لجريدة عمان:
2025-12-14@08:51:07 GMT

خمسة أيام في خندق الموت

تاريخ النشر: 14th, August 2023 GMT

عندما بدأت الحرب الروسية الأوكرانية، كنت أكتب رواية. كانت الأحداث تجري في عام 1863، وتتناول رجلا أوكرانيا يسافر من فرجينيا إلى ميسوري، فيقابل في طريقه العديد من غرباء الأطوار والجنود والهاربين من التجنيد والعبيد المارقين. طالما كنت مهتما بالتاريخ في الولايات المتحدة، ومنجذبا إلى فكرة إدخال بطل أوكراني في واقع الحرب الأهلية الأمريكية ـ على ألا يكون مهاجرا كلاسيكيا، وإنما جندي في جيش الشمال، له تاريخه الخاص في العبودية تحت نير الإمبراطورية الروسية.

كان يفترض بهذه القصة أن تكون رواية، وكان مفترضا بي أن أحقق حلمي: وهو أن أقتفي أثر بطلي من فرونت رويال بولاية فيرجينيا إلى أوزارك بولاية ميزوري، مستوعبا من الحياة أكبر قدر يمكنني ابتلاعه. لكن روسيا لم تكتف بتدمير دولة أوكرانيا مرة من قبل، وكانت لديها خطط أخرى. أوقفت كتاباتي وحملت السلاح بدلا من ذلك. والآن أبذل جهودا لمنع مرحلة جديدة من القهر في بلدي.

ذلك ما جرى، وأتقبله. لكن هل كنت حقا أريد القتال؟ هل يرغب مئات الآلاف من الأوكرانيين حقا في المخاطرة بحياتهم، والانفصال عن عائلاتهم بالمكوث في خنادق غمرتها الفيضانات أو في سهوب جافة؟ هل أردت حقا أن أموت في نهاية العالم التي لا يرجع منها الجميع؟ لعل كل جندي أوكراني يطرح على نفسه هذه الأسئلة عديمة الإجابات.

في باخموت، حيث خدمت في مايو، لم يكن من مفر من هذه الأسئلة. فقد تم تكليف الوحدة التي كنت أقودها بمهمة بناء موقع قتالي في ضواحي المدينة، لكن كل شيء تغير بسرعة كبيرة. استولى الروس على بقية المدينة وغادرت معظم الوحدات الأوكرانية. وفجأة وجدنا أنفسنا في فخ ـ فلم يكن هناك من يغطينا. وطلبا للحماية، استلقيت في خندق صغير.

قضيت خمسة أيام في ذلك القبر أنتظر الموت، أبول أحيانا في زجاجة بلاستيكية وأحسب، إزجاء للوقت، السعرات الحرارية التي استهلكتها وكمية الماء التي شربتها. (اليوم 1: 560 سعرا حراريا، 350 ملليلترا من الماء. اليوم 2: 780 سعرا حراريا، 550 ملليلترا من الماء. وهكذا) على مدى مائة وخمس عشرة ساعة، استلقيت في هذه الحفرة البالغ عمقها أربع أقدام ناظرا إلى السماء الصافية، جافلا إثر كل انفجار بالقرب مني.

كان ما يحيط بي هو الجحيم الخالص. ولما كانت مواقعنا قائمة في طريق الخروج من باخموت، فإن القوات المنسحبة ـ من الضائعين، والجرحى، والصم بسبب الانفجارات ـ كانت تمر بنا طيلة الوقت. كان العدو يهاجمهم، وتصاب أجهزة اللاسلكي بالجنون مع ورود الأنباء بوقوع إصابات، والطائرات المسيرة تطن بلا نهاية. وغصون الأشجار تتساقط على رؤوسنا وقد قصمها القصف.

كنت أستلقي في قاع قبري وأنا أفكر أنه على الرغم من أنني قبلت موتي منذ فترة طويلة، إلا أنني ما زلت غير مستعد لهذا الموت في الوقت الحالي. فزوجتي لا تعرف كيف تدفع فواتير الخدمات، ولم أترك لها بريدي الإلكتروني وكلمات مرور الخدمات المصرفية عبر الإنترنت، وفي البريد طرود لم يتح لي الوقت لإبلاغها بها.

لا، لم أستعد الاستعداد المناسب. لم أكتب لها أي شيء مهم حقا قبل مغادرتي. من كان يدري أن الإنترنت والمولِّد والغذاء والماء وكل الأشياء تقريبا سوف تختفي فورا تحت نيران المدفعية الروسية؟ لا يكاد يوجد اتصال، ولا توجد طريقة لنقل كلمات المرور، وما من سبيل للسيطرة على مصير الرواية الناقصة.

في الوقت نفسه، فكرت فيما يمكن أن أفعله لو نجوت. وواردٌ هذا الاحتمال ـ أن أنجو. حسن، حينئذ سوف أكتب رسالة. سأقول: نجوت يا حبيبتي. لكن كان يصعب التفكير في نهاية سعيدة. كنت أفضل أن أحلم بوفاتي، وأنا غارق حتى عظامي في المطر، بعد أن أنام لمدة ساعة أسفل المدفع، أموت صريع لغم روسي.

مر اليوم الأول والثاني والرابع. جاء من الناس والأبطال والقصص أشكال وألوان وذهبوا. لم يصادفهم الحظ السعيد فينجوا. كانت باخموت تحترق أمام أعيننا ـ وسأتذكر ما حييت رائحة المدينة إذ تحترق. كانت من حولنا في كل مكان جثث ـ وسأتذكر ما حييت تلك الرائحة اللاذعة النافذة.

صرخ الناس، وقفزوا إلى الخنادق، اقترضوا السجائر، وتقاسموا السجائر، اقترضوا الماء، وتقاسموا الماء. قفزوا خارجين، يجرون أو يزحفون. ولما انتهى اليوم الخامس، انهمرت فجأة أمطار غزيرة، وكأنه سيل مداري. توقف القصف للمرة الأولى. ورنّ جهاز الاتصال اللاسلكي، الذي لم تكن بطارياته قد نفدت تماما، معلنا الأمر بالمغادرة.

وهكذا غادرت. تحت وابل المطر، عطشان، مبتلا، منهكا، فاقدا سبعة كيلوجرامات من وزني وكل الذخيرة، ولكني لم أزل أحمل سلاحي. عندما صرنا على بعد خمسة عشر كيلومتر من الجبهة، حيث نقطة الانتقال في محطة وقود، استؤنف الاتصال بالإنترنت وبدا أننا آمنون نسبيا. كتبت لزوجتي: نجوت يا حبيبتي. ولم يزل يصعب عليّ أن أصدق ذلك.

هل أردت القتال؟ هل يريد مئات الآلاف من الأوكرانيين القتال؟ إن لدينا أطفالا وعائلات ووظائف وهوايات وطرودا في البريد. ومنا من لديه رواية ناقصة عن مغامرات رجل أوكراني في أمريكا لم يرغب في القتال ولم يملك إلا أن يقاتل. ولا نملك نحن أيضا إلا أن نقاتل، لأن أعداءنا يحاولون مرة أخرى أن يسلبونا حقنا في العيش على أرضنا. لأنهم يحاولون سلبنا حقنا في الحرية.

كيف يمكن ألا أحمل السلاح هنا؟ أولئك الذين عاشوا لعقود طويلة في أحضان الديمقراطية والحرية الدافئة، والذين لا يعرفون خوف الأسر والتعذيب، يصعب عليهم أن يفهموا لماذا يقوم هؤلاء الأشخاص المسالمون ـ الذين يزرعون القمح ويستخرجون الحديد والفحم، ويرعون الماشية في مروج لا حدود لها، منذ زمن بعيد ـ بالدفاع عن كل متر من بلدهم بمثل هذا الغضب. لكني أعرف الجواب. هذه هي أرضنا الرائعة. ويجب أن يكون حرة.

آرتم تشيك جندي وكاتب ومؤلف «الصفر المطلق»

«خدمة نيويورك تايمز»

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

ﻏﺰة.. ﺗﻮاﺟﻪ الموت ﺑﺮداً

تجمد الطفلة «رهف أبوجزر».. وغرق خيام النازحين وتحذيرات من تفشى الأوبئة
الأونروا: تسونامى إنسانى يجتاح القطاع يفوق قدرة منظمات الإغاثة الدولية 

 

فتح البرد فصلاً جديدًا من فصول الموت فى قطاع غزة المُحاصر، حيث تتكامل قسوة الطقس مع فصول الإبادة الجماعية المستمرة بحق الشعب الفلسطينى. ملايين الأرواح تُركت تحت رحمة البرد والجوع والخيام الممزقة، فى ظل عجز كامل للمنظمات الإنسانية عن توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة.
فالأطفال لا يعرفون معنى اللعب، بل يعرفون فقط كيف يهربون من الغرق، وكيف يقفون على قطعة تراب صغيرة لئلا يبتل جسدهم أكثر. وتختل أجسادهم وتزهق أرواحهم بفعل الجوع والبرد فالموت هنا يتلون مع كل مرحلة من مراحل الإبادة الجماعية.
ارتقت الصغيرة «رهف أبوجزر» شهيدة متجمدة. بعد أن فقدت روحها ذات الـ8 شهور فى ليلة قاسية هى الثانية التى يعيشها قطاع غزة. وسط اغراق مياه الأمطار لمخيمات النزوح تزامنًا مع تأثر فلسطين بمنخفض جوى عميق يستمر حتى ساعات مساء اليوم الجمعة، فى ظل أجواء باردة ودرجات حرارة متدنية.
واكد شهود عيان أنّ خيمة عائلة الرضيعة تضررت بفعل المنخفض الجوى وقوية الرياح وغزارة الأمطار، ما أدى إلى انخفاض حاد فى درجة حرارتها وسط غياب وسائل التدفئة والرعاية الصحية.
وهذه ليست حالة الوفاة الأولى إذ ارتقى العشرات من الأطفال خلال فصل الشتاء الماضى نتيجة البرد القارس، وانعدام الرعاية الصحية اللازمة، وسط استمرار الحصار الإسرائيلى.
سبق رهف الطفل زاهر ابو شامية الذى استشهد دهسا قرب الخط الأصفر شرق مدينة غزة  بعدما أطلق الاحتلال النار عليه وتركه ينزف فقامت إحدى الدبابات. بداية والمرور عليه ومنع إنقاذه فيما استشهد وأصيب عدد من الفلسطينيين برصاص الاحتلال فى عدة مناطق.
كما رفضت سلطات الاحتلال الإسرائيلى السماح لطفل (5 سنوات) بالسفر من رام الله لتلقى علاجٍ منقذ للحياة من مرض السرطان فى مستشفى «تل هاشومير»، بحجة أن عنوانه مسجل فى غزة.
واوضحت منظمة «غيشا - مسلك» فى التماسها أن عائلة الطفل انتقلت إلى رام الله عام 2022 لتلقى العلاج الطبى، الذى أصبح غير فعال حاليا، بينما يحتاج الطفل بشكل عاجل إلى عملية زرع نخاع عظمى لا تتوفر فى الضفة المحتلة أو القطاع.
وقالت الارصاد الجوية الفلسطينية إن منخفض بايرن الجوى على فلسطين يشتد ويطرأ انخفاض ملموس على درجات الحرارة، لذا يكون الجو باردًا وماطرا وعاصفا، وتسقط الأمطار على كافة المناطق وتكون غزيرة ومصحوبة بعواصف رعدية وتساقط البرد أحيانا.
وأظهرت مقاطع فيديو دخول مياه الأمطار إلى الخيام، بينما يُحاول النازحون إنقاذ ما تبقى من فراش وأغطية وحماية أطفالهم من الغرق والأجواء الباردة.
واشتكى النازحون فى عدة مناطق بالقطاع المنكوب من دخول المياه إلى أماكن نوم الأطفال والنساء والشيوخ فى الخيام، مؤكدين أن كل إجراءات الحماية فشلت أمام المنخفض الجوى والأمطار الغزيرة.
وحذر مدير عام صحة بغزة منير البرش من وفاة أطفال وكبار سن ومرضى جراء انخفاض درجات الحرارة داخل خيام النازحين التى غمرتها الأمطار.
وأوضح أن الرطوبة والمياه داخل الخيام تهيئ بيئة لانتشار أمراض الجهاز التنفسى بصفوف النازحين فيما يعجز المرضى عن الحصول على أى رعاية صحية.
وسجل الدفاع المدنى الفلسطينى غرق مخيمات بأكملها فى منطقة المواصى بخان يونس.
ومنطقة «البصة والبركة» فى دير البلح ومنطقة «السوق المركزى» فى النصيرات وفى منطقتى «اليرموك والميناء» فى مدينة غزة.
وتلقى منذ بدء المنخفض أكثر من 2500 إشارة استغاثة من نازحين تضررت خيامهم ومراكز إيوائهم فى جميع محافظات قطاع غزة.
واكد أن الفلسطينين بأطفالهم ونسائهم يغرقون الآن وتجرف الأمطار خيامهم رغم المناشدات والنداءات الإنسانية العديدة التى أطلقت لإنقاذهم قبل أن نرى هذه المشاهد المأساوية فى المخيمات.
وأعلن الدفاع المدنى الفلسطينى إجلاء نازحين من عشرات الخيام بعد غرقها الكامل، إثر الأمطار الغزيرة جنوبى القطاع، وحذر من تفاقم الأوضاع الإنسانية فى حال استمرار المنخفض الجوى الجديد مع عدم وجود مساكن مؤقتة تؤوى النازحين. مع استمرار انتهاك الاحتلال الإسرائيلى لاتفاق وقف إطلاق النار. 
وأشار مدير المكتب الإعلامى الحكومى فى غزة إسماعيل الثوابتة، إلى تفاقم الكارثة الإنسانية التى يعيشها النازحون فى مخيمات القطاع، مع تضرر أكثر من 22 ألف خيمة بشكل كامل جراء المنخفض، بما يشمل الشوادر ومواد العزل والبطانيات.
وأكد أن نحو مليون والنصف نازح يعيشون أوضاعًا قاسية داخل مخيمات الإيواء، بينما تقيم مئات آلاف العائلات داخل خيام مهترئة تضررت بفعل حرب الإبادة وبفعل العواصف الأخيرة.
وأوضح أن قطاع غزة بحاجة فورية إلى 300 ألف خيمة جديدة لتأمين الحد الأدنى من الإيواء، فى حين لم يدخل إلى القطاع سوى 20 ألف خيمة فقط منذ بدء الأزمة.
وشددت وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، على أن هطول الأمطار فى القطاع يحمل مصاعب جديدة ويفاقم الأوضاع المعيشية المتردية أصلا ويجعلها أكثر خطورة.
وأشارت «أونروا» فى تصريحات صحفية إلى أن البرد والاكتظاظ وانعدام النظافة فى القطاع تزيد خطر الإصابة بالأمراض والعدوى.
وأكد المستشار الإعلامى لوكالة «أونروا» عدنان أبو حسنة: أن الوضع الإنسانى فى قطاع غزة بلغ مرحلة غير مسبوقة، واصفًا ما يجرى بأنه «تسونامى إنسانى» يفوق قدرات الوكالة والمنظمات الإغاثية، فى ظل منع الاحتلال إدخال المستلزمات العاجلة رغم النقص الحاد فى الإمدادات منذ وقف إطلاق النار.
وسلطت صحيفة الجارديان البريطانية، الضوء على انتقادات وكالات الإغاثة الدولية لاستمرار فرض الاحتلال الإسرائيلى قيودا مشددة على شحنات المساعدات إلى قطاع غزة رغم مضى شهرين على إعلان اتفاق وقف إطلاق النار.
وأبرزت صحيفة الجارديان البريطانية أن وكالات الإغاثة الدولية لا تزال تنتقد القيود الإسرائيلية المشددة على دخول المساعدات رغم مرور شهرين على إعلان وقف إطلاق النار. وذكرت الصحيفة أنه تم إدخال أكثر من 9000 طفل إلى المستشفيات فى أكتوبر الماضى فقط بسبب سوء التغذية الحاد.
وقالت تيس إنجرام، المتحدثة باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف): «فى مستشفيات غزة، التقيت بالعديد من الأطفال حديثى الولادة الذين كان وزنهم أقل من كيلوجرام واحد، وكانت صدورهم الصغيرة تنتفخ بسبب الجهد المبذول للبقاء على قيد الحياة».

 

مقالات مشابهة

  • تايلاند تعلن حظر تجول مع توسع نطاق القتال على الحدود مع كمبوديا
  • تايلاند تفرض حظر تجول في إقليم ترات مع استمرار القتال مع كمبوديا
  • تايلاند تعلن حظر تجول
  • كلب يعقر خمسة أطفال وسيدة بتمي الأمديد في الدقهلية
  • خمسة ملايين طلب لتذاكر مونديال 2026….المغرب ضد البرازيل تتصدر المباريات الأكثر إقبالاً
  • الإغاثة الطبية: غرق 5 نقاط طبية ونحذر من انهيار المنظومة الغذائية
  • ﻏﺰة.. ﺗﻮاﺟﻪ الموت ﺑﺮداً
  • خمسة عشر عامًا من العطاء: كيف قاد الاتحاد المصري لطلاب الصيدلة رحلة التبرع بالدم في مصر؟
  • المسلماني يهنّئ الفضائية المصرية بمرور 35 عامًا على انطلاقها
  • رسالة إلى العالم الآخر