تولى الولايات المتحدة اهتماما كبيرا باستطلاعات الرأى ودراسة الحالة بشأن الكثير من القضايا والأحداث سواء فى الداخل الأمريكى أو حتى القضايا الخارجية التى تؤثر بشكل مباشر أوغير مباشر على الولايات المتحدة, ولديها العديد من المؤسسات الدولية المتخصصة الموثوقة فى هذا الشأن.
دفعنى الفضول لأعرف أين تقف استطلاعات الرأى الأمريكية من الحرب الدائرة فى غزة منذ 11 شهرا, أو بمعنى أدق لماذا تتبنى الولايات المتحدة دائما السردية الإسرائيلية وتساندها بكل قوة ودعم, كانت الإجابات لا أقول صادمة ولكن كاشفة, لعل أبرزها أن شعبية إسرائيل داخل الولايات المتحدة تزيد على شعبية الرئيس الأمريكى جو بايدن شخصيا!!
فلنتأمل مثلا ما كشفت عنه استطلاعات للرأى تجريها مؤسسة جالوب الأمريكية بصورة دورية منذ 1975 تقول إن شعبية إسرائيل تزيد على شعبية الرؤساء الأمريكيين, وأظهر استطلاع أجرته المؤسسة خلال الفترة من (3 إلى 18) فبراير الماضى أن شعبية إسرائيل تبلغ 75%، وهى ثانى أعلى نسبة بعد نسبة 79% المسجلة فى عام 1991 بعد حرب الخليج.
إن مصدر القوة الكبيرة للمنظمة الصهيونية الأمريكية هو تعدد وتنوع اتصالاتها، ومعرفتها الدقيقة بأولئك الذين يتحكمون فى الموارد البشرية التى يستطيعون الاعتماد عليها داخل الولايات المتحدة, ومن هنا نستطيع الإجابة لماذا لم تنتهِ هذه الحرب فى غزة حتى الآن؟ ولماذا يكرر الساسة الأمريكيون فى اجتماعاتهم مع قادة اليهود الأمريكان داخل اللوبى الصهيونى المسيطر فى أمريكا أنهم لن يفرضوا حلا للصراع، ولن يقدموا على فرض حل على الإسرائيليين أو الفلسطينيين، ويؤكدون فقط أن دورهم يتمثل فى عرض خطوط عريضة للتفاوض بين الطرفين.
منذ الأيام الأولى لنشأة الكيان الصهيونى، حرص قادة الكيان, على إقامة علاقات خاصة مع الولايات المتحدة ودعم سياسة العداء والتآمر ضد المصالح الوطنية للدول العربية وهذا الدور خططت له الصهيونية قبل قيام إسرائيل ونذكر هنا النداء الذى وجهه يهود أمريكا إلى الرئيس هارى ترومان فى أكتوبر ١٩٤٧ وقالوا نصا: «إن الولايات المتحدة لا يمكنها الاعتماد فى الأيام القادمة على حليف حازم، خير من دولة يهودية فى ذلك الجزء من العالم».
اعتبرت الولايات المتحدة إسرائيل نقطة انطلاق أمريكية فى الشرق الأوسط، ولعل هذا يفسر لنا الجملة الشهيرة للرئيس بايدن التى قالها عام 1986 عندما كان عضوا فى مجلس الشيوخ «إذا نظرنا إلى الشرق الأوسط، لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان على أمريكا خلق إسرائيل لحماية مصالحها فى المنطقة».
على مدار عشرة أشهر جاء الساسة الأمريكان وعلى رأسهم الرئيس بايدن إلى المنطقة رافعين شعار التفاوض والحل, لكن كلنا يذكر فى الزيارة الأولى لبايدن ووزير خارجيته أنتونى بلينكن لإسرائيل قال كل منهما: «لقد جئت إلى هنا كيهودى صهيونى»!! وكأن لسان حالهما جئنا هنا لتنفيذ مطالب إسرائيل أولا وما يتبقى هو ما سنتفاوض عليه!!
ليس خافيا أن معظم الإدارات الأمريكية المتعاقبة تضمنت شخصيات صهيونية مؤثرة وهذا يفسر لنا تشابك الدور الذى تلعبه إسرائيل مع خطط السياسة الخارجية للولايات المتحدة, حيث إن مصير إسرائيل مرتبط باستراتيجية الولايات المتحدة، التى تريد أن تظل إسرائيل مسمار حجا فى الشرق الأوسط من وجهة نظر براجماتية بحتة بغض النظر عن الرؤية التاريخية الدينية, فعلى سبيل المثال لا الحصر ضمت إدارة الرئيس الديمقراطى ليندون جونسون فى الستينيات اثنين من أبرز اقطاب الصهيونية الكبار هما «والت روستو» العقل الاقتصادى الكبير الذى شغل منصب مستشار الرئيس للأمن القومى، وآرثر جولدبيرج الممثل الدائم للولايات المتحدة فى الأمم المتحدة وهو صهيونى متطرف لم يخفِ أبدا انحيازه المطلق لإسرائيل, ولعب دورا خبيثا فى مجلس الأمن خلال حرب يونيو ١٩٦٧ بمشاركته مع وزير خارجية بريطانيا لورد كارادون فى تمرير القرار ٢٤٢ بصيغته الملتوية الخبيثة التى تضاربت بشأنها التفسيرات، وكان دائم التحريض لاسرائيل بعدم الانسحاب وتمكينها من البقاء فى الاراضى العربية التى احتلتها عام 1967 وأن تضع أمنها فوق كل اعتبار.
فى ادارة الرئيس الجمهورى ربتشارد نيكسون عام ١٩٦٩، برز الثعلب هنرى كيسنجر الألمانى الناجى مع أسرته من المحرقة النازية فى الثلاثينيات, يهودى صهيونى جمع بين منصب مستشار الرئيس للأمن القومى ووزير خارجيته، منذ عام ١٩٧٣ فى سابقة لم تحدث من قبل، كان نفوذه مطلقا وبلا حدود، أمسك كل الخيوط بيده وكان وراء كل ما جرى فى الشرق الاوسط من تحولات سياسية واستراتيجية جذرية شاملة وتحديدا منذ حرب اكتوبر ١٩٧٣.. كان كيسنجر محامى اسرائيل فى كل المباحثات والاتصالات مع الرئيس السادات فى مرحلة ما بعد حرب 1973 وفض الاشتباك.. وكان دائم التنسيق والتشاور مع رئيسة وزراء اسرائيل جولدا مائير وكانت موافقتها المسبقة شرطا اساسيا قبل أن يتقدم بأى طلب أو اقتراح للسادات وبخاصة حول شروط عملية فض الاشتباك بين القوات فى سيناء.. وهو لم يكن يتفاوض هنا بصفته وزيرا لخارجية الولايات المتحدة ومستشارها للأمن القومى وانما كيهودى صهيونى عاشق لإسرائيل.
أخيرا مازلت أكرر إذا رغبت الولايات المتحدة في إنهاء حرب عزة فى يوم وليلة لفعلت والقرار بيدها, لكن ثمة توازنات كثيرة تضعها فى الاعتبار وعلى رأسها مصلحة إسرائيل وموقع الأخيرة داخل الولايات المتحدة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: يا خبر الولايات المتحدة المؤسسات الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
هآرتس: الطبقة السياسية في إسرائيل تسير خلف نتنياهو نحو الهاوية
في مقال نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، شبّه الكاتب عودة بشارات الطبقة السياسية في إسرائيل بقطيع يسوقه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نحو الهاوية، في إشارة إلى غياب القيادة الواعية وحالة الانقياد الجماعي الأعمى في الساحة السياسية.
وقال الكاتب إنه شاهد على الشبكة مقطع فيديو متداولا يُظهر راعي أغنام عراقي يقود قطيعه نحو النهر ثم يقفز في الماء فيتبعه الكلب، ثم تقفز الأغنام الواحدة تلو الأخرى، بترتيب مثالي.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كاتب إسرائيلي: تجويع غزة لا يمكن تبريره للعالمlist 2 of 2صحيفة بريطانية: غزة مشرحة مفتوحة ورائحة الموت تزكم الأنوف في كل مكانend of listوأضاف أن هناك فيديو آخر يقدم قصة مشابهة بالرسوم المتحركة، ولكن على متن سفينة في عرض البحر، حيث تقفز الحيوانات المسكينة بحماس في أعماق البحر.
وعلّق قائلا "يؤسفني أنني لا أستطيع أن أدخل إلى عقل الخروف الذي يقفز بحماس أو استسلام خلف الراعي وكلبه الوفي. هل هو انقياد أعمى للزعيم؟ أم ضغط اجتماعي؟ أم هو الخوف من أن تُكسر قواعد الجماعة؟".
"بيبي قال"كما يؤكد الكاتب أن الواقع السياسي في إسرائيل يذكّره بلعبة شهيرة في الطفولة تُعرف بـ"حسن قال"، حيث يطيع اللاعبون الأوامر فقط عندما تبدأ بجملة "حسن قال"، بينما يخسر من يطيع أمرا لا تسبقه تلك الجملة.
واعتبر بشارات أن هذه اللعبة تُمارس اليوم في الساحة السياسية الإسرائيلية، لكن اسمها "بيبي قال"، فإذا قال نتنياهو إنه لن يعترف بالدولة الفلسطينية، يقفز خلفه يائير لابيد ثم بيني غانتس، ثم بقية المعارضة، دون أي تفكير، فالكل ينفذ فقط ما يقوله بيبي.
ويرى الكاتب أن تفاخر إسرائيل بديمقراطيتها وتعدد الآراء فيها، ليس إلا ادعاء زائفا لأن تلك الآراء فارغة وتفتقد إلى العمق ولا تناقش القضية الأهم، أي طريقة إنهاء الصراع مع الفلسطينيين.
وأشار إلى أن الإجماع شبه التام بين الأحزاب الكبرى على رفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية يفضح العجز الجماعي عن اتخاذ قرارات مصيرية تتجاوز شعارات التعددية.
عودة بشارات: إذا قال نتنياهو إنه لن يعترف بالدولة الفلسطينية يقفز خلفه يائير لابيد ثم بيني غانتس ثم بقية المعارضة دون أي تفكير لا حلولويقول الكاتب إنه في ظل صمت الطبقة السياسية الإسرائيلية عن المجاعة في غزة باستثناء عضو الكنيست غلعاد كاريف، وغياب أي أفكار لحل الأزمة واستشراف اليوم التالي للحرب، شعر ببعض التفاؤل قبل أيام عندما وجد مقالا لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك بعنوان "نداء طارئ"، لكن سرعان ما تبددت آماله عندما انتهى من قراءة المقال ولم يجد فيه أي خطة عملية أو فكرة للخروج من الأزمة.
إعلانأما من تبقى من "أنصار السلام"، فقد وصفهم الكاتب بمقولة القائد الإسلامي طارق بن زياد "أيتام على موائد اللئام"، في إشارة إلى أنهم معزولون، بلا دعم ولا ظهير سياسي، مثل عضو الكنيست، اليساري عوفر كسيف، الذي حُوصر إعلاميا بسبب مواقفه الجريئة المدعومة بمعرفة تاريخية دقيقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.