قالت الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع السياسي، إن الهوية الوطنية دائمًا السياج الحامي للوطن والمجتمع، فهي ليست مجرد شعارات أو رموز تُردد فقط، بل تاريخ طويل من النضال والصمود، وعوامل اجتماعية وثقافية تشكلت عبر آلاف السنين.

وأضافت «زكريا» في حوار لـ«الوطن»، أن الهوية الوطنية لم تكن وليدة الصدفة، بل نتيجة تفاعل بين الحضارات والثقافات المختلفة التي مرت على مصر، وإلى نص الحوار:

ما أهمية الهوية الوطنية؟ وكيف ارتبطت بموقع مصر الجغرافي وتاريخ الصراعات؟

- تعرضت مصر للتدخل الخارجي والمحاربة بهدف الاستعمار من أربعين أمة على مدى التاريخ، منذ أيام الهكسوس وحتى العصر الحديث، فتاريخ الصراعات يعود إلى العصور القديمة، حينما كانت مصر محط أنظار القوى الكبرى بسبب موقعها الجغرافي المتميز بين ثلاث قارات، ما جعل منها مطمعًا للقوى الكبرى والدول الأخرى على مدار التاريخ، فكانت تُعتبر الجنة حتى قبل التفكير في القارات الثلاث، ليس ذلك فحسب، بل كانت تعتبر مركزًا للتجارة والثقافة، إذ يتجمع الناس من جميع أنحاء العالم.

مصر كانت ولا تزال محطة استقطاب للمهاجرين واللاجئين.. كيف أثر هذا على تركيبتها السكانية عبر التاريخ؟

- مصر بحكم موقعها الجغرافي كانت تستقطب المهاجرين واللاجئين، فكانت دائمًا مكانًا آمنًا للذين يبحثون عن حياة أفضل من جميع جنسيات العالم، فهي حتى الآن لا تزال تلعب دورها كمستضيف للاجئين من الدول المجاورة التي طالتها الصراعات والحروب، فالذين يعيشون حولها كانوا في كثير من الأحيان يعيشون في كهوف، بينما كان المصريون يتمتعون بحياة مزدهرة بفضل نهر النيل الذي أمدهم بالموارد الطبيعية، وأثرى الحياة فيها من خلال مساهمته الكبيرة في الزراعة وبالتالي الصناعة وما انعكس عنهما من زيادة التجارة وصعود نجم مصر عاليًا.

مصر مركز للالتقاء الثقافي وتبادل الأفكار واحتواء اللاجئين

هل لنا أن نفهم تأثير الهجرات والغزوات على التركيبة السكانية المصرية؟ وكيف تعامل المصريون مع تلك التحديات؟

- على مر العصور، حدثت العديد من التغيرات في التركيبة السكانية المصرية نتيجة الهجرات والغزوات، ما حدث هو أن المصريين كانوا إما أن يأتي إليهم أناس طلبًا للجوء، أو آخرون يسعون لغزوهم والسيطرة على هذه الجنة لما لها من موارد ومميزات عديدة، وكان المصريون لكرمهم يستقبلون اللاجئين بكل ترحاب، وذكر ذلك المؤرخ اليوناني هيرودوت منذ ما يقرب من 1500 سنة قبل الميلاد، إذ قال: «عندما وصلت إلى الإسكندرية بالسفينة من اليونان، وجدت شعبًا لا مثيل له، ثلثهم من الأجانب»، وهذا يعكس كيف كانت مصر مركزًا للالتقاء الثقافي وتبادل الأفكار واحتواء المُهجَرين من بلادهم.

كيف تمكن المصريون من الحفاظ على هويتهم رغم كل تلك المحاولات من الدول المحتلة؟

- هناك مجموعة كبيرة من الذين جاءوا مصر بهدف الغزو مثل الرومان واليونانيين والهكسوس، وهؤلاء الغزاة حاولوا السيطرة على البلاد وفرض ثقافاتهم، لكن المصريين استطاعوا مواجهة الاحتلال بحكمة وعبقرية شديدة، ولكن كيف استطاع المصريون ذلك؟ عندما ينتصر المحتل عسكريًا بقوة السلاح، كانت الهوية المصرية تهزمه ثقافيًا بقوة العادات والتقاليد والأعراف التي تجمع أبناء الشعب على وفاق واحد، فكان للمصريين القدرة على الاحتفاظ بهويتهم رغم كل تلك المحاولات الحثيثة، فعلى الرغم من الضغوط السياسية والعسكرية، كانت قوة الهوية المصرية تمنع المحتل من السيطرة الثقافية.

رحيل المحتل وبقاء هوية الشعب الصامد

برغم هذا التاريخ الطويل من الغزو، ما الذي يبرز في مقاومة المصريين للحفاظ على لغتهم وثقافتهم؟

- رغم مجيء أربعين أمة على مدار التاريخ المصري، إلا أننا لا نزال نتحدث لغتنا الأم، فاللغة المعروفة في بلدنا هي اللغة العربية، دون أن نتبنى لغات المحتلين، وهذا يعتبر دليلًا على قوة الهوية الوطنية ورسوخها في نفوس المصريين، فحافظ المصريون على هويتهم الوطنية، وهو ما أنقذهم مرارًا وتكرارًا من أيادي الاستعمار، واستطاع المصريون طرد المحتلين جميعًا، وليس فقط من بلادنا بل من التاريخ، فعلى سبيل المثال، لا توجد دولة اليوم تُسمى التتار، بينما بقيت الهوية المصرية قوية وثابتة.

كيف يمكن تعزيز وحماية الهوية الوطنية المصرية اليوم؟

- إذا أردنا تعزيز الهوية الوطنية، فإن الدولة وأفراد المجتمع يجب أن يعملوا معًا للحفاظ عليها، ويجب أن نتعلم من التاريخ ونسعى جاهدين للحفاظ على القيم والمبادئ التي تمثل الهوية المصرية، فمن خلال التعليم والثقافة والفنون، يمكننا تعزيز الهوية الوطنية وتوجيه الأجيال القادمة للحفاظ عليها، فالهوية ليست مجرد مفاهيم نظرية بل جزء من حياتنا اليومية، علينا أن نحتفل بتنوع ثقافاتنا، ونؤمن بأن الاختلافات تعزز الهوية بدلاً من أن تضعفها، يجب أن نذكر أنفسنا بأن التاريخ ليس مجرد أحداث وقعت في الماضي، بل دليل على ما نحن عليه اليوم وما يمكن أن نصبح عليه في المستقبل.

كيف يمكن أن تؤثر الهوية الوطنية على مستقبل مصر؟

- في النهاية، الهوية الوطنية إرثنا وواقعنا، وهي ما يميزنا عن الآخرين، فهي القوة التي تدفعنا للمضي قدمًا، والأمل الذي يربط بين الأجيال، وبفضل تاريخنا وهويتنا يمكننا مواجهة تحديات المستقبل بثقة وقوة، والتاريخ المصري خير شاهد على ذلك.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الهوية الوطنية مصر الهوية المصرية علم الاجتماع الهویة الوطنیة الهویة المصریة

إقرأ أيضاً:

نغوغي وا ثيونغو وكرازيات الحرب السودانية

معرفة أولية بالتاريخ توضح أن الغزاة في كل زمان ومكان وجدوا جماعات محلية عاونتهم علي أوطانهم. بما في ذلك تجار العبيد الأوروبيين الذين عاونهم أفارقة صادوا أخوتهم وسلموهم لتجار الرقيق البيض بثمن بخس.

لذلك لا يفاجئنا وقوف جماعات تسترزق من السياسة مع الغزو الأجنبي للسودان – إما عن إحتياج، والزمان مسغبة، أو عن طمع البحر ما بيابا الزيادة.

ولم يكن ملفتا المحاولات اليائسة لابواق هذه الجماعة إسقاط البعد الأجنبي في هذه الحرب بمختلف الأكروبات البائسة. لان التعريف الصحيح للحرب يضع هذه الأبواق في حرج يكشف أنها تقف في صف الغزاة وتخدم هم كبيادق إعلامية أشد خطرا من الجنجويدي المقاتل بسلاحه.
ولا أحد يحب أن ينظر في مرآة الحقيقة التي تكشف له أنه يقف موقف الأسود الذي صاد أخوته وباعهم لتاجر الرقيق الأوروبي. وحل هذه المعضلة يتم بكسر مرآة الحقيقة بقصفها بسيل من حجارة الأكاذيب المتكوبة والمنطوقة.

ويتم هذا الإسقاط إما بالسكوت عن الدور الخارجي الذي يمول ويسلح بمليارات أو بتقليل شأنه أو بالرجوع لان هذه الحرب بدات بين أطراف سودانية ثم القول أن تدخل جهات أجنبية في الحروب الأهلية تطورا طبيعيا ومتوقعا ويحدث في كل الحروب – وفي هذا تبرير كسيح. إذ تذهل هذه الأبواق عن الفرق الشاسع بين تدخل أجنبي محدود – مثل دعم أثيوبيا لحركة قرنق – يدعم هذا الطرف أو ذاك وبين توفير أحدث الأسلحة والتمويل الملياري وتجنيد المرتزقة للانخراط في الحرب من أمريكا الجنوبية ودول أفريقيا باحدث تكنولجيات الدمار.

أضف إلي ذلك أنه حتي لو قبلنا حجة أن الحرب بدات بين أطراف سودانية فإن التدخل الأجنبي الكثيف لاحقا يعني إنها في نسختها الحالية عبارة عن غزو أجنبي كامل الدسم لتركيع الدولة السودانية وتقحيب المواطن السوداني علي نفس درجة تدنيس المتعاونين مع الغزاة.
ولا أحد يدري ماذا يدفع جهات أجنبية للتدخل بكل هذا الثقل المالي والسياسي والدبلوماسي في حرب بدات بين أطراف محلية. الإحتمال الأرجح أن هذه الجهات الأجنبية كانت دائما محرك الدمي من خلف الكواليس. ولكن حتي لو حضرت هذه الجهات لاحقا فان طبيعة الحرب في بدايتها لا تنفي أنها لان لا تقل عن غزو أجنبي بائن بينونة كبري في تقارير المنظمات الدولية وفي الصحافة العالمية حتي تلك المعادية للكيزان والجيش والدولة السودانية.

إن الكلمة أهم ساحات هذه الحرب ومن ذلك تاتي أهمية تعريف طبيعهتها. وكما قلنا، لا يدهشنا تعاون الكادر المحلى مع الغزاة ولكن تصدمنا جرأته علي الحق ومحاولاته اليائسة لإسقاط العامل الخارجي في معادلة الحرب – تصدمنا ولكن لا تفاجئنا. وهذا الكادر لا ينقصه علم ولا ذكاء وهو يعرف حقيقة هذه الحرب أكثر منا. وحتي لو فاجأه تحور حرب أهلية إلي غزو، يظل بإمكانه مراجعة موقفه وإتخاذ موقع جديد بناء علي الحقيقة الراهنة للحرب. ولكن دبيب في خشمو جرادة أو في محه زردية لا يستطيع ذلك. وهكذا يضطر كادر المخبر المحلى للكذب المفضوح بإنكار البعد الخارجي بأكروبات لا تسلي حتي لو تمزقت أرديته وتنوراته وهو قالب هوبة لغوية.

تساءل الكاتب الكيني المجيد الذي رحل قبل أيام – نغوغي وا ثيونغو: “لماذا سمحت أفريقيا لأوروبا بنقل ملايين الأرواح الأفريقية من القارة إلى أقاصي الأرض؟ كيف لأوروبا أن تتحكم بقارةٍ تبلغ مساحتها عشرة أضعاف مساحتها؟ لماذا تستمر أفريقيا المحتاجة في ترك ثرواتها تُلبي احتياجات من هم خارج حدودها، ثم تتبعها بأيدٍ ممدودةٍ للحصول على قرضٍ من الثروة التي تخلت عنها؟ كيف وصلنا إلى هذا، أن أفضل قائد هو من يعرف كيف يتسول للحصول على نصيبٍ مما تبرع به بالفعل بثمنٍ باهظ؟ أين مستقبل أفريقيا؟” .

لا شك أن في وجود طبقة محلية دائما علي إستعداد لمعاونة الغزاة جزءا من الإجابة علي سؤال نغوغي وا ثيونغو، وهذه الطبقة وجدت منذ، أو قبل، أيام صيد العبيد إلي أيام دك البنية التحتية السودانية بالمسيرات الأجنبية إلي مسرح الكرزايات في كابول إلي أيام الغزو الأمريكي للعراق واحمد جلبي وكنعان مكية الذي أطربه صوت القنابل المتساقطة علي بغداد مثل موسيقي حالمة في أذنيه. ولم يكن في نواح الأمهات وبكاء الأيتام بأمر القنابل أي نشاز يفسد طرب المخبرين المحليين بموسيقي القصف الأجنبي لاهلهم وسبل معاشهم. وهكذا.

معتصم أقرع

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • تفاصيل أول اجتماع لأمانة الشباب المركزية بحزب الجبهة الوطنية
  • نغوغي وا ثيونغو وكرازيات الحرب السودانية
  • إياب نهائي «أبطال أفريقيا».. خطوة تفصل بيراميدز عن التاريخ
  • إعادة فتح قنصلية تونس في بنغازي تثير حديثًا عن حوار سياسي قادم
  • أكاديمية: شعيرة الحج كان لها جاذبية لدى المستشرقين عبر التاريخ
  • «ذاكرة المدينة» مشروع ثقافي رقمي لترسيخ الهوية المصرية وحفظ التراث
  • فارس المزروعي: مهرجان سباق دلما التاريخي يسهم في صقل وترسيخ الهوية الوطنية
  • وصمة عار في جبين الحضارة.. أستاذ قانون دولي يطالب بمقاطعة شاملة لإسرائيل فورًا
  • محمد محيي الدين والوضاءة التي كانت عبر مناديله العديدة
  • أستاذ علم اجتماع سياسي: السوشيال ميديا توجه أنظار المعنيين للقضايا المهمة