رجاءا كفوا عن المزايدة علينا ..!
تاريخ النشر: 1st, November 2024 GMT
شمس الدين ضو البيت
انزلت بوستا بالصورة المرفقة، فدخل عليه في التعليقات الأخ الدكتور عصمت محمود أحمد الأستاذ المعروف بكلية الاداب جامعة الخرطوم، وكنا التقينا من قبل في فضاءات نضال ضد ظلم نظام الانقاذ البائد في الدفاع عن صحيفة التيار عندما اوقفت، وايضا شاركنا في الملتقى الثاني للعلمانيين والإسلاميين، فبراير 2017، وبرغم ان دكتور عصمت من الإسلاميين فقد تعرض نفسه لعسف الانقاذ عندما كان يدافع عن طلبته في جامعة الخرطوم.
كتب دكتور عصمت هذا التعليق على بوستي:
(هناك مذابح وانتهاكات مريعة في قرى الجزيرة؛ نلتمس ان تنال جزء من اهتمامكم .. هذا هو نداء الوقت الأكثر الحاح).
اود ان انتهز تعليق دكتور عصمت لتوضيح موقفي مرة أخرى وأخرى بايراد ردي عليه هناك ..
عصمت محمود أحمد
لست ممن يمكن ابتزازاهم بمثل هذا الكلام ..
الانتهاكات المريعة التي بدأت منذ أول يوم في هذه الحرب وكذلك انتهاكات وفظائع الحروب التي سبقتها في اطراف السودان كانت على الدوام مدار اهتمامنا، بل وظل العمل على إيقافها وانهائها هو محور كل عملنا ..
المسألة بالنسبة لنا ليست إدانة هذه الموجة أو تلك من موجات انتهاكات متكررة لن تنتهي ما ظلت الحرب مستعرة، وإنما إدانة الحرب ذاتها التي تفرز هذه الانتهاكات ابتداءا، والعمل على وقفها، لا تسعير نيرانها بدعاوى مستترة ولا بدعم أحد طرفيها، بل باقتلاع اسبابها من تربة السودان وبنزع المشروعية الاخلاقيه والسياسية والاجتماعية عن اطرافها كافة، وكشف الجذور الفكرية والسياسية التي جعلت بلادنا مستوطنا لها ولغيرها من الكوارث المجتمعية، بينما الشعوب من حولنا وجدت طريقها للاستقرار والتقدم ..
هذا البوست وجميع بوستاتي الأخرى وكافة كتاباتي ومناشطي ومساهماتي واعمالي ظلت تصب في هذا الذي ذكرته وستظل لبقية عمري. فقد نذرته للعمل من أجل السلام والتنمية المتوازنة والمواطنة المتساوية والحياة الكريمة لأهل السودان .. لا لطائفة ولا لحزب ولا لمصلحة أو إيديولوجيا.. وصحيفتي في كل هذا مبذولة متاحة. وقد دفعت ثمنها اعتقالات وسجون ومحاكمات بالردة وتعذيب وحجز في مستشفيات عقلية ومنافي .. باختصار لا يوجد من بستطيع المزايدة علينا ..
الجزيرة موطني واهلي فيها وكنت معهم لشهور اثناء الحرب وصلتي معاهم على مدار اليوم منذ غادرت.. وقد تعرضوا وتعرضت معهم شخصيا لانواع واشكال من العذابات والشدة.. لكن ما تعرضت له لن يمنعني من أن أقول الحق واواجه الباطل فقط لأفش غبائني، فمسئوليتي أمام أهلي وأمام الوطن وأمام الله ان اذكرهم ان ما حاق بهم سببه الحرب .. وانه لن يتوقف إلا بتوقف الحرب، وانه لا حقيقة لما يقوله طرفا الحرب بأنها حرب الكرامة أو أنها من أجل الديمقراطية بل هي حرب بين رجال مسلحين اعمتهم شهوة السلطة والثروة يقودون إلي التهلكة بسطاء محرومين -بفعل إهمال الدولة- من التعليم والعمل والحياة الكريمة، يحسبون أنهم يحاربون من أجل قضية بينما يدفعون حياتهم ويدمرون بلادهم من أجل اطماع سلطوية لاشخاص غير مسؤولين ..
أما عن السبب الأصيل لكل هذا القتل والدمار والانتهاكات فساقول -وظللت اقول- لأهلي في الجزيرة وفي كل السودان ان السبب الأساس هو جماعة من السودانيين رفعت باسم الدين منذ يومها الاول شعارا فحواه (فليقم للدين مجد أو ترق كل الدماء)، وأنها بدينها الذي تعنيه اشعلت حربا جهادية في الجنوب انتهت بانفصاله، واشعلت حروبا في جنوب كردفان وفي النيل الأزرق وفي الشرق، وانها ظلت تقتل وتعذب حتى من لم يحمل السلاح من معارضيها، وشخصي منهم..
ليس ذلك فحسب بل ان الحرب التي دارت في دارفور كانت اقتتالا بين فصائل تلك الجماعة بعد مفاصلتهم الشهيرة، فأسس زعيمهم حسن الترابي حركة العدل والمساواة ذراعا مسلحا لحزبه المؤتمر الشعبي .. فقام تلاميذه في الطرف الآخر بتأسيس الجنجويد، (نعم الجنجويد الذين تطوروا ليصبحوا الدعم السريع الذي يقاتلهم الآن). فتقاتل الفريقان المتفاصلان في دارفور سنين عددا راح ضحيتها ما لا يقل عن 300 ألف من اهلنا المساكين في دارفور نيابة عن (الإسلاميين) ..
سأقول -وظللت أقول- لاهلنا أيضا ان من أشعل الحرب الحالية ويسعر نيرانها ويرفض وقفها هم نفس اولئك الإسلاميين .. وإن سببهم لذلك هو ان الشعب السوداني هب هبة واحدة رجالا ونساء، بعد ان بلغت روحه الحلقوم من استبدادهم وظلمهم وفسادهم وإزهاقهم لأرواح السودانيين فأسقط حكومتهم، وبدأ في إزالة قليلا من تمكينهم، ولكنهم سارعوا لٱعادة تنظيم صفوفهم، واستخدموا ما تبقى من تمكين واسع في مؤسسات واجهزة الدولة، فخربوا الفترة الانتقالية واعاقوا عملها، ثم ضربوها جملة بانقلاب عسكري، ولما شعروا بأن خادمهم العسكري في دارفور يتطلع لأن يشاركهم في كيكة السلطة اشعلوا الحرب للقضاء عليه بسرعة .. أو فلترق كل الدماء ..
الأخ د. عصمت محمود هذه هي طريقتي في إدانة ما يتعرض له اهلي في الجزيرة: المناداة بوقف الحرب فورا والمساهمة في اجتثاث اسبابها الجذرية. اسباب الحروب في بلادنا هي فكر ديني سلفي شائه ومحرف يعارض تطلعات السودانيين كافة للمواطنة المتساوية والحقوق النوعية للنساء والديمقراطية وحقوق الٱنسان واحترام التنوع, ترفعه منظومة حزبية وعسكرية ومالية قميص عثمان لأغراض سلطوية ودنيوية وذاتية زائلة ليست من الٱسلام في شئ ..
مع كامل الاحترام
الوسومشمس الدين ضو البيت
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: فی دارفور من أجل
إقرأ أيضاً:
محطات فى تاريخ الإسلاميين في السودان: علاقاتهم الخارجية ودورهم في النزاعات وتدمير الدولة
بقلم: م. جعفر منصور حمد المجذوب
منذ منتصف القرن العشرين، بدأت ملامح التيار الإسلامي السياسي في السودان بالتشكل، قبل أن يتحول لاحقًا إلى القوة السياسية الحاكمة عبر انقلاب 1989. غير أن تجربته الطويلة – الممتدة من الدعوة إلى الدولة – لم تُفضِ إلا إلى الخراب: تمزيق البلاد، تفجير النزاعات، تحويل الدين إلى أداة للسلطة، وتدمير مؤسسات الدولة
.
البدايات: الحزب الاشتراكي الإسلامي 1949
بدأ العمل السياسي الإسلامي المنظم في السودان مع تأسيس الحزب الاشتراكي الإسلامي عام 1949 بقيادة الاستاذ بابكر كرار، كأول محاولة للجمع بين العدالة الاجتماعية والرؤية الإسلامية. ورغم قصر عمر الحزب، فقد كان نواة لنمو الفكر الإسلامي السياسي، خصوصًا وسط الطلاب والشباب
.
الإخوان المسلمون وجبهة الميثاق:
في الخمسينيات، نشطت جماعة الإخوان المسلمين في السودان، بقيادة شخصيات مثل صادق عبد الله عبد الماجد، وركزت على النشاط الدعوي والتربوي. ثم جاء تحالف صادق مع حسن الترابي في 1964 (عام ثورة أكتوبر الشعبية) لتشكيل جبهة الميثاق الإسلامي كأول كيان سياسي علني للحركة.
الجبهة الاسلامية القومية:
سرعان ما ظهرت الانقسامات بين الطرفين؛ حيث كان الترابي يميل إلى التنظيم البراغماتي وبناء نفوذ أوسع، بينما تمسك صادق بالرؤية الإخوانية التقليدية. انشق صادق وأعاد إحياء اسم "الإخوان المسلمون"، بينما أسس الترابي لاحقًا الجبهة الإسلامية القومية بعد سقوط نظام نميري.
المصالحة مع نميري وتطبيق الشريعة:
في عام 1977، أبرم الإسلاميون مصالحة مع الرئيس جعفر نميري، ما سمح لهم بدخول مؤسسات الدولة وعين حسن الترابي فى منصب النائب العام وبحلول 1983، أعلن نميري تطبيق الشريعة الإسلامية فيما عُرف بـ"قوانين سبتمبر"، تحت إشراف مباشر من الترابي، لتبدأ مرحلة النفوذ العميق.
شهدت تلك الفترة أيضًا قبل اعلان قوانين سبتمبر تأسيس بنك فيصل الإسلامي الذى صار أحد الأذراعة المالية للحركة الإسلامية، إضافة إلى هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، التي استُخدمت كواجهة للنفوذ المجتمعي والتمويل السياسي، ما أسس لنموهم الاقتصادي. كما بدأت الحركة ببناء مؤسساتها الموازية: المدارس، الجمعيات الخيرية، الإعلام الإسلامي.
انقلاب ما يسمى بثورة الإنقاذ 1989: السيطرة على الدولة
في 30 يونيو 1989، نفذت الجبهة الإسلامية انقلابًا عسكريًا قاده العميد عمر البشير، بينما تولى الترابي هندسة المشروع من الخلف. بدأت بعدها خطة التمكين للسيطرة على كل مفاصل الدولة: القضاء، الإعلام، الجيش، الاقتصاد، التعليم، والخدمة المدنية.
أنشأوا جهاز أمن واسع الصلاحيات، وسيطروا على الإعلام، ونفذوا حملات فصل تعسفي ضد المعارضين، وأدخلوا "بيوت الأشباح" للتعذيب. استُخدم المال العام في تمويل مشروعهم السياسي عبر تفكيك القطاع العام وتخصيصه لحلفائهم.
مفاصلة الإسلاميين؛ الترابي ضد البشير:
في عام 1999، اندلع صراع داخلي عنيف بين الترابي والبشير حول النفوذ، فيما عُرف بـ"المفاصلة". نتج عنه انقسام الإسلاميين إلى:
المؤتمر الوطني بقيادة البشير الذى استمر فى السلطة
المؤتمر الشعبي بقيادة الترابي، الذي تحوّل إلى المعارضة.
لكن الترابي لم يكتف بالعمل السياسي، بل دعم وساهم فى تشكيل حركات دارفورية مسلحة، أبرزها حركة العدل والمساواة بقيادة د. خليل إبراهيم، أحد أبرز كوادر الحركة الإسلامية سابقًا، والتي شنت هجومًا شهيرًا على أمدرمان عام 2008. وبعد مقتله، تولى شقيقه جبريل إبراهيم قيادة الحركة.
تحالفات خارجية مشبوهة:
عمل الإسلاميون على بناء علاقات إقليمية ودولية مثيرة للجدل
استضافوا أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة في التسعينيات، وساهموا في تمكينهم من إنشاء استثمارات وشبكات دعم لوجستي في الخرطوم.
أقاموا تحالفًا استراتيجيًا مع إيران، وشكّلوا قناة دعم لحماس وحزب الله، ودعموا مشروع الهلال الشيعي في المنطقة.
لاحقًا، انتقلوا إلى محور قطر–تركيا، مستفيدين من تمويله السياسي والإعلامي.
تفجير الحروب وتقسيم السودان:
من أبرز نتائج سياسات الإسلاميين
فرض الشريعة على الجنوب، مما أشعل حربًا دينية انتهت بانفصال الجنوب عام 2011.
إشعال الحرب في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، حيث استخدموا سياسة الأرض المحروقة، والتطهير العرقي، واستقطاب القبائل عبر التسليح والولاءات السياسية.
تغذية الصراعات القبلية، وإنشاء مليشيات محلية موالية.
وقد أضعفوا الجيش لصالح قوات خاصة حزبية، وهو ما خلق بيئة خصبة للتفكك الأمني لاحقًا.
إمبراطورية التمكين والفساد الاقتصادي:
أنشأ الإسلاميون نظامًا اقتصاديًا موازٍ
سيطروا على البنوك الإسلامية (مثل بنك فيصل، بنك الشمال، بنك التنمية).
أسسوا شركات تجارية وأمنية مرتبطة بجهاز الأمن.
استخدموا المنظمات الخيرية كأذرع تمويل واستقطاب سياسي.
هذا النظام خلق طبقة من الأثرياء المرتبطين بالسلطة، بينما عانى غالبية الشعب من الفقر والبطالة، وانهار الجنيه السوداني، وتضاعفت الديون الخارجية.
الثورة وسقوط النظام:
في ديسمبر 2018، اندلعت ثورة شعبية سلمية أطاحت بالبشير في أبريل 2019. لكنها لم تسقط الدولة العميقة التي زرعها الإسلاميون، وظلت شبكاتهم تعمل داخل:
القضاء.
الإعلام.
الأجهزة الأمنية.
الاقتصاد
النقابات والدعوة.
ما بعد ثورة ديسمبر ٢٠١٩:
استمر الإسلاميين فى تخريب الانتقال الديمقراطي عبر التحريض، والتمويل، والتحالفات الخفية، ودعم قوى الثورة المضادة والسيطرة على الجيش والتحالف مع الدعم السريع
فض اعتصام القيادة العامة (يونيو 2019):
فض الاعتصام الذي أودى بحياة أكثر من 100 شخص نُسب تنفيذه إلى قوات الدعم السريع بتخطيط مشترك مع المجلس العسكري الانتقالي.
يُعتقد أن عناصر من التيار الإسلامي/الفلول شاركوا أو حرّضوا عليه بشكل غير مباشر، بهدف ضرب قوى الثورة وإضعافها.
انقلاب 25 أكتوبر 2021 بقيادة البرهان:
الانقلاب أعاد السيطرة الكاملة للعسكر، وأضعف القوى المدنية.
رغم إنكار العسكر أي تحالف مع الإسلاميين، إلا أن كثيرين رأوا أن الانقلاب مهّد لعودتهم إلى الدولة تدريجيًا.
البعض يتهم الإسلاميين بدعم الانقلاب لتصفية حسابهم مع قوى الثورة.
التحالف غير المعلن مع الدعم السريع ثم العداء
خلال الفترة التي سبقت الحرب (قبل أبريل 2023)، لم يكن هناك عداء واضح بين الإسلاميين والدعم السريع.
كثير من الإسلاميين استفادوا من حالة السيولة لعودة نشاطهم السياسي والإعلامي، بل وتغلغل بعضهم داخل مؤسسات الدولة تحت حماية العسكر، ومن ضمنهم حميدتي نفسه.
لكن حين اندلعت الحرب بين الجيش والدعم السريع، أصبح الدعم السريع العدو الأول، وتحول الخطاب الإسلامي إلى خطاب تعبوي ضد حميدتي.
روج الإسلاميون لمعادلة "الجيش حامي الدين والهوية ومعركة الكرامة والوطن مقابل "الدعم السريع أداة للمشروع الصهيوني/الغربي".
طهور كتائب الظل كالبراءون
التحالف مع أعداء الأمس من ميليشيات :
في سياق الحرب، ظهر تحالف الجيش مع بعض الحركات المسلحة التي كانت تقاتل النظام السابق، مثل:
حركة مناوي
حركة جبريل
حركة تحرير السودان/عبد الواحد (بشكل غير مباشر)
رغم أن هذه الحركات كانت معادية للإسلاميين، إلا أن العدو المشترك (الدعم السريع) جعل التنسيق العسكري ممكنًا.
الإسلاميون صمتوا أو باركوا هذه التحالفات على قاعدة "عدو عدوي صديقي"، خاصة أن الجيش هو المنصة التي يأملون العودة من خلالها.
الوضع الحالي:
التيار الإسلامي في السودان اتبع تكتيكًا براغماتيًا خلال السنوات الأخيرة:
دعم العسكر ضد المدنيين،
غض الطرف عن الدعم السريع حين كان حليفًا،
ثم الانقلاب عليه حين تحوّل إلى تهديد،
والتقارب مع خصوم قدامى حين اقتضت المصلحة.
هذه البراغماتية ليست جديدة على السياسة السودانية، لكنها اليوم تتجلى في أكثر صورها حدة وخطورة، في ظل حرب أهلية طاحنة، وانهيار اقتصادي، ومأساة إنسانية متفاقمة.
خاتمة:
إن تجربة الإسلاميين في السودان ليست مجرد فشل سياسي، بل جريمة وطنية كبرى. لقد حوّلوا الدين إلى أداة استبداد، واستعملوا الدولة كغنيمة، وأشعلوا الحروب، وأهدروا الموارد، وأدخلوا البلاد في عزلة دولية عميقة.
ولن يُكتب مستقبل مستقر للسودان دون تفكيك تام لبنية الإسلاميين السياسية والأمنية والاقتصادية والدينية، وإرساء دولة تقوم على العدالة، والشفافية، والمواطنة المتساوية، والمحاسبة الجنائية على جرائم الماضي.
gaafar.hamad@gmail.com