كيف حدث التـغـيـيـر في بنجلاديش؟
تاريخ النشر: 9th, September 2024 GMT
ترجمة: بدر بن خميس الظفري -
لقد كان الوضع في بنجلاديش على وشك الانفجار، فقد كنتُ هناك مع الطلاب عندما انتهكنا حظر التجول للانضمام إلى الاحتجاج في ميدان شاهباغ، وهو النسخة البنجلاديشية لميدان التحرير في مصر. ودعنا أصدقاءنا الجرحى الذين تركناهم خلفنا وهم يذرفون الدموع، دون أن نعرف ما إذا كانت هذه ستكون المرة الأخيرة التي نلتقي فيها.
لفترة طويلة كانت هناك نسختان من بنجلاديش. الأولى قدمت لنا سردية غير متوقعة عن صعود بلد إلى الثراء السريع، وهو بلد يتميز بواحد من أسرع معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي في العالم، كانت تلك بنجلاديش التي تقودها حسينة، أطول رئيسة حكومة حكما في العالم. أما الثانية فكانت تتألف من شعب عانى طويلاً، يتلوى تحت نـَيْـرِ زعيمة ذات رؤية ثاقبة، لكنها كانت أيضًا مستبدة لا ترحم، سجنت وأخفت وقتلت كل من وقف في طريقها. تحت حكمها، أصبحت بنجلاديش أرضًا للثنائيات الخطيرة، إما أن تكون مع رابطة (عوامي) الحاكمة، أو يتم إعلانك (رازاكارًا)، أي متعاونًا، وبالتالي عدوًا للدولة.
كانت معجزة التنمية في بنجلاديش من صنع النخبة في الحزب الحاكم ومجتمع رجال الأعمال الذي خدمته تلك النخبة. وقد دارت حولها مجموعة من المثقفين وغيرهم من المهنيين ذوي البدلات البيضاء الذين يعملون في المكاتب، وعرضوا تماهيهم مع سياستها في مقابل الحصول على امتيازات. وكانت الهند في عهد ناريندرا مودي هي الراعي الرئيسي لها وكان الفساد هو القاعدة، ومن عام 2010 إلى عام 2019، قادت بنجلاديش العالم في نمو الثروة بين الأثرياء، وأصبحت بلادنا، ثاني أكبر مصدر للملابس في العالم، أرضًا لناطحات السحاب ومراكز التسوق الجميلة.
النسخة الأخرى من بنجلاديش كانت تتألف من الطبقات العاملة البائسة مثل عمال صناعة الملابس، والعمال المهاجرين، وملايين آخرين يعملون في وظائف منخفضة الأجر، في ظروف غير إنسانية في كثير من الأحيان، ليملؤا جيوب الأثرياء. ويعيش كثيرون منهم في أحياء فقيرة تعاني من سوء الصرف الصحي. ويحصل أغلبهم على راتب شهري يعادل نحو 113 دولاراً أمريكياً أي (51 ريالا عمانيا تقريبا)، وهذا بالكاد يكفي لإطعام أسرة، ولذلك ليس من المستغرب أن تتجمع 10 إلى 15 أسرة بانتظام في أسواق صناعة الملابس لشراء الخضراوات الفاسدة بكميات كبيرة.
لقد كانت الفجوة بين هاتين النسختين من بنجلاديش سبباً في انقسام الشعب.
أدى الجدل حول نظام الحصص للوظائف الحكومية إلى إشعال شرارة الاحتجاجات الطلابية التي هزت البلاد في يوليو، وتحول النظام، الذي كان مقصودًا في الأصل أن يكون بمثابة لفتة لمقاتلي حرب التحرير في وقت تأسيس بنجلاديش، بعد 50 عامًا إلى سياسة تمييزية تفضل الموالين للحكومة، وتحرم الباحثين عن عمل الشرعيين من الوظائف المرغوبة بشدة. احتج الطلاب على نظام الحصص في عام 2018، وبعد فشلهم في قمع الاحتجاجات بالعنف، ألغته حسينة تمامًا. أثار قرار المحكمة في 5 يونيو بإعادة النظام غضب الطلاب، فنزلوا إلى الشوارع سلميًا، إلا أن الحكومة ردت بعنف، هذه المرة بالبنادق، وقتلت قوات الأمن ستة طلاب في الأيام التي تلت ذلك.
ولم يمض وقت طويل حتى تحولت المطالبة بفرص عمل حكومية عادلة إلى حركة واسعة النطاق من أجل الكرامة والحقوق الأساسية. وربما كان الخوف والقمع مفيدين لحسينة طيلة السنوات الخمس عشرة الماضية، ولكن عندما يكون الناس على استعداد لمواجهة الرصاص في الشوارع، فإنك تعلم أنه لا سبيل إلى التراجع. كان المطلب الأول للطلاب هو اعتذار حسينة، وربما كان هذا التصرف البسيط كافياً لإنقاذها، ولكن تبين أن غطرستها كانت ستؤدي إلى هلاكها.
ومع ذلك فقد دفع الجمهور الثمن الأكبر. فقد قُطِعَت شبكات الإنترنت والهواتف المحمولة، وتوفي المئات، وأصيب آلاف آخرون، في القمع العنيف الذي أعقب ذلك. وقد حُفِرَت صورة أبو سيد، الطالب في تخصص الأدب الإنجليزي البالغ من العمر 25 عاماً، وهو يمد ذراعيه قبل ثوانٍ من سقوطه تحت وابل من الرصاص، في الذاكرة الجماعية لبنجلاديش. وانتشر مقطع فيديو لوفاته في السادس عشر من يوليو على نطاق واسع، ساعتها بدأ الطلاب يطالبون بإقالة حسينة.
كان أبو سيد ابناً لأبوين من الطبقة العاملة. وكان طالباً موهوباً يدرس في إحدى الجامعات العامة في بنجلاديش ويعمل مدرساً، في الوقت ذاته، لإعالة أسرته. وكان أشخاص مثل سيد، الذين تعدّ وظائف الخدمة المدنية بالنسبة لهم أحد الطرق القليلة المتاحة للصعود في السلم الاجتماعي، في الخطوط الأمامية للاحتجاجات. أما الطلاب الأكثر ثراءً فقد ذهبوا إلى الجامعات الخاصة، فقد كانت لديهم خيارات أخرى مثل السفر إلى الخارج، أو العمل في وظائف شركات فاخرة، أو الانضمام إلى شركات عائلية أو حتى أن يصبحوا رواد أعمال. ومع ذلك، انضم العديد من هؤلاء الطلاب الأكثر امتيازاً إلى الاحتجاجات أيضاً، وبشكل مختصر، لقد سئم البنجاليون جميعا.
لقد قضيتٌ بعض الوقت في الشوارع طوال مسيرتي المهنية كصحفي، وقمت بتغطية الحركات الطلابية منذ عام 2018، لذا فقد اكتسبتُ بعض المصداقية في الشارع. التقيتُ ببعض الطلاب عندما سُجنت في عام 2018 بتهمة «التحريض على الحركة المستمرة»، وآويتُ بعضهم هذا الصيف خلال أشد أعمال العنف، وزرت آخرين تعرض العديد منهم للتعذيب على يد قوات الأمن في المستشفى. لقد أصبحت بالنسبة لهم بمثابة مرشد من نوع ما.
نعم، كنت أتوقع سقوط الحكومة، ولكنني لم أتصور قط أن ذلك سيحدث بهذه السرعة. ففي الفراغ الذي خلفه رحيل رئيسة الوزراء، تولى الطلاب الذين كانوا قد تعرضوا للاضطهاد من قِبَل الشرطة في وقت سابق مهمة حفظ الأمن في الشوارع بأنفسهم، وقد أداروا عملية تشكيل الحكومة المؤقتة، ودعوا محمد يونس، الحائز على جائزة نوبل للسلام، إلى تولي القيادة. وقَبِلَ يونس الدعوة، وبعد بعض المفاوضات السرية مع المؤسسة العسكرية، انضم طالبان اثنان إلى الحكومة المؤقتة. وخوفا من أن تصبح السلطة الجديدة متغطرسة كسابقتها، شكل الطلاب أنفسهم هيئة رقابية للإشراف على الحكومة الجديدة.
إننا نعيش كل يوم بيومه. وبينما نبتهج باعتقال كل جنرال أو وزير هارب، فإننا نخشى ألا تطبق على هؤلاء أي من الإجراءات القانونية الواجبة الأساسية، وأن نعيد إنتاج جرائم النظام السابق، لذلك يتعين علينا أن نتخلص بسرعة من هذه الثقافة القديمة.
إننا نراقب وننتظر، وهناك علامات تبعث على الأمل. فقد ضربت البلاد فيضانات مدمرة الشهر الماضي، والتدفق الهائل للدعم لحملات الإغاثة التي ينظمها الطلاب أمر مشجع، كما اتخذت الحكومة المؤقتة خطوات لإنهاء ثقافة الاختفاء القسري ضد منتقدي الحكومة التي اتسم بها حكم حسينة.
إن الزمن وحده هو الذي سيحدد ما إذا كانت الدماء التي سالت في شوارع بنجلاديش هذا الصيف ستؤدي إلى تغيير دائم، أم أنها ستكون مجرد تحول موسمي، أو مجرد موسم الرياح الموسمية الذي يختفي مع حركة الشمس.
شهيدول علم كاتب ومصور فوتوغرافي وناشط في مجال حقوق الإنسان من بنغلاديش.
عن واشنطن بوست
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی بنجلادیش
إقرأ أيضاً:
وزير الصحة لـ«التغيير»: مشاهد مرضى الكوليرا على الأرض لن تتكرر
وزير الصحة السوداني أكد أن أكثر من 10 منظمات إنسانية، بينها وكالات أممية، تشارك حاليًا في جهود الاستجابة لمرض الكوليرا.
كمبالا:- أم درمان: التغيير
كشف متطوع ميداني من داخل مستشفيي النو وأم درمان التعليمي لـ(التغيير)، عن قرار من وزارة الصحة السودانية بسحب منظمة أطباء بلا حدود من مراكز العزل في كلا المستشفيين.
في وقت أوضح فيه وزير الصحة د. هيثم محمد إبراهيم لـ(التغيير)، أن عدد الإصابات اليومية في الخرطوم يتراوح بين 800 و1000 حالة، مع نسبة وفيات بين 2 إلى 3%، وذكر أن معظم الوفيات تصل في حالات متأخرة، لكنه أشار إلى أن “الوضع تحت السيطرة”، مؤكدًا انحسار المنحنى الوبائي خلال الأيام الماضية، وشدد على أن مشاهد افتراش المرضى للأرض لن تتكرر.
وأكد المتطوع- الذي فضل حجب اسمه لـ(التغيير)، أن منظمة أطباء بلا حدود كانت تقدم خدمات طبية متكاملة ومنظمة داخل مركز عزل مستشفى النو، الذي استقبل مئات الحالات المصابة بالكوليرا، قبل أن تقوم الوزارة بسحبها وتسليم الملف إلى منظمة “سيف ذا تشيلدرن”، التي تواجه صعوبات في تغطية الاحتياجات الطبية واللوجستية- حد وصفه.
وأشار المتطوع إلى أن سحب المنظمة تسبب في تراجع جودة الخدمات الصحية داخل المراكز، وترك فراغًا أثّر على قدرة الاستجابة للوباء، خاصة في ظل ارتفاع أعداد الوفيات التي وصلت إلى 25 حالة يوميًا في بعض الفترات.
وفي السياق، شهد مستشفى أم درمان التعليمي وضعًا مشابهًا بعد انسحاب أطباء بلا حدود يوم الخميس الماضي، وسط تحذيرات من نقص في الإمدادات الطبية وقلة الكوادر المؤهلة.
وأوضح وزير الصحة لـ(التغيير)، أن أكثر من 10 منظمات إنسانية، بينها وكالات أممية، تشارك حاليًا في جهود الاستجابة، حيث تم توزيع أكثر من 100 طن من المحاليل الوريدية، وفتح 10 مراكز عزل جديدة بسعة تفوق 800 سرير، بجانب تدخلات في إصلاح محطات المياه وإطلاق حملات تطعيم، تشمل 2.7 مليون جرعة لقاح ستصل قريبًا إلى الخرطوم.
وأكد الوزير أن المشاهد التي رصدت في الأيام الماضية، لمرضى يفترشون الأرض ويتلقون العلاج تحت الأشجار “لن تتكرر”، مشيرًا إلى أن الوضع يتجه نحو التحسن، مع تراجع معدلات الوفيات، واستمرار جهود التدخل لتقليل الإصابات.
الوسومأطباء بلا حدود أم درمان السودان الكوليرا اليونيسف كمبالا مستشفى النو