لماذا يفضل أردوغان فوز ترامب مجددًا؟
تاريخ النشر: 4th, November 2024 GMT
توصف الانتخابات الرئاسية الحالية بأنها الأهم في تاريخ الولايات المتحدة، والأشد إثارة خلال العقود الأخيرة، نظرًا لتداعياتها وآثارها بسبب الظروف الدولية التي تحيط بها. الفائز في هذه الانتخابات سيلقي بظلال سياساته على دول العالم، خاصة تلك التي تقع في مناطق الصراعات الملتهبة.
تعد تركيا واحدة من هذه الدول التي تنتظر الرئيس المقبل لتحديد بوصلتها في العديد من الملفات ذات الاهتمام المشترك بين الدولتين، والتي تمثل نقاط التقاء أو افتراق بينهما.
ورغم أنه لم يكن من المتوقع صدور موقف رسمي من أنقرة بشأن مرشحها المفضل، فإن موقف المرشحين، دونالد ترامب وكامالا هاريس، من بعض الملفات ذات الأولوية لدى تركيا، سيمثل عاملًا مرجحًا لدى صانع القرار في أنقرة.
الديمقراطيون وانقلابات تركياشهدت تركيا منذ عام 1960 عدة انقلابات عسكرية تركت بصمتها القاسية على الأوضاع السياسية والاقتصادية والإنسانية، ولا تزال تعاني من تداعياتها حتى الآن. المفارقة أن الحزب الديمقراطي الأميركي كان حاضرًا في معظم هذه الانقلابات أو تداعياتها.
رئيس الوزراء عدنان مندريس، الذي أطاح به انقلاب عسكري في مايو/ أيار 1960، أعدم في سبتمبر/ أيلول 1961 تزامنًا مع ولاية الرئيس الديمقراطي جون كينيدي. ولم تعمل الإدارة الديمقراطية على الحيلولة دون إعدام رئيس وزراء منتخب واثنين من وزرائه، رغم نفوذها الكبير آنذاك داخل تركيا، وخاصة في الأوساط العسكرية.
أما انقلاب سبتمبر/ أيلول 1980، الذي نفذه قائد الجيش كنعان إيفرين، فحدث في فترة رئاسة الديمقراطي جيمي كارتر.
وتزامنت ولاية الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون مع انقلاب 28 فبراير/شباط 1997 الذي أطاح بالحكومة الائتلافية المنتخبة بزعامة نجم الدين أربكان.
أما فترتا الرئيس باراك أوباما ونائبه جو بايدن، فقد مرت فيهما تركيا باضطرابات أمنية هائلة تراوحت ما بين محاولات انقلابية ناعمة وخشنة، وما بين السعي لتأسيس ممر انفصالي لتنظيم حزب العمال الكردستاني (PKK) على الحدود السورية التركية.
فعلى سبيل المثال، تحولت مظاهرات ميدان تقسيم في مايو/ أيار 2013 إلى محاولة للإطاحة بحكومة رئيس الوزراء آنذاك، رجب طيب أردوغان. ثم جاءت محاولات الانقلاب القضائية – التي تتهم أنقرة تنظيم فتح الله غولن بالوقوف خلفها – في ديسمبر/ كانون الأول 2013، بهدف سجن أردوغان وعدة وزراء ومسؤولين بتهمة الفساد. وصولًا إلى المحاولة الانقلابية ليلة 15 يوليو/تموز 2016، والتي اتهمت أنقرة صراحة إدارة أوباما بالضلوع فيها.
ليس أدلّ على توتر علاقة البلدين في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، من اضطرار نائبه آنذاك جو بايدن للاعتذار لتركيا مرتين: الأولى عام 2014 عندما اتهمها بدعم تنظيم الدولة، والثانية عندما زار أنقرة بعد أكثر من شهرين من محاولة انقلاب 2016 الفاشلة، معتذرًا عن تأخره في دعم تركيا في مواجهة المحاولة الانقلابية.
هذه التجارب خلفت حساسية لدى أنقرة من الإدارات الديمقراطية، جعلتها خيارًا غير مفضل لديها.
الحرب على الإرهابيمثل دعم تنظيم حزب العمال الكردستاني (PKK)، سواء من جهات خارجية أو داخلية، إحدى أهم حساسيات الدولة التركية. وقد تابعنا كيف عطلت أنقرة منح السويد وفنلندا الموافقة على الانضمام لحلف الناتو حتى تمتنع الدولتان عن تقديم أي دعم سياسي أو إعلامي أو مادي للتنظيم.
إنشاء قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في أكتوبر/تشرين الأول 2015 بدعم من وزارة الدفاع الأميركية في عهد أوباما، بزعم محاربة تنظيم الدولة، أحدث شرخًا كبيرًا في العلاقات التركية الأميركية. إذ تؤكد أنقرة أن هذه القوات ليست سوى ستار لتنظيم حزب العمال، حتى مع وجود مكونات عرقية أخرى داخله، نظرًا لسيطرة قوات الحماية الكردية عليه.
أيضًا، فإن رد الفعل الأميركي تجاه التخوفات التركية من نشاط حزب العمال في شمال سوريا، تحت ستار تنظيمات أخرى مثل وحدات الحماية الكردية (YPG)، لم يكن على درجة واحدة. ففي ولاية ترامب الأولى، وجدت أنقرة تفهمًا لعملياتها العسكرية ضد التنظيم، فشنت عمليتي "غصن الزيتون" في يناير/كانون الثاني 2018، و"نبع السلام" في أكتوبر/تشرين الأول 2019.
لكن العمليتين لم تقضيا على مخاوف تركيا الأمنية، لذا أعلن أردوغان قبل أكثر من عامين عن الحاجة إلى عملية عسكرية جديدة "لإنشاء منطقة آمنة على عمق 30 كيلومترًا جنوب الحدود التركية، وتطهير منطقتي تل رفعت ومنبج من الإرهابيين".
الأمر الذي قابلته واشنطن في حينه بالتحذير من تقويض الاستقرار الإقليمي على حد وصف وزير الخارجية أنتوني بلينكن. وحتى الآن لم تتمكن تركيا من شن عملية عسكرية شمال سوريا كما تريد. لذا تأمل أن تمنحها ولاية ترامب الجديدة، حال فوزه، الفرصة مجددًا لشن عملية عسكرية غرب الفرات، وإنشاء منطقة أمنية بعمق 30 إلى 40 كيلومترًا.
الحرب الأوكرانيةيعد إيقاف الحرب الأوكرانية أحد أهم وعود ترامب الانتخابية، حيث أكد أنه سيعمل على الحيلولة دون اندلاع الحرب العالمية الثالثة. هذا الوعد يمثل نقيضًا لإستراتيجية الإدارة الديمقراطية الحالية، التي تضع هزيمة روسيا هدفًا واضحًا تسعى إلى تحقيقه بكل صرامة.
هنا تتماهى رؤية ترامب مع رغبة تركيا التي تعمل عليها منذ اندلاع الصراع، في وقف الحرب وإحلال السلام عبر المفاوضات. أضف إلى ذلك أن السياسة التركية اتخذت منذ البداية موقفًا متوازنًا من الطرفين، حيث احتفظت بعلاقات جيدة مع كل من موسكو وكييف، وعملت على منع تحول البحر الأسود إلى "شرق أوسط" جديد، على حد تعبير مسؤولين أتراك.
لذا فالمخاوف التركية الإستراتيجية المشروعة من ديمومة الحرب واتساع نطاقها بسبب موقعها الجغرافي لن يبددها إلا وقف صارم لها، وهو ما يحمله ترامب معه، ويؤكد عليه خلال حملته الانتخابية.
مواجهة المثليينتعد مواجهة الأيديولوجية "المثلية" وجماعات الضغط الداعمة لها، إحدى أهم أولويات الدولة التركية، بل عدّها أردوغان وعدًا انتخابيًا خلال حملته الرئاسية العام الماضي.
اشتدت الحاجة إلى هذه المواجهة مع إعلان أردوغان في مايو/ أيار الماضي انخفاض معدل الإنجاب إلى حوالي 1.51٪، واعتبره تهديدًا وجوديًا لمستقبل تركيا.
لكن تركيا الطامحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تواجه ضغوطًا كبيرة من الأوروبيين، الداعمين الأسخياء لتلك المجموعات، من أجل منح "المثليين" مزيدًا من الحريات داخل البلاد.
في الولايات المتحدة، لم تكتفِ إدارة بايدن بدعم المثليين، بل تصدت لأشكال وأنماط الرفض لهذا التيار، وصلت إلى حد التهديد بفرض عقوبات ضد الدول التي تتبنى سياسات مناهضة للمثليين.
من هنا، تمثل رؤية ترامب الرافضة للمثلية خيارًا مناسبًا لتركيا لتوسيع مواجهتها ومكافحتها لتلك الأيديولوجيا.
الخلاف موجودوبالرغم مما سبق، ففوز ترامب لا يعني تماهيه مع أنقرة، فقد اتسمت علاقته – خلال ولايته الأولى – بتركيا بالشد والجذب. فقد أبدى تفهمًا لتحركات أنقرة في شرق المتوسط وفي الأزمة الليبية.
لكن حدثت أزمات عنيفة بين الطرفين، مثل: أزمة القس أندرو برونسون الذي احتجزته أنقرة لمدة عامين، وكذلك أزمة شراء أنقرة منظومة الدفاع الصاروخي "إس-400" الروسية، والتي عوقبت على إثرها بإخراجها من البرنامج المشترك لصناعة طائرات "إف-35" المقاتلة.
وهذه الوضعية مرشحة للتكرار حال فوزه، إذ ستتفاهم معه أنقرة في ملفات مهمة، وتفترق عنه في أخرى، خاصة إذا ما استمر العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة ولبنان، وأصر البنتاغون على مواصلة دعمه وحدات الحماية الكردية في شمال سوريا.
لكنه في نهاية المطاف يبقى الخيار الأقل سوءًا بالنسبة إليها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات حزب العمال
إقرأ أيضاً:
الاحتياطي الفيدرالي يثبت سعر الفائدة مجددًا رغم ضغوط ترامب
صراحة نيوز- ثبت مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، اليوم الأربعاء، سعر الفائدة الرئيسي ضمن نطاق 4.25% إلى 4.50%، وذلك في خامس اجتماع له خلال عام 2025. ويعد هذا القرار استمرارًا للنهج الذي اتبعه المجلس منذ أواخر عام 2024، رغم الضغوط المتزايدة من الرئيس دونالد ترامب لخفض الفائدة، منذ عودته إلى البيت الأبيض.
قائمة المحتوياتتسلسل قرارات الفيدرالي في 2025خلفيات اقتصادية ومواقف متباينةمواقف من داخل مجلس الاحتياطيالتضخم ورسوم ترامبنظرة مستقبليةوعلى الرغم من هذه الضغوط، أبقى البنك المركزي على أسعار الفائدة دون تغيير، ما دفع ترامب إلى التهديد سابقًا بإقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، قبل أن يتراجع عن ذلك في 24 يوليو/تموز بعد زيارة رسمية لمقر البنك.
ويعود توتر ترامب مع الاحتياطي الفيدرالي إلى موقف المجلس الرافض للتسرع في خفض الفائدة قبل تقييم التأثير الكامل للرسوم الجمركية الجديدة على الأسعار. وفي يونيو/حزيران، صرح باول بأن المجلس سيواصل التريث طالما ظل الاقتصاد محافظًا على نمو معتدل، وسوق عمل قوية، وتراجع في معدلات التضخم.
لكن الرئيس ترامب جدد دعواته لخفض الفائدة بعد صدور تقرير الناتج المحلي الإجمالي في 30 يوليو، والذي أظهر نموًا بنسبة 3% في الربع الثاني من العام. وكتب في منشور على منصة “تروث سوشيال”: “باول يجب أن يخفض الفائدة الآن”، مضيفًا: “دعوا الناس يشترون منازلهم ويعيدون تمويلها!”.
تسلسل قرارات الفيدرالي في 2025منذ بداية 2025، اتخذ الاحتياطي الفيدرالي قرار تثبيت الفائدة خمس مرات متتالية:
في يناير (أول اجتماع خلال ولاية ترامب الثانية)
في مارس
في مايو
في يونيو
وفي اجتماع اليوم (الأربعاء)
ويأتي هذا النهج بعد سلسلة من خفض الفائدة في أواخر 2024، حيث تم تقليص السعر الرئيسي ثلاث مرات ليصل إلى 4.3%، بعد أن كان عند 5.3%.
وفي 18 سبتمبر/أيلول من العام الماضي، خفّض البنك المركزي أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية للمرة الأولى منذ أربع سنوات، بعد 11 عملية رفع و8 اجتماعات متتالية من التثبيت.
خلفيات اقتصادية ومواقف متباينةكان الاحتياطي الفيدرالي قد رفع أسعار الفائدة بشكل متسارع خلال الأعوام الماضية للحد من التضخم. ومع تراجع وتيرة ارتفاع الأسعار مؤخرًا، بدأ المجلس في تخفيف سياساته تدريجيًا.
ويؤمن ترامب أن خفض أسعار الفائدة حاليًا سيُنشط الاقتصاد الأمريكي، خاصة في قطاعي العقارات والصناعة، حيث يمكن أن يؤدي إلى خفض كلفة الاقتراض وزيادة تنافسية الصادرات نتيجة ضعف الدولار.
لكن خبراء الاقتصاد يُحذرون من أن خفض الفائدة مبكرًا قد يؤدي إلى عودة التضخم وضرر اقتصادي على المدى البعيد.
مواقف من داخل مجلس الاحتياطياقترح عضوان في مجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي عيّنهما ترامب – ميشيل بومان وكريستوفر والر – خفض الفائدة في يوليو، مشيرين إلى علامات تباطؤ اقتصادي. قال والر في خطاب بتاريخ 17 يوليو: “النمو لا يزال مستمرًا، لكنه تباطأ بوضوح، والمخاطر تتزايد”.
أما بومان، فأكدت خلال كلمة ألقتها في براغ أن تأثير الرسوم الجمركية على التضخم “قد يكون أبطأ وأضعف من المتوقع”.
التضخم ورسوم ترامببحسب وزارة العمل، ارتفعت الأسعار بنسبة 2.7% على أساس سنوي حتى يونيو/حزيران – وهو أعلى مستوى منذ فبراير. ويشير بعض المحللين إلى أن رسوم ترامب الجمركية بدأت تُظهر أثرها على الأسعار، حيث ارتفعت تكلفة الملابس بنسبة 0.4%، والأثاث 1%، والألعاب 1.8%.
لكن وزير الخزانة سكوت بيسنت اعتبر أن هذه الزيادة في الأسعار لا تمثل تضخمًا فعليًا بل “تعديل لمرة واحدة” ناتج عن ضعف الدولار. وفي فعالية استضافتها “بريتبارت نيوز”، انتقد بيسنت تردد الفيدرالي، قائلاً: “أعتقد أنهم سيدركون خطأهم بشأن تضخم الرسوم الجمركية”، وأضاف أن البنك المركزي بحاجة إلى “قليل من الخيال” في تقييم تأثير السياسات الجمركية.
نظرة مستقبليةفي ظل تزايد الضغط من إدارة ترامب، والمؤشرات الاقتصادية المتضاربة، يُتوقع أن تكون قرارات الفيدرالي القادمة محورية في تحديد اتجاه الاقتصاد الأمريكي، مع استمرار الجدل بين التحفيز السريع للنمو وضبط التضخم.