من باب المزينين لنشر القهوة وسط المجاورين.. اليمنيون في مصر.. «مليون شاهد» على تاريخ الوطن المشترك
تاريخ النشر: 4th, November 2024 GMT
في قلب المحروسة تتعانق الثقافات وتتداخل الحكايات لتشكل جزءًا أصيلًا من نسيج التواصل العربي. ومنذ قرون طويلة، تمثل العلاقة بين اليمن ومصر جسورًا من الارتباطات الإنسانية، تتجاوز حدود الجغرافيا، وتنتصر للعواطف والروابط الاجتماعية. وليس صدفة أن مصر يقيم فيها، حاليًّا، حوالي مليون يمني، ولهم تجمعات كبيرة في القاهرة والإسكندرية.
اليمنيون جزء مهم في تاريخ التواصل العربي مع مصر. لو تأملتَ نقوشَ أحد أشهر أبواب الجامع الأزهر، ستجد بابًا اسمه باب المزينين، حيث كان الباب مقرَّ تجمع طلاب «الرواق اليمني» من مئات السنين، ولأن معظم طلاب قبيلة مزينة من خريجي الأزهر، صاروا يُطلقون عليه باب المزينين. ولليمن حكايات بمصر تمثل تاريخًا جميلًا وجغرافيا معاشة، فهم أول مَن أدخلوا شرب القهوة وسط المجاورين الأزهريين، ثم انتشرت بمصر كلها. ولهم الآن مدارس وشوارع تحمل أسماء يمنية مثل جامع همدان الشهير.
الجميل في قصة اليمنيين وجود عدد كبير من خبراء التاريخ بجامعات اليمن، وبعضهم متخصص في تاريخ الحقبة المملوكية المصرية، فضلًا عن عدد كبير بكلية العلوم السياسية متخصص في تاريخ الحقبة الناصرية. يقول أستاذ التاريخ المصري الحديث بجامعة صنعاء، د.محمود الشعبي، الذي يفتخر بكونه ناصريًّا: نحن نعتبر مصر وطنَ كل يمني من دون مبالغة، وقد استضافت مصر جاليةً يمنيةً على مرِّ الزمن كونها ملتقى طرق تجارية وثقافية بارزة في العالم العربي.
تنامت أعداد هذه الجالية، التي يقيم معظم أفرادها في القاهرة، عقب ثورة شمال اليمن عام 1962 ضد الإمامة، والتي دعمها الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر. منذ ذلك الحين، يتلقى الكثير من اليمنيين التعليم على يد أساتذة مصريين في اليمن وفي مصر، ووزارة التعليم باليمن كانت تعتمد المنهج المعمول به هناك من سنوات، وهو المنهج المصري حتى الثمانينيات. ولهذا كان للأسباب والعوامل التاريخية والاجتماعية دور كبير في قرار الكثير من اليمنيين النزوح إلى مصر بعد نشوب الصراع الحالي، من خلال الاتفاق بين مصر واليمن بشأن دخول المواطنين اليمنيين إلى القاهرة في 7 يوليو 2015.
حتى قبل الحرب، كانت مصر وجهةَ الكثير من اليمنيين لتلقي العلاج الطبي أو الدراسة أو السياحة، حيث لم يحتجِ اليمنيون إلى تأشيرة لدخول البلاد، وكان بوسعهم الإقامة بشكل دائم دون الحاجة إلى الحصول على تصريح. يؤكد د.محمود الشعبي: على مدار التاريخ، يعيش اليمنيون في مصر دون مشكلات، ولنا أصهار وأقارب بصعيد مصر والشرقية، ولنا الآن مليون مواطن يسكنون في كل أنحاء مصر، وكل قبائل اليمن كانت ترسل طلابها من كل مكان باليمن لدراسة العلم بالأزهر الشريف منذ مئات السنين، مثل الفنان حسن أحمد اللوزي، السياسي والشاعر والكاتب المسرحي الشهير ووزير إعلام يمني، الذي وُلد عام 1952 في مدينة صنعاء، وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي في مسقط رأسه، ثم رحل إلى مصر وحصل على الثانوية الأزهرية من معهد القاهرة الأزهري، ثم التحق بجامعة الأزهر، بالتحديد كلية الشريعة والقانون، وتخرج فيها عام 1974. وبعد عودته إلى الوطن، تقلَّد العديد من المناصب، أهمها وزيرًا للإعلام والثقافة في الجمهورية العربية اليمنية.
يضيف د.محمود الشعبي: الآن توجد مدارس يمنية بمصر بها آلاف الطلاب يتعلمون ويلتحقون بجامعات مصرية. وقد عشتُ بالقاهرة وأعرف أنه توجد تجمعات ليمنيين بعدة أحياء بالعاصمة الخديوية، والجيزة، وأسيوط. وقد زُرت بالجيزة منطقة أصبحت مشهورة بالدقي باسم اليمن الصغير، وبها مطاعم الطهي اليمني، فضلًا عن وجود ثقافة المجتمع اليمني في القاهرة، ومقاهٍ يمنية، ومحلات السوبر ماركت الصغيرة، ومحلات التوابل التي تبيع المنتجات اليمنية، ومدرسة يمنية شهيرة جدًّا تدرس مناهج البلاد، ومحلات قديمة يرتادها اليمنيون بالكامل تقريبًا، إضافة إلى فنانين ومطربين يعيشون بمصر، وحتى فنان رسم تشكيلي محلي يمني رأيته يرسم ويعرض شخصيات سياسية يمنية.
معظم الوافدين من اليمن لهم عائلات مصرية يمنية منذ قرون، وقد انجذبوا (بحسب الشعبي) إلى مكانة القاهرة التاريخية باعتبارها واحدةً من المراكز العالمية الرئيسية للتجارة والعلوم والتعليم والفنون في الوطن العربي. يوجد بالعاصمة المصرية القاهرة حوالي عشر مدارس يمنية، تضم أكثر من 9000 طالب، مما يجعلها مؤسسات حيوية في حياة الجالية اليمنية، بخلاف مدارس أخرى في الإسكندرية وغيرها. وهي تُعَد من المدارس الأهلية ذات الأنشطة التي تحتاج إلى تنظيم قانوني مناسب.
أغلقتِ السلطات المصرية ثماني مدارس يمنية بمصر، بسبب عدم استكمال بعض الإجراءات من قِبل وزارة التربية والتعليم بالجمهورية اليمنية، حسبما أفاد صاحب مدرسة شهيرة وسط الجالية اليمنية.. مطالبًا بضرورة التزام المدارس اليمنية بالقوانين المصرية، وتقنين أوضاعها وفقًا للوائح المنظمة للعمل التعليمي الخاص. أكد أن السفارة والملحقية الثقافية لابد وأن تبذلا قصارى جهدهما في متابعة الجهات المختصة في مصر، والتواصل معها بشكل مستمر من خلال الزيارات والمخاطبات الرسمية، وذلك لضمان استمرار العملية التعليمية لأبناء الجالية اليمنية.
من أجل توفير بيئة تعليمية مناسبة لأبناء الجالية اليمنية، وتمكينهم من مواصلة دراستهم في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها اليمن، كان من الواجب على الحكومة اليمنية تكليف بعثة تصل إلى القاهرة لمتابعة المدارس والتحقق من التراخيص والإجراءات القانونية المطلوبة. ومن المؤسف أن الوضع الحالي يكشف عن غياب قسم متابعة فعال داخل السفارة، مما يؤدي إلى عدم التواصل السليم مع السلطات المصرية. وهذا يُظهر قلةَ وضعفَ التنسيق بين الجانبين، حيث كان ينبغي على السفارة أن تكون أكثر استباقية في متابعة القوانين والتصريحات المصرية ذات الصلة، وأن تُعطي توجيهات واضحة للمسؤولين في المدارس الأهلية لضمان التزامهم بالتشريعات المحلية.
ومن ناحية أخرى، يدرس عدد من الباحثين اليمنيين في الدراسات العليا بالجامعات المصرية، وعددهم أكثر من 700 طالب وطالبة يتوزعون على عدد من التخصصات بكليات عملية ونظرية، أبرزها الطب والهندسة، هذا بخلاف عدد الوافدين اليمنيين بالأزهر وكلياته. وتشرف وزارة شئون المغتربين اليمنيين على عدد من مدارس الجاليات من خلال متابعة نشاط أكثر من 31 مدرسة يمنية في مصر وبريطانيا وأمريكا وإثيوبيا وجيبوتي.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: مليون شاهد نشر القهوة اليمن ومصر الجالیة الیمنیة من الیمن تاریخ ا فی مصر
إقرأ أيضاً:
الرئيس العليمي يطلب من روسيا تزويد اليمن بمنظومة دفاع جوي ويكشف: الحوثيون هددوا بقصف مطاراتنا (شاهد المقابلة كاملة)
طالب الرئيس اليمني رشاد العليمي، من روسيا، تزويد بلاده بمنظومات دفاع جوي، معربا عن تطلعه بأن تلعب موسكو في مجلس الأمن دورا لرفع اليمن من تحت البند السابع الذي يحول دون وصول مثل هذه المنظومة الى اليمن.
وقال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، إن اليمن بحاجة ماسة إلى منظومات دفاع جوي لحماية المطارات والبنية التحتية المدنية من هجمات جماعة الحوثي المستمرة، غير أن القيود الدولية المفروضة على البلاد بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، تعيق تزوّد الحكومة بهذه الأنظمة.
وفي مقابلة مع قناة "روسيا اليوم" خلال زيارته التي أجراها إلى روسيا، عبّر العليمي عن أمله في أن تلعب موسكو دوراً إيجابياً في هذا الإطار، قائلاً: "نحتاج إلى الدفاع الجوي، روسيا لديها من الأنظمة ما يمكن أن يساعدنا، لكننا تحت الفصل السابع، وهذا يُعقد الأمور"، مضيفاً أن "أي دعم لليمن يجب أن يأخذ في الاعتبار هذه القيود القانونية والدولية".
واستبعد العليمي، وفقا لخبر المقابلة المنشور على موقع القناة، الادعاءات التي تروّج حول وجود دعم روسي للحوثيين، مؤكداً أن "روسيا، بتاريخها ومواقفها، لا يمكن أن تقف مع جماعة عنصرية وثيوقراطية مثل الحوثيين".
وأضاف: "روسيا وقفت مع الجمهورية اليمنية في الستينيات ضد ذات الجماعة التي تدّعي اليوم أحقيتها بالحكم بموجب النسب والسلالة، ولن تكون اليوم في صفهم وهم يحملون ذات الفكر السلالي، الذي يتناقض جذرياً مع قيم روسيا التاريخية في مناهضة النازية والعنصرية".
وشدد العليمي على أن موسكو دعمت القرارات الدولية المتعلقة باليمن، وخصوصاً القرار 2216، وأن مواقفها في مجلس الأمن أثبتت أنها تتعامل وفق مصالحها الاستراتيجية بعيداً عن الاصطفافات الطائفية، مشيراً إلى أن "موسكو حريصة على علاقتها مع دول الخليج، وتفهم جيداً أن الحوثيين يشكلون ذراعاً عسكرية لمشروع إيراني توسعي في المنطقة".
وفي سياق حديثه عن عرقلة الحوثيين للعمليات الإنسانية والمدنية، كشف العليمي تفاصيل لافتة تتعلق بأزمة وقعت خلال موسم الحج العام الماضي، حين حاولت الحكومة الشرعية إعادة حجاج يمنيين من جدة إلى صنعاء، عبر طائرات خاصة تم استئجارها خصيصاً لهذا الغرض.
وقال إن الحكومة أرسلت ثلاث طائرات إلى مطار صنعاء، لكن الحوثيين احتجزوها هناك، رغم تحذيرات من خطر استهداف إسرائيلي متوقع.
وأوضح: "قلنا لهم دعونا نُخرج الطائرات إلى عدن أو حضرموت أو حتى إلى سلطنة عمان، فقط حفاظاً على سلامة الأرواح والممتلكات، لكنهم رفضوا، فجاءت الضربات الإسرائيلية وأحرقت الطائرات الثلاث في أرض المطار"، مضيفاً أن طائرة رابعة أُرسلت بعد أيام، وتم تدميرها لاحقاً بنفس الطريقة بسبب الإصرار الحوثي على تعطيل أي نشاط لا يخضع لسيطرتهم الكاملة.
ورداً على سؤال حول فرص السلام مع الحوثيين، قال العليمي إن مجلس القيادة الرئاسي وتحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية والإمارات لا يزالان متمسكين بخيار الحل السياسي، غير أن كل المحاولات – بما في ذلك خارطة الطريق التي ترعاها الرياض – اصطدمت بجدار رفض حوثي صلب، نتيجة "عقيدة الجماعة الرافضة لفكرة الدولة والمواطنة".
وتابع: "الحوثيون لا يؤمنون بالشراكة، ولا يعترفون بالسلام. هم جماعة ترى نفسها مصطفاة من الله لحكم اليمن، وبالتالي لا يمكن أن تقبل بانتخابات أو شراكة سياسية أو تداول سلمي للسلطة"، مشدداً على أن هذا الفكر "السلالي الطائفي لا يمكن أن يقبل به اليمنيون الذين ثاروا من أجل دولة جمهورية ومواطنة متساوية".
وتطرق العليمي إلى تصاعد الأنشطة الحوثية في البحر الأحمر، قائلاً إن الجماعة تستغل شعار دعم غزة من أجل تمرير أجندتها التوسعية المرتبطة بطهران، مضيفاً: "هم يدّعون أنهم يقصفون إسرائيل، لكن صواريخهم تنفجر في الجو ولا تصل أصلاً، بينما تسببوا في تدمير الموانئ والمطارات والمصانع في اليمن بحجة الدفاع عن القضية الفلسطينية".
وشدد على أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر وضد السفن التجارية أثارت قلقاً دولياً واسعاً، وأعادت الجماعة إلى واجهة الاهتمام الأمني العالمي باعتبارها تهديداً للملاحة الدولية.
وفي ما يتعلق بالأداء الداخلي لمجلس القيادة الرئاسي، قال العليمي إن المجلس يعكس تركيبة متوازنة تمثل مختلف الأطياف والمناطق اليمنية من صعدة حتى المهرة، مؤكداً أن الخلافات داخله طبيعية وتُحسم وفق آليات محددة، منها اللجوء إلى صوت الرئيس المرجّح في حال تعادل الأصوات.
وأضاف: "انتقلنا من صراعات داخل الشرعية إلى إطار تمثيلي جامع يتيح العمل المنظم"، مشيراً إلى أن مجلس القيادة يمثل مرحلة انتقالية هدفها نقل البلاد نحو حوار شامل لتحديد شكل الدولة الجديدة، سواء كان اتحادياً أو غير ذلك، بما يتوافق عليه اليمنيون لاحقاً.
وفي سياق الحديث عن القضية الجنوبية، شدد العليمي على أن الدولة اليمنية لا تؤمن بفرض الوحدة بالقوة، ولا بقبول الانفصال بالعنف: "نحن مع حوار وطني شامل يشارك فيه كل اليمنيين بعد استعادة الدولة، يقررون فيه مستقبلهم. لا يمكن فرض الوحدة بالقوة، ولا نقبل بالانفصال بالقوة".
وفي ما يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة، قال العليمي إن واشنطن دعمت الشرعية اليمنية، لكنه أبدى خيبة أمل من ما وصفه بـ"المد والجزر" في الموقف الأميركي، خاصة خلال فترات سابقة حين تم الضغط على الحكومة للانسحاب من مشارف الحديدة بموجب اتفاق ستوكهولم، ما منح الحوثيين فرصة لإعادة التموضع وتوسيع نفوذهم.
كما انتقد قرار إدارة بايدن المبكر برفع الحوثيين من قائمة الإرهاب، قائلاً إن الجماعة استغلت ذلك لتكثيف هجماتها، قبل أن تضطر الإدارة الأميركية لاحقاً لإعادة تصنيفهم بعد استهدافهم للسفن في البحر الأحمر. وأردف: "الحوثيون لا يفهمون إلا لغة القوة. حين ضربت الولايات المتحدة بعض مخازنهم وقياداتهم توقفوا عن الهجمات فوراً".
واختتم العليمي المقابلة بالتأكيد على أن معركة اليمنيين ليست فقط عسكرية، بل أيضاً سياسية واقتصادية وثقافية، ضد مشروع طائفي توسعي تدعمه إيران عبر جماعة الحوثي.
وقال: "نحن نمثل كل اليمن، من صعدة إلى المهرة، وهم يمثلون أنفسهم، وسنستعيد دولتنا، سلماً أو حرباً، ولن نقبل بالعيش تحت حكم جماعة ترى نفسها فوق الشعب".
وأكد أن المجلس الرئاسي ليس نهاية المطاف، بل محطة مؤقتة نحو عملية سياسية أوسع يشارك فيها جميع اليمنيين لتحديد مستقبلهم ونظامهم السياسي، مشدداً: "نحن مع الدولة، مع الجمهورية، مع المواطنة المتساوية، وهم مع السلالة والولاية والغلبة. ولهذا لا يمكن أن نلتقي".