المفتي قبلان: حماية النازحين واجب وطني والتحريض عليهم خيانة وطنية
تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT
أصدر المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان بيانا، توجه فيه الى "الحكومة اللبنانية ولبعض الوزارات والأجهزة المختصة"، وقال : "النازح يعاني الأمرين بسبب التخلي الصادم عنه، واللحظة للتضامن والتكاتف وليس لتصفية الحسابات، واللغة الفوقية ممنوعة ولا نقبل بها، ولبنان مجتمع واحد وعائلة واحدة وليس مجتمعات مضيفة، وتحريض البعض على النازحين أمر خطير، واللغة الفوقية مرفوضة، والنازح من الجنوب والضاحية والبقاع دفع وما زال يدفع أكبر الأثمان الوطنية وتضييعه خيانة وطنية، وحماية النازحين وإغاثتهم واجب وطني وليس تسولا، والمفروض تأمين النازحين ورعايتهم وإغاثتهم بكافة أنواع الخدمات بما في ذلك فتح أبواب المخازن المغلقة بعيدا عن لعبة الروتين وطلاسم الأعذار التافهة، وحماية الممتلكات العامة والخاصة تكون بسياق حماية النازح أولاً وتأمين كرامته الوطنية، ولن نقبل دون الكرامة الوطني".
أضاف :" وللرئيس نجيب ميقاتي الذي نحترم أقول: دولة الرئيس أنت مؤتمن على أكبر قضية وطنية وهناك من يلعب بالنار وتاريخك الوطني يمر بهذه القضية الوطنية الواجب حمايتها وإغاثتها وإعطائها أكبر اهتمام وطني داخلي على الإطلاق".
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
الضغط على مصر خيانة لها!
تصاعدت في الآونة الأخيرة موجة تظاهرات ضد السفارات المصرية، وهاجم المتظاهرون رأس النظام السياسي المصري، نتيجة إغلاق معبر رفح وعدم دخول مساعدات إلى الفلسطينيين منذ خرق العدو الصهيوني لاتفاقيته مع الجانب الفلسطيني في آذار/ مارس الماضي، كما فاجأت مخاطبة رئيس الوفد المفاوض للمقاومة الفلسطينية، الدكتور خليل الحية، الجيشَ والشعب المصري والأزهر والكنيسة والعلماء والنخب المصرية، واستدعت هذه المخاطبة استنفار بعض "الأذِلَّة" في مصر للرد على هذا الخطاب المهذَّب وهذه الدعوة الطبيعية والمنطقية من شقيق لأشقائه!
على هامش هذه المسألة، يجدر ذِكْر أنه ربما لا ينبغي إعطاء أي وزن أو اعتبار لكلام هؤلاء الأذِلَّة، لكن مما يتكرر ويتردد، أن حماس لم تستشر أحدا في قرار الحرب، وبالتالي لا ينبغي عليها أن تطلب مساعدة أحد. والحقُّ أنه لا ينبغي إشراك أحد غير فلسطيني في قرار الحرب أو السِّلْم، كما لا تنبغي مخالفتهم في قرارهم، وكذلك هو الحال في أي دولة، إذ إنها تكون المسؤولة وحدها عن قرار الحرب والسلم، ومطلوب من محيطها أن يدعمها في السلوك "غير العدواني"، أي الذي يحرر الأرض، لا السلوك الذي يدفعها إلى احتلال أرض أخرى.
وعندما كانت حركات المقاومة تتحرك في مصر ضد الإنجليز، كان الرد يأتي بعمليات قمع وقتل، وفي الجزائر استُشهد مئات الآلاف، ولم يقل أحد وقتها إن الهجمات لا تراعي توازن القوة، بل كانت موضع احتفاء، وهذا الطبيعي، كما أن مقاومة الاحتلال الصهيوني في سيناء، ترتبت عليها مجازر شملت أطفالا ومدنيين، واعتُبرت العمليات عمليات كرامة، والهجوم الصهيوني أمارات خِسَّة وضعف واستقواء على المدنيين.
هذه هي طبيعة مقاومة الاحتلال في المنطقة وفي العالم بأسره، هناك طرف شرس يمسك السلاح، ومقاومون للاحتلال لا يضاهونه قوة أو عتادا، ولم يُنكر أحد حق هذه الحركات في التحرير، لكن اليوم يريد الصهاينة ورعاتهم في الغرب، والمتصهينون في منطقتنا، أن يُقبل الاحتلال أمرا واقعا، والمقاومة تصير حماقة، كأن المسلوب ليس أرضا وكرامة وشرفا، وكأن المُراق ماءٌ وليس دما.
بالعودة إلى مسألة الهجوم على مصر، فالنقاش عن الدور المصري يحتاج إلى التفريق بين أمرين؛ النظام السياسي الحاكم، والمجتمع المصري، وكان يمكن إذابة هذا الفارق إذا كان النظام السياسي بأجهزته التشريعية والتنفيذية متشكِّلا عبر انتخابات نزيهة، وهو أمر غير حاصل، لذا وجب التنويه بوجود فرق بين مجتمع ينبض قلبه بحب القضية الفلسطينية وبُغض العدو الصهيوني، ونظامٍ تشير كل المواقف إلى أنه على نقيض هذا الشعب في سلوكه، وكذا مشاعره نحو القضية وأبنائها.
تُمكن ملاحظة التناقض بين المجتمع والنظام الحاكم في تعبيرات السيسي بداية الحرب، عندما تحدَّث عن تهجير الفلسطينيين إلى النقب لحين انتهاء المهمة المعلنة للعدو، وهي "تصفية المقاومة" كما قال في مؤتمره مع المستشار الألماني، كما منعَ مظاهر الاحتجاج ضد العدوان الصهيوني، والتضامن مع الفلسطينيين، فضلا عن دفء العلاقات مع العدو الصهيوني. ولا أعتقد أنه يوجد توتر بين النظامين السياسيين بسبب ما تُسمى خطط التهجير، فالذي باع تيران وصنافير، واكتسب شرعيته بدعم نتنياهو نفسه، لن يتوانى عن التنازل عن جزء آخر من الأرض مقابل ديمومة بقائه على الكرسي.
كما أن هذا النظام لم يتوقف يوما عن الضغط على الفلسطينيين في إطار عملية الحصار الممتدة على مدار عقدين تقريبا، وفي سبيل إنجاح الحصار اقتطع مسافة بلغ عمقها 6 كم من الحدود المصرية الفلسطينية مع القطاع، بغرض منع دخول أي شيء عبر التهريب إلى القطاع، ودخلت دبابات السيسي ذات يوم إلى محور صلاح الدين في رسالة تهديد إلى حركات المقاومة هناك، واعتقلت قواتُه فلسطينيين وأخفتهم قسريّا لفترة طويلة، وبنى نظامه جدارا عازلا لا يختلف عن الموجود في شمال القطاع، بتكنولوجيا صهيونية، وتباهى الممثل الإعلامي للنظام بإغراق أكثر من 1500 نفق على الحدود، وغير ذلك من عشرات التحركات المعادية للفلسطينيين. وأقول المعادية للفلسطينيين لا مجرد المتماهية مع الاحتلال لمجرد الاستجابة للضغوط الأمريكية.
ومع ذلك، هناك موقف مصري اليوم تجاه التهجير وهو نابع من تقديرات أجهزة الدولة العسكرية والاستخباراتية والدبلوماسية، وهي تقديرات ترتقي إلى ممانعة أمام الهوى الصهيوني لرأس الدولة، ما جعله مكبَّلا أمام اتخاذ خطوات أكثر خزيا في الحراك العام للنظام المصري، كما انخرطت الأجهزة بقوة في مسار المفاوضات وكانت عامل توازن في المطالب الصهيونية، وذلك على غير رضا الحاكم أيضا. فلن ننسى أنه طالب بتهجير الغزيين إلى النقب لحين تصفية المقاومة، ولا أن إعلامه كان ينادي بإبادة حماس في عدوان عام 2014، واعتبارها حركة إرهابية وخائنة لمصر.
بالتوازي مع النقد المصري، ينبغي أيضا أن يحدث ضغط آخر تجاه باقي الدول العربية، صحيح أن مصر تحمَّلت الهجمة الأشرس وذلك لسبب واحد فقط؛ أنها الدولة الحدودية الوحيدة مع القطاع، وهذا يضاعف مسؤوليتها تجاه الفلسطينيين داخله، لكن عدم محاذاة أي دولة عربية أخرى لا يعفيها من واجب إنقاذ الفلسطينيين، فهناك دول لا تزال تحتفظ بعلاقتها مع الكيان ولم تقطعها، وأخرى لا تزال تحتفي بمناسباته القائمة على دماء العرب والفلسطينيين، وفوق ذلك يمكن للدول العربية إذا أرادت أن تتخذ موقفا بإدخال المساعدات أن تفعل ذلك، بل وتضغط على مصر إذا لم تستجب، وتضعها أمام واجبها، لكن الحقيقة أن الدول العربية كلها فرحت بتنصُّلها من المسؤولية وكونها ليست دولة حدودية؛ لتقف موقف المتفرج.
يمكن للدول العربية أن تهدد الدنيا كلها بوقف توريد النفط إذا لم يحصل الفلسطينيون على حقوقهم المشروعة، وأنها يمكنها أن تُخرج أي قاعدة أجنبية تستهدف زعزعة الاستقرار في المنطقة، وعلى الأنظمة أن تعلم أن دول هذه القواعد لن تكون عاصمة لهم من غضب الناس، بل إنهم حينها لن يثوروا ضد حكامهم إذا أخذوا موقفا كريما، حتى وإن تأخر. يمكن للدول العربية أن تفعل الكثير لوقف هذه الدماء المسالة، والإجاعة المرعبة للفلسطينيين، والسحق الكامل لكرامتهم وكرامتنا.
كذلك يستحق عباس هجوما مماثلا، لقمعه لأي نضال تضامني مع الغزيين، وانتقاد عباس مصحوب بإعذار مقابل للفلسطينيين في الضفة والقدس لكونهم تحت الاحتلال، والتحركات المضادة للاحتلال تحدث بصعوبة هناك.
المقصد أن العرب كلهم لم يقدموا ما يكفي للقضية الفلسطينية، وليست مصر وحدها، والضغط الشعبي في الخارج مردُّه أنها الدولة الحدودية الوحيدة مع القطاع، لكن الجميع مقصِّر في حق الفلسطينيين، ويستحقون أن ينالوا قسطا من الاحتجاج. وهذه الاحتجاجات الشعبية الدولية مطلوبة، لكن الأهم الاحتجاجات الداخلية للضغط على الحكومات، فالأنظمة لدينا لن تتحرك إلا إذا حدث ما يزعزع استقرارها، والزعزعة ترجع إما إلى ضغط شعبي قوي وجارف، أو ضغط دولي من الأنظمة التي تُكسبها الشرعية الداخلية، وهذا النوع الأخير لن يحدث، لأن الأنظمة الغربية متواطئة مع الاحتلال، وراعية وداعمة له، والحل بيد الشعوب لا غيرها.