لجريدة عمان:
2025-10-12@12:42:46 GMT

ما الذي يُمكن تعلّمه من أحداث السويداء؟

تاريخ النشر: 28th, July 2025 GMT

الأحداث التي وقعت مؤخرًا في السويداء بسوريا لم تكن استثناء من العالم العربي، بل مرآة له. وعلى الرغم من أن جذور هذه الأزمة الطائفية لم تبدأ في الأحداث الأخيرة؛ إلا أن صدامات يمكن وصفها بالطائفية وقعت في شهر أبريل في جرمانا، وأشرفية صحنايا، ثم امتدت للسويداء، وتصاعدت الأحداث بعد ذلك إلى ما شاهده الجميع على الشاشات، ولا يعنينا هنا تسلسل الأحداث ذاتها بقدر ما يعنينا أن الحالة والخطاب الطائفي الذي وقع في السويداء ليس نشازًا في المنطقة العربية -كما هو معلوم-، بل نمط مأزوم من التسلسل التاريخي ليس حتميًّا بالطبع، لكنه متكرر بشكل كبير جدًّا، لا سيما مع سقوط دولة أو استبدالها بأخرى، ومثال عليه ما حدث عقب الإطاحة بنظام صدام حسين من حروب وقتالات طائفية، ما يصفه ستيفن سيدمان أنه «إرث استعماري بريطاني».

يتضح لنا أن المجتمعات العربية -أو كثير منها على الأقل- لا تزال حتى اليوم عاجزة عن تجاوز الطائفية، وكثير منها يعيش في الماضي على الرغم من تفاقم المشكلات التي نعانيها في هذه المنطقة، وتزايدها يوما بعد يوم، إلا أن كثيرًا من مجتمعاتنا لا تزال تستدعي الطائفة بل وتعيش في تاريخها محاولة أن تدافع عنها في كثير من الأحيان على أنها الحق الأوحد، «وكلٌّ يدّعي وصلًا بليلى/ وليلى لا تقرّ لهم بذاكا»؛ إذ الجميع يحاول باسم الحق والعدل والتوحيد والغيرة والتدين وغيرها أن يدافع عن الطائفة التي ينتمي إليها ناسيًا بذلك أن يعيش في عصره، ويطرح تساؤلات حول الوضع الذي يعيش فيه، أو عملية الإبادة الجماعية والتجويع التي يتعرض لها إخوته.

تبدأ الطائفية من الذات؛ لأن الحالة الجماعية للعيش داخل «الحظيرة» لا تتم إلا بإقناع الذات أولا بالتماهي مع الجماعة وإلا فلا قيمة لها؛ ولذلك تكثر عند الطائفيين الخطابات والشعارات التي تستدعي الماضي ورموزه دون باقي السياقات وتعقيداتها. لذلك فالذات هي المركز الأول للطائفية، وكلما كان الأمر منطلقا من الداخل أصبح أكثر استدامة؛ فالإرهابي الذي ينطلق إرهابه من الداخل لاعتقاده أنه بذلك يخدم فكرته أو دينه أو وطنه وغيره يكون أكثر تحمُّسًا وإقداما من الآخر الانتهازي؛ ولذلك يستغل هذا الصنف الأول لينفذ العمليات الانغماسية والانتحارية مقتنعين بذلك سيرهم إلى الجنة، أو خطوة في تحقيق الجنة على الأرض من خلال قتل المدنيين والأبرياء. والطائفيون كذلك؛ فكلما كان هذا الذي ينطلق في طائفيته مقتنعا من الداخل بالصحة المطلقة لفكرته والخطأ المطلق لأفكار الآخرين -وليتها بقيت عند الاعتقاد الداخلي فقط!-؛ فإن خطابه يتسم بالتشدد أكثر.

وهكذا يصنع منطق الانغلاق المذهبي دون محاولة النظر إلى الصورة الأكبر التي يُمكن للجميع العيش فيها في وطن واحد يكفيهم جميعًا. هذه الخطابات تصنع هويات طائفية لا هويات وطنية أو إنسانية -بعد أكثر من ربع قرن على كتاب أمين معلوف-، وهي المسيطرة على العقل، وليس أدل على ذلك من الأحداث المتكررة والمستمرة التي نراها؛ فالمشكلة أعمق من الخطاب الطائفي وحده، أو من عدم القدرة على الـ «عيش مع الآخر، لكنها تتعدى ذلك لتكون مشكلة عدم القدرة على بناء دولة، وعدم القدرة على بناء مجتمع من الأساس، ثم تصدير هذه الخطابات للأجيال التالية، وهكذا في دوامة مستمرة منذ ما قبل الحرب الأهلية اللبنانية حتى ما بعد أحداث السويداء.

تعاني كثير من الدول العربية من غياب واضح للعقد الاجتماعي بين السلطة السياسية والمجتمع، وبالتالي؛ فإن الأمر يتطور من عدم الاستقرار السياسي والقانوني حتى يصبح الوطن وما يتعلق به من مفاهيم أو ألفاظ لا يشكّل ملاذًا آمنًا للأفراد، فيضطرون حينها للبحث عن ملاجئ مختلفة، وهنا تظهر الطائفة باعتبارها الملجأ والملاذ لأفرادها؛ لأنها تشكلهم في مجتمعات مغلقة -غيتوهات- الكلمة العليا فيها للقيادات الدينية أو العرقية، حتى يتماهى الفرد مع الجماعة في حماية المفهوم الوهمي أو الذهني المسمى بالطائفة. ولذلك؛ فغياب هذا العقد الاجتماعي الواضح الذي يُمكّن الدولة والمجتمع من معرفة حقوق كل طرف وواجباته يقود لمثل هذا، وفي كثير من الأحيان يقود إلى الطغيان الذي يحاول أن يفرض عقدًا بالإجبار لا بالتشارك والرضى.

إن عدم تجاوز الطائفية حتى اليوم في المجتمعات العربية يشكّل فشلًا ذريعًا للنخب، سواء النخب السياسية أو الثقافية أو غيرها؛ لأنها لم تستطع حتى اليوم إيجاد مشروع حقيقي ينهي هذه الماضوية والسكن في التاريخ، بل ربما زاد بعضهم من حدتها والقطبية التي تحدث من خلالها. ويجب أن تتحمل هذه النخب مسؤوليتها في الوصول بالوعي الذاتي إلى الواقع -إذ سؤال المستقبل حتى اليوم مبكر للأسف-؛ لأن الوعي يجب أن يكون حاضرًا في الواقع اليومي، لا في مشكلات من مضى، فـ«تلك أمة قد خلت» وما على أهل هذا العصر من مشكلات أولئك أو صراعاتهم أو غيرها، وفي أحسن الأحوال يمكن فقط أخذ العبرة منهم، ودراستهم لإصلاح الواقع المعاصر، لا العيش معهم حتى يصبح الفرد أو المجتمع في زمنين لا يصلح لأي منهما، فلا هو القادر على العودة بالزمن للماضي، ولا هو قادر على العيش مع أهل هذا العصر.

والمتتبع لجميع حالات الانقسام الطائفي في المنطقة يجد أنها استغلت من قِبل طرف خارجي لتنفيذ أجندته السياسية أو العسكرية. فالطائفية فرصة المتربص الخارجي الذي يستغلها ليطبق المقولة القديمة «فرّق تسد»، وكثيرًا ما استغلت الصراعات الطائفية وضخمت الخلافات التفصيلية العلمية التي كان ينبغي أن تناقش في أروقة العلم، ثم يغلق عليها الباب ولا تخرج للشارع، فجُعلت قضايا ذات أهمية كبرى ينهدم بها الدين أو المذهب أو الطائفة.

وقد استعملت هذه الطريقة القوى الاستعمارية لقرون، بل حاولت صنع خلافات جديدة لم تكن موجودة سواء طبقية أو فكرية أو غيرها، وبقيت جميع هذه الخلافات حتى اليوم، فانظر إلى مقولة سيدمان التي جاءت في بداية المقال «إرث استعماري بريطاني» تشَكّل وظهر واضحًا في ما بعد 2003، فقد كان يتراكم تحت التجربة التاريخية والسياسية، ولما تسنّت له الفرصة ظهر على شكل صراعات أهلية. وهكذا اليوم تستغل إسرائيل هذه الصراعات الطائفية لتتغلغل في الداخل العربي، ليس سرّا كما كان في السابق، بل أمام شاشات الإعلام والهواتف التي تُصوّر. فقد استغلت الصراع في السويداء لتضرب القصر الرئاسي في دمشق؛ إذ أعطت الصراعات الطائفية الدافع لإسرائيل من أجل الدخول، ولا أود أن أقول «الشرعية» بالطبع؛ فوجود إسرائيل بأكمله ليس شرعيًّا، لكن ما الشرعية في عالم الغابات الذي نعيش فيه اليوم؟

لا بد أن يبدأ الإصلاح المجتمعي في الوطن العربي من الذات الفردية أولًا أن ينشأ الفرد متصالحًا مع ذاته ومتقبّلا للآخر، فلا يشعر منه بالخوف، بل بالألفة، وأن ينظر إلى ما هو أبعد من طائفته أو مذهبه، وأن تكون هويته الأولى هي الهوية الوطنية أو المدنية التي يتشاركها مع غيره في إطار الدولة، لا هوية الطائفة والمذهب؛ لأن الهوية كلما ضاقت وأصبحت أكثر حدية أبرزت السمات المتطرفة والسلوكيات العنيفة في الإنسان على عكس إذا ما اتسعت؛ فإنها تتقبل الآخر المختلف ليس بالضرورة أن تؤمن بما يؤمن به، لكنها تؤمن بأن له الحق في الحياة بحرية أيضًا دون اعتداء عليه أو الإضرار به لمجرد مذهبه أو طائفته. ولذا فالتغيير يبدأ من مراجعة الذات والخطاب الموجّه إليها سواء من الداخل أو من الخارج، خطاب الأسرة والمدرسة والمجتمع، وأن تحاول الذات طرح أسئلة متعلقة بمدى تعددية الخطاب الموجه إليها في المقام الأول.

إذا بقينا على هذا الحال دون تجاوز الطائفية وخطاباتها المقيتة فإن كل حديث حول النهضة أو الديمقراطية أو الحرية هو ترف؛ فالمجتمع يقتل بعضه بعضا، لكن -ولأن الكتابة وسيلة مقاومة وإصلاح- أقول: إن علينا أن نعي أن عدونا واحد، وسبله في قتلنا واحدة، وأننا في مقتلة واحدة، ومصير واحد، فإن بقينا نقتل بعضنا بعضا لم نخدم إلا هذا العدو بأن أرحناه من عمله، فإن لم نستطع الآن في هذه اللحظة التي ربما لم ولن نمر بحالة أكثر انحطاطا منها أن نفكر في مصيرنا المشترك بدل التفكير في الانقسامات الصغيرة فمتى نقدر على ذلك؟

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: حتى الیوم من الداخل کثیر من

إقرأ أيضاً:

منة شلبي تكشف سبب اعتذارها عن المشاركة في فيلم السلم والثعبان 2

كشفت الفنانة منة شلبي، سبب اعتذارها عن المشاركة في الجزء الثاني من فيلم السلم والثعبان، المقرر عرضه في دور العرض السينمائي خلال شهر نوفمبر المقبل.

وقالت منة شلبي في تصريحات صحفية، إنها لن تخوض في تفاصيل فيلم «السلم والثعبان2»، احتراما لزميلتها أسماء جلال التي تقوم بالبطولة حاليا، موضحة أن «الأفلام تابعة لمن ينفذها وليس لمن كان مرشحا لها».

وأكدت منة شلبي، أن اختلافا في وجهات النظر كان وراء اعتذارها عن تقديم الجزء الثاني من فيلم السلم والثعبان 2، مشددة على احترامها الكبير للقائمين عليه وتمنت لهم النجاح الكبير في التجربة الجديدة.

أبطال فيلم السلم والثعبان 2

ويشارك في بطولة فيلم السلم والثعبان 2، عدد من نجوم الفن أبرزهم عمرو يوسف، أسماء جلال، ظافر العابدين وماجد المصري، حاتم صلاح، فدوى عابد، هبة عبد العزيز، وآية سليم، وهو من تأليف أحمد حسني، وإخراج طارق العريان، حيث يسجل الفيلم التعاون الرابع بين «يوسف» و«العريان» وذلك بعد تعاونهما في فيلم ولاد رزق 3 الذي عرض ضمن موسم أفلام عيد الأضحى 2024.

وكان الجزء الأول من فيلم «السلم والثعبان» من بطولة عدد من الفنانين أبرزهم هاني سلامة، حلا شيحة، وأحمد حلمي، وحقق العمل نجاحا فنيا وجماهيريا كبيرًا عند عرضه.

أحداث فيلم «السلم والثعبان 2»

ويتناول فيلم «السلم والتعبان» عالم العلاقات الإنسانية، كما سيشهد قصة حب جديدة تجمع بين عمرو يوسف ومنة شلبي حيث سيجسدان شخصيتي «ملك» و«أحمد»، وقد تم اختيار عمرو يوسف للدور بعد اعتذار هاني سلامة عن المشاركة، بينما قررت حلا شيحة الابتعاد عن التمثيل والعودة للحجاب مرة أخرى.

آخر أعمال عمرو يوسف

يعرض حاليا لـ الفنان عمرو يوسف، فيلم درويش، في دور العرض السينمائي، محققا نسب مبيعات كبيرة بشباك تذاكر السينما، ليحتل المركز الأول بقائمة إيرادات الأفلام اليومية.

ويشارك عمرو يوسف، في بطولة فيلم درويش كوكبة من الفنانين أبرزهم: دينا الشربيني ومصطفى غريب وغيرهم من الفنانين، وهو من تأليف وسام صبري وإخراج وليد الحلفاوي.

وتدور أحداث فيلم «درويش»، عن محتال يتحول إلى بطل شعبي بالصدفة وتعود أحداث الفيلم لحقبة الأربعينات، مما يضفي على العمل المزيد من الإثارة والتشويق.

اقرأ أيضاً«كان نموذجًا للمخلص لوطنه».. وزير الثقافة ينعى الناقد المسرحي عمرو دوارة

«هيبتا 2» يضع «فيها إيه يعني» في المركز الثاني بإيرادات الأفلام خلال أول أيام عرضه

مقالات مشابهة

  • محاكمة متهم بـ«أحداث عنف الألف مسكن».. اليوم
  • اليوم.. محاكمة متهم في «أحداث عنف الألف مسكن»
  • أحمد موسى: السيسي أكثر رئيس على مستوى العالم عقد لقاءات من أجل فلسطين..وحماس: مصر حاضرة من اليوم الأول للحرب في المسار التفاوضي وإدخال المساعدات| أخبار التوك شو
  • مسلسل لينك يتصدر الترند بعد عرض أولى حلقاته
  • من يعرقل تنفيذ خارطة طريق حلّ أزمة السويداء؟
  • عشرات آلاف السوريين عاجزون عن العودة لقراهم في السويداء
  • في دمشق.. موفد من جنبلاط يبحث مع مسؤولة أممية ملف السويداء
  • القائد العام يطلع على أحداث الطينة وكرنوي
  • أجهزة التنفس التي جعلت إسرائيل حيّة إلى اليوم
  • منة شلبي تكشف سبب اعتذارها عن المشاركة في فيلم السلم والثعبان 2