فلسفة كينتسوجي اليابانية.. الإصلاح الذهبي للعلاقات المدمرة
تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT
لدى سكان إحدى أقدم دول العالم طريقة مميزة للعناية بالعقل والجسم، إذ يتبنى اليابانيون فلسفات مختلفة تمنحهم السعادة والرضا، وبرز من هذا الفلسفات -وهو الأكثر تأثيرا في العلاقات- مفهوم "كينتسوجي" الذي يتعامل مع الصراعات ويعني "الإصلاح الذهبي"، ويمكن أن نستمد من هذا الفن طريقة مميزة للحفاظ على العلاقات.
الوعاء المكسورنشأ مفهوم "كينتسوجي" قبل حوالي 4 قرون، عندما انكسر الوعاء المفضل لحاكم الساموراي أشيكاغا يوشي-ميتسو.
ففكر أحد الحرفيين في حل مبتكر: لصق قطع الوعاء بمادة لاصقة، ثم زين الشقوق المرممة بالذهب. وبهذه الطريقة، ظل بالإمكان استخدام الوعاء، لكنه اكتسب شكلا جديدًا يظهر الشقوق القديمة مزينة باللون الذهبي.
وفي العلاقات يطبق هذا المعنى من خلال تقبل عيوب شركائنا، ومن ناحية أخرى بألا نكون مضطرين لإخفاء نقاط ضعفنا، إنه فن إصلاح العلاقات بعد الصراع، بعد مشاجرات وانتقادات وأخطاء، تتجمع كل الكسور لتصبح العلاقات أجمل وأقوى، دون إخفاء للعيوب، وإنما بإضافة لمسة جمالية إليها تزيد جاذبيتها، نتحدث عن المرونة والتقبل والقدرة على قبول النقص، وتحدي رغبتنا في الكمال.
ويركز مفهوم كينتسوجي على أن العيوب جزء لا يتجزأ من مكونات علاقاتنا، فهوية شركائنا ورحلة علاقتنا وقبولها ومواجهتها أمر أساسي لبقائها، إذ ليس هناك علاقة مثالية، ويتم هذا بتعزيز التعاطف والتفاهم وتحويل مشكلات العيوب إلى سبب لاتصال أعمق وفرصة لنمو العلاقات دون التهرب منها بالصمت أو التجنب.
ووفق كينتسوجي لا يتم التخلص من القطع المكسورة، إذ تثبت هذه الفلسفة أن المكسور يمكن أن يعاد بناؤه بشكل جديد، يمكن جمعه دون إخفاء العيوب، بل التركيز عليها بتزيينها بالذهب، إنه فن العثور على الجمال في النقص.
ويرتبط فن كينتسوجي بفلسفة وابي سابي اليابانية، التي تعني رؤية الجمال مهما كانت بساطته وتقبل عدم الكمال، تدعونا فلسلفة وابي سابي لتأمل ما تذكره بنا الطبيعية دائما بأن لا شيء يبقى على حاله إلى الأبد.
ويؤكد معنى كينتسوجي أن محاولاتنا لإعادة العلاقات على ما كانت عليه في البداية غير ممكن، لا يوجد حل يمكنه محو الضرر الذي نتعرض له، من الخوف أو انعدام الثقة، لكن تذكرنا لأن هذه العلاقة استمرت رغم الضرر وأصبحت أقوى ويمكن أن يحفظ لنا علاقات جيدة، وإن كانت مختلفة عما قبل.
إنها فلسفة يابانية ترى في العيوب والأخطاء فرصة لحياة جديدة، وتذكر بجمال الهشاشة الإنسانية أحيانا، وتشير إلى أن المرونة في مواجهة الألم والصدمات يحولها إلى شيء قيم، فالندوب جزء من هويتنا، ومن مواجهة الحياة بشجاعة.
ووفق موقع فوربس، يمكن أن نستوحي أفكار فن كينتسوجي لتقوية علاقاتنا وتعزيز نموها، وبينها ما يلي:
تقبل النقص والاحتفاء بهتؤدي الرغبة في الكمال إلى الشعور بالإحباط، ووفقا لدراسة نشرتها مجلة "فاميلي جورنال"، فقد يغلب على الأفراد الذين يسعون إلى الكمال شعور بالخوف من العلاقات الحميمة مقارنة بغيرهم، الذين يتقبلون العيوب ويتعاملون معها بكثير من التعاطف، وهذا يعزز الشعور بالالتزام في العلاقات ويخلق مساحة آمنة، ويهيئ أطراف العلاقة لمواجهة التحديات معا.
ففي اللحظة التي ينتابك فيها شعور بخيبة الأمل، سواء كان ذلك مع نفسك أو مع الطرف الآخر، يكون الوقت المناسب لتقديم التعاطف والرحمة والتفهم، وفكر في أنه إنسان مثلنا جميعا، غير كامل.
والفهم العميق للسلوك الذي ضايقك سيقلل من رغبتك في الابتعاد أو الانفصال ويزيد شعورك بالرضا، وستكون العلاقات أكثر تحررا وروعة حين نتقبل النقص، كما تنصح فاسيا سارانتوبولو خبيرة العلاقات والمتخصصة في علم النفس في موقع "أنتيلونلينيس".
ووفق كينتسوجي، فإن استمرار العلاقات يتطلب الصبر والجهد والاهتمام بإصلاحها، فالمرونة في مناقشة التحديات والصراعات يعزز الروابط ومهارات حل المشكلات. وتماما مثلما تصبح القطع الفخارية أكثر جمالا بعد لصقها بالذهب، فإن الندبات والتحديات التي تصبح جزءا من تاريخ علاقاتنا تجعلها أكثر قوة وتزيد عمقها.
فكر كيف تتطور شخصياتناتنمو شخصياتنا طوال رحلة الحياة، وتتطور معها علاقاتنا، لذا فإن علينا احترام هذا التطور -في أنفسنا وفي الآخرين- واحتضانه لتعزيز النمو المستمر في علاقاتنا، والاستعداد للتخلي عن النمط القديم لها لنستوعب تغيرات شركائنا، مع التمسك بالطبع بالقيم والالتزامات الأساسية التي تربطنا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات اجتماعي یمکن أن
إقرأ أيضاً:
هالاند يقود «الجيل الذهبي» لإعادة المجد إلى النرويج
معتز الشامي (أبوظبي)
بعد مرور أكثر من ربع قرن، على آخر مشاركة للنرويج في نهائيات كأس العالم، يلوح في الأفق جيل جديد يقوده إيرلينج هالاند يعيد الأمل لجماهير بلاده بالعودة إلى المسرح العالمي، وبالفوز 5-0 على إسرائيل، اقتربت النرويج خطوة كبيرة من حجز بطاقة التأهل إلى «مونديال 2026» في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.
ويحتاج المنتخب النرويجي إلى فوز وتعادل في آخر مباراتين أمام إستونيا وإيطاليا، ليضمن التأهل رسمياً، في ظل تفوقه الكبير بفارق الأهداف الذي يبلغ +26، ويكفيه الفوز على إستونيا في أوسلو 13 نوفمبر، لضمان التأهل شبه الكامل، قبل مواجهة إيطاليا في ميلانو، الخصم الذي أنهى مغامرة النرويجيين في مونديال فرنسا 1998.
ذلك الجيل الذي ضم توري آندريه فلو، هينينج بيرج، وكيتيل ريكدال، والذي صنع المعجزة بالفوز على البرازيل، أصبح اليوم مُلهماً لجيل جديد بقيادة المدرب ستاله سولباكن، الذي كان لاعباً في تلك البطولة التاريخية.
من جهة أخرى، يواصل النجم إيرلينج هالاند تحطيم الأرقام بتسجيل هاتريك جديد في المباراة الأخيرة، ليرفع رصيده إلى 12 هدفاً في التصفيات و50 هدفاً دولياً في عمر 25 عاماً، ورغم إهداره ركلتي جزاء في بداية اللقاء، عاد ليقود فريقه بانضباط وهدوء، قبل أن يسجل هدفين بالرأس ويؤكد فوزاً تاريخياً للنرويج.
زميله في الهجوم ألكسندر سورلوث قال بعد المباراة: «عندما يدخل هالاند الملعب، يسجل دائماً. إنه مثل روبوت أمام المرمى، يُجذب المدافعين نحوه ويفتح المساحات لبقية اللاعبين»، ورغم غياب القائد مارتن أوديجارد للإصابة، ظهر المنتخب النرويجي بصلابة كبيرة، وأثبتت المجموعة التي تضم سورلوث (أتلتيكو مدريد)، ساندر بيرجه (فولهام)، كريستوفر آيير (برينتفورد)، وأوسكار بوب (مانشستر سيتي)، إلى جانب الجناح السريع أنطونيو نوسا (لايبزيج)، أنها تشكّل نواة قوية لجيل ذهبي جديد.
أما المنتخب النرويجي الذي فشل في التأهل إلى مونديال 2022 ويورو 2024، فيبدو هذه المرة مختلفاً، متماسكاً وواعياً لحجمه الحقيقي في «القارة العجوز»، وفي الوقت الذي يستعد فيه الفريق لمواجهة ودية أمام نيوزيلندا في أوسلو، يترقب الشارع النرويجي ما قد يكون أول تأهل لكأس العالم منذ 1998، بفضل جيل يُعيد رسم صورة الكرة في البلاد، بقيادة هالاند الذي تحوّل من «موهبة واعدة» إلى رمز وطني لنهضة كروية كاملة، النرويج، التي كانت يوماً تكتفي بالأحلام، أصبحت اليوم على أبواب المونديال بثقةٍ وتاريخ جديد يُكتب بحروف من ذهب.