يبدو أن نحو 30 عامًا لم تكن كافية لالتئام الجرح الإسرائيلي من كمين أنصارية عام 1967 الذي أوقعت فيه المقاومة وحدة النخبة البحرية "شايطت 13" وقتلت فيه 12 جنديا وضابطا تسللوا ليلا إلى لبنان، فقد اعتبر وزير دفاع الاحتلال الإسرائيلي يوآف غالانت أن حسابه الشخصي المفتوح منذ ذاك العام، مع قادة وحدة "الرضوان" في حزب الله إبراهيم عقيل وأحمد وهبي، أغلق باغتيالهما في الضاحية الجنوبية لبيروت قبل يومين.

نسف الأسطورة

شكّل هذا الكمين المحكم الذي أعدّه حزب الله ضربة قاسية، ضمن سلسلة صدمات تلقتها إسرائيل في حربها مع المقاومة وقدراتها الاستخبارية.

وعام 2010، أي بعد 13 عاما على الكمين، كشف الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، سر "كارثة شايطت" التي وقعت في بلدة أنصارية بين مدينتي صيدا وصور الساحليتين، التي وصلت إليها قوة كومنادوز إسرائيلية لتنفيذ مهمة عسكرية.

وقال نصر الله في خطابه إن أجهزة الحزب تمكنت من التقاط بث طائرة استطلاع إسرائيلية بدون طيار كانت تصور تلك المنطقة التي نصب أفراد حزب الله فيها كمائن لعدة أسابيع على افتراض أن يقوم جيش الاحتلال بعملية إنزال فيها.

وقد أثارت تصريحات نصر الله آنذاك حول الكمين -الذي صدم إسرائيل بمقتل كافة أفراده ضباطا وجنودا- ضجة في إسرائيل لأن تلك المعطيات خالفت استنتاجات لجنة التحقيق التي خلصت إلى أن الكمين الذي نصبه حزب الله كان عشوائيا.

وصفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية "كارثة شايطت" بالجرح الذي لا يلتئم، وبينما اعتبرتها واحدة من أكبر الصدمات التي تعرضت لها نخبة الجيش الإسرائيلي، وقال موقع "زمن إسرائيل" إنه بعد مرور سنوات على الحادثة فإنه ما زال من غير الواضح تماما ماذا جرى تلك الليلة.

وحدة النخبة التابعة للبحرية الإسرائيلية  (الصحافة الإسرائيلية-أرشيف) كمين وسط الفخ

ليلة الخامس من سبتمبر/أيلول 1997، انطلقت قوة خاصة إسرائيلية إلى عمق لبنان لنصب كمين لأحد القادة البارزين بعد مراقبته على مر شهرين تقريبا، وكان الهدف يتجه من النبطية إلى قرية أنصارية في مسار محدد، وكل مرة يصل إلى نقطة معينة يبطئ من سرعة سيارته بسبب حفرة في الطريق. وقررت إسرائيل اختيار تلك النقطة لتنفيذ عملية الاغتيال عبر زرع المتفجرات فيها.

ويذكر موقع "زمن إسرائيل" أن طائرة استطلاع كانت تتابع تحركات الهدف بشكل شبه يومي. لكن ما لم يعرفه الإسرائيليون أن الصور التي كانت تُرسل إلى مقر وزارة الدفاع في تل أبيب كانت ترسل أيضا إلى مركز العمليات في حزب الله.

إستراتيجية الكمائن

يوضح نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله في كتاب له أن "تفاهم نيسان" -الذي أبرم بين حزب الله وإسرائيل سنة 1996- ألزم الاحتلال بعدم استهداف المدنيين، وقيده بالمواجهة حصرا مع المقاومين، فاختار الجيش الإسرائيلي خطة زرع الكمائن.

وقبل كمين أنصارية، نجحت إسرائيل عبر تلك الإستراتيجية بزرع عبوة ناسفة في منطقة الكفور بالنبطية، وانفجرت العبوة بعدد من المقاتلين في لبنان.

وأرادت إسرائيل تكرار التجربة في بلدة أنصارية قضاء صيدا، فدخلت نخبة الكوماندوز البحرية عبر الخط الساحلي ليلا، وبمجرد وصولهم للمكان المحدد، وقعوا في كمين محكم أعده حزب الله، وبعد 3 ساعات من الاشتباك، كانت النتيجة سقوط 17 إسرائيليا بين قتيل وجريح.

عناوين صحيفة معاريف الإسرائيلية يوم "كمين أنصارية" (الصحافة الإسرائيلية)

وعلى الرغم من تدخل الطيران الإسرائيلي آنذاك، تمكن مقاتلو حزب الله من جمع بعض الأشلاء للجنود القتلى، مما شكل رصيدا مهما فيما بعد لعملية تبادل المعتقلين في السجون الإسرائيلية.

وكان الكمين محكما وجرى تنفيذه بدقة من قبل مقاتلي حزب الله، وهذا ما اعترف به قاسم في كتابه:

المقاومة كانت تملك المعلومات المسبقة حول العملية الإسرائيلية.  المقاتلون رصدوا القوة الإسرائيلية منذ لحظة نزولها على الشاطئ وحتى مرورها عبر البساتين.  جرى تجهيز العبوات الناسفة في عدة اتجاهات لتفجيرها لاسلكيًا في اللحظة المناسبة.  انتظار القوة الإسرائيلية في محيط المكان للاشتباك المباشر معها على الأرض. إخفاق أمني

قبيل وصول القوة الإسرائيلية إلى المنطقة، يقول موقع "زمن إسرائيل" إن الطائرات المسيرة أظهرت تحركات مشبوهة في المكان الذي كان من المفترض التوجه إليه، وكان القرار أن هؤلاء لم يكونوا بشرا وبالتالي لم يتم إعطاء أي تعليمات لقوة "شايطت" على الأرض.

ويروي أحد جنود وحدة النخبة الإسرائيلية ما حدث تلك الليلة فيقول "على بعد مئات الأمتار من المكان الذي كنا نخطط لزرع المتفجرات فيه، دوى انفجار مفاجئ، تلاه على الفور إطلاق نار مباشر. لقد كان هناك من ينتظر القوة". وبعد لحظات قليلة، وقع انفجار أكبر وصفه الجندي قائلاً "انطلقت كرة نار نحو السماء فجأة".

وعن مقتل المقدم يوسي كوركين قائد الوحدة الإسرائيلية، يقول الجندي الإسرائيلي "كان مستلقيا على بطنه، ناديته وهززته، ولم أصدق أنه قُتل. كان أسطورة في قوات النخبة، وها هو الآن ملقى أمامي في لبنان".

وبعد 20 دقيقة على الانفجار، يكمل الجندي: وصلت مروحيتان المنطقة، وبدأت قذائف الهاون تسقط قربهما، ثم وقع جدل بين قائد القوات الخاصة في قارب القيادة بالقرب من شواطئ صور وقائد سلاح الجو الذي كان بمقر القيادة في تل أبيب. فقد أمر قائد سلاح الجو الطيارين بالإقلاع خوفا من التعرض لهجوم، في حين أصر قائد القوات الخاصة على عدم المغادرة حتى يتم العثور على كافة أشلاء الجنود.

تصوير جوي إسرائيلي لموقع "كمين أنصارية" عام 1997 (الصحافة الإسرائيلية) اعتراف متأخر

فاق اختراق المقاومة في عملية أنصارية للطائرات المسيرة الإسرائيلية توقعات جيش الاحتلال الذي يتباهى بتفوقه النوعي. وبعد سنوات من العملية، أقر محلل الشؤون العسكرية لدى "معاريف" الإسرائيلية عامير رابابورت في تحقيق نُشر بالصحيفة أنّ حزب الله علم مسبقاً بعملية أنصارية، وأنّ الصور ومقاطع الفيديو التي رصدتها الطائرة من دون طيار الإسرائيلية عن مسار وحدة الكوماندوز البحري الإسرائيلي، التقطت بواسطة أجهزة رصد تابعة للحزب.

كما كشف تحقيق "معاريف" عن إخفاء معلومات وصلت إلى قيادة سلاح البحرية الإسرائيلي عن وجود "شخصيات مشبوهة" في مسار العملية جرى كشفها عن طريق أجهزة تسجل حرارة جسد الإنسان من علو شاهق لكنها لم تنقل إلى القيادة الميدانية.

وبعد عملية عناقيد الغضب عام 1996، اعتمدت قيادة الجيش الإسرائيلي خطة تهدف إلى نقل حزب الله من حالة الهجوم والمبادرة إلى موقف دفاعي يستقبل الضربات. وبدا هذا الخيار في نظر إسرائيل حينها إستراتيجيا وواعدا. لكن النتائج القاسية لكمين أنصارية، سواء من حيث الخسائر أو نوعيتها، أظهرت تفوقًا استخباراتيًا غير مسبوق زعزع ثقة القيادة الإسرائيلية بتلك الاستراتيجية.

وجاء تصريح غالانت بعد ضربة الضاحية الجنوبية التي قال "إنها مثيرة للإعجاب" ليظهر أن ألما قديما ما زال يطارده بسبب كمين أنصارية، وباغتيال قائدي وحدة الرضوان في حزب الله، أغلق وزير الدفاع الإسرائيلي ذاك "الحساب الشخصي" الممتد منذ 27 عاما، فقد اتهم عقيل ووهبي بالإعداد للكمين الذي أودى بحياة جميع أفراد القوة الإسرائيلية بقيادة المقدم كوركين، لكنه ترك لحزب الله "حسابا مفتوحا" مع إسرائيل، بدأ بقصف مواقع عسكرية في مدينة حيفا، وإدخاله صواريخ "فادي 1″ و"فادي 2"  في المواجهة لأول مرة مهددا بالذهاب إلى ما بعد حيفا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات القوة الإسرائیلیة حزب الله

إقرأ أيضاً:

هآرتس: إسرائيل وإيران وصلتا للامتحان الحقيقي الذي سيحسم في واشنطن

سلطت صحيفة "هآرتس" العبرية، الضوء على جهود إيران في تطوير قدراتها النووية، وتسريع هذه الجهود منذ كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بحسب البيانات التي نشرها تقرير المراقبين، ما يشكك في إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالنصر على المحور الذي تقوده طهران.

وقالت الصحيفة في مقال كتبه ألوف بن، إنّ "التقديرات الإيرانية تشير إلى أن إسرائيل غير قادرة على تدمير المشروع النووي"، مشددة في الوقت ذاته على أن الطرفين وصلا الآن إلى الامتحان الحقيقي، الذي سيتم حسمه في البيت الأبيض.

ولفتت إلى أن "تقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية حول إيران، كشف عن مكانة طهران القريبة جدا من ترسانة السلاح النووي، في حين أن إسرائيل غارقة في وحل غزة"، معتبرة أن "هذه البيانات تعرض وبدقة هندسية إنجاز إيران وتضع في محل شك إعلانات الناصر لنتنياهو على المحور الإيراني".

وذكرت أنه "في بداية الحرب عام 2023 كانت إيران تمتلك 128.3 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بمستوى 60 بالمئة"، منوهة إلى أنه "قبل أسبوعين كان لديها 408.6 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب، أي أكثر من ثلاثة أضعاف".



وتابعت: "الآن مطلوب من إيران درجة واحدة أخرى من التخصيب كي تتمكن هذه المادة المتفجرة من أن تصبح قنبلة نووية"، مضيفة أن "البنية التحتية، والمعرفة والقدرة، توجد منذ زمن في يدها، والوقت المطلوب للتخصيب النهائي يصل إلى صفر تقريبا".

وبحسب خبير الطاقة الأمريكي ديفيد البرايت، فإن أسلوب فقط مطلوب لإنتاج اليورانيوم المخصب لقنبلة واحدة في منشأة بوردو، والمخزون الذي يوجد لدى إيران يكفي لإنتاج 10 رؤوس حربية نووية، ويوجد لديها مادة لتغذية أجهزة الطرد المركزية لشهرين أو ثلاثة أشهر.

ولفتت "هآرتس" إلى أنه وفق التقارير فإنه في السنة الأولى للحرب حافظت إيران على وتيرة تخصيب اليورانيوم، معتقدة أن "الانقلاب حدث في 5 كانون الأول/ ديسمبر 2024، حينما بدأت طهران بتغذية أجهزة الطرد المركزي باليورانيوم المخصب بمستوى 20 بالمئة، من أجل مراكمة كمية كبية من اليورانيوم المخصب بالمستوى الأعلى الذي يصل إلى 60 بالمئة، بوتيرة أعلى سبعة أضعاف مما كان في السابق".

وأوضحت أن "ذلك نقل العتبة النووية إلى نقطة الانطلاق قبل الأخيرة"، منوهة إلى أن "الوكالة الدولية للطاقة النووية لم تجد أي دلائل على مشروع نشيط لتركيب رؤوس حربية نووية".

وأشارت إلى أن المخابرات الأمريكية أيضا تقدر بأنه لا يوجد مثل هذا التطوير، وعلى فرض       أنهم على حق، فإن إيران بحاجة إلى وقف إضافي من أجل تركيب القنابل على الصواريخ، التي يمكن أن تصل إلى إسرائيل، مشددة على أن "مراكمة المادة المتفجرة هي المرحلة الأكثر حسما في الطريق إلى السلاح النووي".



ورأت الصحيفة العبرية أن الإيرانيين عملوا في وقت مريح، ففي ديسمبر الماضي كانت الولايات المتحدة في فترة انتقالية بين الرئيسين جو بايدن ودونالد ترامب، والإدارة السابقة كانت منهكة من الهزيمة بالانتخابات والخشية من عودة ترامب، وترأسها رئيس مريض وجد صعوبة في أداء عمله.

وتابعت: "إسرائيل كانت مصابة بثمل النصر بسبب انهيار حزب الله ونظام الأسد، وتستعد لاحتلال قطاع غزة وطرد سكانه بعد ترك بايدن ورفع ترامب القيود عن الجيش الإسرائيلي".

ولفتت إلى أنه "في 20 كانون الأول نشرت في "وول ستريت جورنال" مقابلة مع نتنياهو، التي تبجح فيها بالنصر في الحرب وبالضربة القاسية التي وجهتها اسرائيل لإيران. هو لم يقل وربما لم يعرف، بأنه في حينه كان مهندسو الذرة يعملون في بوردو على القفزة الأكبر نحو القنبلة".

وقالت "هآرتس": "الآن وصل خامنئي ونتنياهو إلى الامتحان الحقيقي الذي سيحدد نتيجة الحرب، وميزان القوة في الشرق الأوس، فإيران كما يبدو تقدر بأن إسرائيل غير قادرة على تدمير مشروعها النووي، سواء بسبب نقص السلاح المناسب أو بسبب معارضة ترامب الذي يخشى من التورط العسكري وارتفاع أسعار النفط".

وختمت: "نتنياهو يحاول التلميح إلى أن المنع العلني لترامب لمهاجمة إسرائيل في إيران هو في الحقيقة موافقة بصمت على عملية مفاجئة، تعطي للأمريكيين هامش إنكار (..)، كل طرف يتصرف وكأن الأوراق لديه، وينتظر القرار الحاسم في البيت الأبيض، إما اتفاق نووي يدحرج المشكلة إلى المستقبل أو المعركة".

مقالات مشابهة

  • رزقي نادر يكشف تشكيلته الأساسية في مواجهة تونس
  • هآرتس: إسرائيل وإيران وصلتا للامتحان الحقيقي الذي سيحسم في واشنطن
  • بالصورة.. هذه هويّة المواطن اللبنانيّ الذي اعتقله العدوّ الإسرائيليّ مقابل رأس الناقورة
  • سفن الكهرباء تعود للعراق بعد غياب 17 عاما.. ماذا نعرف عن “بواخر الطاقة” التي ستتعاقد عليها بغداد؟
  • عاجل. هيئة البث الإسرائيلية: صاروخان أطلقا من درعا جنوبي سوريا باتجاه إسرائيل
  • "كمين جباليا".. الجيش الإسرائيلي يكشف تفاصيل مقتل جنوده الثلاثة في غزة
  • كشف هوية  الشخص الذي هاجم مسيرة داعمة للاحتلال في أمريكا وقتل 6
  • هجوم بالنار على متضامنين مع إسرائيل.. من هو المصري الذي أرعب الصهاينة؟
  • هجوم بالنار على متضامنين مع إسرائيل.. من هو المصري الذي أرعب كولورادو؟
  • بوريطة: الموقف الذي عبرت عنه المملكة المتحدة بشأن قضية الصحراء المغربية سيعزز الدينامية التي يعرفها هذا الملف