فلسفة الحياة والموت.. رحلة في قطارٍ لا عودة منه
تاريخ النشر: 12th, October 2025 GMT
كلنا مسافرون... مهما طال بنا المقام أو اتسعت بنا الديار. يظن البعض أنه امتلك الأرض، وسجّلها باسمه، وعلّق على الجدران صكوك الملكية وعقود التمليك، لكنه في الحقيقة لم يملك سوى حق انتفاع مؤقت، مثل تذكرة القطار التي تخوّلك الجلوس في مقعدٍ ما إلى أن تصل المحطة الأخيرة، فينهض آخر ليجلس مكانك ويكمل الرحلة من بعدك.
الحياة ليست سوى رحلة عابرة، والقطار يمضي بنا جميعًا، لا فرق بين من يركب الدرجة الأولى ومن يجلس على مقعدٍ خشبيٍّ في آخر العربة. الكل في النهاية ينزل في المحطة ذاتها، ويترك كل شيء خلفه؛ المال، والأرض، والقصور، وحتى الثياب التي كانت له يومًا ستُبدَّل بثوبٍ بسيطٍ لا جيوب له.
يا من تلهثون خلف الميراث، وتتنازعون على فتات الدنيا كأنها ستدوم... يا من تتباهون بالمناصب والقصور والسيارات، تذكّروا أن الأرض التي تمشون عليها ستضمكم جميعًا، وستتعامل معكم بعدلٍ مطلق؛ لا غنيّ فيها ولا فقير، لا حاكم ولا محكوم، لا وصيّ على مالٍ ولا وارث لثروة.
قف يومًا على أعتاب المقابر، وتأمّل الوجوه التي كانت يومًا تملأ الدنيا ضجيجًا وصخبًا. كانوا يعتقدون أنهم الأذكى والأقوى، وأنهم أصحاب القرار والكلمة، لكن الصمت ابتلعهم جميعًا، وأصبحوا أسماءً منقوشة على حجرٍ باهتٍ لا يُقرأ إلا من قريب.
أين بيوتكم يا من شيدتم القصور؟
أين أراضيكم يا من تفاخرتم بالهكتارات؟
أين ليالي عزكم وسهراتكم ومآدبكم؟
حتى مجالس عزائكم أصبحت تُقام على عجل، بلا دموعٍ حقيقية، وكأن الرحيل صار عادة من عادات الحياة.
هل تعلم أن كل من تصارعوا على الحياة، ورفعوا رايات الكبرياء والأنانية، تركوا كل شيء خلفهم؟
بيوتهم التي كانت عامرة بالزينة والأنوار، أصبحت اليوم تعوي فيها الكلاب، لأنهم تركوا ذريةً ضعفاء، لم يجدوا إلا أطلال الماضي يفتشون فيها عن دفءٍ مفقود.
الحياة في جوهرها حلم عابر، واستيقاظنا منها هو الموت. الفطن من يدرك أن الرحلة قصيرة، فيزرع خيرًا، ويترك أثرًا، ويعطي دون انتظارٍ للمقابل. فليس الغنيّ من جمع، بل من قدّم، وليس الباقي من عاش طويلًا، بل من ترك بصمة في القلوب.
فلنخفّف من جشعنا، ولنصالح أنفسنا قبل أن نصالح الأرض التي تنتظرنا. فكل ما بين أيدينا — مهما بدا عظيمًا — ليس إلا حق انتفاع مؤقت، سينتهي حين تُعلن صافرة الرحيل الأخيرة.
وفي نهاية الرحلة...
حين يهدأ ضجيج العربة، وتغيب الوجوه في غبار الطريق، ندرك أن القطار لم يكن يسير نحو نهاية، بل نحو بداية جديدة. هناك — في الضفة الأخرى — لا تذاكر ولا مقاعد، بل عدل مطلق وسلام أبدي. هناك فقط يُكشف المعنى الحقيقي للسفر، وتُعرف قيمة الزاد الذي حملناه معنا من الدنيا، لا ما جمعناه فيها.
فيا أيها المسافر، خفف متاعك، وأحسن زادك، فالرحلة قصيرة، والمقام طويل... والقطار لا ينتظر أحدًا....!!
كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية ...!!
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: صكوك الملكية المحطة الاخيرة
إقرأ أيضاً:
فضل تربية البنات في الإسلام.. رزق في الدنيا وطريقك إلى الجنة
ما فضل تربية البنات في الإسلام؟ خص النبي -صلى الله عليه وسلم- تربية البنات بوصية ورتب عليها الأجر والمثوبة من الله سبحانه، وجعل رعايتهن والقيام على حاجاتهن سببًا لدخول الجنة؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ عَالَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ، فَأَدَّبَهُنَّ، وَزَوَّجَهُنَّ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، فَلَهُ الْجَنَّةُ». [أخرجه أبو داود]،
وبشرَّ -صلى الله عليه وسلم- من أدى وصيته على وجهها تجاه بناته بصحبته يوم القيامة وفي الجنة؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ، وَضَمَّ أَصَابِعَهُ». (أخرجه مسلم)
فضل تربية البنات والصبر عليهن، الإحسان إلى البنات، والحرص على تربيتهنّ والصبر عليهنّ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «دَخَلَتْ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: مَنْ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ» وفي رواية «فَقَالَ: مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ».
تربية البنات في الجاهلية
البنات نعمة من نعم الله -عز وجل- علينا، متى ما قمنا بما افترضه الله علينا من الإحسان إليهن، ومن المعلوم أن العرب في الجاهلية كانوا لا يحبون البنات، ويترقبون الأولاد، للوقوف إلى جانبهم ومساندتهم في حياتهم وحروبهم، أما البنت فكانوا لا يحبونها، وكان عدم حبهم لها والخوف من عارها يحمل بعضهم على كراهتها بل وعلى قتلها ووأْدِها.كما قال الله تعالى: «وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ القَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ» (النحل الآية 58: 59)، وقال تعالى: «وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» (التكوير الآية: 8: 9).
دعاء المعجزات .. يجرّ إليك الخير جرًا ردّده دائمًا
دعاء الصباح للبركة.. أفضل كلمات عن النبي تقولها مع بداية اليوم
تربية البنات في الإسلام
بعث الله نبينا محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، فجرَّم وحرم هذه الفِعلة الشنعاء وهي وأد البنات، فعن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنَّ الله حرَّم عليكم عقوق الأمهات، وَمَنْعًا وهات، ووَأد البنات، وكَرِهَ لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال» رواه البخاري.وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ وُلِدَتْ له ابنةٌ فلم يئِدْها ولم يُهنْها، ولم يُؤثرْ ولَده عليها - يعني الذكَرَ- أدخلَه اللهُ بها الجنة» (رواه أحمد).
فضل تربية البنات في الإسلاملم يكتفِ النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنهي الشديد عن وأد البنات، بل جاء معتنياً بهن، بغية تصحيح مسار البشرية وإعادتها إلى طريق الإنسانية والرحمة، وتكريماً للبنات وحماية لهن، وحفظاً لحقوقهن، بل وأمر -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة بالإحسان إليهن، ووعد من يرعاهن ويحسن إليهن بالأجر الجزيل والمنزلة العالية، ومن ذلك:
أحاديث فضل تربية البنات عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن عالَ جارِيَتَيْنِ(بنتين)حتَّى تَبْلُغا، جاءَ يَومَ القِيامَةِ أنا وهو وضَمَّ أصابِعَهُ» رواه مسلم.وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «دخلتْ امرأةٌ معها ابنتانِ لها تسأَل (فقيرة)، فلم تجدْ عندي شيئًا غيرَ تمرةٍ، فأَعطيتُهَا إيَّاها، فَقَسَمَتْهَا بينَ ابنتيْها ولم تأكُلْ منها، ثم قامتْ فخرجتْ، فدخلَ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ علينا فأخبرته، فقال: من ابْتُلِي من هذهِ البناتِ بشيٍء كُنَّ لهُ سِترًا من النار» رواه البخاري.
وعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَن عال ابنتينِ أو ثلاثًا، أو أختينِ أو ثلاثًا، حتَّى يَبِنَّ -ينفصلن عنه بتزويج أو موت-، أو يموتَ عنهنَّ كُنْتُ أنا وهو في الجنَّةِ كهاتينِ - وأشار بأُصبُعِه الوسطى والَّتي تليها» (رواه ابن ماجه).
وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ كان له ثلاث بنات فصبَرَ علَيْهِنَّ، وأطعَمَهُنَّ وسقاهُنّ، وكساهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ (سعته وطاقته)، كُنَّ لَهُ حجاباً مِن النارِ يومَ القيامة».