صحيفة التغيير السودانية:
2025-07-31@04:45:28 GMT

التجهيز لحقبة جديدة في الشرق الاوسط

تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT

التجهيز لحقبة جديدة في الشرق الاوسط

عبدالله ديدان

مشروع الشرق الاوسط الجديد، الذي أعدته كونداليزا رايس، إبان توليها وزارة الخارجية الامريكية وقبلها مجلس الامن القومي فى فترتي حكم الرئيس الامريكي جورج بوش، كان مصمما لايجاد معالجات جذرية لازمة الجماعات الاسلامية الارهابية وبنفس طويل، حيث تم تصنيف جماعات الاسلامية السياسي المتشددة الى فئتين، فئة الاخوان المسلمين السنية وفئة المتشددين الشيعة المحور الايراني، وكلاهما تصنفان جماعات مهددة للسلم والاستقرار الاقليمي والدولي وكل الجماعات الارهابية فى العالم، تم بروزها من خلال هذين المشروعين، لذلك وضعت امريكا رؤيتها على اساس تفكيك البني الجذرية لهاذين المحورين، جماعة الاخوان المسلمين تم تجميعهم عن طريق الانتخابات، بعد ماعرف بثورات الربيع العربي فى معاقلهم المسيطرة والمرجعية، فى كل من مصر وتونس ومن ثم، تم الانقضاض عليهما من الداخل والفتك بهما، بواسطة انقلابات مدعومة ومؤيدة ومطلقة اليد للتخلص منهما، فمات قادة الاخوان فى سجون السيسي فى مصر، بينما يواصل قيس السعيد القضاء على القنوشي ورهطه بتؤدة وروية مستقاة من التاييد الامريكي والغربي، اما المحور الشيعي الايراني وتمدده فى لبنان عبر حزب الله وحماس فى غزة والحوثيين فى اليمن ومجموعاته الاخري فى العراق وسوريا، يشكل المحور القتالي المسلح المستهدف لاسرائيل كزريعة ولكن فى حقيقة الامر، هو يستبطن المشروع التوسعي الايراني فى المنطقة ومحاصرة دول الخليج الغنية والمتحالفة مع امريكا والمصادقة مؤخرا لاسرائيل، ظلت امريكا ترجئ تفكيك هذا المحور الى حين اقتلاع الاخوان المسلمين الملهمين والمنتجين للجماعات الارهابية، بعده بدأ الاتجاه الى محور ايران الذي لن يصمد طويلا، فإيران انهكتها العقوبات والحصار الاقتصادي الذي جعل الشعب الايراني يتوق الى الفرار من دولة الملالي المتشددة والمعادية للعالم، مما افقد ملالي ايران الزخم الداخلي القديم، بعد انكشاف مشروعهم داخليا، القائم على المتاجرة بالدين والجالب للعداوات الخارجية بما يهدد أمن ايران نفسها، منذ شهور بدأت امريكا والغرب عملها فى هذا المحور من خلال جر حماس لمهاجمة اسرئيل فى اكتوبر الماضي وهى شرارة اشعال معركة التفكيك، فكان القضاء على رؤوس حماس والاف المقاتلين والابرياء من الشعب الفلسطيني فى غزة، كما بدأ الهجوم العسكري بالطيران على الحوثيين، بعد ابتلاعهم الطعم فى البحر الاحمر، واثناء ذلك، تم الانقضاض على حزب الله بضربات حاسمة، فكان ان تم القضاء على كل قادته ومعظم ترسانته العسكرية، غالبا ما تتحول المعركة الى اليمن بعد فشل التحالف السعودي الاماراتي فى انجاز المهمة، بسبب اعتماده على قوات مرتزقة سودانية وعدم خبرته فى مثل هذه الحروب….


الان تتم قصقصة اجنحة ايران القوية فى المنطقة وربما يتم وضعها امام خيارين فقط، التخلص طوعا واختيارا من مشروعها النووي او تدميره، عبر جرها الى حرب مباشرة مع اسرئيل، وهو الشيء الذي لا تريده ايران الضعيفة والمعزولة، لذلك نري رئيسها بزسكشيان المنتخب حديثا، بعد قتل الرئيس السابق ابراهيم رئيسي، يحاول فى نيويورك ان يقول كلاما يحتوي على جمل تعبر عن الرغبة فى التهدئة التى ما عادت ممكنة الا وفق الشروط الامريكية- الاسرائيلية -الغربية- الخليجية والخليجية هذه تجلت فى زيارة مخمد بن زايد الى امريكا والتة سبقت انعقاد الجمعية العامة للامم المتحدة، بحصيلة تريليون دولار وشراكة دفاعية رئيسية بين الامارات وامريكا.
لا أحد يمكنه ان ينجد ايران حاليا، فروسيا تم اغراقها تماما فى حرب مع النيتو، تدور فى الاراضي الاوكرانية ويتم استنزافها اقتصاديا وعسكريا بصورة مهولة وهي تقف وحيدة، امام قوي عسكرية واقتصادية واسعة ومتمكنة وتمتلك خبرة طويلة فى ادراة الصراع، بينما روسيا دولة الرجل الواحد، بوتين، يمكن ادخالها فى نفق معقد لا تعرف كيف تخرج منه، وهو ما يحدث فعلا، بينما الصين تلعب على المستقبل وتفكر فى ملء الفراغ الاقتصادي الذي ستتركه روسيا حين تشيخ فى مستنقع اوكرانيا.
السودان ليس بعيدا عما يجري، فهو جزء اساسي فى منظومة الاخوان المسلمين والمحور الايراني مثله مثل حماس تماما، لا يمكن قراءة التلكؤ الدولي فى الضغط من اجل ايقاف الحرب السودانية، ومسارعة امريكا للامساك بهذا الملف، فور اشتعال الحرب فى ١٥ ابريل، الا من خلال مشروع الشرق الاوسط الجديد، هذه الحرب لم تكن غير متوقعة وليست مفاجئة مطلقا، فالحركة الاسلامية السودانية مدفوعة بمحركات ذاتية واقليمية تخص مصالح متداخله هي جزء منها، كان من السهل وضعها فى طريق اشعال الحرب للتخلص منها، حتى ولو كان الثمن الذي يدفعه الشعب السوداني، ثمن باهظ كما يحدث الان، فالسياسات الغربية والامريكية لا تشترط سلامة الشعوب، حين يتعلق الامر بمصالحها وامنها القومي الممتد فى كل القارات..
المنطقة مقبلة على حقبة جديدة، تتسم بالعنف المفرط والخاطف مالم تمضي الامور فى اتجاه حرب مباشرة مع ايران، الكاسب الاكبر من هذا الصراع سيكون افريقيا التى ستتلقي كيكة التغيير، دون ان تدفع ثمنها واذا احسن القادة الافارقة قراءة هذه التحولات، يمكنهم ان يكونوا شركاء مستفيدين مع الخليج والغرب، اذ ان الدول الافريقية ليست جزءا من حواضن الارهاب والجماعات الاسلامية المتشددة باستثناء الصومال التى تم تخليصها منهم بجهد افريقي مدعوم غربيا…

نقلاً عن صفحته بفيسبوك

الوسومعبدالله ديدان

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الاخوان المسلمین

إقرأ أيضاً:

كيف أصبحت المقاومة البديل الذي لا يُهزم؟

أمام الهزائم العسكرية والسياسية للأنظمة العربية، كانت الشعوب العربية تفرز أدواتها في المواجهة. فمنذ ثلاثينيات القرن العشرين تحولت القضية الفلسطينية من رخاوة الأنظمة إلى صلابة التنظيمات.

ففي المواجهة لم تسقط الزعامات والأيديولوجيات فقط، بل سقطت أيضا الجيوش النظامية ومعها سقط دورها في التحرير. وخلف عجز الأنظمة كانت تتراءى حماسة الشعوب. وخلف ضعف الجيوش كانت تبرز جسارة القوى الضاربة.

فكأن التنظيمات السياسية والأيديولوجية قد جاءت لملء الفراغ. فقد أحيت نكبة 1948 في الأمة مفهوم الجهاد. وحررت هزيمة 1967 المبادرة الشعبية وأيقظت مفهوم التحرير. وفجرت معاهدة كامب ديفيد 1978 حركات المقاومة مع بداية الثمانينيات. وعلى طول تاريخ القضية الفلسطينية، كانت تتعايش أطروحتان: واحدة للمقاومة، وأخرى للسلام.

النكبة

لقد وجدت الجامعة العربية نفسها بعد بضع سنوات من تأسيسها أمام أصعب اختبار لها: القضية الفلسطينية. لم يكن تأسيسها من أجل تحرير فلسطين، بل كان محاولة بريطانية لتجاوز ضغائن الخديعة البريطانية للشريف حسين.

فكان ميلاد الجامعة تعويضا عن دولة الوحدة بوجهيها القومي والإسلامي. ومن ثم لم تكن فلسطين على جدول أعمال تلك المنظمة الإقليمية الناشئة. ولا شك في أن عجز المنظمة وأنظمتها على معالجة المسألة منذ بواكيرها قد دفع نحو تدويل القضية. فكان قرار التقسيم نوفمبر/ تشرين الثاني 1947 حجر الأساس للكيان الغاصب. لتندلع بعده إحدى أعتى المواجهات.

قررت الحكومات العربية في اجتماع "العالية" 1947 أن تكوّن فصيلا شبابيا حسن التدريب والأداء. وتولت جامعة الدول العربية تأسيس "جيش الإنقاذ" بقيادة فوزي القاوقجي. ولكن الضغط البريطاني كان كفيلا بإسقاط ذلك المشروع. وهو المصير نفسه الذي لقيته لجنتهم العسكرية بقيادة "طه الهاشمي" واللواء إسماعيل صفوت باشا.

إعلان

وحتى النجاحات التي حققتها تلك الجيوش في الجولات الأولى للصراع ذهبت أدراج الرياح بفعل المناورات الغربية (الهدنة الأولى والثانية). فكانت نكبة 1948 فاتحة الهزائم العربية. إذ لم تكن الحكومات العربية في حجم القضية.

فما بين العجز الذاتي والارتهان للقرار البريطاني والخيانة الصريحة، كانت الحكومات العربية تُسقط من حسابها أي مواجهة جدية للأطماع الصهيونية في فلسطين، وتتنصل من مسؤولياتها القومية والإسلامية.

فقد خضعت أغلب الحكومات العربية لإرادة الغزاة. وظلت "تستجدي الحلول من القوى الإمبريالية التي كانت ولا تزال تشكل رأس حربة في أزمة القضية الفلسطينية".

ففلسطين لم تكن "المحرك الرئيسي لسياسات الدول العربية، بل كان الدافع وما يزال هو تأمين الأنظمة الحاكمة في الدول الوطنية في مرحلة ما بعد الاستعمار". وتلك الحسابات كانت السبب المباشر في تأخير الاستجابة لداعي الجهاد في فلسطين.

التنظيمات الشعبية ونقد الدولة

أمام عجز الأنظمة العربية كانت التنظيمات قبل النكبة وبعدها تدخل على خط الصراع. فكتب ميشال عفلق سنة 1946 يقول: "لا ينتظر العرب ظهور المعجزة: فلسطين لا تنقذها الحكومات بل العمل الشعبي". وساد اعتقاد لدى حسن البنا أن الأنظمة العربية ليست جادة في مقاومة الاحتلال.

وأكد كامل الشريف "أنه لا خير يرجى في هذه الحكومات". فالعوائق أو "المصائب" أو "العبث" الذي يجد ترجمته في فساد أنظمة الحكم القائمة، وهيمنة الاستبداد السياسي، واختلاف الدول العربية فيما بينها… كل تلك العوامل في تضافرها كانت "كافية لإيقاع الهزيمة".

وقد كان نقد الموقف العربي الرسمي من القضية الفلسطينية مقدمة لسحب القضية من الأنظمة ووضعها بين أيادي الفعاليات الشعبية المدنية والعسكرية. ففي فلسطين بادرت "الهيئة العربية العليا" برئاسة الحاج أمين الحسيني بتشكيل قوات "الجهاد المقدس" بقيادة عبدالقادر الحسيني.

وخلال الأشهر الخمسة الأولى للحرب تمكنت تلك القوات من تكبيد العصابات الصهيونية خسائر فادحة. ولكن مع دخول جيوش الدول العربية فلسطين 15 مايو/ أيار 1948 "ظهرت سياسة إقصاء الفلسطينيين عن ميادين المعركة ومنع الأموال والأسلحة عنهم".

وقد جاء تقرير عبدالقادر الحسيني للجامعة العربية في أبريل/ نيسان 1948 يقطر مرارة وأسى بسبب خذلان لجنتها العسكرية التي ماطلت في إمداده بالمال والسلاح. وفي ذلك التقرير حمّل الجامعة مسؤولية ضياع فلسطين. ليستشهد بعدها بيومين في معركة القسطل.

أما عربيا فقد زحف المتطوعون العرب نحو فلسطين. وبرزت في الأثناء كتائب الإخوان المسلمين كقوة وازنة في الصراع. فرغم تضييق السلطات، نجحت طلائع الإخوان في التسلل إلى داخل فلسطين، حيث تمكنت قوة من المتطوعين بقيادة أحمد عبدالعزيز من الوصول إلى خان يونس. والتحقت بهم قوة أخرى من شرق الأردن بقيادة عبداللطيف أبوقورة. ثم حلت قوة أخرى من سوريا بقيادة زعيم الإخوان مصطفى السباعي.

وفي غزة استقرّت قوة البكباشي عبدالجواد طبالة. وعلى أرض فلسطين أدارت تلك الطلائع معارك ضارية ضد العصابات الصهيونية. وقد علق هيكل على تلك الاشتباكات بالقول: "لقد أثبت بعضهم نفسه تحت نيران القتال". وهكذا فقد كانت الجماهير العربية خلال النكبة متقدمة على حكامها.

إعلان النكسة

لقد أجهزت قوات الاحتلال في صباح الخامس من يونيو/ حزيران على القوات الجوية المصرية بضربة خاطفة. فدمرت مئات الطائرات المصرية في قواعدها. وضربت المطارات وعطلت قواعد الصواريخ أرض-جو.

مشهد أجمله أنور عبدالملك في قوله: "كانت القوات المصرية المسلحة قد ضُربت بشكل خطير، واحتلت سيناء، وشلت قناة السويس، ومُحي سلاح الطيران عمليا كوحدة مقاتلة، وتفجرت أعمال الخيانة والإجرام والتآمر، وانتشرت في كل مكان". كل ذلك في سويعات معدودات. وبإخراج القوات الجوية المصرية من الخدمة، فقد تركت بقية القوات في العراء من دون أي غطاء جوي.

وجاء قرار الانسحاب غير المدروس من سيناء ليزيد من الكلفة البشرية للهزيمة. ومع انهيار الدرع الواقي الذي كان يحمي عمق الأمة، فقد أصبح عمق الجغرافيا العربية – فضلا عن أطرافه- مهددا. فزحفت قوات العدو نحو سيناء بعد أن دمرت بقية القوات المسلحة المصرية.

واندفعت نحو الضفة الغربية فاحتلتها واستولت على القدس الشرقية بعد أن انهارت الدفاعات الأردنية في اليوم التالي. وكذلك فعلت في قطاع غزة. أما القوات التي اتجهت نحو سوريا فقد "تمكنت من احتلال مرتفعات الجولان دون مواجهة أي مقاومة تتناسب مع القوات العسكرية الضاربة المحتشدة هناك".

ولم تضع الحرب أوزارها إلا بعد أن أحكمت قوات الاحتلال سيطرتها على مساحات جديدة. وحسبنا من القراءات لتلك الكارثة المدمرة وصف هشام شرابي للهزيمة بـ "أيام حزيران السوداء". فكيف انعكست الهزيمة على الاختيارات النضالية للفلسطينيين؟

مثلت هزيمة 1967 منعطفا إستراتيجيا في الوعي السياسي الفلسطيني. وكان من نتائج الهزيمة "ظهور المقاومة الفلسطينية المسلحة وتعاظمها، وبروز الهوية الوطنية الفلسطينية التي قررت أن تأخذ زمام المبادرة بعد أن تبين لها مدى الضعف العربي". فقد قضت الهزيمة على إيمان الفلسطينيين بالحكومات "التقدمية" التي كانت معقد الآمال. "وأثبتت فشل الأنظمة العربية وعجزها عن تحرير فلسطين".

وينقل يزيد صايغ عن خليل الوزير أنه كان يرفض "الاعتماد على الدول العربية وجيوشها". وهكذا فقد ساعدت تلك البيئة على الاعتراف بالحركة الوطنية الفلسطينية كلاعب أساسي في الشرق الأوسط.

ويحسب للحركة أنها نجحت في "فرض نفسها كمعبرة عن الطموحات الوطنية للشعب العربي الفلسطيني". وهو ما أسهم في تشكيل الرؤى السياسية والميدانية للمنظمة. ففي المستوى الأيديولوجي قلبت حركة فتح ذلك الشعار الذي لطالما تغنى به القوميون العرب "الوحدة طريق فلسطين" إلى شعار "فلسطين طريق الوحدة". شعار ستتأسس عليه الكثير من التحولات التكتيكية والإستراتيجية. ومنذ أن استعادت منظمة التحرير المبادرة، اختارت الاستقلال السياسي والتنظيمي عن الجامعة العربية وأنظمتها.

وأما ميدانيا فقد بدأ مفهوم العمل الفدائي يتبلور كبديل من الحروب النظامية. وعلى تلك القاعدة كانت انطلاقة الثورة الفلسطينية مطلع 1965. وساد إجماع لدى أغلب الفصائل الفلسطينية مفاده أن تحرير الأرض لا يكون إلا عبر الكفاح المسلح. وهو المضمون المركزي الذي تبناه "الميثاق الوطني الفلسطيني".

وتفجرت سجالات سياسية حول نظرية التحرر الوطني من خلال دراسة النظريات الثورية وتجارب الشعوب المستعمرة. وهو ما أنتج مجموعة من الأدبيات دارت أغلبها حول حرب الشعب، وحرب التحرير الشعبية وغيرها.

وفي ضوء تلك الأدبيات جرى تأسيس عدة قواعد للعمل الفدائي في أغلب دول الطوق. وكانت ملحمة الكرامة 1968 ترجمة عملية لتلك التوجهات الجديدة. وهو ما زاد في ترسيخ النهج المقاوم حتى أصبح "الكفاح المسلح مصدر الشرعية السياسية ورمز الهوية الوطنية، والمادة الجديدة للمجتمع الفلسطيني المتخيل".

والحقيقة أن الأداء الفصائلي بعد الهزيمة لم يقطع الصلة تماما مع الأنظمة الراديكالية. فغالبا ما كانت التصورات الثورية تأخذ بعين الاعتبار الظروف التي تمر بها الأنظمة. ولكن رياح يونيو/ حزيران بقدر ما أذكت نار الاستنزاف، فقد هيأت للعبور.

إعلان حرب العبور

لقد عرفت مصر بعد وفاة عبدالناصر تحولات سياسية مهمة. فالمناخات الراديكالية في مصر والعالم العربي بدأت في الضمور لصالح اتجاه عربي ميّال إلى "الاعتدال" في مقاربة الصراع. وكانت القناعة الحاصلة لدى السادات أن "تدمير الدولة اليهودية هدف غير قابل للتحقيق". وفي تلك السياقات لم تكن حرب العبور إلا عملية جراحية القصد منها الإعداد لمسرح التسوية.

مثلت حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 أول انتصار مصري على قوات الاحتلال بعد ثلاثة حروب متتالية. فقد بدأ الهجوم المصري ظهيرة السادس من أكتوبر/ تشرين الأول على مواقع العدو في سيناء قصد تحييدها وحرمانها من أي قدرة على الرد أو الحركة قبل تحقيق العبور إلى شرق القناة. فكان "وقع المفاجأة بنوعيها الإستراتيجية والتكتيكية قد تحقق إلى نهايته".

ومنذ ليلة السابع من أكتوبر/ تشرين الأول عبرت من الجيش المصري نحو شرق القناة خمس فرق مشاة ومئات من الدبابات وعدد من كتائب الصواريخ وأسلحة إسناد أخرى.

استبشر الفلسطينيون بتلك التطورات الميدانية. واعتبرت منظمة التحرير الفلسطينية أن إعلان الحرب على دولة الكيان كان "فرصة عظيمة أمام الفدائيين الفلسطينيين لتصعيد فاعليتهم القتالية".

ولكن العبور لم يعقبه تطوير للهجوم المصري مثلما خُطّط له. فقد جرى الالتفاف على الانتصار المذهل للمصريين بداية الحرب. ومن خلال "الثغرة" التي أحدثها جيش الاحتلال في جدار المواجهة، بدأ في إحراز تفوق ملموس غرب القناة.

وكشفت تلك الأيام الصعبة عن انعدام التناغم بين المؤسسات. فقد أربك تدخل السادات في إدارة المعركة حسابات العسكر. وحكم على حرب العبور ألا تتجاوز خط العبور.

لقد آل النصر إلى لهاث لا ينقطع وراء سراب "السلام". وانتهى تحطيم جدار بارليف 1973 إلى هدم "جدار الكراهية الحديدي" 1977، مثلما كان يتوهّم السادات. فعوض البناء على "العبور" اندفع العرب نحو التسوية.

وقد أدرك كيسنجر مبكرا أن الإجراءات العسكرية التي اتخذها المصريون سوف "تؤدي آجلا أو عاجلا إلى مفاوضات سياسية". والحق أن مآلات العبور لم تكن مثل مآلات النكبتين. فهي لم تدفع إلى السطح بقوى جديدة تتناقض رأسا مع تصورات الأنظمة العربية للقضية.

بل إن كامب ديفيد قد فتحت الباب على مصراعيه نحو التسوية. فهي لم تكن إلا بداية الهرولة العربية نحو الصلح والاعتراف والتفاوض مع دولة الاحتلال.

وهنا تقول حقائق التاريخ إن منظمة التحرير الفلسطينية قد أضحت متماهية مع الرسمية العربية. وإن عرفات لم يكن مختلفا عن السادات. فكلاهما كان ينشد "التسوية". وإن اختلفت التكتيكات والإستراتيجيات.

لقد ظلت الهوة تتسع بين الأنظمة العربية وشعوبها في التعامل مع القضية الفلسطينية. فكلما وهنت الأنظمة قامت الشعوب تنشد التحرير من خلال المقاومة. فمن نكبة 1948 ولدت القوى الشعبية القومية والإسلامية. ومن نكسة 1967 صلب عود منظمة التحرير الفلسطينية.

ولكن حرب العبور كانت فاتحة للتسوية المعممة. تسوية ستستمر مفاعيلها من كامب ديفيد 1977 حتى أوسلو 1993، مرورا بقصر الصنوبر بالجزائر 1989. وردا على مشاريع التسوية كان أسلوب آخر من المقاومة ينضج على مهل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • الأقليات في الشرق الأوسط بين الاعتراف والإنكار
  • كيف أصبحت المقاومة البديل الذي لا يُهزم؟
  • عبد العاطي: مصر تواصل الاضطلاع بدورها الرئيسي في دعم الأمن والاستقرار بمنطقة الشرق الاوسط
  • روسيا: لدينا قلق إزاء التهديد بشن هجمات جديدة على ايران
  • نتنياهو يُصر على هزيمة حماس ويوجه رسالة لـ"المحور الإيراني"
  • ما الذي يُمكن تعلّمه من أحداث السويداء؟
  • اعتقال مئات الجواسيس وإحباط مخططات لاغتيال 23 مسؤولا في ايران
  • الرئيس السيسي يستعرض مستجدات صياغة رؤية استراتيجية لتجديد الخطاب الديني
  • الرئيس السيسي يتابع مُستجدات العمل لصياغة رؤية استراتيجية لتجديد الخطاب الديني
  • ما الذي اختفى فجأة في إسطنبول؟