طوفان الشعر.. كيف وثق الشعراء 7 أكتوبر وتفاعلوا معه؟
تاريخ النشر: 8th, October 2024 GMT
طوفان الأقصى كما أسمته المقاومة الفلسطينية، أو حرب السيوف الحديدية كما أطلق عليها الجيش الإسرائيلي، أو معركة السابع من أكتوبر وفقا للعقلية العربية المولعة بربط الأحداث بتواريخها وتسميتها بها، كي لا ننسى، كي تبقى الذاكرة متقدة على مدار السنين، أيا ما كانت المسميات فإن أحلاها وأبلغها توصيفها بالطوفان الذي سيقتلع الصهاينة الذين لا جذور لهم في تراب فلسطين الطاهر ولو بعد حين.
منذ عام كامل وعيون العالم موجهة إلى غزة الجريحة، والطوفان يأبى أن ينحسر قبل أن يجرف بطريقه أدران الصهاينة، ويرميها في بحر الخذلان الذي غرقت فيه كرامة الأمة العربية والإسلامية منذ أمد بعيد.
يقولون إن طوفان الأقصى عملية عسكرية ممتدة، ويغفلون عن كونها تمتد فوق جثة العروبة، ويقولون شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية الحرة من التبعية لذيول القوى الكبرى التي تتحكم في ترابنا ومستقبلنا ومصيرنا مذ رضينا بالذل والهوان، ومذ تركنا العزم يفلت من أيادينا بحجة السعي وراء الحرية والاستقلال المزيف للبلاد العربية. ويغفلون عن أن تحرير أرض فلسطين كاملة واجب على كل حر مسلم أو عربي.
ويقولون إن الطوفان ابتدأ في ساعات الصباح الأولى من يوم السبت الموافق للسابع من أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2023، ويغفلون عن أن الصباح وعد رباني بولادة فجر جديد أطل على العالم بوجه الحقيقة الثابتة التي لا جدال فيها، ففلسطين لنا للمسلمين والعرب من أهلها، وترابها يلفظ كل معتد أثيم.
كان طوفان الأقصى ردا على تدنيس الإسرائيليين للمسجد الأقصى، وردا على الانتهاكات الصهيونية في باحات المسجد الأقصى، وردا على وحشية الإسرائيليين في تعاملهم مع الفلسطينيين المواطنين المرابطين رباط عز وكرامة في القدس والضفة وغزة وفي كل ذرة من التراب المحتل من فلسطين الحبيبة.
إن طوفان الأقصى ليس محض عمل عسكري فحسب، بل هو يقظة وطوفان وجداني وعمل فدائي حضاري، يستنهض التاريخ والهمم، ويعزف على أوتار الحنين إلى التراب المقدس، ويتجاهل جبروت السياسة العالمية وعجرفة السياسيين، إنه ملحمة العصر التي تسطر في صفحة التاريخ خلود الروح الإنسانية المتوثبة لنيل حريتها ولي ذراع غاصبها ومحتلها.
والأدب بشقيه شعرا ونثرا لن يترك حدثا عظيما مثل طوفان الأقصى يمر من دون تأريخ أدبي يحفظ للأجيال القادمة من بعدنا ذكرى خالدة خطتها بنادق الأبطال فرسان الأقصى، بكلمات من عز وفخار. فالقضية الفلسطينية كانت حاضرة بقوة في صفحات الأدب الذي كتب في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ليفضح الإرهاب الإسرائيلي ويعري زيف الإنسانية والعالمية الشوهاء التي تدعيها قوى الاستعمار الغربي الغاشم، وازداد حضور القضية الفلسطينية في الأدب قوة وبهاء بعد الانتفاضة الفلسطينية في آخر الثمانينيات. فانبرى الشعراء والقصاص والروائيون إلى تناول القضية من جوانب عدة، لا سيما جانبها الإنساني وآثارها في حياة الفلسطينيين عامة.
شاء القدر أن يحمل الفلسطينيون هم الأمة ويواجهوا امتحانها بوجوه سافرة مدججة بنظرات الإصرار والعزيمة، فكان معظمهم على قدر حمل هذه الأمانة، لكن خذلان الأمة الإسلامية والعربية قوض كثيرا من قدراتهم، وتركهم وحدهم في غياهب الجب يقاومون سفالة العالم ويحاربون عدوا قذرا لا يعرف للحق وجها، عبد لكل ما يرضيه ويخدم مصالحه، وكأنه بث في هذا العالم للظلم والطغيان والتعذيب والتنكيل.
دواوين وقصائد شعرية خاصة بتوثيق ملحمة طوفان الأقصىاعتاد الشعراء والأدباء العرب تدوين أحزان الأمة ونكباتها، حتى صاروا ينبرون إلى ذلك على عجل وكأنهم في سباق مع الوقت المنتظر لتحقيق النصر أو نيل الشهادة. وهم فيما يكتبون يأملون أن يستنهضوا الهمم ويحيوا القيم ويوقظوا من ﴿ألقى السمع وهو شهيد﴾، وبمثل حماسهم في كل جيل تبادروا إلى تأريخ أحداث طوفان الأقصى شعرا ونثرا، فرثوا الشهداء ونددوا بجرائم الاحتلال الصهيوني ومجازره التي يرتكبها في حق الفلسطينيين المدنيين، وأشعلوا شمعة أمل بالنصر والخلاص.
فالشاعر السوري فرحان الخطيب تناول في مجموعته الشعرية "صهيل في مرابع الدم" أفكارا تحاكي طوفان الأقصى وتؤرخ لسيرورة المقاومة والكفاح في الشعر العربي، فجاءت بعض قصائده تحمل عناوين مثل "طوفان الأقصى" و"من غزة إلى الشاعر محمود درويش" و"القدس". وكذلك الأديب عبد الفتاح إدريس الذي كتب تراويد فلسطينية اعتمد فيها بعض الكلمات العامية، وقد جاءت إحداها تحت عنوان "أسقط في يدي"، تحدث فيها عن الشباب الفلسطيني الذي يخرج من منزله من دون وداع وينطلق للقاء الأصحاب المجاهدين، فيعود إلى أسرته شهيدا جميلا محملا على الأكتاف.
جاء طوفان الأقصى على ما يوازيه من آلام الفلسطينيين شفاء لغليل الشرفاء في الوطن العربي، ومنهم الشاعر اليمني سامي العياش الزكري الذي قال في قصيدته "طوفان الأقصى":
طوفان أقصانا أسر خواطري
وشفى الغليل من العدو الماكر
دهس العدو بنعله ومشى على
أشلائه طوفان بحر زاخر
كم سرني هذا وكم طربت له
نفسي وكم هتفت بذاك حناجري
فجرٌ يشعشع من نوافذه لنا
ضوءا تتوق له شموس هواجري
ويتمنى الشاعر الزكري لو أنه يستطيع مرافقة المقاومين في معاركهم، فيحمل بندقيته ويقاتل إلى جانبهم:
يا ليتني في صفهم متقدما
نحو العدو ببندقي وذخائري
إما نشردهم ونحصد جمعهم
حصد السنابل بالشريم الباتر
أو نلتحف بالموت أكفانا لنا
حلما لندفن في التراب الطاهر
وتحت العنوان ذاته "طوفان الأقصى" يشحذ الشاعر العراقي حميد حلمي البغدادي همم الأبطال المقاتلين، ويؤيد سعيهم بالكلمة التي قصرت القوى عن غيرها، فيقول:
يا غزة اشتدي على الأعداء
وتحزمي بالمجد والعلياء
يا غزة الأبطال أعلام الفدا
صبرا فإن الفتح للأصلاء
طوفان أبناك الأباة علامة
لمسيرة لن تنكفي لوراء
فجهادهم يأبى الخنوع وعندهم
نيل المنون غنيمة النجباء
فثرى فلسطين السليبة نهضة
تفضي إلى التحرير والإجلاء
ويل لمن خان الأمانة وارتضى
حكم اليهود وسطوة الدخلاء
يحيا بنو الأقصى وغزة إنهم
أمل لكل عزيمة وإباء
ها نحن اليوم في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2024، وقد انقضى عام على المقاومة واشتعال جذوة طوفان الأقصى، ولا يزال إخوتنا الفلسطينيون يرزحون تحت وطأة القصف والقتل والرعب والتهجير والتنكيل، وتعجز وتقصر قوانا عن غير الدعاء والمساندة عن بعد إذعانا لقوانين السياسة العالمية الدخيلة على ديننا وإسلامنا وعروبتنا ووجداننا. نتساءل عما إذا كان للكلمة أثر حقيقي في تخفيف الشعور الذي يحيط بإخوتنا الفلسطينيين من خذلان وترك وانكفاء… ما نسينا وما تركنا وما تراجعنا وما اعتدنا، والله غالب.
انتصرتم وانتصرنا بكم باستدامة المقاومة، وانتصرنا بفضلكم وصمودكم في وجه أعتى قوى الأرض، ووثقنا كثيرا من بطولاتكم وتضحياتكم التي قدمتموها أطفالا ونساء وشيوخا وشبابا. إن مرور عام على صمودكم وسام نصر نعلقه على صفحات السماء في تاريخ الأمة، فقد صبرتم وقاومتم وكافحتم وصمدتم حتى اليوم رغم ما يستخدمه الصهاينة من تقنيات حديثة في أسلحتهم وأدواتهم وأساليب القتال المتطورة التي يستعينون بها على حجز أماكنهم في قاع جهنم يوم يقوم الحساب.
تسابق الشعراء وسعيهم لتوثيق ملحمة الطوفان وتأريخها في ديوان جماعيفي سياق التوثيق الشعري للمقاومة الفلسطينية صدر ديوان عن دار الخليج للنشر والتوزيع في عمان بعنوان "طوفان الأقصى"، أعده وحرره كل من صلاح جرار والشاعر سعيد يعقوب، ويضم الديوان بين دفتيه 230 قصيدة لـ230 شاعرا من شعراء الوطن العربي وشاعراته، وكلها تنطق بانتصارات المقاومة الفلسطينية وتضحيات الشعب الفلسطيني وجهاده، وتسعى إلى تخليد هذا الحدث وهذه الملحمة النضالية في صفحات التاريخ المشرقة للأمة الإسلامية والعربية.
وقد كان الإقبال على المشاركة في هذا الديوان من الشعراء المعاصرين كبيرا وواسعا، ويدل ذلك على عمق الجرح الفلسطيني لدى أبناء الأمة ورغبتهم في تضميده من جهة والافتخار به من جهة أخرى، كما يعكس نبض الشارع العربي ووحدة الروح العربية التي يحاول الغرب إقناعنا بشتاتها وهوانها وغيابها.
عسى أن يكون للكلمات شعرا ونثرا أثر دافئ في قلوب المجاهدين والمرابطين الصابرين في فلسطين الحبيبة وغزة الجريحة، فالأدب كما كان دوما رديف الحياة يدون ما فيها من جمال ويحفظ ما فيها من مآس ويخلد ما فيها من بطولات وتضحيات تسطر بدماء الأبرياء في كثير من الأحيان، والأدب سلاح البعيدين العاجزين عن الالتحاق بالصفوف الأمامية للمقاومة، وفيه تسلية للصابرين وتصبير للتائهين بين دفات الحياة وسطور الأيام.
نختار من قصيدة الشاعر حيدر محمود التي تصدرت هذا الديوان الأبيات الآتية:
قدرٌ أن تسيل منك الدماء
يا عروسا خطابها الشهداء
لست أرضا، كسائر الأرض،
لكنك في أعين السماء سماء
من هنا تبدأ الطريق إلى الله
وقد مر من هنا الأنبياء
ومن قصيدة الشاعرة الأردنية جمانة الطراونة قولها:
نبكي جراح الأمس والأقصى غد
فالنور من رحم القتامة يولد
يا للفلسطيني كيف نظنه
يتنفس الصعداء إذ يتنهد
عزمٌ يذيب الصخر بارودٌ إذا
نار المعارك أخمدت يتورد
ومن الشعراء المشاركين في هذا الديوان الشاعرة الفلسطينية نيفين عزيز طينة التي ربطت الحدث العظيم بزمن حدوثه ربطا جميلا في قصيدتها، فقالت:
تشرين والطوفان والقدس
وحمية الصاروخ والبأس
يومٌ يزف المجد فيه لنا
مستبشرين كأنه عرس
نحن الذين تضافرت معنا
جندٌ من الرحمن لا الإنس
ومن شعراء مصر شعبان البنا الذي عبر عن خروج أيام طوفان الأقصى من التقويم وحساب الأيام فقال:
من كل زاوية شهيدٌ يصعد
وبكل ناحية ضحى يتولد
في غزة الأيام تحسب نفسها
خرجت من التقويم لا تتردد
من العراق.. تأريخ بنكهة الوجع العراقي لملحمة الطوفانوعلى الصعيد الشخصي لكثير من شعراء الوطن العربي نجد زخما كبيرا واسعا من الأشعار والقصائد التي تسابقت في وصف طوفان الأقصى والحديث عن تفاصيله وتصوير دقائقه عزة وشرفا في حين، وأسى وألما على جراح إخوتنا الفلسطينيين في حين آخر، فها هو الشاعر العراقي مصطفى الركابي يسلي غزة عن مصابها ويذكرها بأنها مفخرة للعرب والمسلمين على مر العصور والأيام، إذ يقول في قصيدته التي سماها "ألا يا غزة العبرات صبرا":
على هدي الأباة لك ارتياد
وأنت لكل مفخرة مداد
كستك التضحيات لباس عز
كأن ثراك طهره الجهاد
فلسطين الجريحة ذائباتٌ
لك الألباب حزنا والفؤاد
أيلبث بيننا العادون قهرا
وتنزح من مرابعها العباد
أتبقى أمة الأمجاد خرسى
يكحل جل أعينها الرقاد
أيبقى سيف من فتحوا وصالوا
رهين خنوع من حكموا وسادوا
ألا يا غزة العبرات صبرا
فصبر الواثبين هو الضماد
سينهض من ثراك غدٌ بهي
ويزأر في رباك لنا شداد
إذا كان الزمان زمان غدر
ففي أسيافنا ثأرٌ يشاد
وفي أسيافنا وجعٌ وغيظ
و ليس يذود جمرتنا حداد
وفي قصيدة للشاعر العراقي محمود المشهداني نراه ينطلق من نفس إسلامي ويشبه أبطال المقاومة بالمسلمين الأوائل الذي نصروا الإسلام وباعوا أنفسهم للفور بالشهادة والجنان، إذ يقول:
لله در الفتية السارين في
سحب السماء وقد أتوك شهودا
أن صدقوا الرحمن في استبشارهم
بيع النفوس وقد غدون جنودا
هبوا على صهيون مثل رواجم
يرمين نارا تنتديك حصيدا
قد أثخنوا في القتل والأسر الذي
جلبوا به للناظرين وفودا
واستعصموا بالله وهو إلههم
دكوا اليهود، فهل رأيت: يهودا؟
ثم يشبه حركة المقاومة الفلسطينية وتوثب الشباب المجاهد في غزة ضد الاحتلال والصهيونية بالبركان الذي طغى طوفانه وأقلق طمأنينة الصهاينة، وذكرهم بأنه لا سلام لهم في الأرض التي اغتصبوها:
بركان غزة قد طغى طوفانه
فوق اليهود ولا يريد هجودا
وإذا أتونا بالحديد وناره
فالله أكبر نصرة وعديدا
ساءت وجوه يهودها ومن ارتدى
بردائهم جمرا، وساء وقودا
ثم يشير في أحد أبيات قصيدته إلى قوله تعالى في سورة النساء في الآية 104﴿ولا تهنوا في ابتغاء القوم ۖ إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون ۖ وترجون من الله ما لا يرجون ۗ وكان الله عليما حكيما﴾، مصبرا المناضلين المجاهدين، ورابطا على قلوب المدنيين، فالعدو وإن لم يبد ذلك يعاني مثل ما تعانون وربما أكثر، لأنه أضعف عقيدة وأرق إيمانا وأبعد تصديقا، إذ يقول:
إن تألموا هم يألمون كمثلكم
ولأنتم ترجون منه خلودا
إن يهدموا من غزة ما هدموا
فالله يؤتي الصابرين مزيدا
ويبدي الشاعر توجعه على ما يحل بأهل غزة، جرح الأمة المنكوء منذ عام، فيقول:
لهفي على أهلي بغزة إنهم
نعم الذين تذاكروا التهجيدا
تلك الجوامع والمساجد هدمت
ومضى أهاليهن ثم سجودا
لكن نصر الله آت إنه
سيطهر الأقصى لنا تمهيدا
من الجزائر… تأريخ بلد المليون شهيد لملحمة الطوفانوفي قصيدة تحمل عنوان "طوفان الأقصى" للشاعر الجزائري حسين الأقرع نرى الشاعر مفتخرا بنضال المقاومة، حزينا على مآل المدنيين، متوجعا من خذلان الإخوة والخلان، إذ يقول:
اضغط بوجه الرجس كل زناد
وأذق رحيق الموت للموساد
طوفان أهل الخير يا أهلي أتى
ليحرر الأقصى من الأوغاد
والخائنون لهم قوافل عزة
ستدكهم دكا بلا ميعاد
تغلي الحروف لقصتي وقصيدتي
وبرودة الأعصاب بعد جهادي
يا إخوتي صفا لكسر قيودنا
وحدودنا لا سجن للآساد
فإلى متى والصمت يختلق الأسى
وجماجم العشاق ملء الوادي؟
يا أمتي هذا لواء قيامتي
فلقد ذكرت الحرب للأسياد
في غزة الأحرار يعلو صوتهم
الله أكبر والسماء تنادي
يا رب نصرا عاجلا ومؤزرا
ليكون يوم الفتح من أعيادي
من سوريا… تأريخ الوجع الفلسطيني بأقلام سورية دامية الجراحوفي قصيدة "أطلق رصاصك" نرى الشاعر السوري عبد الناصر عليوي يحفز المجاهدين المناضلين ويشجعهم، ويشد على أيديهم للاستمرار والصمود في وجه الاحتلال الغاشم، فيقول:
أطلق رصاصك كالهتون غزيرا
واجعل عدوك خائفا مذعورا
أقدم تقحم للحصون مكبرا
تبر لما قد دبروا تتبيرا
طهر ترابك من بقايا رجسهم
واقلع لأعتى الغاصبين جذورا
أنت المدافع عن حقوق أهدرت
ماكنت يوما قاتلا شريرا
أنت ابن تلك الأرض لست بعابر
أو كنت من أصحابها تزويرا
أما الشاعر السوري عامر الجراح فيستحضر تاريخ الجهاد في الأمة من عهد بدر وخيبر، ويوثق تجديد طوفان الأقصى لملاحم العزة في الأمة وتاريخها المجيد الذي عاث به الصهاينة فسادا بعد أن عاثوا في حمى القدس ودنسوا مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي توثيقه لملحمة الطوفان يستحضر أيام عز تصفع وجوه الغافلين الغارقين في سبات الاعتياد والهوان، عسى أن تتجدد سيرة الأبطال من عهد سعد والمثنى وصلاح الدين، إذ يقول:
في ديار القدس قد عاث اليهود
غير أن الدين تفديه الأسود
نحن بالله ارتضينا العيش عزا
في زمان عبدت فيه النقود
نحيي في أرض الجهاد اليوم عيدا
منذ بدر وإلى الآن يعود
خيبرٌ فلتشهدي كيف انتصرنا
فلنتبر ما علونا ونبيد
***
في لظى الطوفان ثارت ألف ذكرى
فأفقنا من سبات من جديد
نحن أحفاد المثنى وصلاح
وابن وقاص وأحفاد الوليد
لا نجارى إن دعا للحرب داع
ليس نصغي لرسوم أو حدود
حرةٌ نادت فلا عاش السكارى
سكرة الموت على خفق البنود
أعطني عزي سلاحا ولسانا
أسكت الباغين أذناب اليهود
يا قنا الأحرار في عصر العبيد
آن والله إلينا أن تعودي
ولموريتانيا نصيب وافر في تأريخ الطوفان وامتطاء موجه شعروعلى الجانب الموريتاني كان حظ طوفان الأقصى من الشعر كبيرا، لا سيما أنهم بطبيعتهم وكما يعرف عنهم يميلون إلى التعبير شعرا، وقد انبرى كثير من الشعراء الموريتانيين للحديث عن القضية الفلسطينية والدفاع عنها والتنديد بمجازر الصهاينة، ومنهم الشاعر أدي ولد آدب في قصيدته "ملحمة طوفان الأقصى" التي بين فيها كيف انكسرت أسطورة الاحتلال الصهيوني في السابع من أكتوبر، وتزعزعت أمام إرادة المقاومة الفلسطينية وصمودها، إذ قال:
تفاعل الغضب الغزي مذ أمد
وحينما بلغ الأقصى انتهى الأمد
ففار تنور طوفان الفدى مددا
من قلب غزة: يا أقصى لك المدد.
إلى قوله:
قد صبحوا الشبح المنفوخ من زبد
أسطورة الرعب ذابت إنه الزبد
طوفان مسجدنا الأقصى به انجرفت
هزائم الروح واستقوى به الجسد
ومثله الشاعر الموريتاني ولد الدياه الذي تفاعل مع طوفان الأقصى فنظم قصيدة يشد فيها على أيدي المقاومين الفلسطينيين، ويحيي شجاعتهم في الرد على مجازر الاحتلال وجرائمه:
جرّت كتائب عز الدين في الطين
في عز تشرين إخوان الشياطين
وحطمت جبروت الظلم وانتزعت
في غفلة الدهر أوهام الأساطين
قتلا وأسرا إذا بالموت صبحهم
ومرغت منهم الأجسام في الطين
الغرقد اليوم يأبى أن يخبئهم
من خلفه فتواروا خلف يقطين
كأن عهد صلاح الدين عاد وقد
أضحت فلسطين حطينا بحطين
فالويل للظالمين الغاشمين إذن
والعز والنصر للشعب الفلسطيني
كما أعلنت الحكومة الموريتانية شعبا وحكومة بكل ما فيها من أحزاب ومنظمات وهيئات موقوفها الثابت ودعمها للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة منذ اللحظات الأولى لانطلاق طوفان الأقصى، وتسابق الشعراء الموريتانيين للتعبير عن فرحهم بالطوفان وألمهم مما يواجهه المدنيون هناك، ومن ذلك ما قاله الشاعر الموريتاني محمد علي عم الأمين المؤازر للحق ورجاله في قصيدة سماها "أعياد تشرين":
الله أكبر تشرين لقسام
من صبحونا بمحو العار والذام
من أبدعوا بزمان الذل ملحمة
عرت نياشين قواد وحكام
من أثخنوا السبت صهيونا فصبحهم
منهم أشاوس فاقوا كل ضرغام
وأرض غزة حبلى بالكماة على
صدق وفكر وتخطيط بإحكام
والنصر آت فشدوا عزم إخوتنا
فالقدس أرض سلام أرض إسلام
ويصور الشاعر ولد الشيخ في قصيدته "صباح استثنائي" حال الصهاينة وقد جرفهم الطوفان إلى المجاري، وباتت أسطورة الجيش الذي لا يغلب لديهم ولدينا هباء منثورا، فيقول:
هذا صباح تفديه الصباحات
وفيه تلتئم الحمر الجراحات
هذا صباح ترى للفعل متسعا
فيه وضاقت عن القول المساحات
قد أسرجت فيه خيل الله وانتكست
بالقدس للمعتدين البهت رايات
ولوا كسرب الدبى، الطوفان يجرفهم
كأنهم في مجاريه فقاعات
وكذلك الشاعر محمد أحيد سيدي محمد يتغنى بصباح الطوفان في السابع من أكتوبر فيقول:
حدثيني عن الصباح الجميل
عن جهاد بنكهة المستحيل
عن رجال ملثمين كرام
مالهم في زماننا من مثيل
وعبر الشاعر محمد سيد إبراهيم الشنقيطي عن مدى سعادته بانفجار طوفان الأقصى، وكأنه بعث فينا الحياة بعد موات، وكأنه نصرٌ بنكهة البدايات وإن لم يكتمل، فنهوض المقاومة وحده كفيل بدب الحياة في أوصال الأمة النائمة مجددا، إذ قال:
متع فؤادك هذا النصر أحيانا
إن اليهود سرابٌ عند لقيانا
قتلا وأسرى وغنما يوم سبتهم
لما تقدم جيش الحق غضبانا
فهل يراجع من يهفو سياسته
ويدرك اليوم حجم القوم خسرانا
ثم اتكأ على أساليب لغوية من القرآن الكريم واستعان ببعض المعاني التي وردت في آياته عن نصر الله للمجاهدين المؤمنين، فقد استعمل أسلوب الاستفهام القرآني الذي ينحو إلى لفت الانتباه والتعجب ﴿هل أتاك حديث…﴾، واتكأ على قوله تعالى عن شفاء صدور المؤمنين من الذين قاتلوهم وعذبوهم ونكلوا بهم في سورة التوبة: ﴿قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين﴾، وقوله تعالى في سورة القمر مؤكدا نصر المسلمين وانهزام أعدائهم: ﴿سيهزم الجمع ويولون الدبر﴾، مستجمعا من آيات القرآن الكريم الأساليب والمعاني التي تخدم فكرته في تعظيم فعل المقاومة وإجلاله، وتثبيت المرابطين في غزة، إذ قال:
وهل أتاك حديث من مقاومة
يبدد الجبن والتهويل أحيانا
فالآن حين يرينا الله قوته
وبطشه بألد الناس عدوانا
شفى الصدر بـ"الطوفان" إن له
من قلب غزة طوفانا وبركانا
سيهزم الجمع إن الجمع منهزم
فنصرك الله إنا نسأل الآن
أما الشاعر محمد سالم ولد أعمر، فمدح أفعال المقاومة وخص كتائب القسام بشعره فقال:
كتب اللظى بكتائب القسام
أسمى بيان للعلا ووسام
طلعوا كواكب عزة وكرامة
تحدو زئير الفاتك الضرغام
وقال في قصيدة أخرى متغنيا بطوفان الأقصى مخلدا ذكراه في تشرين الذي جاءنا بالبشائر على أيدي المقاومين الأشاوس، جاعلا من الطوفان دثارا للأمة تزدهي به:
طوفان أقصانا به نتدثر
إذ لاح نصر في الزمان مظفر
تشرين جاء وللبشائر هزةٌ
تعلو المنائر بالأشاوس تفخر
تتباشر الأقطار في صلواتها
فرحا بما يجري هنا وتكبر
أسطورة الأمجاد ملحمة الرؤى
لا تبعدي الله أكبر أكبر
علمتم التاريخ كيف سيعبر
فلكم أعدتم للبسالة حظها
في أمة شرفت بكم تستنصر
يا أيها الأبطال عودوا ثانيا
إن الزمان بذكركم يتعطر
وأكمل قصيدته متحدثا عن معاناة أهالي غزة، متألما لما يحل بهم، مذكرا إياهم بجزاء الصبر، وشرف الأمة الذي يحملونه جميعا على أكتافهم، معلنا عن خذلان العرب لهم، متأسفا على ما وصلت إليه أمتنا من ذل وهوان حتى صرنا نرى إخواننا يتقطعون ونقول ما باليد حيلة سوى الدعاء، إذ قال:
عما يلاقي الأهل في مسرى النبي
وفي قطاع غزة الشهم الأبي
على يد اليهود إنهم أذل
مما يخال ذو النفاق وأقل
والعرب ما بين مطبع مسر
ومعلن بذنبه لم يستتر
ثم خاطب كتائب القسام مفتخرا بجسارتهم ومقاومتهم وصبرهم وجلادهم فقال:
كتائب القسام هكذا الشرف
يافوز من دنا فشم واغترف
أعدت للأمة لا لغزة
معنى الشموخ في سماء العزة
فلا نبت عن قصدها الصوارم
ولا انحنت إلا لك العظائم
ولا اعترى ذاك السنا ظلام
ولا عداك النصر والإلهام
ويذهب الشاعر محمود بن أحمد سالك إلى توصيف حاله وحالنا جميعا عند اندلاع طوفان الأقصى، وكيف صرنا أسرى للشاشات ومحطات الأخبار لتزودنا بآخر المجريات وتطورات الأرض الساخنة، فيقول:
أمام الشاشة الآن اعتكافي
وأعلن بالمقاومة اعترافي
وأسجد للذي نصر امتثالا
وفي صف المقاومة اصطفافي
وما عاد الزمان زمان زيف
لقد بدأ الهجوم على الغلاف
صفا الرنق الذي عفنا.. وعدنا
لنشرب من مدام البشر صاف
منذ اندلاع طوفان الأقصى، منذ عام وحتى هذه اللحظة، لا تزال أعيننا متسمرة على الشاشات بانتظار خبر يشفي الصدور، ويطمئن القلوب التي تقطعت ألما وجزعا وقهرا، في هذا العالم الأعمى رغم أنه يرى كل شيء على الهواء مباشرة، فالكاميرات والتغطية في كل مكان، والأحرار الشرفاء من المثقفين العرب والمسلمين يتابعون النضال ولو عن بعد، وطوفان الشعر لا يزال مستمرا من كل بلاد العالم العربي والإسلامي، وبألسنة شعرائه من مختلف البقاع والجنسيات والأعراق، مؤكدا وحدة الدم والمصير في هذه الأمة التي تعددت جراحها مجاهدين باللسان في انتظار طوفان السنان، ليعلم أهلنا في فلسطين الحبيبة أن النصر آت بإذنه تعالى ولو طال الزمن وتباعدت الأيام، إيمانا بقوله تعالى في سورة الروم وتصديقا له: ﴿وكان حقا علينا نصر المؤمنين﴾.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات المقاومة الفلسطینیة طوفان الأقصى کتائب القسام ما فیها من فی قصیدته من أکتوبر الله أکبر فی قصیدة من الشعر فی سورة فی غزة فی هذا
إقرأ أيضاً:
ما مدى نجاسة بول القطط وحكم الصلاة في المكان الذي تلوث به؟.. الإفتاء توضح
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه عندي قطة أقوم بتربيتها، وقد درَّبتها على قضاء حاجتها في مكان مخصص، ولكنها عند خروجها من هذا المكان تقوم بتلويث البيت من أثر قدميها؛ فما مدى نجاسة بول القطة، وما حكم الصلاة في البيت حينئذٍ؟
وأجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة:القطط الأليفة حيوانٌ طاهر عند عامة الفقهاء، يجوز حيازته واقتناؤه وتملُّكه.
وبول القطط وروثها نجسٌ، ويجب غَسْل الموضع الذي أصابه البول من الثوب أو البدن إذا علمه السائل، وفي حالة تيقُّن وجود النجاسة في قَدَم القطة وانتقالها: فيجوز العمل بمذهب الحنفية، فعندهم إذا كان الشيء المتنجِّس جافًّا، وكانت اليد أو القدم أو الثوب مثلًا هي المبتلة، فإن ظهر فيها شيء من النجاسة أو أثرها تنجَّست، وإلا فلا، وإذا شقَّ على السائل إزالة النجاسة: فيجوز له العمل بمذهب المالكية؛ حيث إنَّ إزالتها سُنَّة عندهم.
والأولى والأحوط لأمر صلاتك: أن تُخصِّص لك مكانًا للصلاة لا تدخله القطة؛ احترازًا وتجنُّبًا لروثها لا لذاتها.
طهارة القطط الأليفة وحكم اقتنائها وتملكها
وأوضحت ان القطط الأليفة، أو الهرة الأهلية "المستأنسة" هي: حيوانٌ طاهر عند عامة الفقهاء، يجوز حيازته واقتناؤه وتملُّكه؛ وممَّا يدلُّ على طهارة القطط: ما رواه أصحاب السنن الأربعة عن كبشة بنت كعب بن مالك رضي الله عنهما، وكانت عند ابن أبي قتادة رضي الله عنه: أنَّ أبا قتادة دخل عليها، قالت: فسكبت له وَضوءًا. قالت: فجاءت هرة تشرب، فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا بنت أخي؟ فقلت: نعم، فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ، أَوِ الطَّوَّافَاتِ» رواه الترمذي في "السنن"، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتابعين ومن بعدهم مثل: الشافعي، وأحمد، وإسحاق: لم يروا بسؤر الهرة بأسًا، وهذا أحسن شيءٍ في هذا الباب.
فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ» صريحٌ في إثبات طهارة القطط أو الهرة.
مدى نجاسة بول القطط وحكم الصلاة في المكان الذي تلوث به
أمَّا بول القطط وروثها: فإنَّ المقرَّر شرعًا عند جمهور العلماء أنَّه نجس يجب التحرُّز منه، وتطهير مكان الصلاة منه؛ قال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" (1/ 220، ط. دار الفكر): [وفي "الخانية": أَنَّ بول الهرة والفأرة وخرأهما نجس في أظهر الروايات، يُفْسِد الماء والثوب] اهـ.
قال الإمام ابن عبد البر المالكي في "الكافي" (1/ 160، ط. مكتبة الرياض الحديثة): [والنجاسات: كل ما خرج من مخرجي بني آدم، ومن مخرجي ما لا يؤكل لحمه من الحيوان] اهـ.
وقال العلامة الدَّمِيري الشافعي في "النجم الوهاج" (1/ 410، ط. دار المنهاج): [فَبَوْلُ ما لا يؤكل لحمه نجس بالإجماع] اهـ.
وقال العلامة ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 64، ط. مكتبة القاهرة): [وما خرج من الإنسان أو البهيمة التي لا يؤكل لحمها من بول أو غيره فهو نجس] اهـ.
وبينت بناء على ذلك: إنَّ الموضع الذي أصابه البول أو الروث من الثوب أو البدن أو المكان إذا علمه السائل فالواجب عليه غسله بالماء الطاهر عند إرادة الصلاة؛ بأن تزال عين النجاسة أولًا، ثم يصب الماء على موضعها بحيث لا يبقى لها لونٌ أو طعمٌ أو رائحةٌ؛ وذلك لما هو مقرَّر أنَّ مِن شروط صحة الصلاة: طهارةَ الثِّياب والبدن والمكان، وقد نقل الإمام ابن عبد البر المالكي الإجماع على ذلك. ينظر: "التمهيد" (22/ 242، ط. وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب).
وتابعت:أمَّا إذا لم يعلمه السائل فينبغي أن يتحرَّى الموضع ويغسله؛ قال الإمام النووي في "روضة الطالبين وعمدة المفتين" (1/ 31، ط. المكتب الإسلامي-بيروت): [الواجب في إزالة النجاسة: الغسل] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في "الاستذكار" (1/ 332، ط. دار الكتب العلمية): [واحتجُّوا بإجماع الجمهور الذين هم الحجة على من شذَّ عنهم، ولا يُعدُّ خلافهم خلافًا عليهم: أنَّ من صلَّى عامدًا بالنجاسة يعلمها في بدنه أو ثوبه أو على الأرض التي صلَّى عليها، وهو قادرٌ على إزاحتها واجتنابها وغسلها، ولم يفعل وكانت كثيرة، أنَّ صلاته باطلة، وعليه إعادتها كمَن لم يصلِّها، فدلَّ هذا على ما وصفنا من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغسل النجاسات، وغسلها له من ثوبه، على أنَّ غسل النجاسة فرض واجب] اهـ.
وأضافت: فى حالة عدم التيقُّن من انتقال النجاسة إلى المكان أو الفرش فهو طاهر؛ عملًا بالأصل الذي هو الطهارة، ولأنَّ الأعيان لا تتنجَّس بالشك، وينبغي على السائل طرح هذا الشك وعدم التفكير فيه؛ دفعًا للوسواس.
قال شمس الأئمة السرخسي في "المبسوط" (1/ 86، ط. دار المعرفة): [(ومَن شكَّ في الحدث فهو على وضوئه، وإن كان محدثًا فشكَّ في الوضوء فهو على حدثه؛ لأنَّ الشك لا يعارض اليقين، وما تيقَّن به لا يرتفع بالشك)] اهـ.
وجاء أيضًا فيه (1/ 85): [(ومن سال عليه من موضع شيء لا يدري ما هو فغسله أحسن)؛ لأنَّ غسله لا يريبه، وتركه يريبه. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ»، فإنْ تركه جاز؛ لأنَّه على يقين من الطهارة في ثوبه، وفي شك من حقيقة النجاسة، فإن كان في أكبر رأيه أنَّه نجس غسله؛ لأنَّ أكبر الرأي فيما لا تعلم حقيقته كاليقين، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «الْمُؤْمِنُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللهِ تَعَالَى»] اهـ.
وقال الشيخ الحطاب المالكي في "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل" (1/ 166، ط. دار الفكر): [الْأَشْيَاءَ خُلِقَتْ طَاهِرَةً بِيَقِينٍ، فَمَا لَا يُشَاهَدُ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ، وَلَا يَعْلَمُهَا يَقِينًا: يُصَلِّي بِهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَصَّلَ بِالِاشْتِبَاهِ إلَى تَقْدِيرِ النَّجَاسَاتِ] اهـ.
وقال العلامة البهوتي في "كشاف القناع" (1/ 45، ط. دار الكتب العلمية): [(وإن شكَّ في نجاسة ماء أو غيره)؛ كثوب أو إناء (ولو) كان الشك في نجاسة ماء (مع تغيُّر) الماء بنى على أصله، لحديث: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ»، والتغيُّر يحتمل أن يكون بمكثه أو نحوه، (أو) شكَّ في (طهارته) وقد تيقَّن نجاسته قبل ذلك (بنى على أصله) الذي كان متيقَّنًا قبل طروء الشك؛ لأنَّ الشيء إذا كان على حال فانتقاله عنها يفتقر إلى عدمها ووجود الأخرى، وبقاؤها وبقاء الأُولى لا يفتقر إلا إلى مجرد البقاء، فيكون أيسر من الحديث وأكثر، والأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب] اهـ.
أمَّا في حالة تَيَقُّن وجود النجاسة في قَدَم القطة وانتقالها، فيجوز العمل بمذهب الحنفية، فعندهم إذا كان الشيء المتنجِّس جافًّا، وكانت اليد أو القدم أو الثوب مثلًا هي المبتلَّة: فإن ظهر فيها شيءٌ من النجاسة أو أثرها تنجَّست، وإلَّا فلا.
قال الإمام الحصكفي في "الدر المختار" (1/ 345، ط. دار الفكر): [نَامَ أو مَشَى على نجاسة، إن ظهر عينها تنجَّس وإلَّا لا] اهـ.
قال العلامة ابن عابدين مُحشِّيًا عليه: [قوله: (نام) أي: فَعَرِقَ، وقوله: (أو مَشَى) أي: وقدمه مُبْتَلَّةٌ. قوله: (على نجاسة) أي: يَابِسَةٍ؛ لما في "متن الملتقى"، لو وضع ثوبًا رطبًا على ما طِينَ بِطِينٍ نجس جاف لا ينجس، قال الشارح: لأنَّ بالجفاف تنجذب رطوبة الثوب من غير عكس، بخلاف ما إذا كان الطين رطبًا. اهـ. قوله: (إن ظهر عينها) المراد بالعين ما يشمل الأثر؛ لأنَّه دليل على وجودها، لو عبَّر به كما في "نور الإيضاح" لكان أولى] اهـ.
وإذا شُقَّ على السائل إزالة أثر النجاسة فيجوز له العمل حيئنذٍ بمذهب المالكية؛ حيث إنَّ إزالة النجاسات عن ثوب المصلِّي، أو بدنه، أو مكانه سُنَّة عندهم على أحد القولين في المذهب.
قال الإمام الدردير المالكي في "الشرح الصغير" (1/ 66، ط. دار المعارف): [إزالة النجاسة واجبة إن ذَكَرَ وَقَدَرَ هو أحد المشهورَيْن في المذهب. وعليه: فإن صلَّى بها عامدًا قادرًا على إزالتها أعاد صلاته أبدًا وجوبًا؛ لبطلانها. والمشهور الثاني أنَّ إزالتها سنة إن ذكر وقدر أيضًا، فإن لم يذكرها أو لم يقدر على إزالتها أعاد بوقت كالقول الأول. وأمَّا العامد القادر فيعيد أبدًا، لكن ندبًا. فعلم أنهما يتَّفقان على الإعادة في الوقت ندبًا في الناسي وغير العالم، وفي العاجز، ويتفقان على الإعادة أبدًا في العامد الذاكر لكن وجوبًا على القول الأول، وندبًا على الثاني] اهـ.