعراق وايران، ليس فقط على مستوى الرد على تهور الكيان وتجاوزه الخطوط الحمراء وإنما على صعيد التعامل معه باعتباره عدواً يحتل أراضي عربية.
وبطبيعة الحال تتجه الأنظار اليوم إلى رد صنعاء وطهران، على أن أمريكا تحسب بشكل ملحوظ للفعل اليمني وتتخوف من الجرأة المعهودة لليمنيين خلال ردهم، ولأجل ذلك ربما كثّفت خلال الأسابيع القليلة الماضية، تأكيد التزامها بالدفاع عن الكيان، من باب الترهيب، خاصة إذا ما أوجعته الضربات الانتقامية، أو إذا لم تراع هذه الضربات ما يعتبره البيت الأبيض بالنيابة عن الكيان خطوطا حمراء.
ما يتخوف منه الأمريكي حسمه السيد القائد في كلمته الخميس الماضي، حين جدد التأكيد بألا سقف سياسي ولا اعتبارات أخرى يمكن أن تحد من مستوى عمليات المساندة لغزة، أو مستوى الرد على قصف الحديدة، وجاء الطرح بلا أدنى شك موضوعيا وواقعيا إلى أبعد درجة في الشكل والمضمون، وقزّم محاذير أمريكا الفجّة، فالكيان الصهيوني تجاوز كل الأعراف والقوانين والثوابت العالمية، حين تخطى كل الخطوط الحمراء فقصف الأعيان المدنية في الحديدة، وانتهك الأراضي اللبنانية وذهب لاغتيال جبان بحق القائد فؤاد شكر، وتعامل باعتباره فوق كل القوانين واغتال القائد اسماعيل هنية في ظرف هو من الخطوط الحمراء، حسب الأعراف الدولية أثناء تنصيب بزشكيان رئيسا للجمهورية الايرانية.
لأجل ذلك يبدو طبيعيا أن ترفع المقاومة سقف استهدافها للعدو، وان تضرب بما تحدده أمريكا لشكل الرد وحدوده عرض الحائط، فالعين بالعين والسن بالسن، وهذا هو قانون الحياة والحكم العدل، ولا يعقل أن يتاح للقطيع الصهيوني أن يضرب أين ما يشاء كيف ما شاء ومتى ما شاء، ثم نطالب الضحية بالتروي، أو نلوح له بالخطوط الحمراء.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
كيف تضع العمليات اليمنية العدو الصهيوني بين فكي كماشة وتمنح المقاومة الفلسطينية فرصة الانتصار؟
يمانيون | تحليل
في خضم حرب الإبادة التي يشنها كيان الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة، تتجلى أهمية الدور اليمني المحوري في تغيير قواعد الاشتباك، وتحويل مسار المعركة من محيط غزة إلى عمق كيان العدو ومفاصله الاقتصادية والعسكرية. ومع اتساع رقعة العمليات اليمنية المساندة للمقاومة الفلسطينية، تظهر بوضوح الفوائد الاستراتيجية المباشرة وغير المباشرة التي تجنيها قوى المقاومة في غزة من هذا الدعم المتعدد الأبعاد، وبالأخص من العمليات العسكرية النوعية التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية.
إن أكثر ما يربك العدو اليوم هو أن الصواريخ والطائرات اليمنية لا تنطلق من حدود فلسطين، ولا يمكن حصارها ضمن جغرافيا المعركة، بل تأتي من آلاف الكيلومترات، لتحلق فوق منظومات الدفاع الجوي الأمريكية والصهيونية، وتصل إلى مطارات الاحتلال، وموانئه، وقواعده الجوية، ومراكزه الاقتصادية في العمق المحتل. هذا التطور الميداني لا يربك العدو فحسب، بل يشتت حساباته ويكسر تفرّغه لحسم المعركة في غزة.
وبحسب الخبير العسكري اليمني العميد مجيب شمسان، فإن العلاقة بين العمليات اليمنية وبين الواقع الميداني والإنساني في غزة باتت علاقة تكامل استراتيجية، حيث كل تصعيد صهيوني يقابله ردع يمني، وكل خطوة عنصرية على الأرض في غزة، تترجم إلى تصعيد بحري أو جوي أو صاروخي من صنعاء.
منع التهجير وكسر أهداف الحرب
من أبرز الفوائد التي جنتها المقاومة الفلسطينية من الموقف اليمني المساند، هو إفشال مخطط التهجير الجماعي للفلسطينيين من قطاع غزة، وهو المخطط الذي كان نتنياهو يعوّل عليه لتحقيق نصر استراتيجي يعيد به التوازن السياسي الداخلي لكيانه المهتز. لكن مع وجود تهديد حقيقي على منشآت العدو الحيوية، أصبح تنفيذ هذا المخطط محفوفًا بتكلفة باهظة، بل وغير ممكن في ظل انكشاف الجبهة الداخلية لكيان الاحتلال.
ويذهب العميد شمسان إلى القول بأن الصواريخ اليمنية حين تضرب ميناء إيلات أو مطار اللد أو ميناء حيفا، فهي لا تُلحق الضرر بالبنية التحتية فحسب، بل تحرم العدو من فرصة تنفيذ أجندته في غزة بأقل كلفة ممكنة، لأن كل تصعيد في القطاع يُقابله تصعيدٌ أشدّ على جبهة البحر الأحمر أو البحر المتوسط أو حتى في الموانئ المحتلة.
توسيع الجبهة.. وإرباك الحسابات
أحد أبرز أوجه الدعم اليمني للمقاومة هو توسيع رقعة المعركة، وتحويلها من صراع محصور في حدود غزة إلى حرب إقليمية متعددة الجبهات. هذا التوسيع أربك الحسابات الصهيونية والأمريكية، ومنع العدو من إحكام الطوق الكامل على القطاع. بل إن العدو بات يواجه معركة استنزاف تتوزع بين البحر الأحمر، والضفة الغربية، وجنوب لبنان، وسوريا، والعراق، والآن اليمن.
أبو عبيدة، الناطق العسكري باسم كتائب القسام، لم يُخفِ أهمية هذا الدعم، واعتبر أن “إخوان الصدق في اليمن” يصرّون على شلّ قلب الكيان الصهيوني، رغم الثمن الباهظ الذي يدفعه اليمن من دماء أبنائه ومن مقدراته. هذا الاعتراف يعكس مدى التقدير الذي توليه المقاومة للفعل اليمني، بوصفه رافعةً استراتيجية تمنحها هامشًا أكبر للمناورة والمقاومة والصمود.
شلل اقتصادي وتفكك داخلي
العمليات اليمنية لا تنحصر في البعد العسكري فقط، بل إن لها أثرًا اقتصاديًا ساحقًا على الكيان، وهو ما يصبّ مباشرة في مصلحة المقاومة الفلسطينية. فمع كل تهديد جديد تطلقه القوات المسلحة اليمنية ضد ميناء أو سفينة صهيونية، ترتفع أسعار التأمين، وتتعطل سلاسل الإمداد، وتتهاوى مؤشرات الثقة بالاقتصاد الصهيوني.
وقد أكدت تقارير إعلامية عبرية متخصصة أن القطاع الصناعي الصهيوني بات يتلقى ضربات مباشرة جراء الحصار الجوي والبحري المفروض من صنعاء، وأن موانئ مثل حيفا باتت مهددة بفقدان مكانتها كمراكز لوجستية رئيسية في المنطقة، بسبب الاستجابة المتزايدة من شركات الشحن العالمية للتحذيرات اليمنية.
رسائل مركّبة من صنعاء: دعم لا مشروط… وتهديد مفتوح
الرسالة التي ترسلها صنعاء للعالم هي أن دعم فلسطين لا يقتصر على الشعارات، بل على الفعل، وأن كلّ من يظن أنه يمكنه سحق غزة دون أن يدفع الثمن، مخطئٌ في الحسابات. لقد أصبحت المقاومة في غزة أكثر ثقة بقدرتها على الصمود، ليس فقط بفضل قدراتها الذاتية، بل بفضل توافر جبهة إقليمية حقيقية تحوّل الدعم النظري إلى نيران مشتعلة في قلب الكيان.
وفي حين تواصل الولايات المتحدة تغذية آلة الحرب الصهيونية بالسلاح والغطاء السياسي، فإن اليمن يرد على هذا التواطؤ بضرب حاملات الطائرات الأمريكية، وإخراج السفن الصهيونية من البحر، وفرض معادلات جديدة في البحر الأحمر، حيث باتت القوة اليمنية تمثل حاجز الردع الأكثر تأثيرًا على الطموحات العدوانية للصهاينة في الإقليم.
ولا شك أن العمليات اليمنية غيّرت موازين الصراع، وأثبتت أن دعم فلسطين لا يعني فقط إرسال المساعدات، بل فتح الجبهات وربط الساحات وضرب العدو حيث لا يتوقع. ومن دون هذا الدعم، لكانت غزة أمام مجازر أشد، ولربما نجح العدو في تمرير أجندته القذرة.
لكن ما دامت صنعاء على عهدها، تقصف وتمنع وتردع، فإن المقاومة ستبقى صامدة، وستنتقل من مرحلة الدفاع إلى معادلة الردع، وربما ما هو أبعد.