ما حقيقة وجود علاقات استخباراتية قوية من تحت الطاولة بين إيران وإسرائيل ؟
تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT
كان تصريحاً لافتاً ذلك الذي أدلى به الرئيس الإيراني الأسبق، محمود أحمدي نجاد، قبل ثلاثة أعوام، وأُعيد تداوله مؤخراً مع تزايد حدة التوتر بين "إسرائيل" وإيران، إذ سلط الضوء على حجم الاختراق الإسرائيلي للمؤسسات الإيرانية.
نجاد قال في حوار أجرته معه "سي إن إن تركيا"، عام 2021، إنه تم تعيين رئيس لوحدة الاستخبارات السرية المكلفة بتعقب عملاء الموساد في إيران، ليتضح لاحقاً أنه عميل للموساد.
تصريحات نجاد تعكس واقعاً تعيشه مؤسسات إيران، التي يبدو أنها تعاني مما يمكن تسميته بـ"اختراق مزمن" من قبل الاستخبارات الإسرائيلية، والتي نجحت في تنفيذ عمليات دقيقة وخطيرة وناجحة على التراب الإيراني، فإلى أي مدى يبدو الاختراق الإسرائيلي لإيران خطيراً؟
ساحة للموساد
نجاد قال في الحوار ذاته، إن وحدة الاستخبارات السرية الإيرانية كانت تضم، إلى جانب رئيسها، 20 عنصراً يعملون لحساب الاستخبارات السرية الإسرائيلية، في حين كان يفترض بهم أن يقوموا بمقاربة أنشطة التجسس الإسرائيلية في إيران.
وأشار الرئيس الإيراني الأسبق إلى أن هؤلاء العملاء هم من قاموا بتسريب وثائق البرنامج النووي الإيراني ونقلها إلى "إسرائيل" عام 2018، كما أنهم مسؤولون عن قتل العديد من العلماء والمسؤولين عن البرنامج النووي الإيراني.
لمشاهدة الفيديو أضغط على هنا
وبعد أن كُشف هؤلاء العناصر الذين كانوا ضمن وحدة مكافحة الموساد في إيران، عام 2021، نجحوا بالفرار إلى "إسرائيل"، وهم الآن يعيشون هناك.
وفي 2022، تحدث وزير الاستخبارات الإيراني السابق، علي يونسي، أن الموساد الإسرائيلي اخترق العديد من الدوائر الحكومية الإيرانية حتى بات على جميع المسؤولين الإيرانيين أن يخافوا على حياتهم.
ولعل حادثة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إسماعيل هنية، في مقر إقامته ضمن منطقة خاضعة لحماية الحرس الثوري الإيراني، في 31 يوليو الماضي، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الموساد، وربما أجهزة إسرائيلية أخرى، تعمل بأريحية تامة في إيران.
حالة الاختراق الإسرائيلي خلقت الكثير من التكهنات والأسئلة حول مصائر العديد من القيادات البارزة في إيران، والذين آخرهم كان قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، إسماعيل قاآني، حيث اختفى عن كاميرات الإعلام منذ اغتيال الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، يوم 27 سبتمبر الماضي في بيروت.
وكان من بين الفرضيات التي تداولتها وسائل إعلام عربية ودولية وحتى إيرانية، فرضية وضع قاآني قيد الإقامة الجبرية بتهمة العمالة لـ"إسرائيل"، إلا أن ظهوره الثلاثاء (15 أكتوبر) خلال مراسم جنازة القيادي عباس نيلفروشان في طهران وضع حداً لتلك الفرضية، مع بقاء شيء من الغموض حول سبب اختفائه خلال تلك الفترة.
عمليات للموساد
وخلال السنوات القليلة الماضية نفذت "إسرائيل" العديد من العمليات داخل الأراضي الإيرانية، وذهب البعض إلى التشكيك في أسباب سقوط طائرة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، والذي أدى إلى مقتله ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان في 19 مايو 2024.
وفيما يلي أبرز عمليات الموساد في الأراضي الإيرانية:
اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، في 31 يوليو 2024.
اغتيال قيادات من الحرس الثوري في العاصمة السورية دمشق، مطلع أبريل الماضي.
اختراق البرنامج النووي الإيراني في أبريل 2018، ونقل كمية ضخمة من الوثائق والأرشيف إلى "إسرائيل".
مقتل محسن فخري زادة، أبرز العلماء النوويين الإيرانيين، على يد عملاء الموساد في إيران في نوفمبر 2020.
معضلة إيرانية
ويبدو أن إيران تواجه معضلة أمنية عويصة، تجعلها عُرضة للاختراق من قبل الموساد، أو أي أجهزة استخباراتية أخرى، وحول هذا يقول محلل الشؤون الإيرانية في مجموعة "أوراسيا" للاستشارات الجيوسياسية، غريغوري برو، إن الجهاز الإسرائيلي كان ينفذ مثل هذه العمليات لسنوات، ما يشير إلى قدرته على تطويرها مع مرور الوقت.
ولفت غريغوري، في تصريح لموقع "الحرة"، إلى أن إيران تعاني مشكلة أمنية داخلية واضحة وحادة، إذ تمكنت كل من "إسرائيل" ومجموعات أخرى كـ"داعش خراسان" من تنفيذ عمليات وهجمات.
وعزا ذلك الضعف إلى الفساد داخل أجهزة الأمن التابعة للنظام الإيراني، والاقتصاد الضعيف، الذي يجعل من السهل تجنيد المسؤولين، إضافة إلى الافتقار إلى الرقابة القوية داخل النظام على أجهزة الاستخبارات والأمن المختلفة.
في حين تقول الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، إيفا كولوريوتي، والزميلة البارزة في معهد واشنطن والمحللة المتخصصة في الشؤون الأمنية والدفاعية، فرزين نديمي، إن الأمر يتعلق بهيكل النظام الإيراني الذي يعتمد على دائرة ضيقة من المستفيدين الماليين، ما يفتح الباب أمام الاختراقات الاستخباراتية.
وتربط كولوريوتي هذا الأمر بالجهود الكبيرة التي تبذلها "إسرائيل" لدعم الموساد، ليصبح ثاني أكبر وكالة استخبارات في العالم بعد وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
ويبدو أن إيران تواجه مشكلة حقيقية في كيفية التعاطي مع هذا الفشل الأمني والاستخباراتي المزمن الذي تعانيه، كما أن آثار اختراقات الموساد لا تزال تتكشف مع الزمن، ما يجعل مكافحتها أمراً في غاية الصعوبة.
نظرة مختلفة
لكن ثمة من ينظر لما يحدث بين إيران و"إسرائيل" من زاوية مختلفة، منهم الخبير العسكري العقيد إسماعيل أيوب، الذي يرى أن هناك فترة طويلة من التخادم بين الدولتين، بخلاف ما يظهر من تصادم بينهما، كما حدث مؤخراً.
وأضاف، في تصريح لـ"الخليج أونلاين": "العمل المخابراتي موجود حتى بين الدول الصديقة فإسرائيل كانت تتجسس على أمريكا (عبر الجاسوس جوناثان بولارد)".
وأكد العقيد أيوب أن للموساد نشاطاً كبيراً في إيران، مشيراً إلى أن هناك "علاقات استخباراتية قوية من تحت الطاولة بين الدولتين، وأن عملية اغتيال إسماعيل هنية في طهران تأتي في سياق ذلك التعاون"، حسب قوله.
واستطرد قائلاً: "وجود الطائفة اليهودية في إيران له دور كبير في تلك العلاقات، بالإضافة إلى تلاقي مصالح الطرفين بالعداء للعرب، وهذا يجعل التخادم أكثر من التصادم بينهما".
ويعتقد أن ما حصل لوكلاء إيران في المنطقة إنما يأتي في سياق صفقات رابحة لها مع "إسرائيل" والغرب، مشيراً إلى أن حادثة البيجر، ومقتل زعيم "حزب الله" وأعوانه، "مدلولات على تلك الصفقات".
المصدر: مأرب برس
كلمات دلالية: الموساد فی العدید من فی إیران إلى أن
إقرأ أيضاً:
إيران تعيد تموضع نفسها لمواجهة صعود إسرائيل وتركيا
«مشهد جيوسياسي متغير في الشرق الأوسط»، هذا «الكليشيه» السياسي المتكرر ما زال صالحا للانطلاق منه لفهم حالة إعادة التموضع وإعادة صياغة السياسات الخارجية لكل دولة من دول الإقليم. فكما في الاقتصاد، تجري الآن في السياسة الخارجية والدفاع والأمن الوطني عملية إعادة تكيف هيكلي مع هذا المشهد، بغرض أن تتأكد كل دولة في المنطقة من أنها ستكون فائزة في العملية الجارية لإعادة بناء خرائط النفوذ، أو على الأقل التأكد من أنه لن يكون على حسابها.
يمثل تاريخ ٨ ديسمبر الماضي، بسقوط النظام السوري السابق وصعود نظام موال للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين في المنطقة، أكبر وأهم إعلان عن بدء هذا المشهد الجيوسياسي المتغير.
يتوج أحدث تصريح من الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، هذا التغير الاستراتيجي، عن انتقال سوريا بعد ٥٤ عاما من نظام البعث المعادي لإسرائيل والولايات المتحدة، إلى معسكر واشنطن استراتيجيا، وإلى معسكر المنسحبين العرب عن المواجهة مع إسرائيل: «مستعدون لتحقيق الاستقرار الإقليمي وأمن الولايات المتحدة وحلفائها جميعا».
إلا أن التصريح الأهم للرئيس الشرع، في سياق التحولات المرتقبة في السلوك السياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، هو الذي وجهه إلى الأمريكيين وحلفائهم من إسرائيليين، وأيضا من بين السطور، إلى حلفاء واشنطن العرب والأتراك السنة: «لدينا أعداء مشتركون مع تل أبيب (يقصد هنا الإيرانيين)».
يدرك الإيرانيون هنا أنهم خسروا أهم حليف عربي نشأ منذ اتفاق الخميني وحافظ الأسد على أن علاقتهم هي علاقة استراتيجية.. وأن سوريا التي كانت لهم أصبحت عليهم. يدركون أن خسارة سوريا لا تتعلق فقط بخسارة الممر الاستراتيجي الذي صنع نفوذ إيران الإقليمي الهائل في العقود الثلاثة الماضية، ومكنها من إيصال الأسلحة والدعم لمنظمات المقاومة اللبنانية والفلسطينية، ولكن أيضا في نشوء تخطيط استراتيجي أمريكي ستُوظف فيه إمكانات مالية مخيفة لدول عربية، يجعل من سوريا نقطة انطلاق لتقويض النفوذ الإيراني في العراق وما تبقى منه في لبنان. في هذا التخطيط، يجري إعادة رسم الخرائط بحيث يتم عزل وتهميش مصر واستبدال سوريا بها كقاعدة لنفوذ القوى المحافظة العربية، التي توجهها إدارة ترامب في الأسابيع الماضية كقيادة للمنطقة.
تراجع نفوذ طهران في الشرق الأوسط، وتراجع المعسكر الإقليمي صاحب النفس الاستقلالي الرافض للخضوع التام لواشنطن، يفرض على صانعي السياسة الإيرانية الواقعيين إجراء تحولات ملموسة في سياستهم الخارجية، تستوعب هذه التغييرات، ولكن تحافظ على إرث الخميني في إنهاء حالة التبعية للغرب التي اتصف بها حكم شاه إيران.
هذه التحولات لا يمكن التنبؤ بها سوى على المدى القصير، أو في أحسن الأحوال على المدى المتوسط، وهي مرتبطة بفرضيتين إذا تغيرتا تتغير معهما معادلة التحولات المرتقبة:
الفرضية الأولى: نجاح المفاوضات الإيرانية - الأمريكية حول الملف النووي، وبالتالي رفع العقوبات الاقتصادية الغربية عن طهران.
الفرضية الثانية: استمرار المرشد الأعلى خامنئي في قمة الدولة الإيرانية، وترتيب خلافة له تتبنى النهج الاستقلالي نفسه عن واشنطن، أو بعبارة أخرى: عدم ظهور قائد جديد ينقلب على النظام الجمهوري ويعيد إيران إلى الحظيرة الأمريكية كـ«شرطي للخليج» وحليف أمني، ومزود طاقة لإسرائيل كما كانت قبل ١٩٧٩.
وضع جديد سينشأ إذا تُوجت بالنجاح المفاوضات التي تديرها سلطنة عمان بحصافة كبيرة، والتي تقدم فيها جسورا بين المواقف، وتفكك فيها الأزمات التي تنشأ من تباين الأهداف في المفاوضات أو من التصريحات السياسية التصعيدية من الأمريكيين والإيرانيين بغرض الاستهلاك المحلي للرأي العام لديهم.
هذا الوضع سترفع فيه العقوبات عن صادرات النفط الإيرانية، وعن أموال إيران المجمدة في الخارج، وهو ما سيدفع الإيرانيين ـ على المدى القصير ـ لإعطاء الأولوية للداخل الإيراني على الخارج. سيجري التركيز على إصلاح أحوال الاقتصاد الذي أنهكته العقوبات، واستخدام العوائد المتوقعة من العودة التدريجية لصادرات النفط قرب مستوياتها السابقة، وعودة الأموال المجمدة، في تحسين الأحوال المعيشية، وإغلاق أبواب التململ الاجتماعي من تدهور المعيشة، وضخ موارد جديدة في شرايين الصناعة والزراعة والبنية التحتية، وجذب الاستثمارات الخارجية التي حدّت منها كثيرا سياسة العقوبات.
سيتم التركيز على سياسة خارجية وأمن قومي يستهدفان تعافي القوة العسكرية الصاروخية وقوة الدفاع الجوي التي تضررت من الغارات الإسرائيلية، وإعادة بناء قدرات إيران الشاملة كرادع لنتنياهو عن المقامرة بشن هجوم على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية.
سيتم التركيز في هذه السياسة المرحلية على ضمان الأمن القومي المباشر للدولة الإيرانية، في حدودها مع دول الخليج العربية، وحدودها مع العراق وتركيا ودول آسيا الوسطى. في هذه السياسة، ستوثق إيران علاقتها القوية الخالية من الشكوك والقائمة على الاحترام مع عُمان، وعلاقتها ذات الطبيعة غير الصراعية مع قطر والكويت، وتحويل خلافها مع البحرين والسعودية والإمارات إلى خلاف سياسي يتم السعي لحله بالوسائل السياسية، عبر تثبيت الاتفاق الحازم القائم معهم الآن بتجنب الحرب التي قد تدمر المنطقة وتقضي على الجميع.
وبخصوص العراق، ستقاوم إيران ـ ولكن بالسياسة والنفوذ الناعم ـ الجهد المنظم الرامي لدفع السياسيين والمجموعات المسلحة الأقرب إليها بعيدا عن مركز السلطة في بغداد.
هذه السياسة الخارجية ستتبع نهجا «انكماشيا» فيما يتعلق بالعالم العربي، يُخفف فيه النمط التدخلي مع حركات المقاومة على غرار: «لن نكون ملكيين أكثر من الملك»، أو «عربًا أكثر من العرب». هذا النهج سيستمر ـ على الأقل ـ حتى تستعيد إيران عافيتها، وحتى تتضح نتائج حرب غزة ومستقبل حزب الله في لبنان.
سترُضي هذه السياسة فريقًا في النخبة الإيرانية كان يعارض ما يسميه «صرف المليارات على أطراف عربية كان الداخل الإيراني أحق بها»، كما تُرضي فريقًا آخر يرى أن بعض هذه الأطراف العربية كانت ناكرة للجميل في أكثر من موقف وأكثر من ساحة.
لكن هذه السياسة الانكماشية مع محور المقاومة، ومع المحيط العربي الأوسع لحين من الزمن، لن تمنع إيران من السعي لفك الحصار الجيوسياسي عليها. تسعى طهران لتوسيع نطاق حركتها السياسية في المنطقة، خاصة مع دول قديمة تتعرض للتهميش الاستراتيجي في التموضع الجديد الذي نشأ في المنطقة، والذي تقوده واشنطن، ويشمل تركيا والشام وأجزاء في الخليج.
تقع مصر على رأس هذه الدول التي ستجدد إيران محاولتها ـ المستمرة منذ عهد مبارك ـ لإنهاء الفتور القائم منذ عهد السادات. ورغم النجاح المحدود للغاية الذي تحقق لها من هذه المحاولة، فإن إيران تشعر الآن أنه إذا قابلت القاهرة هذه المحاولة الجديدة بإرادة سياسية للتقارب، فإنها قد تنجح هذه المرة.
فالتطور الجيوسياسي الراهن لا يُهمّش الإيرانيين فحسب، بل يُهمّش مصر وكل الدول «القديمة» السابقة على عصر النفط، عصر الاستعمار والهندسة الغربية للعديد من الدول الحديثة في المنطقة.
هل يمكن فهم زيارة وزير الخارجية العراقي، عباس عراقجي، غير المعتادة إلى القاهرة اليوم الاثنين، بأنها تأتي في هذا السياق من تحولات متوقعة للسياسة الإيرانية بعد الطوفان المضاد لطوفان الأقصى؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.
حسين عبد الغني كاتب وإعلامي مصري