يموت الناس، وتبقى كلماتهم حية، صاحية، وصالحة للتكرار ما ارتبطت بأحداث جسام لا يمكن حذفها من الذاكرة.
وللزعماء فى مصر مقولات خالدة وباقية يستذكرها عشاق للتاريخ مدركين أن خلودها يصلح كدروس وعبر لأجيال أخرى تأتى لاحقا.
وربما تبقى أعظم مقولة فى تاريخ زعماء بلادى هى ما صاغه بعبقرية سعد زغلول مقررا أن " الحق فوق القوة، والأمة فوق الحكومة".
وتبقى أشهر مقولات الزعيم مصطفى النحاس التى لا تنسى تلك التى أطلقها يوم الغاء اتفاقية الصداقة المصرية البريطانية فى البرلمان سنة 1951 حين قال " من أجل مصر وقعت اتفاقية 1936 ومن أجل مصر أطالبكم اليوم بإلغائها"، وقد عبرت عن موقف حكومة وشعب مصر بعد مفاوضات للجلاء اتسمت بالتسويف والمماطلة من جانب الاحتلال البريطاني، وكانت المقولة بمثابة اعلان حرب شاملة على الاستعمار. وهى درس فى السياسة الخارجية يقوم على فكرة تبدل المصالح وفقا لتبدل الأحوال، فما يمثل قيمة فى وقت ما قد يمثل خصما فى وقت تال.
أما جمال عبد الناصر فله مقولات إنشائية عديدة، خاصة أنه تمتع بكاريزما شعبية اكتسبها من إجادته التلاعب بعواطف الجماهير. لكن على أى حال لا يمكن أبدا نسيان عبارته التاريخية "تؤمم الشركة العربية لقناة السويس العالمية، شركة مساهمة مصرية.." ذلك أنها ارتبطت برمز مُهم للكرامة الوطنية فى ظل زمن تحرر وطنى.
لكن ثمة مقولة أخرى رددها الناس سنين له بعد هزيمة يونيو 1967 تقول: "ما أخذ بالقوة لا يمكن أن يسترد إلا بالقوة" وهى بمثابة تحفيز واعلان موقف بأن حرب تحرير سيناء هى حرب حتمية، وإن لم يقم بها.
ولا ينسى الناس عبارة الرئيس أنور السادات الخالدة بعد انتصار أكتوبر سنة 1973 التى قال فيها "إن هذا الوطن يستطيع أن يأمن بعد خوف إنه قد أصبح له درع وسيف"، كما لا يُمكن نسيان مقولته الشهيرة لطرح مبادرة السلام عندما قال فى البرلمان سنة 1977 "وستدهش إسرائيل عندما تسمع الآن وأنا أقول أمامكم إننى على استعداد للذهاب إلى بيتهم، فى الكنيست ذاته لأناقشهم من أجل السلام".
وأتصور أن أشهر عبارة قالها الرئيس مبارك فى فترة حكمه ومازال الناس يذكرونها إلى اليوم تلك التى قالها قبيل تخليه عن السلطة بأيام فى خطابه الشهير إذ قال " سيحكم التاريخ بما لنا وما علينا، والوطن باق والأشخاص زائلون".
وتبقى كثير من الكلمات حية للأبد.
والله أعلم
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: زعماء مصر الذاكرة سعد زغلول البرلمان الاحتلال البريطانى بريطانيا الزعيم مصطفى النحاس اتفاقية مصر
إقرأ أيضاً:
كيف يمكن أن تتفوق الصين في سباق الذكاء الاصطناعي؟
ترجمة: قاسم مكي
كل شهر يَمُرّ يأتي بمؤشرات جديدة على أن الصين تلحق بالولايات المتحدة في تطوير الذكاء الاصطناعي. في نهاية عام 2024 بيَّنت الشركة الصينية الناشئة «ديب سيك» عمليا وبشكل قاطع أن وادي السليكون (مركز شركات التكنولوجيا المتقدمة والابتكار في الولايات المتحدة- المترجم) لا يحتكر النماذج المتقدمة للذكاء الاصطناعي.
فقد اتضح أن نموذج الذكاء الاصطناعي اللغوي الكبير الذي ابتكرته الشركة يحقق أداء مماثلا للنماذج الأمريكية باستخدام عدد أقل بقدر كبير من الرقائق الإلكترونية التي تستخدمها تلك النماذج. وفي أعقاب نموذج «ديب سيك» كشفت على بابا وبايت دانس ومونشوت أيه آي ومختبرات صينية أخرى عن قدرات جديدة. بل حتى قطاع صناعة الرقائق الإلكترونية الصيني المحاصر بالعقوبات شهد ارتفاعا في إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.
في وادي السيلكون تقدِّر أعداد متزايدة من مؤسسي الشركات الناشئة وأصحاب رأس المال المغامر حجم الإنجازات الأوسع نطاقا للصين، ويتعاظم إعجابهم بقدرتها على إتقان تصنيع المنتجات المعقدة بكميات كبيرة كالسيارات الكهربائية، وأيضا بالقدرة الصينية على استثمار أموال ضخمة في الطاقة الكهربائية.
رافق ذلك خلال الشهور العشرة الماضية إحساس بالضيق من سياسات إدارة ترامب لا سيما الحد من إصدار تأشيرات «اتش-1 بي» تحت كفالة صاحب العمل. وهي خاصة بالمهنيين المتخصصين (المهرة)، وتستخدم على نطاق واسع بواسطة الشركات في قطاع التقنية.
لا تزال الولايات المتحدة بكل المقاييس تقريبا محافظة على الصدارة العالمية في الذكاء الاصطناعي؛ فهي تملك أهم أصلٍ له، وهو السعة الحاسوبية (الحوسبية) كما تتمثل في رقائق الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدما. لكن القدرة الحاسوبية ليست المكوِّن الوحيد للذكاء الاصطناعي؛ فالصين تتمتع بميزات هيكلية أخرى في هذه المنافسة؛ لذلك حان الوقت لكي نسأل: هل يوجد سيناريو محتمل تتفوق فيه الصين على الولايات المتحدة في الذكاء الاصطناعي؟
تحتاج مراكز البيانات إلى كميات مذهلة من الطاقة الكهربائية.
وفي هذا المجال لدى الصين ميزة فائقة على الولايات المتحدة؛ فحسب تقديرات مركز أبحاث الطاقة «إيمبر إنيرجي» في النصف الأول من عام 2025 أنجزت الصين تركيب سعة توليد كهرباء من الطاقة الشمسية تبلغ 256 جيجاوات، وهي تساوي 12 مرة سعة التوليد المركبة في الولايات المتحدة (21 جيجاوات.) وفيما تشيد الصين 32 مفاعلا نوويا في الوقت الحاضر ليس لدى الولايات المتحدة مفاعل واحد قيد الإنشاء.
في الأثناء ظل الرئيس دونالد ترامب نشطا في عدائه لتوليد الكهرباء من الشمس والرياح؛ فهو يندد بهذه التقنيات، ويعتبرها «خدعة القرن»، ويوجه إدارته بإلغاء مشاريع تطوير كهرباء الرياح البحرية. وفي الأجل الطويل قد تواجه الولايات المتحدة مشكلات في إمداد الكهرباء؛ بسبب الاستهلاك الكبير في مراكز البيانات. أما الصين -وهي دولة تبذل قصارها لتجنب حرمان الصناعة الثقيلة من الكهرباء- فلا تواجه مخاطر تذكر في هذا الجانب.
الذكاء الاصطناعي أنتجته فئة من المواهب الفنية البشرية عالية المهارة وباهظة التكلفة. لبناء قدرات شركة ميتا (فيسبوك سابقا) ذُكِر أن مؤسسها مايكل زوكربيرج عرض رواتب بمئات الملايين من الدولارات لمهندسين أفراد، وحصل عديدون من الذين أُعلِن عن توظيفهم في مختبر «ميتا» على مؤهلاتهم من جامعات صينية منها جامعات تسينغهوا وبكين وشيجيانغ .
يميل هؤلاء المهندسون الصينيون إلى تغيير أماكن عملهم بسهولة؛ فهم أحيانا يتنقلون بين المختبرات في وادي السيلكون، وأحيانا يعودون إلى بلدهم حين تكون العودة جاذبة، أو عندما يخيب ظنهم في الولايات المتحدة.
أيضا في هذا الجانب يمكن أن تقوض سياسات ترامب الدينامية التنافسية؛ فتعاظم رهاب الأجانب في أوساط حركة ماغا يمكن أن يدفع المزيد منهم إلى العودة بمهاراتهم للصين.
الذكاء الاصطناعي ليس «سباقا» بسيطا. ما يهم ليس فقط إيجاد التقنية، ولكن ما يفعله كل بلد بها. لقد ظل وادي السليكون مهووسا بالذكاء الفائق وكأن من الممكن حبس المطلق في قمقم. أما بكين فأقل اهتماما بمعاملة الذكاء الاصطناعي وكأنه هدف فوق طبيعي، بل تعتبره تقنية ينبغي استغلالها؛ فالأكاديميون وواضعو السياسات الصينيون يتحدثون باستمرار عن الذكاء الاصطناعي كأداة «عملية» لتعزيز الصناعات القائمة.
سيساعد الذكاء الاصطناعي كلا البلدين على تقوية تخصصاتهما.
فأمريكا على سبيل المثال أفضل في قطاع الخدمات كالاستشارات والتقاضي. ومع الذكاء الاصطناعي ربما يصبح من الممكن زيادة عدد الدعاوى القضائية. والصين التي لديها بيانات تدريب على التصنيع أكثر تفوقا إلى بعيد قد تحقق نموا أفضل في إنتاج الإلكترونيات والمسيَّرات والذخائر.
العائق الرئيسي في مسار الصين نحو إتقان الذكاء الاصطناعي هو الافتقار إلى القدرة الحاسوبية، لكن في هذا المجال قد يفيدها ترامب؛ ففي صفقة غير مسبوقة من المقرر أن يقدم الرئيس الأمريكي رُخَص تصدير لشركتي إنفيديا، وأيه أم دي تسمح لهما ببيع رقائق إلكترونية إلى الصين إذا دفعتا إلى حكومة الولايات المتحدة 15% من عائدات مبيعاتهما.
من المؤكد أن فرص الصين في تطوير الذكاء الاصطناعي ستكون أفضل إذا خفَّفت الولايات المتحدة من قيودها؛ فهي لن تتمكن فقط من سد الفجوة في تدريب الذكاء الاصطناعي، ولكن ستكون قادرة أيضا على تزويد مواهبها التقنيَّة بقوة حاسوبية أكبر بكثير وقاعدة تصنيعية أشد متانة لتحسين الأداء.
دان وانغ زميل في معهد هوفر بجامعة ستانفورد ومؤلف «العجلة الفائقة- سعي الصين لهندسة المستقبل.»
الترجمة عن الفايننشال تايمز