جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-31@09:56:37 GMT

معنى الانكسار

تاريخ النشر: 11th, September 2024 GMT

معنى الانكسار

 

د. إبراهيم بن سالم السيابي **

 

عندما كنت على مقاعد الدراسة الجامعية، كان مدرس مادة الدراسات المالية مدرسًا مُتمكنًا من المادة وكان عميدًا للكلية في نفس الوقت، وبالرغم من أنه يحمل درجة الأستاذية، لكنه كان يتسم بالتواضع، وكان يتحاور مع طلابه، ويُبدي رأيه في كثير من القضايا المالية التي تشغل الرأي العام في ذلك الوقت، ويربط هذه الآراء بما يحتويه المقرر الدراسي.

ومن بين هذه القضايا، العجز المالي والدين العام والبطالة وسعر الصرف والخصصة، والغريب أن هذه القضايا المالية هي نفسها التي ما زلت تشغل العالم العربي منذ ذلك الحين وحتى اليوم. وبالرغم من تواضعه لكنه كان ذا شخصية قوية، وفي كثير من الأحيان يطرد العديد من الطلبة خارج قاعة المحاضرة، لعدم التزامهم بالانضباط وإثارة الهرج في المحاضرة. وفي يوم من الأيام، وصل إلى المحاضرة لكنه لم يتقبل أي أسئلة كعادته، وبدى حزينًا مُنكسرًا، لم يفوت الطلبة الفرصة وأرادوا معرفة سبب هذا الانكسار والحزن، فتحدث بعيون دامعة بأنَّه فقد والده منذ يومين، فتقدَّم عدد من الطلبة لمواساته.

عرفتُ من يومها معنى الانكسار الحقيقي، عندما تفقد أحدهم إلى الأبد ويرحل عن دنياك مهما كنت، وخاصة إذا كان هذا الراحل هو أحد والديك. ومن موقف هذا الأستاذ الجامعي، عندما انكسر وسمح لدموعه أن تسقط بهذه الغزارة أمام طلابه، وهو الذي كان يمثل لهم العزة والكبرياء والشموخ وهو في هذه السن لفقدانه والده، يُمكن أن تعرف ببساطة ما يعنيه الأب في حياة الإنسان.

وها هي الأيام تمر وذكرى رحيل والدي العزيز- رحمة الله عليه- تُذكِّرُني بهذه القصة كل عام، تُذكِّرُني بمعنى الإحساس بالانكسار عندما تفقد من كان سببًا في وجودك بعد الله في هذه الحياة، وهو الذي بنى حياتك وشخصيتك وربّاك وعلّمك.

كنت لا أعرف القراءة والكتابة، لكن أبي أصر ألا يُفارِق يدي القلم، وألا يفارق ناظري الكتاب، وقد كنتُ ولدًا شقيًا كحال أبناء جيلنا في ذلك الزمن، نعشق كرة القدم حتى الثمالة، ونطاردها أين ما حلت، وكان يُعنفني لأني أُهمل دروسي، وعندما حاولت أن أختصر الطريق، والقبول بفرص للعمل، كانت تلك "اللا" الوحيدة من طلباتي الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى!

كان يركب الطرقات ويجوب الشوارع ويتتقل بين مركبات الأجرة لكي يصل إلى مقر عمله، ليوفر لي ما أُريد حتى لا  يساورني التفكير في ترك الدراسة. وأتذكرُ أنه عندما عُدتُ من مسقط في ذلك اليوم وأنا أحمل كشف درجاتي لأخبره بنبأ حصولي على شهادتي الجامعية الأولى، لم تسعه الفرحة، وكأن أحدهم بُشِّر بمولود بعد طول انتظار.

وعندما مرَّت السنون، وأُخبِرتُ بأني حصلت على الدرجة العلمية الثانية، كان الوقت قد تأخر، لكنني ذهبت إلى غرفته وأيقظته من النوم لكي أخبره بهذا النبأ، لأني كنت أريد أن أمنحه فرحة كبيرة ليقيني بأنَّه لا خبر سيُفرِحه أكثر من هذا الخبر.

وعندما حصلت على آخر درجاتي العلمية، كنتُ أتمنى أن أبحث عنه لكي أخبره، لكن مع الأسف، تأخرتُ كثيرًا هذه المرة، فقد ودّعنا وفارق هذه الدنيا للقاء ربه، وتركنا ورحل منذ بضع سنين.

في شريط الذكريات، أتذكر أنه عندما انشغلت عنه بالعمل والأسرة، كنت عندما أعود إليه أتعمد أن أسمعه ولا أضيع الوقت في الحديث عن أي شيء يخصني، وأتذكر عندما أُخبِره عن ما يفرحه تتساقط دموعه وهو يدعو لي بأن يزيدني الله من العلم والمعرفة، وأظن بفضل الله وهذا الدعاء اشتعل رأسي شيبًا، وما زلت أحمل الكتاب أين ما ذهبت وأين ما حللت.

هكذا تنكسر كإنسان، ففي الجانب الآخر من هذه الحياة ثمة مواقف قد تُسبِّب لك أشد الآلام، فقد يخذلك أحدهم في العائلة، أو في العمل، أو قد يخذلك أحد الرفاق عندما تحتاج إليه لأي أمر!

غير أن أصعب الانكسارات هو انكسار الأُمّة، وما يحصل اليوم في غزة الجريحة، من خذلان أمة بأكملها لشعب أعزل يُعتدى عليه ويُباد ويُذبَّح أطفاله ونساؤه وشيوخه من الوريد للوريد منذ ما يقارب السنة، فقط لأنه يدافع عمّا تبقى من شرف هذه الأمة، ولم يرض بالظلم ويطالب بأرضه ووطنه، بينما الأمة ما تزال مشغولة بتجميع الأوراق والقراطيس والأدلة، لتذهب بها لتشتكي في أروقة المنظمات والمؤسسات التي تُدار من قوى البغي والشر والعدوان.

** خبير في الشؤون المالية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

جوارديولا يكشف تفاصيل «الاستراحة 15»!

 
معتز الشامي (أبوظبي)

أخبار ذات صلة دياز في ميونيخ لإتمام إجراءات انتقاله إلى البايرن أوجارتي: أموريم «الرجل المناسب» لمانشستر يونايتد


لا يخطط بيب جوارديولا للانتقال مباشرة إلى وظيفة أخرى، عندما يترك مانشستر سيتي، بعد نهاية مسيرته في «ملعب الاتحاد»، حيث يتطلع إلى فترة راحة طويلة، ويصر المدرب الإسباني على أنه يريد «استراحة» من التدريب، والتي ربما تستمر 15 عاماً!
وحقق جوارديولا نجاحاً مذهلاً طوال 9 سنوات قضاها مع «السيتي»، حيث فاز بـ18 لقباً، بما في ذلك 6 ألقاب في الدوري الإنجليزي، ودوري أبطال أوروبا، وكأس السوبر الأوروبي، وكأس العالم للأندية.
وبشكل عام تولى «بيب» المسؤولية عن 533 مباراة مع «البلومون» أكثر من برشلونة (235) وبايرن ميونيخ (162) مجتمعين، بينما فاز في 376 من تلك المباريات، لكن فريق جوارديولا أنهى الموسم الماضي من دون أي من الألقاب الأربعة الكبرى التي كانت في متناوله، للمرة الأولى منذ موسم الإسباني الأول في 2016-2017.
ووقع المدرب «54 عاماً» على تمديد عقد لمدة عامين مع مانشستر سيتي في نوفمبر، مما مدد فترة توليه المسؤولية حتى عام 2027، ولم يتضح بعد متى يخطط جوارديولا للتنحي عن منصبه في «ملعب الاتحاد»، لكنه لا ينوي تغيير خططه للحصول على إجازة عندما يحين ذلك الوقت.
وقال «بيب» لصحيفة «جي كيو إسبانيا»: «أعرف أنه بعد هذه المرحلة مع مانشستر سيتي، سأتوقف، هذا أمر مؤكد، حُسم الأمر، بل أكثر من حُسم، لا أعرف كم سأتوقف، سنة، سنتان، 3 سنوات، 5، 10، 15 سنة، لا أعرف، لكنني سأغادر بعد هذه الفترة مع «السيتي»، لأنني بحاجة للتوقف والتركيز على نفسي، على جسدي».
وأضاف: «قضيت 4 أو 5 أشهر هذا العام في كل ملعب خارج أرضي، وكان الجمهور يهتف: «سيتم طردك في الصباح، سيطردونك، لا توجد مهنة أخرى، مهندس معماري، مدرس، طبيب، صحفي، حيث يطلب منك 60 ألف شخص أن تفقد وظيفتك».
وتابع: «عندما تفوز بستة ألقاب في الدوري الإنجليزي الممتاز، تأتي لحظة تهبط فيها، إنها طبيعة بشرية، إنها عملية كان لا بد أن تحدث، وتحدث، وتستغرق وقتاً أطول، وعندما حدثت، كانت أعمق مما كنا نتصور».
وكان مانشستر سيتي فاز بأربعة ألقاب متتالية في الدوري الإنجليزي الممتاز قبل الموسم الماضي، لكن تراجع مستواه في منتصف الموسم جعله ينهي الموسم بفارق 13 نقطة خلف ليفربول البطل، كما خرج الفريق من دوري أبطال أوروبا في مرحلة الملحق، وهو خروجه المبكر تحت قيادة جوارديولا في البطولة، كما خسر في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي أمام كريستال بالاس، ومع ذلك، لا يرى جوارديولا موسم 2024-2025 بمثابة فشل، ويبدأ «مان سيتي» موسم 2025-2026 بمواجهة وولفرهامبتون 16 أغسطس.

مقالات مشابهة

  • “الغرب المتحضر.. حين يتحول الذئب إلى واعظ عن حقوق الإنسان!”
  • هذا ما نعنيه عندما نتحدث عن حق العودة
  • في غزة : عندما تفقد النقود قيمتها .. يعود الغزيون الى المقاضية
  • لكن يبدو أنهم تعاملوا مع موضوع (شفشفة العربات) بنظرية أكل التمر
  • بالصور.. بدء تصوير وتر حساس الجزء الثاني
  • تنظيم الاتصالات
  • البايرن يمدد عقد حارس مرماه أولرايش
  • كاتبة أميركية: عم نتحدث عندما نستذكر حق العودة؟
  • جوارديولا يكشف تفاصيل «الاستراحة 15»!
  • الأرصاد تزف بشرى سارة: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار غدًا