حزب الله واسرائيل.. معركة سقوط السرديات!
تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT
بعد أن بدا واضحًا اليوم، عبر جملة من المعطيات والمؤشرات التي دلت على أرجحية الحرب في المنطقة (رغم عدم رغبة كل من إيران والقوى الدولية والإقليمية) إلا أن التصعيد الإسرائيلي الخطير في لبنان خلال الأيام الماضية، وإن بدا أنه قوي ويتخطى العديد من الخطوط الحمراء التي حددها حسن نصر الله من قبل، سيكون تهديدًا ناقصًا حتى الآن رغم خطورته.
أمام هذا الخيار الخطير لكل من إسرائيل وحزب الله، تقف جميع القوى الدولية والإقليمية غير الراغبة في الحرب موقف المتفرج منذ إعلان الولايات المتحدة الأمريكية للجميع في المنطقة بأنها ستقف إلى جانب إسرائيل حال تدخل إيران في الحرب، لكن الأخيرة بحسب تسريبات موقع (أكسيوس) الصحفي الأمريكي لا تبدو متحمسةً للحرب إلى جانب حزب الله، رغم أن موقع (أكسيوس) سرب خبرًا مفاده أن حزب الله طلب من إيران التدخل في الحرب إلا أن الأخيرة تحفظت على طلبه.
وبإزاء موقف براجماتي كهذا من إيران حيال حزب الله - بالرغم من الضربات التحويلية الخطيرة التي أصابت الحزب في مقتل - ستصبح مفاجآت الحرب في المنطقة أكثر دراميةً فضلًا عن أن توقيت هذه الحرب كان واضحًا أنه التوقيت المثالي لإطلاقها بالنظر إلى سياق جملة من القضايا التي لا تجعل القوى الدولية والإقليمية في وراد التدخل لإنهاء الحرب؛ ما دامت حربًا بين حزب الله وإسرائيل، ما لم تتدخل إيران فيها.
فمن ناحية، تبدو الانتخابات الأمريكية هي الشغل الشاغل الذي لن تفيق منه الولايات المتحدة الأمريكية إلا بحلول الثاني من نوفمبر المقبل، وهذا يعني أن هناك مدة أكثر من شهر لإطلاق يد إسرائيل في ضرب حزب الله الذي بدا أنه قد ترك وحيدًا.
ومن ناحية ثانية، تنشغل أوروبا بحدث الحرب الأوكرانية على نحو لا يجعلها قادرة على احتواء حرب الشرق الأوسط سوى بتلك الرحلات المكوكية التحذيرية لدبلوماسييها إلى بيروت، قبل وبعد الحرب.
لهذا يمكن القول إن الشرق الأوسط أمام فصل درامي جديد وشديد الخطورة جراء هذه الحرب التي تحدث اليوم بين إسرائيل وحزب الله.
وإذا بات مستحيلًا فصل سياق حروب إسرائيل في جنوب لبنان منذ عام 1978عن المآلات الممكنة النهايات لهذه الحرب الأخيرة بحسب وجهة نظر إسرائيل (التي تستهدف إبعاد حزب الله إلى شمال نهر الليطاني) لتظن بعد ذلك أن أمن مستوطنات الشمال بات ممكنًا، فإن ذلك لا يبدو رهانًا منطقيًا يمكنه أن ينهي الحرب بين الطرفين.
عليه، سيبدو واضحًا أن هذه المعركة بين حزب الله (في ظل الظروف القاسية التي يمر بها الحزب، والشروط المثالية المؤاتية لإسرائيل حيال وضع الحزب اليوم) أنها ستكون لا محالة معركة كسر عظم بين الطرفين.
هذا يعني أننا بإزاء حرب مختلفة، وإن كان تاريخها يعكس نمطًا مزمنًا من الصراع الذي لا يمكن أن ينتهي بين الطرفين من دون تدخل دولي وإقليمي نافذ.
لقد كشفت عملية طوفان الأقصى وتداعياتها المحلية والإقليمية عن اهتزاز متعدد الوجهة والمكان لبعض السرديات، تأتي على رأسها سردية ما سمي بمحور المقاومة الذي تقوده إيران في المنطقة وما يتصل به كمفهوم وحدة الساحات.
كما كشفت العملية عن خلل خطير في بنية تعاطي النظام الأمني الإسرائيلي مع التهديدات النوعية لأمن إسرائيل؛ كالتي أقدمت عليه حماس عبر هذه العملية، وهو نمط لا يمكن للعالم ولا للقانون الدولي قبوله، كما رأينا في تحرك محكمة الجنايات الدولية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير دفاعه يؤاف غالانت، بناءً عن الشكوى التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا وانضمت إليها دول أخرى.
وإذ بات واضحًا أنه ليس بإمكان محور المقاومة خوض حرب استراتيجية طويلة المدى مع إسرائيل، فإن الطريق بات مفتوحًا لنتانياهو لاستكمال خلاصه الفردي في الوصول بهذه الحرب إلى نهايات خطيرة، لا محالة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی المنطقة هذه الحرب حزب الله واضح ا
إقرأ أيضاً:
لماذا لا تستطيع إسرائيل أن تنتصر في غزة؟
عندما بدأت إسرائيل حربها على غزة في أكتوبر 2023، لم يكن الهدف المعلن أقل من «القضاء التام على حماس». بدا ذلك، لحظة انفعالية، وكأنه مهمة ممكنة. فإسرائيل دولة ذات تفوق عسكري لا يُضاهى في المنطقة، وتتمتع بدعم غربي سياسي وتسليحي ضخم، بينما تقاتل حركة محاصَرة، محدودة الموارد، ومعزولة جغرافيا. لكن أكثر من 20 شهرا من القصف والدمار والإبادة الجماعية لكل ما يدب على الأرض، لا يبدو النصر، وفقا للتوجيه السياسي المعلن والصادر للمؤسسة العسكرية، في الأفق، بل إن إسرائيل نفسها باتت أبعد من أي وقت مضى عن تحقيق أهدافها في الحرب.
ما الذي يحدث إذن؟ ولماذا لم تعد القوة العسكرية كافية لتحقيق الانتصار؟ ولماذا تصبح كل حرب تشنها إسرائيل على غزة أطول، وأكثر دموية، وأقل فاعلية؟
في عمق العقيدة العسكرية الإسرائيلية ـ كما هو الحال في كثير من العقائد العسكرية الغربية ـ ترسّخت فكرة الحرب الخاطفة، التي تحقّق النصر السريع من خلال الضربة الأولى الساحقة، وقد نجحت هذه العقيدة في حرب 1967، لكنها فشلت مرارا منذ ذلك الحين، خصوصا في مواجهة الخصوم غير النظاميين الذين يتقنون حرب المدن والأنفاق، ويجيدون تحويل نقاط ضعفهم إلى أدوات استنزاف طويلة الأمد.
تشبه الحالة الإسرائيلية في غزة ما يسميه بعض الاستراتيجيين «مغالطة الحرب القصيرة»؛ حيث يُفترض أن صدمة القوة ستدفع الخصم إلى الانهيار، لكن الواقع يُثبت أن الخصم ـ عندما يكون متجذرا شعبيا، وعقائديا، ومتحركا جغرافيا ـ لا يُهزم بهذه الطريقة، بل على العكس، كلما طال أمد الحرب، زادت فاعليته، واهتزت صورة القوة المتفوقة أمام جمهورها.
تُظهر تجربة إسرائيل في غزة أن التفوق العسكري وحده لا يكفي؛ فإسرائيل دمرت معظم البنية الأساسية في القطاع، وقتلت عشرات الآلاف، وهجّرت الملايين في غزة لأكثر من مرة، لكنها لم تستطع إقناعهم بالتخلي عن المقاومة، ولم تستطع فرض سيناريو «ما بعد حماس» رغم أنه كان شغل العالم الشاغل أكثر من شغلهم بإنهاء الحرب ووقف الإبادة. وفي غياب هذا السيناريو، تبدو الحرب بلا غاية واضحة سوى التدمير، وهذا ما يحدث الآن، فلا هدف واضح لجيش الاحتلال إلا التدمير والاستمتاع بالقتل والتجويع.. لكن هذا الأمر رغم فظاعته إلا أنه بات يفقد إسرائيل زخمها السياسي ويقوّض مشروعيتها الأخلاقية التي كانت توهم العالم بها.
وبينما تبحث إسرائيل عن «نصر كامل»، تواصل حماس الظهور والاختفاء، القتال والتكتيك، مقاومة القصف وممارسة الإعلام. لم تعد المعادلة تقتصر على مَن يملك الطائرات والدبابات، بل مَن يملك القدرة على الصمود، وعلى إدارة زمن طويل من القتال غير المتكافئ.. ومن يستطيع أن يقنع العالم بسرديته، ويبدو أن غزة تحقق تقدما عميقا في هذا الجانب رغم أنه بطيء جدا بسبب عملها منفردة في ظل غياب المشروع العربي الموحد في هذا الجانب.
وإذا كانت حرب إسرائيل الظالمة تفشل فإن السبب لا يعود كما يعتقد البعض إلى ضعفها العسكري ولكن إلى حجم التناقض بين الوسائل والغايات؛ فبينما تُستخدم القوة التدميرية بأقصى درجاتها، يبقى الهدف السياسي ـ القضاء على حماس ـ أو بمعنى آخر القضاء على المقاومة هدفا مجردا وغير واقعي بالنظر إلى عقيدة المقاوم الفلسطيني الذي ما زال متمسكا بحقه في أرضه وبأن مشروعه الأول هو تحرير أرضه من المحتل الإسرائيلي.
وأثبتت التجربة أن قتل القادة وتدمير المباني لا يعني نهاية المقاومة، بل إن رفض المحتل الإسرائيلي لأي شكل من أشكال الحل السياسي وإمعانه في التدمير والإبادة يحفز المقاومة ويوسع قاعدتها الشعبية وحاضنتها الاجتماعية وتغلغلها في العقيدة الفلسطينية. وما حدث في غزة خلال العامين الماضيين من شأنه أن يعمق الحقد ويحفز مشاريع الانتقام حتى عند أولئك الذين آمنوا في لحظة من اللحظات بفكرة «السلام» مع إسرائيل.
ومن الواضح أن الحروب بين الاحتلال والمقاومة في العقدين الماضيين لا تنتهي إلى نتيجة واضحة، إنها أقرب إلى «صراعات بلا نهاية»، لا اتفاقات سلام واضحة ولا بيانات استسلام، بل جولة تضع بذورا لجولة أخرى، وكل هدوء هش يفضي إلى انفجار عنيف جدا وهو ما يجعل من الصعب قياس النصر والهزيمة.
رغم ذلك فإن «حماس» في نظر الفلسطينيين والكثير من العرب تنتصر بمجرد بقائها على قيد الحياة، واستمرارها في المقاومة أو نجاحها في تنفيذ عملية نوعية مهما كانت نتائجها، وهذا يعكس الفارق بين من يُقاتل من أجل بقاء دولة، ومن يُقاتل من أجل بقاء القضية.
ربما كان الدرس الأهم من هذه الحرب ـ والحروب التي سبقتهاـ هو أن الاستراتيجية العسكرية يجب أن تكون امتدادا لرؤية سياسية واضحة، وليس بديلا عنها، وحين تنفصل عن السياسة، تتحول إلى عبث.
تستطيع إسرائيل أن تُلحق أذى هائلا بغزة كما تفعل الآن، لكنها لا تستطيع فرض السلام من طرف واحد، ولا بناء واقع دائم بالقوة فقط.
لكن ما يعيق إسرائيل عن تحقيق النصر في غزة ليس فقط قدرة حماس على القتال، بل غياب الاعتراف الإسرائيلي بأن هذا النوع من الحروب لم يعد يُنتصر فيه بالطريقة التقليدية، وقد آن الأوان أن تعترف بأن قوة السلاح وحدها لا تكفي، وأن غزة ومن فيها واقع لا يمكن أن تمحي وجوده أبدا وإن لم تبدأ بقراءة هذا الواقع بعيون سياسية لا عسكرية، فستظل تدور في حلقة حرب لا تنتهي، وتتحول حربها الظالمة بالضرورة إلى مجرد إبادة إنسانية.
عاصم الشيدي كاتب ورئيس تحرير جريدة عمان