كيف تقتات منصات التواصل الحديثة على شعور الملل بداخلنا؟
تاريخ النشر: 11th, September 2024 GMT
ظهر "تيك توك" غازيا ساحة منصات مشاركة مقاطع الفيديو، ومنذ ظهوره شهدت منصات التواصل الاجتماعي تغييرات في شكلها ساعية بذلك محاكاة التجربة الفريدة التي تقدمها هذه المنصة، وهذا الأمر لم يقتصر على منصات التواصل المعتادة مثل "فيسبوك" و"إكس" و"إنستغرام"، بل امتد إلى "يوتيوب" عملاق مشاركة مقاطع الفيديو الذي تربع على عرشها لسنوات دون منافس.
تكمن جاذبية "تيك توك" في قدرتك على الانتقال بين عدد لا نهائي من مقاطع الفيديو القصيرة عبر حركة بسيطة للأعلى، وهي التجربة ذاتها التي تحاول جميع المنصات محاكاتها، إذ يؤمن المستخدمون بأنها آلية فعالة لقتل الوقت والحصول على الترفيه اللازم، وذلك قبل أن تصدر أحدث دراسة في صحيفة "جورنال أوف إكسبريمنتال سايكولوجي" التي أشارت إلى أن هذه الآلية ذاتها هي السبب الرئيسي في فقدان الشغف والملل المستمر الذي يشعر به مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي.
لذلك، وبدلا من أن ينتهي الشعور بالملل نتيجة التصفح المستمر في منصات التواصل الاجتماعي، يزداد شعور الملل لدى المستخدم كلما أمضى وقتا أطول ينتقل بين هذه المقاطع، وهذا الشعور بالملل يدفعه للاستمرار والبقاء في المنصة لفترة أطول مما يزيد بالتبعية من شعور الملل مجددا، ليجد المستخدم نفسه في دائرة مفرغة يبحث داخلها عن متعة زائلة.
لا يمكن الحكم على جودة النتائج التي تقدمها أي دراسة مهما كانت غريبة دون معرفة آلية تطبيق هذه الدراسة وجمع البيانات فيها، وفي هذه الدراسة، قامت كاتي تام الباحثة الرئيسية فيها وزميل ما بعد الدكتوراه في علم النفس بجامعة تورنتو في سكاربورو بدراسة أكثر من 1200 شخص مختلف موزعين على 7 تجارب مختلفة حافظت على الآلية ذاتها في الاختبار.
وتضمنت عملية الاختبار إعطاء كل مجموعة من الأشخاص نوعين من مقاطع الفيديو ثم سؤالهم عن مدى إعجابهم وتفاعلهم مع المقطع، النوع الأول كان مقطعا واحدا فقط لا يمكن تسريعه أو مغادرته والانتقال إلى مقطع آخر أو حتى إعادته، أي أن الشخص يشاهده مرة واحدة فقط، والنوع الثاني كان مجموعة من المقاطع يمكن التنقل بينها في آلية تشبه تلك الخاصة بمنصات التواصل الاجتماعي.
جاءت نتائج الدراسة مفاجئة للجميع والمشاركين فيها بشكل خاص، إذ شعروا بمتعة أكبر وتفاعل أعلى مع المقطع الذي لم يتمكنوا من تركه والتحكم فيه كما يرغبون، أما النوع الثاني من المقاطع الذي يمكن للمستخدم التحكم فيه فلم يكن مرضيا لهم بأي شكل من الأشكال.
ووضحت تام هذه النتائج في مقابلتها مع "سي إن إن" (CNN) مشيرة إلى أن الدراسة أثبتت أن التحكم في مقاطع الفيديو والقفز بينها يزيد من الشعور بالملل، ويخفض تفاعل المشاهد مع المقاطع المختلفة، ولكن لماذا هذه النتائج؟
حالة "فومو" مستمرةهناك حالة يعرفها كل علماء النفس تدعى "فومو" (Fomo) وهي اختصار يشير إلى الخوف من فوات الأشياء، أي أن الشخص يتصرف نتيجة خوفه من فوات اللحظات المهمة والأشياء المهمة، وهي إحدى الحالات التي يسيء المسوقون استخدامها في كافة قطاعات الحياة، كما أنها وفق دراسة كاتي تام السبب الرئيسي في الشعور بالملل أثناء التنقل بين مقاطع الفيديو المختلفة.
وتعزز تام من نتائج دراستها مشيرة إلى أن الملل مرتبط بشكل رئيسي مع دائرة الاهتمام الخاصة بنا، إذ يتسبب في حدوث فجوة بين ما نشعر به وبين ما نقوم به، وهذا ما يشعر به متابعو منصات الفيديو السريعة حيث إنهم لا يتفاعلون مباشرة مع أي مقطع فيديو وبدلا من ذلك يبحثون عن شيء قد يكون ممتعا دون التأكد من وجود هذا الشيء، أي أن المستخدم يخشى أن يفوته مقطع ممتع لأنه ظل يشاهد مقطعا بعينه.
تبنت جميع منصات التواصل الاجتماعي آلية عرض مقطع الفيديو المستخدمة في "تيك توك"، لذا أصبحت هذه التجربة عامة على جميع منصات التواصل الاجتماعي، ولا يمكن قصرها على منصة بعينها، وعندما تجتمع هذه الآلية مع سهولة الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي من سن صغير، فإن النتيجة تكون جيلا يشعر بالملل بشكل كبير للغاية، وهذا ما أشارت إليه دراسة نشرت في صحيفة "جورنال أوف أدوليسنيس هيلث" حيث أجرت دراسة امتدت 9 سنوات، راقبت خلالها المراهقين في السنوات الدراسية من الـ8 وحتى الـ12.
ووجدت الدراسة أن أبناء الجيل زد يشعرون بالملل أكثر من غيرهم وبشكل أسرع من غيرهم، وهو الأمر الذي تعززه الدراسات التي أثبتت أن دورة انتباه أبناء الجيل زد أقصر من غيرها، إذ لا تتجاوز 8 ثوان مقارنة مع 12 ثانية لأبناء الألفية، لذا تنصح أغلب كتب التسويق الرقمي بأن يكون مقطع الفيديو مثيرا في الثواني الثماني الأولى منه.
الملل ليس شعورا سيئايحاول الجميع باختلاف أعمارهم الهرب من الملل، وهو الأمر الذي تقتات عليه منصات التواصل الاجتماعي وتحاول تغذيته في بعض الحالات، ولكن يجب ألا يكون الملل شعورا سيئا، إذ تشير عالمة النفس ستيفاني لي أن الملل شعور طبيعي للغاية، وقد يدفع المرء للابتكار والإبداع في بعض الحالات.
وأضافت لي قائلة إن الحياة يجب ألا تكون حول اللحظات الممتعة والمسلية فقط، بل يجب أن تمزج بين اللحظات التعيسة والممتعة وذلك حتى يتعلم الطفل كيف يمكنه التعامل مع مشاعره بشكل صحيح ليصبح قادرا على خوض غمار الحياة.
تقع مهمة تعليم الأطفال أهمية الملل على الكبار والبالغين في حياتهم، إذ يجب إرشادهم إلى آلية التعامل مع مشاعرهم السلبية سواء كانت الملل أو غيره، وهذا يتضمن أن يترك الآباء هواتفهم متوقفين عن البحث عن آليات الترفيه القصيرة التي تقتات على شعورهم بالملل مثل منصات التواصل الاجتماعي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات منصات التواصل الاجتماعی مقاطع الفیدیو الشعور بالملل من غیرهم
إقرأ أيضاً:
أستراليا تطالب عمالقة التواصل الاجتماعي بتقديم تقارير عن التقدم في حظر حسابات الأطفال دون ١٦ عاما
قد تواجه الشركات غرامات تصل إلى 49.5 مليون دولار أسترالي (28.1 مليون يورو) اعتبارا من الأربعاء إذا لم تتخذ خطوات معقولة لحذف حسابات الأطفال الأستراليين دون سن 16 عاما. حظر حسابات الأطفال في أستراليا يدخل حيّز التنفيذ
طالبت السلطات الأسترالية بعضا من أكبر منصات التواصل الاجتماعي في العالم بالإبلاغ عن عدد الحسابات التي عطّلتها منذ أن أصبح حظر الحسابات لمن هم دون سن 16 عاما قانونا نافذا. وقالت وزيرة الاتصالات الأسترالية أنيكا ويلز بعد يوم واحد إن "Facebook" و"Instagram" و"Kick" و"Reddit" و"Snapchat" و"Threads" و"TikTok" و"X" و"YouTube" و"Twitch" أعلنوا أنهم سيلتزمون بـالقانون الأسترالي الأول من نوعه عالميا الذي دخل حيّز التنفيذ يوم الأربعاء. غير أن ردود شركات التكنولوجيا على أول طلب بيانات من المفوضة لشؤون السلامة الرقمية جولي إنمان غرانت ستُظهر على الأرجح مدى التزامها بإزالة حسابات الأطفال من منصاتها.
"اليوم ستكتب المفوضة لشؤون السلامة الرقمية إلى المنصات العشر التي تُعتبر منصات تواصل اجتماعي مقيّدة بالعمر، وستسألها: ما عدد حسابات من هم دون 16 عاما لديكم في 9 ديسمبر؛ وما عددها اليوم في 11 ديسمبر؟" قالت ويلز. وأوضحت أن المفوضة ستكشف ردود المنصات خلال أسبوعين، على أن تُقدّم المنصات تحديثات شهرية لمدة ستة أشهر.
غرامات على عدم الامتثالوتواجه الشركات اعتبارا من يوم الأربعاء غرامات تصل إلى 49,5 مليون دولار أسترالي (28,1 مليون يورو) إذا لم تتخذ خطوات معقولة لإزالة حسابات الأطفال الأستراليين دون سن 16 عاما.
Related أستراليا تطلق حظرًا على استخدام الأطفال لوسائل التواصل.. وخبراء يحذّرون من "ثغرات" اهتمام دولي متزايدوقالت ويلز إن المفوضية الأوروبية وفرنسا والدنمارك واليونان ورومانيا وإندونيسيا وماليزيا ونيوزيلندا تفكر في اقتفاء أثر أستراليا في تقييد وصول الأطفال إلى وسائل التواصل الاجتماعي. وأضافت: "هناك اهتمام عالمي كبير ونرحّب به، ونرحّب بكل الحلفاء الذين ينضمون إلى أستراليا لاتخاذ إجراءات في هذا المجال ورسم خط يقول: طفح الكيل".
طعن قضائي وتحديات التطبيقتعتزم مجموعة حقوقية مقرّها سيدني "Digital Freedom Project" الطعن في القانون أمام المحكمة العليا الأسترالية مطلع العام المقبل. وقالت إنمان غرانت إن بعض المنصات استشارت محامين وقد تنتظر تلقي أول "إخطار إلزامي للحصول على معلومات" يوم الخميس أو أول غرامة بسبب عدم الامتثال قبل المضي في الطعن القضائي. وأضافت أن فريقها مستعد لاحتمال أن تتعمّد المنصات عدم استبعاد الأطفال الصغار عبر تقنيات التحقق من العمر وتقدير العمر. وقالت لهيئة الإذاعة الأسترالية: "قد تكون تلك استراتيجية بحد ذاتها: سنقول إننا نمتثل ثم نؤدي عملا رديئا باستخدام هذه التقنيات ونسمح للناس بالمرور، ثم يدّعي البعض أنه فشل". وأوضحت أن أبحاثها وجدت أن 84 في المئة من الأطفال في أستراليا الذين تتراوح أعمارهم بين ثمانية و12 عاما استخدموا حسابا على وسائل التواصل الاجتماعي، وأن 90 في المئة من هؤلاء فعلوا ذلك بمساعدة من الوالدين. والسبب الرئيسي لمساعدة الآباء، بحسبها، هو أنهم "لا يريدون استبعاد أطفالهم". وختمت: "ما تفعله هذه التشريعات هو أنها تزيل ذلك الخوف من الإقصاء".
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة