شبكة انباء العراق:
2025-07-31@09:54:24 GMT

ثعلبية الإنسان .. شفرة من الحيونسانية !!

تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT

بقلم : حسين الذكر ..

في غياهب تاريخ القرية وكذا المدينة ، ظلت حكايات الثعلب وابن آوى وغيرهما، وما قرب إليها في التحايل والحكمة الخبيثة – إن جازت التسمية – تدور رحاها وتتناقلها طيات الألسن وبطون الكتب من ظهر جيل لغرز جيل آخر ، في تعبير واضح ؛ للبحث عن تبرير خطايا الانسان ، ورميها على كائن غيره ، فالثعلب المزعوم لا يعمل أكثر من الحصول على حصته ، وغنيمته التي يعيش عليها ويتواصل مع أجياله ومفرداته من خلالها ، وأي طريق للعيش متاح في عرف الطبيعة – لا سيما النتشوية منها – في غاية يرخص لها ، ويباح على مذبح طريقها كل شيء ، فلم الثعلب يقع فريسة التعليم والتحريض تحديداً؟
لم أرَ الثعلب ولا مرة في حياتي وجهاً لوجه إلا في التلفاز ومخرجاته وتوابعه .

منذ الصغر أحمل عنه فكرة سيئة جراء الضخ الموجه ضده ، مع أني على يقين أنه ليس وحيداً في ميدان الدنس الذي أشاركه فيه ببعض أفكاري الاستبطانية ككائن يمتلك غريزة الأنا المتكدسة والمزدحمة والمتخمة بالأماني الضالة والشاردة ؛ لذا أعطف عليه أحياناً كحيوان جميل المنظر ، ويعد أحد تحف السماء التي لا أستطيع إدراك كنه تحفياتها المشرعة فوق الإحصاء ، بل أعقد من الإدراك في ظل مدارك ما زالت متحيونة ، وإن نطقت بها، وتبجحت في حروفها وأقلامها ومدادها وصناعتها الراقية حد الاستهجان .
سمعت مؤخراً صديقي يشتكي من فقد دجاجاته المدجنات اللواتي لطالما عبّرتُ عن إعجابي بجمالهن وروح التدجين التي يتحلَّيْن بها ، والتعايش السلمي معهن كجزء من براءة الآخر ، والذي نحتاجه لنناغي ونغازل ضميرنا الذي مات منه الكثير ، ولم يتبقَ إلا جزء غير ثعلبي كما يزعمون ، مع أني أشك في تلك النتيجة والدليل : قال لي آخر مرة رأيته فيها متهجماً : ( لقد أكل الثعلب بعض دجاجاتنا ، وأرعب الأطفال وأبكاهم صباحاً ، وما يزالون يئِنون تحت ويل تلك الكارثة الحزينة ، على الأقل بالنسبة إليهم ) . فقلت له : ( يا أخي كيف تتهمون الثعلب ؟ لقد ولى زمن الثعالب الحيوانية ، وها هم قوم الاحتيال يدورون في مدننا في الأرض وبقاعها ، يُسخّرون كل ما في المعمورة لتلك الغريزة والعقدة الثعلبية بلا هوادة ولا حياء وخشية ..) .
فقال : ( لقد صورت كاميرة الحديقة المشهد ، وقد رجعت إليه ، فهو من سرقهن وأكلهن ، وسأنتقم منه حتماً ، ويمكنك ان تشاهد الفلم معي ) ..
بينما استسلمت للدليل مع تأكدي أن ثمة حيوان غير ناطق فعلها بهذه الطريقة المحكمة التي لا تقوى ثعالب البشر على أن تأتي بمثلها بالدقة والخفة والسرية ذاتها، لكني حاولت أن أغطي على زميلي ومرافقي الحيواني الأرضي ؛ كي أجد له عذراً في متاهات طريق لم ندرك أنا وإياه وبقية المخلوقات كنه الحدث حتى الحين .
لم أنم تلك الليلة ، فقد أثرت بي كلمات صديقي ، وتغلغلت حداً أثرت على أفكاري التي حاولت جاهداً فيها حماية الثعلب ، وتبرير أفعاله حتى المشينة منها ؛ كونها أقرب لسلوك كثيرٍ من الناس ، ولا غرابة فيها ، إلا أن حكاية دموع الأطفال وحفلة شواء الدجاجات وتمزيقهن ظلت تقلقني حتى اقتنعت بضرورة المحاسبة ، بل قتل الثعلب بأية صورة ممكنة ؛ لإنهاء مسلسل الاغتيال الدجاجي المعهود منه ، والمدرج على طول صفحات القصص والأفلام ، لا سيما الحدائقية والغابية بينها .
بلغ الأرق مدارك الفجر حينما بدأت العصافير تزقزق ، والديك يصدح بجمال صوته من على سطوح جيراننا ، ومنافذ حديقتنا ، متغلغلاً بأعماقي كأنه يريدني أن أنسى ، وأنام صابراً على ضحية الدجاج والمأتم الثعلبي .
رفضت أحاسيسي إيماءات الديك ، وظل الصخب الحزين يدق نواقيسه في الضمير والمحايا لدرجة تصاعدت وتيرة الحقد حداً غير مسبوق ، وغضب لم يبق للنعاس أثراً ما ، فأخذني منولوج حزين يتحاور مع النفس عن ذلك الثعلب القاتل الذي اختار أكثر مدخراتنا وداعة ، وأكثرها جمالاً وبساطة ومسالمة .
فكرت ملياً في الأسباب والبواعث الثعلبية لانتهاج هذا الدرب الشائن ، ولماذا الدجاج بالذات ؟
هل كونها مسالمة ؟ أم أن لحمها أكثر وأشهى طعماً من لحم البشر و بقية المخلوقات التي تجود بها الطبيعة ؟
لم أبلغ قمم التسليم بحل وإجابة ما سوى أن النوم بدأ يطرق أبواب عيني ، ويثقل جفني ، ويزح مصدات الكرى لدي.
في المنام قال لي الثعلب : لا ترهق نفسك سيدي ، فإن لم آكلها أنا سيأتي ثعلب آخر من صنوف الثعالب المتخمة بها إنسانيتك المزعومة ، ثم هجم علي محاولاً نهش أنفي وأذني وعيني .
ويحك ماذا تفعل ؟ أخذت أصرخ بكل قواي الهستيرية لعل أحداً يحمي حواسي ، إنه يستهدف عقلي وإدراكي ، لكن أحداً لم يسمع أويُجِبْ ، كأن الخلائق قد غادرت المكان إلى الأبد .
بقيت أعاني الحرب الثعلبية محاولاً الخلاص بأية صورة ، لم يعد لمذبحة الدجاج أي أثر في ناموسي ومنطقي ، فانقلاب هذا الكائن على غريزته وسلوكياته المعتادة جعلني أفكر ألف مرة بكيفية الخلاص ، لو كان دجاج العالم كله في حضني لقدمته هديته له ، بل أشويه له على طبق إنساني مفعم بتوابل الشهوة والحيازة والغلبة التي أعانيها وتختلجني حد الصراع .
لم تفد كل توسلاتي وتعهداتي بعدم ذكر الثعلب بسوء ، لكن أحداً لم يرحمني من بني جنسي ، فقد تركوني أسير تلك الليلة تحت رحمته ومخالبه وشناعة نزقه وشراسة هجماته .
في نهاية المطاف ، وبينما كنت أحاول وأتوسل بكل ما أوتي لدي ؛ كي يتم إنقاذي من أسنان الثعلب الصاكة على رقبتي ، والخانقة كالجيثوم على روحي ، والقاطعة أنفاسي ، مع قنوط حالي ، وردت فعل أي إنسان آخر يمكن له أن ينقذني في ظل تعتيم ثعلبي تام على جريمته .
وبينما كنت أنزع اللحظات الأخيرة ، وأكاد أستسلم لنزواته ، وإذ بالقدر يبعث دجاجة تسير بالقرب منا ، كان له سبق الشرف حينما تركني الثعلب طوعاً ، وربما شرفاً أو زهداً ، وولى مهرولاً خلف الدجاجة ، منقضاً عليها ، عاضاً إياها بكل قساوته واشتهائه ، بينما كنت أسترد أنفاسي مستمتعاً بحيلة الثعلب ، وهو يلتهم فريسته ، بينما نهضت سعيداً جداً بتلك الضحية التي نابت عني في غياهب الدهر حتى شكرت السماء ، ودعيت لأهل الأرض .

حسين الذكر

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات

إقرأ أيضاً:

“الغرب المتحضر.. حين يتحول الذئب إلى واعظ عن حقوق الإنسان!”

#سواليف

” #الغرب_المتحضر.. حين يتحول #الذئب إلى واعظ عن #حقوق_الإنسان!”

بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة

ما أروع هذا الغرب! ما أنبله! ما أطهره! إنهم يبيعوننا شعارات الحرية وحقوق الإنسان مغلفة بورق الذهب، فيما هم يغرسون أنيابهم في لحم أطفال غزة ودماء شعوبنا! الغرب، هذا الكيان “المتحضر” الذي صدّع رؤوسنا بالعدالة والحرية والكرامة، يقف اليوم بلا خجل، بلا حياء، بل بكل وقاحة، إلى جانب الكيان الصهيوني في ارتكاب جرائم إبادة جماعية، يراها العالم كل ليلة على شاشات الأخبار، ويسمع صراخ ضحاياها كل فجر في نداءات الإسعاف من تحت الأنقاض!

مقالات ذات صلة 37 شهيدا و270 مصابا من منتظري المساعدات خلال ساعتين بغزة 2025/07/30

أي حضارة هذه التي تصمت عن حصار أكثر من مليونَي إنسان في غزة منذ سنوات، ثم تبارك اليوم حصارًا خانقًا جديدًا حتى الموت؟! أي قيم تلك التي تتغنى بها باريس وبرلين وواشنطن وهم يشاهدون تجويع الفلسطينيين ومنع الدواء عن أطفالهم، وضرب المستشفيات؟! هل هذه “الحرية” التي بشرنا بها جون لوك ومونتسكيو وروسو وفولتير وغيرهم ؟! هل هذه “الكرامة الإنسانية” التي زعق بها فلاسفة أوروبا في القرن الثامن عشر؟!

الغرب المنافق الذي يسيل لعابه لحقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بمثلي في بلاده، لكنه يعمى ويصمّ عندما يرى الأطباء يُعتقلون فقط لأنهم عالجوا الجرحى في غزة!
الدكتور حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان، لم يكن يحمل سلاحًا، لم يكن في خندق قتال، كان فقط يُداوي الأطفال ويُضمد الجراح، رغم أن قلبه هو ذاته كان مجروحًا بفقد ابنه في قصفٍ إسرائيلي. لكن إسرائيل، هذا الكيان البربري الذي لا يعرف من الإنسانية إلا اسمها في القاموس، اعتقلته تعسفًا، بلا تهمة، بلا محاكمة.
أهذا هو “ديمقراطية” إسرائيل التي يباركها الغرب؟!

الغرب الذي يسارع إلى إصدار بيانات الاستنكار حين يُعتقل ناشط بيئي في هونغ كونغ، يلتهم لسانه عندما تُقصف المستشفيات وتُغتصب القوانين الدولية في غزة، الضفة، لبنان، سوريا، اليمن، وكأن هذه الشعوب دونية، لا تستحق الحياة!

لكن، لنتوقف لحظة ونشكر هذا الغرب على شيء واحد: لقد أثبت لنا بما لا يدع مجالًا للشك، أن معاييره لا علاقة لها بالقيم، بل بالمصالح، وأن دمنا العربي لا يساوي لديه قطرة حبر في تقرير حقوقي إن لم توافق عليه تل أبيب.

يا سادة، لم يعد الصمت كافيًا، ولم يعد الشجب يشفي، فالمطلوب الآن:

وقف هذا العدوان الإسرائيلي الهمجي البربري فورًا على غزة، الضفة الغربية، لبنان، سوريا، اليمن.

فك الحصار عن غزة، قبل أن يموت الأطفال ببطء تحت أنقاض التجاهل العالمي.

إطلاق سراح كافة المعتقلين الفلسطينيين، وعلى رأسهم الأطباء والمسعفون، وفي مقدمتهم الدكتور حسام أبو صفية، لأن جريمتهم الوحيدة أنهم أنقذوا أرواحًا من الموت.

الغرب المتوحش فقد أهليته الأخلاقية لأن يكون حَكمًا على أي صراع. ومن لم ير في دماء الأطفال جريمة، فلا يمكن له أن يتحدث عن حقوق الإنسان.

وإلى أولئك في الغرب الذين ما زالوا يعتقدون أن البربرية ترتدي جلدًا داكنًا فقط، نقول:
أنظروا في المرآة، فستجدون إسرائيل تقف خلفكم.. تبتسم.

نعم، الحضارة ليست هندسة معمارية ولا تقنيات عالية، الحضارة هي الإنسان.
وأنتم، بجرائمكم، خسرتم ما تبقّى من إنسانيتكم.

بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة
أستاذ العلوم السياسية – جامعة اليرموك
من قلب العروبة المجروحة… ومن جرح غزة المفتوح كضمير العالم.

مقالات مشابهة

  • غزة: حطام المعنى وركام المبنى
  • “الغرب المتحضر.. حين يتحول الذئب إلى واعظ عن حقوق الإنسان!”
  • اليمن يُحيي اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر
  • من هو أبو شباب؟ .. تحقيق يُعرّي الميليشيا التي تحكم بالمساعدات التي تنهبها وتُهدد مستقبل غزة
  • ما هي السورة التي تقرأ في شهر صفر؟
  • أيُّ عصابة هذه التي تزعم حماية دارفور وتبتز أبناءها؟!
  • مواسم الضباب والنفايات.. تهديد جديد يضرب الأرض بفعل الإنسان
  • بلال قنديل يكتب: الاختيار
  • الفظائع التي لن ينساها التاريخ
  • وداعًا الفنان الإنسان زياد الرحباني